مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 23

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 23/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

كتاب الصيد و الذباحة

اشارة

كتاب الصيد و الذباحة

______________________________

الصيد من الأمور المتوّغلة في القدم بين جميع الشعوب و الأمم و له معنيان:

الأول: الاستيلاء على الحيوان الوحشي فيملكه حينئذ على تفصيل يأتي في (مسألة 16).

الثاني: إزهاق روح الحيوان بغير الذبح على ما يأتي، و كلاهما مباحان بالضرورة الفقهية بل الدينية، و تأتي الإشارة إلى الأدلة الواردة فيهما إن شاء اللّه تعالى.

و الجامع بين الصيد- بالمعنى الثاني- و الذبح و النحر التذكية، و قد اهتمت الشريعة الإسلامية بل جميع الشرائع السماوية بتذكية الحيوانات بالنسبة إلى آثارها و أسّس الفقهاء أصلا موضوعيا فيها و اصطلحوا عليه ب (أصالة عدم التذكية)، و هي من المسلّمات لديهم أثبتوها بالإجماع و السنة، و قد لخّصنا المقال فيها في كتاب تهذيب الأصول، و حاصل ما ذكرناه هناك أن أصالة عدم التذكية تستعمل في موردين.

فتارة: في الشبهات الموضوعية.

و أخرى: في الحكمية، و الأولى عبارة عن كلما شك في تحقق شرط من الشرائط المعتبرة في التذكية، و حيث أن تحقق الشرط مسبوق بالعدم فتجري

ص: 5

الصيد و أحكامه

اشارة

الصيد و أحكامه و ليعلم أنه كما يذكى الحيوان و يحلّ أكل لحم ما حلّ أكله بالذبح الواقع على النحو المعتبر شرعا، يذكى أيضا بالصيد على النحو المعتبر (1) و هو إما بالحيوان أو بغير الحيوان، و بعبارة أخرى الآلة التي يصاد بها إما

______________________________

أصالة عدم تحققه، و يحكم بعدم الحلية ما لم تكن أمارة معتبرة على الخلاف.

و أما ما يستعمل بالنسبة إلى الشك في حرمة أصل الحيوان و حليته بنحو الشبهة الحكمية الكلية فلا دليل لهم على الحرمة فيها على ما حققناه في الأصول و تأتي الإشارة إليه في (مسألة 23) من الذباحة.

و قد نسب إلى المشهور الملازمة بين الميتة و النجاسة و هو احتياط حسن و وافقناهم في كتاب الطهارة، لكن بعد التأمل ظهر أنه لا دليل على الملازمة من عقل أو نقل فراجع و تأمل فإن الأقوال بين الإفراط و التفريط.

ثمَّ إن مورد جريان أصالة عدم التذكية في الشبهات الموضوعية ليس كل شبهة فرضت أو أمكن فرضها أو وقعت في الخارج، كما لو شك في أنه هل يعتبر في الصائد و الذابح أن يكونا قائمين أو يجزي القعود أيضا، أو شككنا في ان المذبوح لا بد و أن يضطجع على الطرف الأيمن أو يجزي الاضطجاع على الأيسر أيضا إلى غير ذلك من الأمثلة، فإن في جميع هذه الموارد لا بد من الرجوع إلى أصالة الإطلاق و عدم الاشتراط، و إنما تختص أصالة عدم التذكية بخصوص الشرائط التي نص على اعتبارها فيه ثمَّ شك في تحققها في الخارج و عدم التحقق.

(1) إجماعا و نصوصا يأتي بعضها في المسائل الآتية.

ص: 6

حيوانية أو جمادية،

و يتم الكلام في القسمين في ضمن مسائل

اشارة

و يتم الكلام في القسمين في ضمن مسائل:

مسألة 1: لا يحل من صيد الحيوان و مقتوله إلا ما كان بالكلب المعلّم

(مسألة 1): لا يحل من صيد الحيوان و مقتوله إلا ما كان بالكلب المعلّم (2)، سواء كان سلوقيا أو غيره و سواء كان أسود أو غيره (3)، فلا يحل صيد غير الكلب من جوارح السباع كالفهد و النمر و غيرهما و جوارح

______________________________

(2) لأصالة عدم التذكية المعتمد عليها في اللحوم مطلقا، و الإجماع و نصوص مستفيضة منها ما عن الصادق عليه السّلام في الموثق قال: «سألته عن صيد البزاة و الصقور و الفهد و الكلب، فقال: لا تأكل صيد شي ء من هذه إلا ما ذكيتموه إلا الكلب المكلّب» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «و أما خلاف الكلب مما تصيده الفهود و الصقور و أشباه ذلك فلا تأكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته- الحديث-» (2).

و ما يظهر منه الخلاف كخبر زكريا بن آدم قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الكلب و الفهد يرسلان فيقتل؟ فقال عليه السّلام: هما مما قال اللّه «مكلبين» فلا بأس بأكله» (3)، و مثله غيره معارض بما هو أقوى منه و مخالف للمشهور و موافق للتقية (4)، فلا بد من طرحه أو حمله على ما إذا أدرك حياته فذكي.

(3) لإطلاق الأدلة من الكتاب (5)، و السنة الشامل للجميع، و قول الصادق عليه السّلام: «الكلاب الكردية إذا علّمت فهي بمنزلة السلوقية» (6)، فإنه ظاهر في أن المناط تحقق التعلّم من أي صنف كان الكلب.

و أما قول علي عليه السّلام: «الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر بقتله» (7)، فيحمل على الكراهة إجماعا.

______________________________

ص: 7


1- الوسائل ج: 16 باب: 3 من أبواب الصيد الحديث: 2 و 3.
2- الوسائل ج: 16 باب: 3 من أبواب الصيد الحديث: 2 و 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الصيد 4.
4- المغني لابن قدامة ج: 11 صفحة: 10.
5- سورة المائدة: 4 و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 10 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
6- الوسائل باب: 10 من أبواب الصيد.
7- الوسائل باب: 10 من أبواب الصيد.

الطير كالبازي و العقاب و الباشق و غيرها و إن كانت معلّمة (4)، فما يأخذه الكلب المعلّم و يقتله بعقره و جرحه مذكّى حلال أكله من غير ذبح فيكون عض الكلب و جرحه على أي موضع من الحيوان بمنزلة ذبحه (5).

مسألة 2: يعتبر في حلّية صيد الكلب أن يكون معلّما للاصطياد

(مسألة 2): يعتبر في حلّية صيد الكلب أن يكون معلّما للاصطياد (6) و علامة كونه بتلك الصفة أن يكون من عادته مع عدم المانع أن يسترسل و يهيج إلى الصيد لو أرسله صاحبه و أغراه به و إن ينزجر و يقف عن الذهاب

______________________________

(4) للأصل و الإجماع و إطلاق النصوص منها خبر الحضرمي قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صيد البزاة و الصقورة و الكلب و الفهد، فقال: لا تأكل صيد شي ء من هذه إلا ما ذكيتموه إلا الكلب المكلّب» (1)، و في صحيح الحلبي قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كان أبي عليه السّلام يفتي و كان يتقي و نحن نخاف في صيد البزاة و الصقورة، و أما الان فإنا لا نخاف و لا يحل صيدها إلا أن تدرك ذكاته فإنه في كتاب على عليه السّلام إن اللّه عز و جلّ قال وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ، في الكلاب (2)»، و منها غيرهما مما هو كثير، و منه يظهر أن الروايات التي يظهر منها الجواز محمولة على التقية.

(5) لإطلاق الأدلة الثلاثة من الكتاب و الإجماع و السنة كما تقدم.

(6) للأصل، و الكتاب و السنة و الإجماع قال تعالى وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ (3)، و تقدم قول الصادق عليه السّلام في خبر الحضرمي، و مثله قوله عليه السّلام:

«كل شي ء من السباع تمسك الصيد على نفسها إلا الكلاب المعلّمة فإنها تمسك على صاحبها و إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته» (4)،

ص: 8


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الصيد الحديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الصيد الحديث: 1 و 3.
3- سورة المائدة: 4، و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 10 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الصيد الحديث: 1.

و الهياج إذا زجره (7)، و اعتبر المشهور مع ذلك أن يكون من عادته التي لا تتخلف إلا نادرا أن يمسك الصيد و لا يأكل منه شيئا حتى يصل صاحبه (8) و في اعتبار ذلك نظر و إن كان أحوط.

______________________________

و عنه عليه السّلام: «إن وجدت معه كلبا غير معلّم فلا تأكل منه» (1)، إلى غير ذلك مما هو كثير.

(7) للإجماع، و لأنه كالآلة المحضة و لا معنى للآلية المحضة إلا ذلك لأنها تنافي الاستقلالية و لو في الجملة، مضافا إلى نصوص مستفيضة منها خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ما قتلت من الجوارح مكلّبين و ذكر اسم اللّه عليه فكلوا منه، و ما قتلت الكلاب التي لم تعلموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه» (2)، و المرجع في كونه معلّما متعارف أهل الخبرة بهذه الأمور، و متى حكموا بأنه معلّم يصح و يجزي، و مع حكمهم بالعدم أو الشك فيه لا يصح.

و لا فرق في حكمهم بكونه معلّما بين حصول التعليم قبل الإرسال بمدة أو حينه لفرض صدق التعليم حينئذ مضافا إلى إطلاق خبر زرارة عن الصادق عليه السّلام: «إن كان غير معلّم يعلّمه في ساعته حين يرسله و ليأكل منه فإنه معلّم» (3).

نعم، لو قتله من غير تعليم أصلا فلا يحل إلا إذا ذكاه حيا كما عرفت.

(8) استدل لهم. تارة: بالأصل.

و أخرى: بأنه قد أمسك على نفسه لا أن يكون قد أمسك لصاحبه و المعتبر هو الثاني دون الأول.

و ثالثة: بعدم صدق المعلم عليه.

و رابعة: بالأخبار كموثق سماعة «فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا

ص: 9


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الصيد الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الصيد.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الصيد.

.....

______________________________

تأكل منه» (1)، و قريب منه غيره.

و بإزاء هذه الأخبار جملة أخرى منها دالة على الجواز بالسنة شتى منها صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «و أما ما قتله الكلب و قد ذكرت اسم اللّه عليه فكل منه و إن أكل منه» (2)، و في بعض الأخبار، «و إن أكل منه ثلثيه» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار، و لذا نسب إلى الصدوقين و ابن عقيل الحلّية.

و الحق أن يقال: إن لطبيعة الإنسان مراتب مختلفة جدا في مقام التربية و التعليم فضلا عن طبيعة الحيوان فكيف بطبيعة السباع و الكلاب المنهمكة في افتراس الفريسة و أكلها و قضاء نهمة الأكل منها بحيث لا ينفع فيه قهر القاهر و لا تعليم المعلّم، و قد أعيى الأنبياء و الرسل و الأولياء في علاج هذا الداء في البشر الذي هو أفضل الخليقة فكيف بتعليم أهل الكلاب لكلبهم الذي هو أخسها! فالشهوة غالبة و الطبيعة سارقة مهما كان المعلّم حاذقا و التعليم دقيقا إلا ما أيد بإلهام سماوي كما في قوله تعالى وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ (4)، لا في مثل تعليم حيوان ناطق لحيوان صامت فإن فيه معرضية التخلف كثيرا، مع أن للتعليم بداية و نهاية و بينهما مراتب متفاوتة كما هو معلوم، فالتقييد بأن لا يأكل إلا نادرا هل هو بالنسبة إلى جميع المراتب مطلقا أو بالنسبة إلى نهاية المراتب أو بالنسبة إلى النهاية و الوسط فقط؟!.

ثمَّ إنه هل بالنسبة إلى حالة اعتدال الكلب في الصولة و الغضب أو في جميع أحواله حتى في حال شدة نهمته.

و كذا أن مقدار الأكل و ندرته أيضا يختلف فلا بد من الإيكال في كل ذلك إلى من يعرف ذلك من الخبراء بهذا الموضوع، و أما أدلة المشهور فلا وجه للأصل بعد ترجيح الطائفة الثانية من الأخبار على ما استدلوا به من الأخبار، كما لا وجه لعدم صدق المعلّم عليه، لكونه خلاف قول أهل الخبرة بهذه الأمور

ص: 10


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الصيد الحديث: 16 و 19 و 10.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الصيد الحديث: 16 و 19 و 10.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الصيد الحديث: 16 و 19 و 10.
4- سورة النحل: 68.
مسألة 3: يشترط في حلية صيد الكلب أمور
اشارة

(مسألة 3): يشترط في حلية صيد الكلب أمور:

الأول: أن يكون ذلك بإرساله للاصطياد

الأول: أن يكون ذلك بإرساله للاصطياد (9)، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحل مقتوله و إن أغراه صاحبه بعد الاسترسال حتى فيما إذا أثر إغراؤه فيه بأن زاد في عدوه بسببه على الأحوط (10)، و كذلك الحال

______________________________

لفرض ثبوت كونه معلّما عندهم، و أما إنه إن أكل فقد أمسك لنفسه لا لصاحبه فهو خلف بعد فرض ثبوت كونه معلّما و استيلاء صاحبه عليه و عدم إمهاله لأن يأكل.

و أما الأخبار فحمل الطائفة الدالة على أنه لا يحرم بالأكل على التقية لا وجه له لاختلاف مذاهبهم فيما بينهم أيضا فيدور الأمر بين حمل الأخبار التي استدل بها المشهور على الكراهة- و هذا هو الحمل الشائع في الفقه- أو حملها على إحراز تحقق التعليم من باب ذكر اللازم و إرادة الملزوم، و يشهد له بعض الأخبار (1)، فما ذكره الماتن هو المعتمد و إن كان قول المشهور هو الأحوط.

(9) للأصل و الإجماع و ظاهر النصوص التي علّق فيها الحكم على الإرسال كخبر الحضرمي (2)، و لأنه لو استرسل بنفسه يخرج عن عنوان الآلية المحضة و لا بد من تحقق هذه الجهة في الحلّية.

و في خبر قاسم بن سليمان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن كلب أفلت و لم يرسله صاحبه فصاد فأدركه صاحبه و قد قتله أ يأكل منه؟ فقال عليه السّلام: لا» (3).

(10) لأصالة عدم التذكية عند الشك فيها التي هي مقدمة على أصالة الحلّية و الطهارة، و قد أثبتنا ذلك في الأصول و في هذا الكتاب.

و وجه الاحتياط فيما إذا أوجب الإغراء زيادة العدو احتمال صدق كون

ص: 11


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الصيد الحديث: 6 و 11.
2- تقدم في صفحة: 8
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الصيد.

لو أرسله لا للاصطياد بل لأمر آخر من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك فصادف غزالا مثلا فصاده (11)، و المعتبر قصد الجنس لا الشخص فلو أرسله إلى صيد غزال فأصاب غزالا آخر فأخذه و قتله كفى في حله، و كذا لو أرسله إلى صيد فصاده و غيره حلا معا (12).

الثاني: أن يكون المرسل مسلما أو بحكمه

الثاني: أن يكون المرسل مسلما أو بحكمه كالصبي الملحق به فلو أرسله كافر بجميع أنواعه أو من كان بحكمه كالنواصب لم يحل أكل ما يقتله (13).

الثالث: أن يسمي بأن يذكر اسم اللّه عند إرساله

الثالث: أن يسمي بأن يذكر اسم اللّه عند إرساله (14) فلو ترك

______________________________

الاسترسال بالإرسال حينئذ.

ثمَّ ان زيادة العدو بالإغراء على أقسام:

الأول: أن يعلم من القرائن أن الإغراء صار سببا مستقلا لأصل العدو و زيادته و يحل الصيد حينئذ لصدق أن الاسترسال كان بالإرسال.

الثاني: أن يعلم من القرائن أن الاسترسال لم يؤثر في شي ء و أن زيادة العدو كانت لجهة أخرى.

الثالث: أن يشك في أنها من أي الأقسام و لا يحكم فيهما بالحلية للأصل.

(11) للأصل و الاتفاق، و أن المنساق من الأدلة ما إذا كان الغرض من الإرسال الاصطياد.

(12) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق.

(13) لاتفاق فقهاء الإمامية على كل واحد من الحكمين و على أن الصيد تذكية فيعتبر فيه كلما يعتبر فيها إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخروج بالنسبة إلى هذا الحكم.

(14) لقوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (1)،

ص: 12


1- سورة المائدة: 4 و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 10 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.

التسمية عمدا لم يحل مقتوله (15)، و لا يضر لو كان الترك نسيانا (16)، و في الاكتفاء بالتسمية قبل الإصابة وجه قوي إلا أن الأحوط احتياطا لا يترك أن تكون عند الإرسال (17).

الرابع: أن يكون موت الحيوان مستندا إلى جرحه و عقره فلو كان بسبب صدمة أو خنقة أو اتباعه في العدو أو ذهاب مرارته من جهة شدة

______________________________

و لنصوص مستفيضة التي يأتي بعضها مضافا إلى الإجماع.

(15) للأصل و الإجماع و النصوص منها قول الصادق عليه السّلام في الصحيح:

«من أرسل كلبه و لم يسم فلا يأكله» (1)، و تقدم ذلك في قوله تعالى أيضا.

(16) إجماعا و نصوصا كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كل ما أكله الكلب إذا سمّيت، فإن كنت ناسيا فكل منه أيضا» (2).

و كذا لو شك في التسمية بعد الاصطياد أو بعد الرمي لما في خبر أبان بن عثمان قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أرمي بسهمي فلا أدري سميت أم لم اسم فقال عليه السّلام: كل لا بأس» (3).

(17) نسب ذلك إلى المعظم و استدل عليه.

تارة: بظهور تعبيرات النصوص فيه فقد عبّر فيها بهذه التعبيرات:

«و يسمي إذا سرحه» (4)، أو «يسمي حين يرسله» (5)، أو «و قد سمّى حين فعل ذلك» (6)، أو «و قد كان سمّى حين رمى» (7)، إلى غير ذلك مما هو ظاهر في مقارنة التسمية مع الفعل الصادر من الصائد و الرامي، و الإشكال بأن هذه الألفاظ

ص: 13


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الصيد الحديث: 5 و 4.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الصيد الحديث: 5 و 4.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الصيد.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب الصيد.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب الصيد.
6- الوسائل باب: 16 من أبواب الصيد الحديث: 3.
7- الوسائل باب: 22 من أبواب الصيد الحديث: 2.

خوفه لم يحل (18).

______________________________

وقعت في كلام السائل فلا اعتبار بها.

مردود، بأن كثرة التعبيرات و تقرير الإمام عليه السّلام لجميعها دليل قطعي على ذلك.

و اخرى: بالإجماع.

و ثالثة: بأن الإرسال كالذبح فكما تجب مقارنة التسمية مع الثاني فكذا في الأول.

و رابعة: بأصالة عدم حدوث التذكية إلا بذلك.

عن جمع منهم الشهيدان كفاية التسمية قبل الإصابة لإطلاق الكتاب(1)، و السنة (2)، و لأنها لو كفت عند الإرسال لتكفي بعده بالأولى خصوصا حين الإصابة لأنه وقت التذكية حقيقة، و لما يظهر من بعض من كفايتها حين قتل الكلب للصيد.

و يمكن الإشكال عليه أما الأول فلأنه مقيد بما مر من ظواهر النصوص لو لم تكن تلك الظواهر من مجرد جري العادة فلا وجه للتقييد حينئذ.

و على هذا فتجزي من أول الإرسال إلى حين الإصابة لأن هذا الفعل من حين حدوثه إلى حين الإصابة فعل الصائد عرفا لفرض كون الكلب كالآلة المحضة، فيشمله إطلاق التسمية في الأدلة، و لكن حمل النصوص على جري العادة مشكل إن لم يكن ممنوعا، و أما الثاني فلأنه من سنخ الاستحسان، و أما الأخير فيمكن حمله على الناسي.

ص: 14


1- سورة المائدة: 4، و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 10 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الصيد.
الخامس: عدم إدراك صاحب الكلب الصيد حيا

الخامس: عدم إدراك صاحب الكلب الصيد حيا مع تمكنه من تذكيته بأن أدركه ميتا أو أدركه حيا لكن لم يسع الزمان لذبحه.

و ملخّص هذا الشرط أنه إذا أرسل كلبه إلى الصيد فإن لحق به بعد ما أخذه و عقره و صار غير ممتنع فوجده ميتا كان ذكيا و حل أكله (19)، و كذا إن وجده حيا و لم يتسع الزمان لذبحه فتركه حتى مات (20)، و أما إن اتسع الزمان لذبحه لا يحل إلا بالذبح (21)، فلو تركه حتى مات كان ميتة (22)، و أدنى ما يدرك ذكاته أن يجده تطرف عيناه أو تركض رجله أو يحرك ذنبه أو يده (23)، فإن وجده هكذا و اتسع الزمان لذبحه لم يحل أكله إلا

______________________________

(18) للأصل و الإجماع و لأن الظاهر من النصوص (1)، اعتبار استناد موت الحيوان إلى الكلب فلا يحل بدونه.

و لو شك في أن الموت مستند إلى الكلب أو غيره و لم تكن في البين قرينة معتبرة على الأول لا يحل أكله لأصالة عدم التذكية بعد عدم إحراز سببها.

(19) لتحقق موته بالكلب حينئذ فيشمله الإطلاق و الاتفاق الدال على الحلّية بذلك.

(20) لصحة انتساب موته إلى الكلب حينئذ فيحل لذلك، و عن ابن حنظلة عن الصادق عليه السّلام «في الصيد يأخذه الكلب فيدركه الرجل فيأخذه ثمَّ يموت في يده أ يأكل؟ قال: نعم إن اللّه يقول فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» (2).

(21) للأصل و الإجماع و النصوص منها ما عن الصادق عليه السّلام (3)، «عن الرجل يسرح كلبه المعلّم و يسمي إذا سرحه قال عليه السّلام: يأكل مما أمسك عليه فإذا أدركه قبل قتله ذكاه» و قريب منه غيره.

(22) للأصل، و الإجماع، و مفهوم ما تقدم من الحديث.

(23) للوجدان، و الإجماع، و النصوص منها قول أبي جعفر عليه السّلام: «فإن

ص: 15


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الصيد.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الصيد الحديث: 5 و 1.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الصيد الحديث: 5 و 1.

بالذبح (24)، و كذلك الحال لو وجده بعد عقر الكلب عليه ممتنعا فجعل يعدو خلفه فوقف له فإن بقي من حياته زمانا يتسع لذبحه لم يحل إلا بالذبح (25)، و إن لم يتسع له حل بدونه (26)، و يلحق بعدم اتساع الزمان ما إذا وسع و لكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه كما إذا اشتغل بأخذ الآلة و سلّ السكين و امتنع الصيد من التمكين بما فيه من بقية قوة و نحو ذلك فمات قبل أن يمكنه الذبح (27).

نعم، لا يلحق به فقد الآلة على الأحوط لو لم يكن أقوى فلو وجده

______________________________

أدركت شيئا منها و عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله» (1)، و الظاهر أن ما ذكر في الروايات لا موضوعية لها، و انما ذكر ذلك من جهة كونها طريقا و أمارة معتبرة لبقاء الحياة في الجملة، و كل ما كان كذلك و يصح الاعتماد عليه في ذلك يترتب عليه الأثر كبقاء النفس أو ما يأتي من المثال في المتن بعد ذلك.

(24) للأصل و ظاهر النصوص التي تقدم بعضها.

(25) لشمول ما مر من الإجماع و النصوص له بالأولى.

(26) لإطلاق أدلة الصيد و صدق أنه أمسك على صاحبه بعد ظهور أن المراد بقوله عليه السّلام: «عين تطرف أو قائمة تركض» إنما هو الحياة التي تسع للتذكية لا ما لا تسع لها فإن موت الصيد حينئذ مستند إلى الكلب فقط، و يحل بدون التذكية، و قال الصادق عليه السّلام: «و إن أدركت صيده فكان في يدك حيا فذكه فإن عجل عليك فمات قبل أن تذكيه فكل» (2)، و مثله غيره.

(27) لصحة استناد موته إلى الصيد حينئذ فيشمله جميع أدلة الحلية منطوقا و مفهوما.

ص: 16


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الذبائح.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الصيد الحديث: 3.

حيا و اتسع الزمان لذبحه إلا أنه لم يكن عنده السكين فلم يذبحه لذلك حتى مات لم يحل أكله (28).

مسألة 4: هل يجب على من أرسل الكلب المسارعة و المبادرة إلى الصيد من حين الإرسال

(مسألة 4): هل يجب على من أرسل الكلب المسارعة و المبادرة إلى الصيد من حين الإرسال أو من حين ما رآه قد أصاب الصيد، و إن كان بعد امتناعه أو من حين ما أوقفه و صار غير ممتنع أو لا تجب أصلا؟ الظاهر وجوبها من حين الإيقاف، فإذا أشعر بإيقافه و عدم امتناعه يجب عليه المسارعة العرفية (29).

______________________________

(28) نسب ذلك إلى المشهور للأصل بعد قصور الأدلة عن إثبات حليته و لأنه حينئذ حيوان غير ممتنع، و ظاهر النص و الفتوى أنه لا يحل إلا بالتذكية.

و نسب إلى الصدوق و الشيخ رحمه اللّه و غيرهما أنه إن لم يكن معه ما يذبح به ترك حتى يقتله الكلب ثمَّ يأكل منه إن شاء، لصحيح جميل قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه و لا يكون معه سكين فيذكيه بها أ فيدعه حتى يقتله و يأكل منه؟ قال: لا بأس قال اللّه عز و جل فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ- الحديث» (1)، و قريب منه غيره.

و فيه: الاعتماد على مثل هذه الأخبار مع مخالفتها للأصل و قاعدة: «كل حيوان غير ممتنع لا يحل إلا بالتذكية» مع وهنها بالأعراض مشكل فلا بد من رد علمها إلى أهلها.

(29) نسب ذلك إلى المشهور و استدل عليه ..

تارة: بأصالة عدم التذكية.

و أخرى: بالإجماع.

و ثالثة: بانصراف الأدلة إلى هذه المسارعة العرفية.

و رابعة: «كل حيوان غير ممتنع لا بد من تذكيته».

ص: 17


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الصيد حديث: 1.

حتى لو أدركه حيا ذبحه (30) فلو لم يتسارع ثمَّ وجده ميتا لم يحل أكله (31)، و أما قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها (32) و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه (33) هذا إذا احتمل ترتب أثر على المسارعة (34)، و اللحوق بالصيد بأن احتمل أنه يدركه حيا و يقدر على ذبحه من جهة اتساع الزمان و وجود الآلة، و أما مع عدم احتماله و لو من جهة عدم ما يذبح به فلا إشكال في عدم وجوبها (35)، فلو خلاه حينئذ على حاله إلى أن قتله الكلب

______________________________

و خامسة: بناء الصيادين على هذه المسارعة ليستولوا على صيدهم و الأدلة وردت على طريقتهم.

(30) لأنه حينئذ حيوان غير ممتنع و كل حيوان غير ممتنع لا بد و أن يذكى كما تقدم.

(31) لأصالة عدم التذكية بعد تقصيره في تحصيل شرط الحلية.

(32) للإطلاق و عموم ما دل على حل قتل كلب المعلّم و ظواهر الأخبار منطوقا و مفهوما قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إن أصبت كلبا معلّما أو فهدا بعد أن تسمي فكل ما أمسك عليك، قتل أو لم يقتل، أكل أو لم يأكل، و إن أدركت صيده فكان في يدك حيا فذكه، فإن عجل عليك فمات قبل أن تذكه فكل» (1)، و مثله غيره.

(33) لأنه حسن على كل حال خصوصا في حكم المخالف للأصل و إطلاق بعض ما استدلوا به على المسارعة.

(34) لأن هذا هو المنساق من جميع ما استدلوا به على الوجوب بعد رد بعضها إلى بعض.

(35) لإطلاق الأدلة من الكتاب (2)، و السنة (3).

ص: 18


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الصيد الحديث: 3.
2- سورة المائدة: 4، و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 10 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الصيد.

و أزهق روحه بعقره حل أكله (36).

نعم، لو توقف إحراز كون موته بسبب جرح الكلب لا بسبب آخر على التسارع إليه و تعرف حاله لزم عليه لأجل ذلك (37).

مسألة 5: لا يعتبر في حلية الصيد وحدة المرسل و لا وحدة الكلب

(مسألة 5): لا يعتبر في حلية الصيد وحدة المرسل و لا وحدة الكلب، فلو أرسل جماعة كلبا واحدا أو أرسل واحد أو جماعة كلابا متعددة فقتلت صيدا حل أكله (38).

______________________________

(36) للإطلاق و العموم، و ما تقدم من مثل خبر جميل بن دراج (1)، و غيره المحمول على هذه الصورة بعد الجمع بين مجموع الأدلة و عدم شمول ما نسب إلى المشهور من عدم الحلية لهذه الصورة قطعا.

(37) مقدمة علمية لإحراز الحلية فيكون الوجوب مقدميا لا نفسيا، و لو لم يتسارع و أخبره ثقة بعد ذلك بأن موت الحيوان كان بسبب جرح الكلب صح و كفى كما هو شأن كل مقدمة إحرازية علمية لذيها.

(38) كل ذلك للإطلاق كما تقدم و الاتفاق الشامل للواحد و المتعدد من كل منهما فجميع الصور الأربعة صحيحة.

وحدة المرسل و وحدة الكلب و تعددهما و وحدة الأول و تعدد الثاني و بالعكس، و يستفاد من صدر خبر أبي بصير و إرسال صحة التعدد فيهما إرسال المسلمات قال: «سألته عن قوم أرسلوا كلابهم و هي معلمة كلها و قد سموا عليها فلما أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحبا فاشترك جميعا في الصيد فقال: لا يؤكل منه لأنك لا تدري أخذه معلّم أم لا؟» (2).

ص: 19


1- تقدم في صفحة: 17.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الصيد.

نعم، يعتبر في المتعدد صائدا أو آلة أن يكون الجميع واجدا للأمور المعتبرة شرعا (39)، فلو كان المرسل اثنين أحدهما مسلم و الآخر كافر أو سمى أحدهما دون الآخر أو أرسل كلبان أحدهما معلّم و الآخر غير معلم لم يحل (40).

مسألة 6: إذا عض الكلب الصيد كان موضع العضة نجسا

(مسألة 6): إذا عض الكلب الصيد كان موضع العضة نجسا فيجب غسله و لا يجوز أكله قبل غسله (41).

مسألة 7: لا يؤكل من الصيد بالآلة الجمادية إلا ما قتله السيف و السكين

(مسألة 7): لا يؤكل من الصيد بالآلة الجمادية إلا ما قتله السيف و السكين و الخنجر و نحوها من الأسلحة التي تقطع بحدها، أو الرمح و السهم و النشاب مما يشاك بحده (42) حتى العصا التي في طرفها حديدة

______________________________

(39) للإطلاق كما مر و عموم أدلة اعتبار تلك الشروط الشامل لجميع الصور الأربعة المتقدمة.

(40) لأصالة عدم التذكية إلا إذا علم أن قتله كان مستندا إلى واجد الشرائط.

(41) أما النجاسة فلفرض ملاقاة الموضع عض الكلب، و هو من نجس العين بجميع اجزائه.

و القول بشمول إطلاق قوله تعالى فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ (1)، الدال على حلية الأكل مطلقا.

مردود لعدم كون الآية في مقام البيان من هذه الجهة.

و أما عدم جواز الأكل فلفرض نجاسته العرضية كما مر.

(42) كل ذلك لظهور الإجماع و النصوص قال أبو جعفر عليه السّلام في الصحيح:

«من جرح صيدا بسلاح و ذكر اسم اللّه عليه ثمَّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع و قد علم أن سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا في

ص: 20


1- سورة المائدة: 4 و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 10 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الصيد الحديث: 1.

محدودة، من غير فرق بين ما كان فيه نصل كالسهم الذي يركب عليه الريش أو صنع قاطعا أو شائكا بنفسه (43)، بل لا يبعد عدم اعتبار كونه من الحديد فيكفي بعد كونه سلاحا قاطعا أو شائكا كونه من أي فلزّ كان حتى الصفر و الذهب و الفضة (44)، بل يحتمل قويا عدم اعتبار كونه مستعملا

______________________________

الصحيح: «كل من الصيد ما قتل السيف و الرمح و السهم» (1)، و عن الصادق عليه السّلام في الصحيح: «الصيد يضربه الرجل بالسيف أو يطعنه بالرمح أو يرميه بسهم فيقتله و قد سمي حين فعل؟ فقال عليه السّلام: كل لا بأس به» (2)، و لا ريب في أن السلاح يشمل السكين و الخنجر و نحوهما من كل ما يقطع بحده، و عنه عليه السّلام أيضا: «عن الرمية يحدها صاحبها أ يأكل منه؟ قال عليه السّلام: إن كان يعلم أن رميته هي التي قتلته فليأكل» (3)، و مثله غيره و إطلاقه يشمل كل ما قتلته الرمية إلا ما خرج بالدليل المعتبر فيشمل النشاب و المعراض بعد عدم دليل على خروجهما من إجماع أو غيره، و مع وجود هذه الإطلاقات لا وجه للتمسك بالأصل.

و دعوى الانصراف إلى خصوص ما كان في عصر الأئمة عليهم السّلام فهو جمود لا ترتضيه الشريعة لكثرة اختلاف هذه الأمور بحسب القرون و الأعصار و تبادل الأذهان و الأفكار.

(43) كل ذلك للإطلاقات، و العمومات الواردة في مورد البيان كما مر مع عدم ما يصلح للتقييد و التخصيص و مع هذه الإطلاقات و العمومات لا وجه للاعتماد على أصالة عدم التذكية.

(44) لما مر من إطلاق الأدلة من غير ما يصلح للتقييد إلا دعوى الانصراف الذي لا يقبله الأديب البصير فضلا عن الفقيه الخبير.

ص: 21


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الصيد الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الصيد الحديث: 3.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب الصيد الحديث: 2.

سلاحا في العادة فيشمل المخيط و السكّ و السفود و نحوها (45)، إلا أن الأحوط خلافه (46)، و الظاهر أنه لا يعتبر الخرق و الجرح في الآلة المذكورة أعني ذات الحديد المحدّدة فلو رمى الصيد بسهم أو طعنة برمح فقتله بالرمي و الطعن من دون أن يكون فيه أثر السهم و الرمح حل أكله (47)، و يلحق بالآلة الحديدية ما لم تشتمل على الحديد لكن تكون محددة كالمعراض الذي هو كما قيل خشبة لا نصل فيها- إلا أنها محددة الطرفين ثقيلة الوسط- و السهم الحاد الرأس الذي لا نصل فيه (48) لكن

______________________________

(45) تمسكا بالعموم و الإطلاق كقوله عليه السّلام: «إن علم أن رميته هي التي قتلته فيأكل و ذلك إذا كان قد سمى»(1)، و لا تخصيص و لا تقييد في البين إلا ما مر من دعوى الانصراف و تقدم وهنه.

ثمَّ ان المخيّط الإبرة، و السك (بضم السين و تشديد الكاف) المسمار، و السفود حديد يشوي بها اللحم و المعروف بالسيخ.

(46) جمودا على أصالة عدم التذكية، و لكن تقدم أنه مخالف للإطلاق و العموم فلا موضوع لها معهما.

(47) لإطلاق الأدلة المعلّقة للحكم على تحقق القتل فمتى تحقق القتل بالآلة الجمادية يتحقق حلية الأكل وجد في البين موضوع آخر أو لا، و الموضوع الآخر طريق لتحقق القتل لا أن يكون له موضوعية خاصة كفري الأوداج الأربعة في الذبيحة مثلا.

(48) إجماعا و نصا في كل منهما قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا رميت بالمعراض فخرق فكل و إن لم يخرق و اعترض فلا تأكل» (2)، و ما يظهر منه الخلاف (3)، مطروح أو مؤول.

ص: 22


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الصيد الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب الصيد الحديث: 1 و 4 و 5 و 2.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب الصيد الحديث: 1 و 4 و 5 و 2.

إنما يحل مقتول هذه الآلة لو قتلت الصيد بخرقها إياه و شوكها فيه (49) و لو يسيرا (50)، فلو قتلته بثقلها من دون خرق لم يحل (51)، و الحاصل أنه يعتبر في الآلة الجمادية إما أن تكون حديدة محددة و إن لم تكن خارقة (52) و إما أن تكون محددة غير حديدية بشرط كونها خارقة (53).

مسألة 8: كل آلة جمادية لم تكن ذات حديدة محددة و لا محددة غير حديدية قتلت بخرقها

(مسألة 8): كل آلة جمادية لم تكن ذات حديدة محددة و لا محددة غير حديدية قتلت بخرقها من المثقلات- كالحجارة و المقمعة و العمود و البندقة- لا يحل مقتولها كالمقتول بالحبالة و الشبكة و الشرك و نحوها (54).

______________________________

و أما بالنسبة إلى السهم الذي لا نصل فيه فيمكن أن يستدل بإطلاق جملة من الأخبار المشتملة على السهم من غير تقييد بشي ء (1)، و المشتملة على الرمية بلا تقييد بشي ء (2)، و ما عن الصادق عليه السّلام في الصحيح: «عن الصيد يصيبه السهم معترضا و لم يصبه بحديدة و قد سمى حين رمى قال: يأكل إذا أصابه و هو يراه» (3).

(49) للتقييد بذلك في الكلمات، و ما تقدم من قول الصادق عليه السّلام في المعراض و ظهور ما ورد في السهم الذي لا نصل فيه في ذلك كما مر.

(50) لتحقق الصدق عرفا و أصالة عدم اعتبار أزيد منه.

(51) للأصل بعد خروجه عن مورد الأدلة.

(52) لإطلاق الأدلة- من النص و الإجماع بلا تقيدها بشي ء- كما مر.

(53) لما مر آنفا من ورود الدليل الخاص فيه بالخصوص كقوله عليه السّلام:

«فخرق فكل و إن لم يخترق و اعترض فلا تأكل».

(54) كل ذلك لأصالة عدم التذكية بعد عدم دليل على التذكية بما ذكر بالخصوص، مضافا إلى جملة من الأخبار منها صحيح ابن خالد قال: «سألت أبا

ص: 23


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الصيد الحديث: 2 و 3 و غيرهما.
2- راجع الوسائل باب: 18 من أبواب الصيد.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب الصيد الحديث: 3.

نعم، لا بأس بالاصطياد بها و بالحيوان غير الكلب- كالفهد و النمر و البازي و نحوها- بمعنى جعل الحيوان الممتنع بها غير ممتنع و تحت اليد لكنه لا يحل ما يصطاد بها إلا إذا أدرك ذكاته فذكاه (55).

مسألة 9: لا يبعد حلّية ما قتل بالآلة المعروفة المسماة بالتفنك

(مسألة 9): لا يبعد حلّية ما قتل بالآلة المعروفة المسماة بالتفنك (56).

إذا سمى الرامي و اجتمعت سائر الشرائط (57)، و البندقة التي قلنا في المسألة السابقة بحرمة مقتولها غير هذه البندقة النافدة الخارقة (58) خصوصا في الطرز الجديد منها المستحدث في هذه الأعصار الأخيرة مما

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام عما قتل الحجر و البندق أ يؤكل؟ قال: لا» (1) و مثله غيره، و عن جعفر عن أبيه أن عليا عليهم السّلام كان يقول: «لا تأكل ما قتله الحجر و البندق و المعراض إلا ما ذكيت» (2)، و هو بالنسبة إلى المعراض محمول على ما إذا لم يخرق جمعا و إجماعا.

(55) إجماعا و نصوصا (3)، تقدم بعضها و هي حينئذ من التذكية الذبحية لا من التذكية الصيدية.

(56) لإطلاق الرمي و السهم و الخرق الوارد في الأدلة الشامل لهذه الآلة بلا شبهة و ريبة و احتمال الانصراف إلى خصوص ما كانت في الأعصار القديمة مما لا يعتني به كل ذي فكر و رويّة.

(57) لعموم دليل اعتبارها الشامل للصيد بهذه الآلة أيضا.

(58) و اختلاف الموضوع عرفا يكشف عن اختلاف الحكم، و يكفي في الإجزاء و الحلية في المقام إطلاق ما مر من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فإن خرق فكل».

ص: 24


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الصيد الحديث: 1 و 8.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الصيد الحديث: 1 و 8.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الصيد الحديث: 9 و تقدم في صفحة. 20

صنع الرصاص فيه بشكل يشبه المخروط، و لا يكون بشكل البندقة نعم، إذا كانت صغيرة الحجم المعبر عنها في عرفنا (بالصچمة) فالأحوط المنع (59).

مسألة 10: لا يعتبر في حلية الصيد بالآلة الجمادية وحدة الصائد و لا وحدة الآلة

(مسألة 10): لا يعتبر في حلية الصيد بالآلة الجمادية وحدة الصائد و لا وحدة الآلة فلو رمى شخص بالسهم و طعن آخر بالرمح و سميا معا فقتلا صيدا حل إذا اجتمعت الشرائط في كليهما (60)، بل إذا أرسل أحد كلبه إلى صيد و رماه آخر بسهم فقتل بهما حل ما قتلاه (61).

مسألة 11: يشترط في الصيد بالآلة الجمادية جميع ما اشترط في الصيد بالآلة الحيوانية

(مسألة 11): يشترط في الصيد بالآلة الجمادية جميع ما اشترط في الصيد بالآلة الحيوانية (62) فيشترط كون الصائد مسلما، و التسمية عند استعمال الآلة، و أن يكون استعمال الآلة للاصطياد (63)، فلو رمى إلى هدف أو إلى عدوّ أو إلى خنزير فأصاب غزالا فقتله لم يحل و إن كان مسميا

______________________________

(59) للشك في شمول الأدلة لمثل هذا القسم فيرجع إلى أصالة عدم التذكية، و لكن قد عرفت أنه يمكن التمسك بما مر من الإطلاق.

(60) لإطلاق الأدلة كما تقدم و اتفاق فقهاء المذهب و الملة على اعتبار الشرائط مطلقا.

(61) لما مر في سابقة من غير فرق.

(62) لأصالة عدم التذكية إلا بعد تحقق الشرائط العامة لمطلق الاصطياد الموجب للحلية، و الاتفاق على عدم الفرق في اعتبارها بين الآلة الحيوانية و الجمادية مضافا إلى ذكر التسمية في جملة من أخبار الآلة الجمادية (1).

(63) لأصالة عدم التذكية إلا به، و تقوّم تحقق عنوان الآلية بذلك مضافا إلى الإجماع على اعتباره هنا كاعتباره في الآلة الحيوانية كما تقدم.

ص: 25


1- راجع الوسائل 16 من أبواب الصيد.

عند الرمي لغرض من الأغراض، و كذا لو أفلت من يده فأصاب صيدا فقتله (64).

و أن لا يدركه حيا زمانا يتسع للذبح فلو أدركه كذلك لم يحل إلا بالذبح (65)، و الكلام في وجوب المسارعة و عدمه كما مر (66).

أن تستقل الآلة المحللة في قتل الصيد (67)، فلو شاركها فيه غيرها لم يحل فلو سقط بعد أصابة السهم من الجبل أو وقع في الماء و استند موته إليهما، بل و إن لم يعلم استقلال إصابة السهم في اماتته لم يحل (68)، و كذا

______________________________

(64) كل ذلك لأصالة عدم التذكية و الإجماع و ان مجرد التسمية لا ينفع ما لم يكن استعمال الآلة للاصطياد.

(65) لقاعدة أن «كل حيوان غير ممتنع لا يحل إلا بالتذكية لا بالصيد»، و تقدم بعض الكلام في الصيد بالآلة الحيوانية.

(66) مر ما يتعلق به في (مسألة 4) فراجع.

(67) للأصل و الاتفاق و لأنه المنساق من الأدلة و حينئذ الصور أربع:

الأولى: إحراز استقلال الآلة الجمادية في القتل.

الثانية: إحراز اشتراكها مع شي ء آخر فيه.

الثالثة: إحراز استقلال الغير فيه.

الرابعة: عدم إحراز ذلك كله بوجه و يحرم الأكل مطلقا إلا في الصورة الأولى، و كذا الكلام في التسمية و الإسلام كما هو واضح، فيكون المدار كله على إحراز استناد القتل إلى جامع الشرائط عند تعدد الأسباب كما هو واضح عند أولى الألباب.

(68) لأصالة عدم التذكية و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «و إن وقع في الماء من رميتك فمات فلا تأكل منه» (1)، و في المرسل قال عليه السّلام: «إن رميت

ص: 26


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الصيد.

لو رماه شخصان فقتلاه و سمى أحدهما و لم يسم الآخر أو كان أحدهما مسلما دون الآخر (69).

مسألة 12: لا يشترط في حلّية الصيد إباحة الآلة

(مسألة 12): لا يشترط في حلّية الصيد إباحة الآلة فيحل الصيد بالكلب أو السهم المغصوبين و إن فعل حراما و عليه الأجرة و يملكه الصائد دون صاحب الآلة (70).

مسألة 13: الحيوان الذي يحل مقتوله بالكلب و الآلة

(مسألة 13): الحيوان الذي يحل مقتوله بالكلب و الآلة مع اجتماع الشرائط كل حيوان ممتنع مستوحش (71)

______________________________

الصيد و هو على جبل فسقط و مات فلا تأكله» (1).

(69) لما تقدم من أصالة عدم التذكية الجارية في جميع هذه الفروع.

(70) أما عدم اشتراط إباحة الآلة- جمادية كانت أو حيوانية- فللعموم و الإطلاق و الاتفاق، و قد أثبتنا في الأصول في مباحث النواهي أن النهي في غير العبادات لا يوجب الفساد إلا في موارد خاصة ليس المقام منها.

و أما أنه قد فعل حراما فلضرورة المذهب إن لم يكن من الدين من أن التصرف في مال الغير من دون رضاه حرام.

و أما أن عليه الأجرة فلقاعدة أن «كل من فوّت منفعة مال الغير يجب عليه تداركها» التي هي من أهم القواعد النظامية المقررة شرعا بمثل قاعدة اليد كما تقدم في كتاب الغصب.

و أما أنه يملكه الصائد دون صاحب الآلة فلأن الصيد من المباحات الأولية فيشمله قاعدة «أن كل من استولى على المباح الأولى يملكه» و المقام من احدى صغريات تلك القاعدة، لأن فعل الاستيلاء من الصائد لا من صاحب الآلة، و هي تجري في جميع الموارد، و يأتي بعض القول في حيازة المباحات إن شاء اللّه تعالى.

(71) للعرف و اللغة و الاتفاق و لو صار الممتنع بالأصل غير ممتنع لعارض

ص: 27


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الصيد.

من طير أو وحش (72)، سواء كان كذلك بالأصل كالحمام و الظبي و بقر الوحش، أو كان إنسيا فتوّحش أو استعصى كالبقر المستعصي و البعير العاصي، و كذلك الصائل من البهائم كالجاموس الصائل و نحوه.

و بالجملة كل ما لا يجي ء تحت اليد و لا يقدر عليه غالبا (73) إلا بالعلاج (74)، فلا تقع التذكية الصيدية على كل حيوان أهلي مستأنس سواء كان استيناسه أصليا- كالدجاج و الشاة و البعير و البقر- أو عارضا كالضبي و الطير المستأنسين (75)، و كذا ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو و فرخ الطير قبل نهوضه للطيران (76)، فلو رمى طائرا و فرخه الذي لم ينهض فقتلهما حل الطائر دون الفرخ (77).

______________________________

كالنوم و التوحل أو نحو ذلك يحل بالصيد لاستصحاب بقاء الحكم.

(72) للإطلاق و الاتفاق الشامل لهما.

(73) دليل هذا التعميم النصوص الخاصة الواردة في الموارد التي يأتي التعرض لها في المسألة التاسعة عشر من الذباحة إن شاء اللّه تعالى مضافا إلى الإجماع.

(74) لأن هذا هو الجامع بين الوحشي الأصلي و ما صار كذلك بالعرض فتشملهما أدلة الصيد و الاصطياد، و لا بأس بدعوى القطع بوحدة المناط فيهما.

(75) للأصل و الإجماع بل الضرورة الفقهية، و يمكن أن يستفاد ذلك من بعض النصوص الآتية.

(76) لعين ما مر في سابقة من غير فرق.

(77) أما حلّية الطائر فللإطلاق و الاتفاق، و أما عدم حلية الفرخ فللأصل و الإجماع و عدم كونه مورد الصيد من جهة عدم الامتناع، و لقول السجاد عليه السّلام:

«و لو أن رجلا رمى صيدا في و كره فأصاب الطير و الفراخ جميعا فإنه يأكل الطير و لا يأكل الفراخ، و ذلك أن الفراخ ليس بصيد ما لم يطر و إنما تؤخذ باليد و إنما

ص: 28

مسألة 14: تذكية غير مأكول اللحم بالصيد

(مسألة 14): الظاهر أنه كما تقع التذكية الصيدية على الحيوان المأكول اللحم فيحل بها أكل لحمه تقع على غير المأكول اللحم القابل للتذكية أيضا فيطهر بها جلده و يجوز الانتفاع به (78).

نعم، القدر المتيقن ما إذا كانت بالآلة الجمادية و أما الحيوانية ففيها تأمل و اشكال (79).

______________________________

يكون صيدا إذا طار» (1).

(78) لإطلاق بعض النصوص و معاقد الإجماعات ففي موثق سماعة قال:

«سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال عليه السّلام: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده و أما الميتة فلا»(2).

(79) من أصالة عدم التذكية، و سياق قوله تعالى فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ (3)، و غير المأكول لا يقبل الأكل، و لما يلوح من كلمات جمع من اختصاص التذكية الصيدية مطلقا بمأكول اللحم، و ما تقدم في موثق سماعة من ذكر خصوص الآلة الجمادية دون الحيوانية.

هذه أدلتهم على عدم الحلية.

و يمكن الخدشة في الكل أما الأول فمحكومة بالإطلاق و العموم، و أما الثاني فلا ريب في كونه من باب الغالب لا المقوم الحقيقي، و اما ما يلوح من كلمات الجمع فلا اعتبار به ما لم يكن من الإجماع المعتبر، و أما ذكر الآلة الجمادية بالخصوص في موثق سماعة فهو استدلال بمفهوم اللقب، و قد أثبتوا في الأصول عدم اعتباره، و أما ما عن صاحب الجواهر من أن الصيد بحكم الميتة

ص: 29


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الصيد.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب النجاسات الحديث: 2.
3- سورة المائدة: 4، و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 10 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
مسألة 15: لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان

(مسألة 15): لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان فإن كانت الآلة غير محلّلة- كالشبكة و الحبالة- يحرم الجزء الذي ليس فيه الرأس و محال التذكية (80)، و كذلك الجزء الآخر إذا زالت عنه الحياة المستقرة (81)، و إن بقيت حياته المستقرة يحل بالتذكية (82)، و إن كانت الآلة محلّلة كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط فإن زالت الحياة المستقرة عن الجزئين بهذا التقطيع حلّا معا (83)، و كذا إن بقيت الحياة المستقرة و لم

______________________________

و الأصل في التذكية الذبح إلا ما خرج بالدليل المخصوص.

فهو دعوى بلا دليل بل هو من مقام فقاهته غريب و لكن الأحوط الاجتناب خصوصا في الآلة الحيوانية.

(80) لأصالة عدم التذكية، و الإجماع، و نصوص خاصة منها قول أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنه ميت و كلوا مما أدركتم و ذكرتم اسم اللّه عليه» (1)، و مثله غيره، بل ذلك جزء مبان من الميتة و هو حرام بلا إشكال كما تقدم.

(81) لما مر من أصالة عدم التذكية و الإجماع، و لعدم استقرار حياته و عدم كون الآلة آلة الصيد.

و نسب إلى خلاف الشيخ رحمه اللّه و القاضي و ابن حمزة الحلّية، و لا بد من حمل كلامهم على الجزء الذي فيه الرأس و كانت فيه الحياة المستقرة أي مثل حركة المذبوح و إن لم يقبل هذا الحمل فلا بد من رد علمه إليهم رحمهم اللّه.

(82) لعموم ما يدل على أنها توجب الحلية و إطلاقها الشاملين لهذه الصورة.

(83) لإطلاق دليل الحلية بالصيد الشامل للمقام أيضا، مضافا إلى

ص: 30


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الصيد الحديث: 1.

يتسع الزمان للتذكية (84)، و إن اتسع لها لا يحل الجزء الذي فيه الرأس إلا بالذبح (85)، و أما الجزء الآخر فهو جزء مبان من الحي فيكون ميتة (86).

مسألة 16: يملك الحيوان الوحشي وحشا كان أو طيرا بأحد أمور ثلاثة
اشارة

(مسألة 16): يملك الحيوان الوحشي وحشا كان أو طيرا بأحد أمور ثلاثة (87).

______________________________

نصوص خاصة (1).

(84) لما مر في المسائل السابقة غير مرة من أنه بحكم المذكى.

(85) لوجود المقتضي للتذكية الذبحية و فقد المانع عنها فلا بد في الحلّية من الإتيان، بها و إلا فتجري أصالة عدم التذكية و لا يحل أكله.

مضافا إلى ما تقدم من الأخبار.

(86) نصا و إجماعا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت و ما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثمَّ كل منه» (2)، و قريب منه غيره هذه خلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام بحسب قواعد المذهب و أصولها و أما الأقوال فإن أمكن إرجاعها إلى ذلك فنعم الوفاق و إلا فعهدة إثباتها على قائلها، كما أن ما ورد من أنه يؤكل ما فيه الرأس- كخبر إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام: «في رجل ضرب غزالا بسيفه حتى أبانه أ يأكله؟ قال: نعم يأكل مما يلي الرأس و يدع الذنب» (3) أو يؤكل أكبر الجزئين- كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا قطعه جدلين فارم بأصغرهما و كل الأكبر و إن اعتدلا فكلهما» (4) من الشواذ التي أمرنا بردها إلى أهلها مع عدم المخالفة لقواعد المذهب فضلا عن المخالفة معها.

(87) جامع هذه الأمور الاستيلاء الفعلي عليه، و حينئذ فالدليل على

ص: 31


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الصيد الحديث: 4 و غيره.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الصيد الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب الصيد 2 و 4.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب الصيد 2 و 4.
أحدها: وضع اليد عليه و أخذه حقيقة

أحدها: وضع اليد عليه و أخذه حقيقة مثل أن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه أو شده بحبل و نحوه (88).

ثانيها: وقوعه في آلة معتادة للاصطياد بها

ثانيها: وقوعه في آلة معتادة للاصطياد بها كالحبالة و الشرك و الشبكة و نحوها (89) إذا نصبها لذلك (90).

ثالثها، أن يصيّره غير ممتنع

ثالثها، أن يصيّره غير ممتنع (91)، و يمسكه بآلة مثل ما إذا رماه فجرحه جراحة منعته عن العدو أو كسر جناحه فمنعه عن الطيران، سواء كانت الآلة من الآلات المحلّلة للصيد كالسهم و الكلب المعلّم أو من غيرها كالحجارة و الخشب و الفهد و الباز و الشاهين و غيرها (92)، و يعتبر في هذا

______________________________

حصول الملكية وجدان كل من تأمل و تفكر فيقال بالشكل الأول البديهي الإنتاج: الصيد من المباحات الأولية، و كل ما كان كذلك يملك بالاستيلاء الفعلي عليه فالصيد يملك بالاستيلاء الفعلي عليه، مع أن الحكم من مسلّمات الفقه إن لم يكن من ضرورياته، و تأتي الإشارة إلى بعض الأخبار في ضمن المسائل الآتية، و يجري هذا الكلام في جميع المباحات الأصلية و لا اختصاص له بالصيد، و يأتي في إحياء الموات و حيازة المباحات و صيد الأسماك بعض الكلام إن شاء اللّه تعالى.

(88) كإلقاء ثوب عليه أو سد طريق فراره أو غير ذلك مما هو كثير.

(89) من الآلات المستحدثة في هذه الأعصار لهذا الغرض في البر و البحر و الجو.

(90) حتى ينسب الصيد إليه بالتسبيب و إلا فهو باق على إباحته الأولية هذا مضافا إلى الإجماع و ظواهر الأدلة- كما سيأتي- منطوقا أو مفهوما.

(91) فيخرج حينئذ موضوعا عن الاصطياد بالنسبة إلى غيره لما مر من أن الصيد المباح هو الحيوان الممتنع فإذا خرج عن الامتناع باستيلاء الغير عليه يكون للمستولي عليه هذا مضافا إلى الاتفاق و المنساق من الأدلة.

(92) و من ذلك وضع دواء في الماء أو نشر رائحة في الهواء أو غير ذلك

ص: 32

أيضا أن يكون إعمال الآلة بقصد الاصطياد و التملك (93)، فلو رماه عبثا أو هدفا أو لغرض آخر لم يملكه الرامي (94) فلو أخذه شخص آخر بقصد التملك ملكه (95).

مسألة 17: الظاهر أنه يلحق بآلة الاصطياد كل ما جعل وسيلة لإثبات الحيوان و زوال امتناعه

(مسألة 17): الظاهر أنه يلحق بآلة الاصطياد كل ما جعل وسيلة لإثبات الحيوان و زوال امتناعه و لو بحفر حفيرة في طريقه ليقع فيها فوقع فيها، أو باتخاذ أرض و إجراء الماء عليها لتصير موحلة فيتوحل فيها أو فتح باب البيت و إلقاء الحبوب فيه لتدخل فيه العصافير فدخلت فأغلق عليها الباب (96).

نعم، لو عشعش الطير في داره لم يملكه بمجرد ذلك، و كذا لو توحل حيوان في أرضه الموحلة (97)

______________________________

مما كثر استعماله للاستيلاء على الحيوان.

(93) لأصالة عدم الاختصاص به إلا بهذا القصد، و أصالة بقاء الحيوان على إباحته الأولية إلا أن يقصد اصطياده مباشرة أو تسبيبا مضافا إلى الإجماع و ظواهر الأدلة.

(94) لأصالة بقاء الصيد على إباحته الأولية و أصالة عدم حصول الملكية إلا بالقصد، و لو شك في تحقق قصد الملكية و عدمه فمقتضى الأصل عدمه.

(95) لوجود المقتضي حينئذ للملكية و هو بقاء الحيوان على إباحته و فقد المانع عنها كما لا يخفى.

(96) كل ذلك لتحقق الاستيلاء عليه و تقدم أن المناط كله إنما هو تحقق الاستيلاء عليه، و ما ذكر في الأدلة إنما هو لمجرد الطريقية المحضة لا للموضعية الخاصة و لذا تعدينا إلى جميع الوسائل المستحدثة.

(97) لأصالة بقاء الإباحة في الصيد، و أصالة عدم حدوث الملكية لصاحب الدار و الأرض.

ص: 33

ما لم يجعلها كذلك لأجل ذلك (98)، فلو أخذه إنسان بعد ذلك ملكه و إن عصى في دخول داره أو أرضه بغير إذنه (99).

مسألة 18: لو سعى خلف حيوان حتى أعياه و وقف عن العدو لم يملكه

(مسألة 18): لو سعى خلف حيوان حتى أعياه و وقف عن العدو لم يملكه ما لم يأخذه فلو أخذه غيره قبل أن يأخذه ملكه (100).

مسألة 19: لو وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد و لم تمسكه الشبكة

(مسألة 19): لو وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد و لم تمسكه الشبكة لضعفها و قوّته فانفلت منها لم يملكه ناصبها، و كذا إذا أخذ الشبكة و انفلت بها من دون أن يزول عنه الامتناع فإن صاده غيره ملكه ورد الشبكة إلى صاحبها (101).

______________________________

(98) لأنه لو جعلها موحلة لأجل الاصطياد يكون ذلك من التسبب إلى الاصطياد فيملكه صاحب الأرض لا محالة، و كذا لو جعل داره معرضا لعش الطيور حتى يصطادها.

(99) أما حصول الملكية للآخذ فلوجود المقتضي و هو بقاء الصيد على إباحته الأولية و فقد المانع عنها كما هو معلوم.

و أما العصيان فبضرورة من الدين و تقدم أن الصيد بالآلة الغصبية لا ينافي تحقق الملكية فضلا عما إذا كان الغصب في طريق أخذ الصيد لا في نفس الآلة.

(100) أما عدم ملكية الساعي خلف الحيوان فللأصل و لعدم الاستيلاء عليه بوجه من الوجوه، و مجرد السعي و الإعياء أعم من الاستيلاء عليه كما هو معلوم، و أما تحقق الملكية للآخذ فلتحقق الاستيلاء عليه مضافا إلى الإجماع و النصوص منها قول علي عليه السّلام: «للعين ما رأت و لليد ما أخذت»(1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «الطائر إذا ملك جناحيه فهو صيد و هو حلال لمن أخذه» (2).

(101) أما عدم ملكية صاحب الشبكة للصيد في الفرعين فللأصل و لفرض

ص: 34


1- الوسائل باب: 38 من أبواب الصيد.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب الصيد الحديث: 3.

نعم، لو أمسكته الشبكة و أثبتته ثمَّ انفلت منها بسبب من الأسباب الخارجية لم يخرج بذلك عن ملكه (102)، كما لو أمسكه بيده ثمَّ انفلت منها و كذا لو مشى بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع (103) فإنه لناصبها فلو أخذه غيره لم يملكه بل يجب أن يرده إليه (104).

______________________________

عدم تحقق الاستيلاء منه عليه، و ليس لمجرد الدخول في الشبكة موضوعية للملكية بل المناط كله تحقق الاستيلاء عليه كما مر، و أما أنه لو صاده غيره ملكه فلبقاء الحيوان على الإباحة الأولية و تحقق الصيد الجامع للشرائط فلا بد من تأثيره أثره، و أما وجوب رد الشبكة إلى صاحبها فلقاعدة «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» الحاكم بها العقل و الشرع و العرف كما تقدم في كتاب الغصب البحث عنها.

(102) لاستصحاب بقاء الملكية بعد الثبوت في الشبكة فالأقسام أربعة:

الأول: عدم الثبوت أصلا في الشبكة.

الثاني: الثبوت فيها و لكنه مشى بالشبكة و هو غير ممتنع.

الثالث: الشك في أنه هل ثبت فيها أو لا.

الرابع: الثبوت فيها عرفا لكنه انفلت منها لعوارض خارجية- سماوية أو أرضية اختيارية أو غيرها- و الحكم في غير الأخير أنه لآخذه لأصالة عدم تحقق الملكية لناصب الشبكة و أصالة بقاء الصيد على الإباحة، و أما في القسم الأخير فهو لناصب الشبكة لفرض تحقق الملكية ثمَّ زوالها بالعوارض الخارجية كما لو أخذ الصيد بيده ثمَّ أزيلت يده عنه لجهة من الجهات.

(103) لخروجه عن موضوع الصيد حينئذ بسبب عدم قدرته على الامتناع فيكون لصاحب الشبكة لا محالة لأنه هو الذي أخرجه عن امتناعه.

(104) أما عدم ملكه له فللأصل بعد صيرورة الصيد لصاحب الشبكة.

و أما وجوب الرد فلقاعدة «اليد» كما مر.

ص: 35

مسألة 20: لو رماه فجرحه لكن لم يخرجه عن الامتناع فدخل دارا فأخذه صاحب الدار ملكه بأخذه

(مسألة 20): لو رماه فجرحه لكن لم يخرجه عن الامتناع فدخل دارا فأخذه صاحب الدار ملكه بأخذه لا بدخول الدار (105)، كما أنه لو رماه و لم يثبته فرماه شخص آخر فهو للثاني لا الأول (106).

مسألة 21: لو أطلق الصائد صيده من يده

(مسألة 21): لو أطلق الصائد صيده من يده فإن لم يقصد الإعراض عنه لم يخرج عن ملكه و لا يملكه غيره باصطياد (107)، و إن قصد الإعراض و زوال ملكه عنه فالظاهر أنه يصير كالمباح (108) جاز اصطياده

______________________________

(105) أما جواز أخذه فلفرض بقاء امتناعه فهو من المباحات الأوّلية حينئذ فيجوز للكل أخذه.

و أما تملكه بالأخذ فلما مر من الإجماع و النصوص كقول علي عليه السّلام:

«للعين ما رأت و لليد ما أخذت» (1)، و أما عدم تحقق الملكية بمجرد دخول الدار، فلعدم تسبب منه لذلك في التملك فيكون من حصول المسبب بلا سبب و هو محال.

نعم، لو كان ملتفتا إلى هذه الجهة و فتح باب الدار لأجل هذا الغرض يملكه بدخول الدار حينئذ.

(106) لفرض زوال امتناعه بالثاني دون الأول فيكون تملّكه له بلا سبب و هو باطل، بخلاف الثاني لفرض حصول سبب التملّك منه في الحيوان الممتنع فلا بد من ترتب المسبب عليه و إلا يلزم الخلف.

(107) أما عدم الخروج عن ملك الصائد الأول فلاستصحاب بقاء ملكه، و أما عدم ملكية الغير له فلأصالة عدم حدوث الملكية بالنسبة إليه.

(108) البحث في نظير المقام من جهات:

الأولى: هل يكون الإعراض عن شي ء من حيث هو موجبا لخروجه عن

ص: 36


1- الوسائل باب: 38 من أبواب الصيد الحديث: 1.

.....

______________________________

ملكية المعرض أو لا؟ مقتضى استصحاب بقاء الملكية هو الثاني إلا أن تكون في البين أمارة معتبرة على زوالها بحيث يستهجن عرفا اعتبار الملكية بالنسبة إلى المعرض عنه، كما في بعض الأنقاض و الفضولات اليسيرة التي لا يعتنى بها و لا أثر لها حتى يتحفظ بها، فلو ادعى صاحبها ملكيتها يستنكر و يستهجن منه ذلك نوعا فلا وجه لاستصحاب الملكية حينئذ لوجود أمارة عرفية على الخلاف، و هي تختلف اختلافا كثيرا بحسب الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة، و ليست في البين ضابطة كلية في جميع الموارد يحكم بها و أما في غير ذلك فلا بأس باستصحاب بقاء الملكية و الأقسام ثلاثة:

الأول: ما يصح فيه اعتبار بقاء الملكية عرفا.

الثاني: ما لا يصح فيه ذلك.

الثالث: ما يشك في اعتبار بقائها و عدمه و لا وجه لجريان الاستصحاب فيه كما هو معلوم هذا بحسب الاستصحاب.

و أما بحسب الاخبار فمقتضى إطلاق قول علي عليه السّلام: «للعين ما رأت و لليد ما أخذت» (1)، حصول الملكية للآخذ، و في صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام:

«من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلّت و قامت و سيّبها صاحبها مما لم يتبعه فأخذها غيره فأقام عليها و أنفق نفقته حتى أحياها من الكلال و من الموت فهي له و لا سبيل له عليها انما هي مثل الشي ء المباح» (2)، و ظهوره في حصول الملكية مما لا ينكر.

الثانية: الإعراض عن الشي ء. تارة: قصدي اختياري كإلقاء الفضلات و القمامة و نحوهما خارج الدار مثلا.

و اخرى: انطباقي قهري كما إذا غرق مال لشخص و لا يرجى الظفر به أو ضاع كذلك، و كذا الأموال التي يستولي عليها الظلمة بحيث لا يرجى رفع

ص: 37


1- الوسائل باب: 38 من أبواب الصيد الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة: 2 ج الحديث: 17.

لغيره و يملكه (109)، و ليس للأول الرجوع إلى الثاني بعد ما ملكه على الأقوى (110).

مسألة 22: إنما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكا

(مسألة 22): إنما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكا

______________________________

ظلمهم عنها، و هل يشمل كلامهم في أن الإعراض يوجب زوال الملكية القسم الثاني من الإعراض أو يختص بالقسم الأول؟ و الشك في الشمول و عدمه يكفي في عدم الشمول إلا مع وجود قرينة معتبرة على الشمول، و لكن إطلاق ما مر من صحيح ابن سنان يشمل كلا من قسمي الإعراض، و تقدم في كتاب الإجارة (1)، ما ينفع المقام كما سيأتي في كتاب القضاء ما يتعلق بالمقام.

الثالثة: ظاهر النص و الفتوى حصول إباحة التصرف حتى المتوقفة على الملك للآخذ، و حينئذ لا ثمرة للنزاع في أنه هل يصير ملكا للآخذ أو لا؟ و قد تعرضنا لبعض المقام في المعاطاة في أول كتاب البيع فراجع، و هل هذه الإباحة إباحة مالكية أو شرعية؟ لا بأس بكل منهما أما الأولى فلأنّ طرح المال في معرض استفادة كل وارد عليه إباحة فعلية بالنسبة إلى الآخذ كما أن دفع المأكول عند الضيف إباحة له إلا أن الثانية إباحة شخصية و الأولى إباحة نوعية.

و أما الثانية فلظاهر قول الصادق عليه السّلام فيما مر من صحيح ابن سنان: «أنما هي مثل الشي ء المباح»، و لا ثمرة عملية بل و لا علمية في البحث عن أنها إباحة مالكية أو شرعية.

(109) أما الأول فلأنه مباح و يجوز اصطياد كل مباح بالضرورة الفقهية و النصوص الكثيرة التي مر بعضها.

و أما الثاني فلأن اصطياد كل مباح موجب لتملك الصائد له نصا كما تقدم و إجماعا.

(110) لزوال ملك الأول بدخول صيده في الإباحة المطلقة و تحقق ملكية

ص: 38


1- تقدم في ج: 19 صفحة: 210.

للغير (111)، و لو من جهة وجود آثار اليد التي هي أمارة على الملك فيه كما إذا كان طوق في عنقه أو قرط في أذنه أو شدّ حبل في أحد قوائمه (112) و أما إذا علم ذلك (113) لم يملكه الصائد بل يرد إلى صاحبه إن عرفه و إن لم يعرفه يكون بحكم اللقطة و مجهول المالك (114)، و أما

______________________________

الثاني و «الناس مسلطون على أموالهم» (1)، فلا يصح أخذه منه بغير رضاه مضافا إلى ما مر من ظاهر النص و الفتوى.

(111) لأنّه مع إحراز كونه ملكا للغير يخرج عن موضوع الاصطياد و ملك الصائد له تخصصا لما مر غير مرة من أن الصيد و ملكية الصائد له إنما يتحقق في المباح الأصلي دون ما كان ملكا للغير.

(112) لأن هذه كلها أمارات معتبرة على استيلاء الغير عليه و دخوله تحت يد الغير، و بعد استيلاء الغير عليه يخرج عن موضوع الصيد تخصصا و لا وجه حينئذ للتمسك بإطلاق الأدلة الدالة على أن الاصطياد يوجب ملكية الصائد (2)، لعدم جريان تلك الأدلة في الفرض تخصصا و يستفاد ما قلناه من مجموع الروايات (3)، منطوقا و مفهوما مضافا إلى مسلّمية الحكم لديهم.

(113) يكفي الاطمئنان العرفي و لو لم يكن من العلم المنطقي.

(114) أما وجوب رده إلى صاحبه مع حرمته فلقاعدة «اليد» بل الأدلة الأربعة كما تقدم غير مرة(4)، و أما كونه من مجهول المالك مع عدم معرفته فلتحقق موضوعه فيترتب عليه الحكم قهرا، و تقدم بعض الكلام في الخمس و يأتي في كتاب اللقطة إن شاء تعالى أيضا.

ص: 39


1- البحار ج: 2 صفحة 272 الطبع الحديث.
2- راجع الوسائل باب: 37 و 38 من أبواب الصيد.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب الصيد.
4- راجع ج: 21 صفحة: 287.

الطير فإن كان مقصوص الجناحين كان بحكم ما علم أن له مالكا (115) فيرد إلى صاحبه إن عرف و إن لم يعرف كان لقطة (116).

و أما إن ملك جناحيه يتملك بالاصطياد (117) إلا إذا كان له مالك معلوم فيجب عليه رده إليه (118)، و الأحوط فيما إذا علم أن له مالكا و لم يعرفه أن يعامل معه معاملة اللقطة و مجهول المالك كغير الطير (119).

______________________________

(115) لفرض إحراز جريان اليد عليه عرفا فيخرج عن موضوع الاصطياد قهرا مضافا إلى الإجماع و مفهوم نصوص كثيرة منها قول علي عليه السّلام: «لا بأس بصيد الطير إذا ملك جناحيه»(1)، و عن الصادق عليه السّلام في خبر زرارة: «في رجل صاد حماما أهليا، قال: إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه» (2)و المراد بملك الجناح كما في بعض الروايات أو الجناحين كما في بعضها الآخر (3) القدرة على الطيران.

(116) لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق.

(117) للإجماع و النصوص منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا ملك الطائر جناحه فهو لمن أخذه»(4)، و تدل عليه عمومات أدلة الصيد و إطلاقاتها منطوقا و مفهوما كما تقدم.

(118) نصوصا و إجماعا بل ضرورة من الفقه فعن أبي الحسن عليه السّلام في خبر محمد بن الفضيل: «عن صيد الحمامة تسوى نصف درهم أو درهما، قال عليه السّلام:

إذا عرفت صاحبه فرده عليه و إن لم تعرف صاحبه و كان مستوي الجناحين يطير بهما فهو لك» (5).

(119) مقتضى انطباق عنوان مجهول المالك عليه لغة و عرفا هو الجزم

ص: 40


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الصيد الحديث: 4 و 5 و 2.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب الصيد الحديث: 4 و 5 و 2.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب الصيد الحديث: 4 و 5 و 2.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب الصيد الحديث: 1.
5- الوسائل باب: 36 من أبواب الصيد الحديث: 2.
مسألة 23: لو صنع برجا لتعشيش الحمام

(مسألة 23): لو صنع برجا لتعشيش الحمام فعشعشت فيه لم يملكها (120)، خصوصا لو كان الغرض حيازة ذرقها مثلا (121) فيجوز لغيره صيدها و يملك ما صاده (122)، بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها و إن أثم من جهة الدخول فيه بغير إذن مالكه (123)، و كذلك فيما إذا عشعشت في بئر مملوك فإنه لا يملكها مالك البئر (124).

______________________________

بكونه من أفراده كما في غير الطير لكن احتمال شمول إطلاق قوله عليه السّلام: «لليد ما أخذت» (1)، لهذا الفرد أيضا منع عن الجزم بالفتوى.

(120) لأن حيازة المباحات و تملكها قصدية اختيارية المفروض عدم قصده للحيازة و التملك.

نعم، لو وضع البرج لغرض حيازة الحمام و تملكه يملكه حينئذ لوجود المقتضي و فقد المانع.

(121) لأن المحاز و ما توجه اليه القصد هو الذرق دون نفس الحمام بخلاف الصورة الأولى فإن نفس الحمام كان ملحوظا في الجملة فيحتمل اسراء حكم الحيازة إليه و لكنه احتمال بدوي لا وجه له.

(122) أما أصل جواز صيده فلأصالة الإباحة، و عموم الأدلة.

و أما حصول الملكية فلفرض بقائه على الإباحة الأولية فيكون المقتضي للملكية موجودا و المانع مفقودا.

(123) أما جواز الأخذ فلأصالة الإباحة.

و أما الإثم بالدخول بغير إذن صاحبه فهو معلوم بالضرورة.

(124) لأصالة عدم حدوث الملكية إلا إذا حفر البئر لأجل اصطياد الحمام

ص: 41


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الذبائح الحديث: 8.
مسألة 24: الظاهر أنه يكفي في تملك النحل غير المملوكة أخذ أميرها

(مسألة 24): الظاهر أنه يكفي في تملك النحل غير المملوكة أخذ أميرها (125)، فمن أخذه من الجبال مثلا و استولى عليه يملكه و يملك كل ما تتبعه من النحل مما تسير بسيرة و تقف بوقوفه و تدخل الكن و تخرج منه بدخوله و خروجه.

مسألة 25: لو صاد مجنون حيوانا يحل صيده إن تحقق منه القصد

(مسألة 25): لو صاد مجنون حيوانا يحل صيده إن تحقق منه القصد و سائر الشرائط و كذا المرأة (126).

______________________________

كما تقدم في غير المقام.

(125) لأن الاستيلاء على الأمير المطاع استيلاء على المأمور المطيع عرفا و اعتبارا، و كذا كل ما كان من هذا القبيل من الطيور و نحوها.

(126) لشمول إطلاق الأدلة لهما من غير تقييد بلا فرق في الصيد بين الإرسال و الرمي أو التمليك.

ص: 42

فصل في ذكاة السمك و الجراد

اشارة

فصل في ذكاة السمك و الجراد ذكاة السمك إما بإخراجه من الماء حيا أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته (127)، سواء كان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة و نحوها (128)، فلو وثب على الجدد أو نبذه البحر إلى الساحل أو نضب الماء الذي كان فيه حل لو

______________________________

(127) للنص و الإجماع في كل منهما، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إن السمك ذكاته إخراجه حيا من الماء ثمَّ يترك حتى يموت» (1)، و قال عليه السّلام أيضا في جملة من الأخبار: «صيد الحيتان أخذها» (2)، و عن موسى بن جعفر عليهما السّلام في الموثق:

«إن أخذتها قبل أن تموت ثمَّ ماتت فكلها، و إن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها» (3)، و أما قوله عليه السّلام: «لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان، و ما نضب الماء عنده فذلك المتروك» (4)، فلا بد من حمله على ما إذا مات قبل الأخذ.

(128) للإطلاق و الاتفاق و السيرة، و التصريح بالشبكة في بعض النصوص (5)، فيصح ما اشتهر بين الفقهاء من أن تذكيه السمك إثبات اليد عليه حتى لا يموت في الماء.

فالاستيلاء على السمك حيازة له و تذكية بالنسبة إليه سواء مات بعد الاستيلاء عليه في خارج الماء أو قطعت اجزاؤه حيا أو ضرب حتى يموت أو ابتلع حيا كصغار السمك، و يدل على ذلك كله إطلاق قول علي عليه السّلام: «السمك

ص: 43


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الذبائح الحديث: 8.
2- راجع الوسائل باب: 32 من أبواب الذبائح الحديث: 11 و 9.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 6.
4- الوسائل باب: 34 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 6.
5- راجع الوسائل باب: 35 من أبواب الذبائح.

أخذه إنسان قبل أن يموت (129) و حرم لو مات قبل الأخذ (130)، و إن أدركه حيا ناظرا إليه على الأقوى (131).

مسألة 1: لا يشترط في تذكية السمك عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه التسمية

(مسألة 1): لا يشترط في تذكية السمك عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه التسمية، كما أنه لا يعتبر في صائدة الإسلام (132)، فلو أخرجه

______________________________

و الجراد إذا أخرج من الماء حيا فهو ذكي، و الأرض للجراد مصيدة و للسمك قد تكون أيضا» (1).

(129) إجماعا و نصوصا تقدم بعضها.

(130) للأصل و ظواهر النصوص منطوقا (2)، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(131) و هو المشهور و لم يعرف الخلاف إلا من نهاية الشيخ رحمه اللّه فاكتفى في الحلّية بإدراكه خارج الماء يضطرب و إن لم يأخذه، لبعض الإطلاقات اللازم حملها على صورة الأخذ (3) و لخبر أبي حفص عن الصادق عليه السّلام: «إن عليا عليه السّلام كان يقول في صيد السمك إذا أدركها و هي تضطرب ببدنها و تحرك ذنبها و تطرف بعينها فهي ذكاتها» (4)، و قريب منه غيره و لكن أسقطها عن الاعتبار إعراض المشهور و المعارضة بما هو الأرجح من وجوه كما مر.

(132) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق و صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام «سألته عن صيد الحيتان و إن لم يسم؟ فقال: لا بأس» (5)، و عنه عليه السّلام: «عن صيد المجوس؟ فقال: لا بأس إذا أعطوكه احياء و السمك أيضا و إلا فلا تجوز شهادتهم إلا أن تشهده» (6)، و في صحيح الحلبي عنه عليه السّلام أيضا: «انه سئل عن صيد المجوس للحيتان حين يضربون عليها بالشباك و يسمون بالشرك؟ فقال: لا

ص: 44


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الذبائح الحديث: 3.
2- راجع الوسائل باب: 34 من أبواب الذبائح الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب الذبائح الحديث: 4 و 5 و 2.
4- الوسائل باب: 34 من أبواب الذبائح الحديث: 4 و 5 و 2.
5- الوسائل باب: 32 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 3.
6- الوسائل باب: 32 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 3.

كافر أو أخذه فمات بعد أخذه حل (133) سواء كان كتابيا أو غيره (134).

نعم، لو وجده في يده ميتا لم يحل أكله (135) ما لم يعلم أنه قد مات خارج الماء بعد إخراجه أو أخذه بعد خروجه (136) و قبل موته، و لا يحرز ذلك بكونه في يده و لا بقوله لو أخبر به (137) بخلاف ما إذا كان في يد المسلم فإنه يحكم بتذكيته حتى يعلم خلافها (138).

مسألة 2: لو وثبت من الماء سمكة إلى السفينة لم تحل ما لم تؤخذ باليد

(مسألة 2): لو وثبت من الماء سمكة إلى السفينة لم تحل ما لم تؤخذ باليد و لم يملكه السفّان و لا صاحب السفينة بل كل من أخذه ملكه (139).

______________________________

بأس بصيدهم إنما صيد الحيتان أخذه» (1)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(133) للإطلاق- كما مر- و الاتفاق و ظواهر النصوص منطوقا و مفهوما كما تقدم.

(134) لإطلاق قولهم عليهم السّلام: «انما صيد الحيتان أخذها» (2)، مضافا إلى ما مر و صحيح الحلبي: «صيد المجوسي- إلى أن قال- و يسمون بالشرك»(3).

(135) لأصالة عدم التذكية إلا إذا قامت عليها حجة معتبرة.

(136) لتحقق التذكية حينئذ فيحل قهرا.

(137) لعدم الاعتبار بيده و لا بقوله إلا إذا علم بالخلاف.

(138) لاعتبار قول المسلم و يده و سوقه في التذكية نصا (4)، و إجماعا بين المسلمين.

(139) أما عدم حليته ما لم يؤخذ باليد فلأصالة عدم التذكية بعد كون تذكية السمك أخذه من الماء حيا كما تقدم، و المفروض عدم تحقق ذلك.

و أما عدم ملكية السفّان و لا صاحب السفينة له فللأصل بعد عدم حصول تسبب منهما للتملك و الحيازة، و أما أن كل من أخذه ملكه فلوجود المقتضي له-

ص: 45


1- الوسائل باب: 32 من أبواب الذبائح الحديث: 9.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب الذبائح الحديث: 5 و 9.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب الذبائح الحديث: 5 و 9.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب الذبائح.

نعم، لو قصد صاحب السفينة الصيد بها بأن جعل في السفينة ضوء بالليل و دق بشي ء كالجرس لتثب فيها السموك فوثبت فيها، فالوجه انه يملكها و يكون وثوبها فيها بسبب هذا الصنع بمنزلة إخراجها حيا فيكون به تذكيتها (140).

مسألة 3: لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك

(مسألة 3): لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك فكل ما وقع و احتبس فيهما ملكه فإن أخرج ما فيها من الماء حيا حل بلا اشكال (141) و كذا لو نضب الماء و غار و لو بسبب جزره فماتت فيهما بعد نضوبه (142)، و أما لو ماتت في الماء فهل هي حلال أم لا؟ قولان أشهرهما

______________________________

و هو بقاء السمك على الإباحة الأولية و تحقق الأخذ مع القصد- و فقد المانع عن التملك فتحصل الملكية له لا محالة.

(140) أما حصول الملكية فلتحقق التسبب لها بهذا الصنع فتحصل لا محالة لأن التسبيب للملكية أقسام و مراتب و هذا من أحدها.

و أما تحقق التذكية فلصدق الإخراج من الماء حيا فينطبق عليه قولهم عليهم السّلام ذكاة الحيتان إخراجها من الماء حيا على ما تقدم في الروايات، و لا فرق في الإخراج من الماء حيا بين أن يكون بمباشرة اليد أو بتسبيب الآلة و اعمال الحيلة أي حيلة و آلة كانت من جوف الماء أو من سطحه أو من الهواء أو غيره.

(141) أما ثبوت الملكية لما احتبس فيهما فلفرض أنه نصب الشبكة أو صنع الحظيرة لأجل اصطياد السمك فتحقق منه التسبيب للملكية فتحصل لا محالة و إلا يلزم الخلف، و أما عدم الإشكال في الحلّية فلفرض خروج السمك من الماء حيا فتحل بلا إشكال لما مر من النص و الإجماع.

(142) أما الملكية فلتحقق سبب الحيازة فتملك لا محالة.

و أما الحلية فلتحقق الأخذ بالآلة و الموت خارج الماء فيحل

ص: 46

و أحوطهما الثاني بل لا يخلو من قوة (143).

نعم، لو أخرج الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيه من السمك أو كلّه ميتا و لم يدر أنه قد مات في الماء أو بعد خروجه لا يبعد البناء على الثاني

______________________________

بلا إشكال.

(143) نسب ذلك إلى الشهرة و عن الجواهر وصفها بالعظمة، و عن المستند إنكار كونها عظيمة لصحيح عبد الرحمن بن سيابة عن الصادق عليه السّلام «السمك يصاد ثمَّ يجعل في شي ء ثمَّ يعاد في الماء فيموت فيه، فقال: لا تأكل لأنه مات في الذي فيه حياته» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط و أرسلها في الماء فماتت أتوكل؟ فقال عليه السّلام: لا» (2)، و عنه أيضا: «رجل صاد سمكا و هن أحياء ثمَّ أخرجهن بعد ما مات بعضهن فقال: ما مات فلا تأكله فإنه مات فيما كان فيه حياته» (3).

و عن العمّاني حلّية ما مات في الآلة المعمولة في الصيد للصحيح عنه عليه السّلام أيضا: «الحظيرة من القصب تجعل في الماء للحيتان فيدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها، فقال: لا بأس به إن تلك الحظيرة إنما جعلت ليصاد بها» (4)، و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل نصب شبكة في الماء ثمَّ رجع إلى بيته و تركها منصوبة فأتاها بعد ذلك، و قد وقع فيها سمك فيموتنّ، فقال: ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها» (5)، و السند صحيح و الدلالة معتبرة و المعارضة بين قسمي الأخبار متحققة، و حمل القسم الأول على الكراهة حمل شائع في الفقه، و حمل القسم الثاني على ما إذا مات في خارج الماء كما عن صاحب الجواهر بعيد عن سياقه فتصل النوبة إلى المرجحات الخارجية المنحصرة بالشهرة، و هي مع القسم الأول إذ لم يعمل

ص: 47


1- الوسائل باب: 33 من أبواب الذبائح الحديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب الذبائح الحديث: 2 و 1.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 3 و 2.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 3 و 2.
5- الوسائل باب: 35 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 3 و 2.

و حلية اكله (144).

______________________________

بالقسم الثاني إلا العمّاني و استظهر من المحقق الأردبيلي و السبزواري و مال إليه في المستند أيضا، لكن البحث في الشهرة المرجحة للقسم الأول هل هي اجتهادية أو تعبدية؟ و أصالة عدم التعبدية في أنظار الفقهاء إلا ما خرج بالدليل تعين الأولى، فلا وقع لمثل هذه الشهرة حتى تكون مرجحة في هذه المسألة العامة البلوى خصوصا في هذه الأعصار التي تموت في المكائن الحديثة الصائدة للأسماك في داخل الماء آلاف منها على ما يقولون و جريان أصالة عدم التذكية مع العلم بتحقق التذكية في بعضها لا وجه له.

إن قيل: إن القسم الأول معلّل و بناؤهم على أن الخبر المعلّل مقدم على غيره عند المعارضة.

يقال: القسم الثاني أيضا كذلك، مع أن كون التعليل من المرجحات لم يثبت بدليل عقلي و لا نقلي.

(144) كما عن الشيخ و استحسنه المحقق في الشرائع، و البحث فيه.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الأدلة، أما الأولى فاستصحاب بقاء الحياة إلى ما بعد الخروج يكفي في الحلية لوقوع الموت حينئذ في خارج الماء وجدانا بعد إثبات الحياة بالأصل أو بطريق آخر، و لا فرق فيه بينما إذا علم تاريخ الخروج و شك في تاريخ الموت و عدمه لأنه حينئذ يصير من سنخ الموضوعات المركبة المتحقق بعض اجزائها بالأصل و بعض أجزائها بالوجدان، و مع جريان هذا الأصل لا تجري أصالة عدم التذكية كما لا يخفى.

نعم، لو أريد بجريان نفس الأصل إثبات أن الموت وقع بعد الخروج من الماء فهو مثبت لا ينفع.

و أما الثانية: فاستدل للحلية.

ص: 48

.....

______________________________

تارة: بما مر من الصحيحين السابقين أحدهما لعبد الرحمن بن سيابة عن الصادق عليه السّلام و الآخر لمحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام.

و اخرى: بقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح مسعدة بن صدقة: «إذا ضرب صاحب الشبكة فما أصاب فيها من حي أو ميت فهو حلال ما خلا ما ليس له قشر و لا يؤكل الطافي من السمك» (1)، و عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: قال «سألته عن الصيد نحبسه فيموت في مصيدته أ يحل أكله؟ قال عليه السّلام: إذا كان محبوسا فكله فلا بأس» (2).

و ثالثة: بالمستفيضة الدالة على أنه إذا اجتمع الحلال و الحرام فهو حلال إلا ان يعرف الحرام بعينه (3).

و نسب إلى المشهور الحرمة و استدل لهم ..

تارة: بما ورد من أنه ما اجتمع فيه الحلال و الحرام إلا و غلب الحرام (4).

و اخرى: بما مر من الأخبار الدالة على أن ما مات فيما فيه حياته لا تحل (5).

و ثالثة: تحمل الأخبار- المتقدمة- الدالة على الحلية على غير المحصور.

و رابعة: بأصالة عدم التذكية.

و نوقش في الكل أما الأولى فلا ريب في أنه من باب مطلق الرجحان و التنزه بقرينة غيره.

و أما الثاني فهو صحيح فيما إذا أحرز ذلك بوجه معتبر لا فيما إذا لم يمكن إثبات الموت في الماء بوجه معتبر.

ص: 49


1- الوسائل باب: 35 من أبواب الذبائح الحديث: 4 و 6.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب الذبائح الحديث: 4 و 6.
3- الوسائل باب: 61 من أبواب الأطعمة المباحة و باب: 4 من أبواب ما يكتسب به.
4- مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 5 و يستفاد ذلك من الروايات باب: 36 من أبواب الأطعمة المحرمة.
5- الوسائل باب: 33 من أبواب الذبائح.
مسألة 4: لو أخرج السمك من الماء حيا ثمَّ أعاده إلى الماء

(مسألة 4): لو أخرج السمك من الماء حيا ثمَّ أعاده إلى الماء مربوطا أو غير مربوط فمات فيه حرم (145).

مسألة 5: لو طفي السمك على الماء و زال امتناعه بسبب من الأسباب

(مسألة 5): لو طفي السمك على الماء و زال امتناعه بسبب من الأسباب- مثل أن ضرب بمضراب أو بلع ما يسمى بالزهر في لسان بعض الناس أو غير ذلك- فإن أدركه إنسان و أخذه و أخرجه من الماء قبل أن يموت حل (146)، و إن مات على الماء حرم (147)، و إن ألقى الزهر احد فبلعه السمك و صار على وجه الماء لم يملكه الملقي ما لم يأخذه فلو أخذه غيره ملكه (148) من غير فرق بين ما إذا لم يقصد سمكا معينا (149)، كما إذا ألقاه في الشط فبلعه بعض السموك أو قصد سمكا معينا و ألقاه له فبلعه فطفى على الماء على

______________________________

و أما الثالث: فهو بلا شاهد عليه من عقل أو نقل.

و أما الأخير فلا وجه له مع استصحاب بقاء الحياة و طريق الاحتياط واضح.

(145) لأنه مات فيما فيه حياته مع أنه منصوص في الجملة (1) كما مر.

(146) لأنه أخذ من الماء حيا فمقتضى الإطلاق و الاتفاق حليته.

(147) لأنه مات فيما فيه حياته فتحرم بلا إشكال.

(148) أما أنه لم يملكه الملقي فلفرض أنه لم يأخذه و قد مر أن تملك السمك يحصل بالأخذ، و أما أنه يملكه من أخذه بقصده فلوجود المقتضي له- و هو البقاء على الإباحة الأولية و تحقق الأخذ و فقد المانع فلا بد من ترتب الأثر عليه.

(149) لعدم تحقق الحيازة حينئذ، لاعتبار توجه القصد فيها إلى ما هو متعين.

ص: 50


1- الوسائل باب: 35 من أبواب الذبائح.

إشكال في الثاني لاحتمال كونه كإثبات صيد البر و ازالة امتناعه (150) بالرمي، و قد مر في بابه أنه للرامي فلا يملكه غيره بالأخذ، و كذلك الحال فيما إذا أزيل امتناع السمك باستعمال آلة كما لو رماه بالرصاص فطفى على الماء و فيه حياة بل الأمر فيه أشكل، لقوة احتمال كونه ملكا لراميه (151) لا لمن أخذه.

مسألة 6: لا يعتبر في حلية السمك بعد ما اخرج من الماء حيا

(مسألة 6): لا يعتبر في حلية السمك بعد ما اخرج من الماء حيا أو أخذ حيا بعد خروجه أن يموت خارج الماء بنفسه، فلو قطّعه قبل أن يموت و مات بالتقطيع بل لو شواه حيا حل أكله، بل لا يعتبر في حله الموت من أصله فيحل بلعه حيا بل لو قطع منه قطعة و أعيد الباقي إلى الماء حل ما قطعه سواء مات الباقي في الماء أم لا (152).

نعم، لو قطع منه قطعة و هو في الماء حيا أو ميتا لم يحل ما قطعه (153).

مسألة 7: الصيد بالمكائن- أو السفن- الحديثة ينقسم إلى أقسام

(مسألة 7): الصيد بالمكائن- أو السفن- الحديثة ينقسم إلى أقسام:

______________________________

نعم، لو كان الزهر مما يصاد به سموك كثيرة غير محدودة، و كان قاصدا لذلك و كان الصائد قادرا على حيازة الجميع كان من القسم الثاني حينئذ.

(150) لأن الأخذ باليد طريق لحصول الاستيلاء عليه بقرينة ورود الشبكة في الروايات، و الظاهر أنها أيضا إنما وردت من باب المثال في كل وجه حصل الاستيلاء العرفي عليه تحصل الملكية، و بإزالة امتناع السمك يحصل الاستيلاء عليه فتحصل الملكية.

(151) و العرف يشهد بذلك، و متشرعة صياد الأسماك يعترفون به أيضا.

(152) كل ذلك للإطلاق و ظهور الاتفاق.

(153) لأصالة عدم التذكية و كونه من الجزء المبان من الحي قبل الأخذ و التذكية فلا وجه للحلية.

ص: 51

الأول: ما إذا صاد السمك و مات خارج الماء (154).

الثاني: ما إذا جعل السمك في صندوق مثلا و مات في الصندوق في داخل الماء و لكن لم يكن في الصندوق ماء (155).

الثالث: موت السمك في الشبكة بسبب الاصطدام في الشبكة المحيطة به (156).

الرابع: تجفيفه في الماء بواسطة الآلات الحديثة (157).

الخامس: تسممه قبل الأخذ ثمَّ أخذه بعد التسمم بالشبكة (158).

السادس: الشك في أنه من أي الأقسام (159).

______________________________

(154) فيحل الصيد بلا إشكال لشمول الأدلة الدالة على الحلية لهذا القسم كما تقدم.

(155) يشمل إطلاق أدلة الحلية لهذه الصورة أيضا لصدق انه لم يمت فيما فيه حياته بل مات فيما ليس فيه ماء أصلا و كون الصندوق في الماء لا يلزم كون السمك في الماء كما هو معلوم.

(156) مع عدم صدق كون موته في الماء، و كذا مع الشك فيه و في غيره لا يحل.

(157) حكمه حكم الصورة السابقة.

(158) إن أخرج من الماء حيا حلال و إلا فهو حرام.

(159) مع إحراز الإخراج من الماء حيا و كون الموت بعد الإخراج يحل و مع العدم يحرم حتى في صورة الشك، و قالوا في وجه ذلك أن أصالة بقاء الحياة فيه إلى ما بعد الإخراج يكون من الأصل المثبت، و يمكن أن يقرر بنحو لا يكون من الأصل المثبت فيقال باستصحاب بقاء الحياة فيه فيحل أكله خارج الماء، بل يصح استصحاب أصل الحلية بناء على جواز أكل السمك حيا.

ص: 52

مسألة 8: ذكاة الجراد أخذه حيا

(مسألة 8): ذكاة الجراد أخذه حيا (160)، سواء كان باليد أو بالآلة (161) فلو مات قبل أخذه حرم (162)، و لا يعتبر فيه التسمية و لا إسلام الآخذ كما مر في السمك (163).

نعم، لو وجده ميتا في يد الكافر لم يحل ما لم يعلم بأخذه حيا و لا يجدي يده و لا اخباره في إحراز ذلك كما تقدم في السمك (164).

مسألة 9: لو وقعت نار في أجمة و نحوها فأحرقت ما فيها من الجراد

(مسألة 9): لو وقعت نار في أجمة و نحوها فأحرقت ما فيها من الجراد لم يحل (165) و إن قصده المحرق (166) نعم، لو أحرقها أو شواها أو طبخها

______________________________

(160) إجماعا و نصوصا منها قول علي عليه السّلام: «الأرض للجراد مصيدة و للسمك قد تكون أيضا» (1)، و منها ما عن أبي الحسن عليه السّلام: «صيده ذكاته» (2).

(161) لظهور الإطلاق و الاتفاق عليه.

(162) لأصالة عدم تحقق التذكية المعتبرة فيه.

(163) أرسلوا إرسال المسلمات اتحادهما في هذه الجهات.

(164) يجرى عين ما قلناه فيه في المقام لكون الحكم على طبق القواعد العامة فيجري في الأمثال و النظائر.

(165) لعدم تحقق الاصطياد و للإجماع و النص، ففي خبر عمار بن موسى عن الصادق عليه السّلام: «سئل عن الجراد إذا كان في قراح فيحرق ذلك القراح فيحرق ذلك الجراد و ينضج بتلك النار هل يؤكل؟ قال عليه السّلام: لا» (3).

و أما خبر عمار عنه عليه السّلام أيضا: «سألته عن الجراد يشوى و هو حي؟ قال: لا بأس به» (4)، فمحمول على ما بعد الأخذ و الاصطياد.

(166) لإطلاق ما مر من النص و الفتوى الشامل لهذه الصورة أيضا مضافا

ص: 53


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الذبائح الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب الذبائح الحديث: 8.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب الذبائح الحديث: 5 و 6.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب الذبائح الحديث: 5 و 6.

بعد ما أخذت قبل أن تموت حلّ (167)، كما مرّ في السمك كما أنه لو فرض كون النار آلة صيد الجراد بأنه لو أججها اجتمعت من الأطراف و ألقت أنفسها فيها فأجّجها لذلك فاجتمعت و احترقت بها لا يبعد حلية ما أحرقت بها من الجراد، لكونها حينئذ من آلات الصيد كالشبكة و الحظيرة للسمك.

مسألة 10: لا يحل من الجراد ما لم يستقل بالطيران

(مسألة 10): لا يحل من الجراد ما لم يستقل بالطيران (168) و هو المسمى بالدبّا- على وزن العصا- و هو الجراد إذا تحرك و لم تنبت بعد أجنحته.

______________________________

إلى أصالة عدم التذكية الشاملة لها.

(167) للإطلاق و الاتفاق بعد تحقق الأخذ و الاصطياد.

(168) نصوصا و إجماعا منها صحيح ابن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال:

«سألته عن الدبا من الجراد أ يؤكل؟ قال: لا يحل حتى يستقل بالطيران» (1).

ثمَّ انه يستفاد من توسعة الأمر في التذكية أنه لا يعتبر في صيد السمك و الجراد البلوغ و الذكورة و العقل، فيحل صيد الصبي و المرأة و المجنون كل ذلك لما تقدم و تفضل من اللّه العظيم.

ص: 54


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الذبائح الحديث: 1.

الذباحة و أحكامها

اشارة

الذباحة و أحكامها و الكلام في الذابح و آلة الذبح و كيفيته و بعض الأحكام المتعلقة به في طي مسائل:

شرائط الذابح و الذبح

اشارة

شرائط الذابح و الذبح

مسألة 1: يشترط في الذابح أن يكون مسلما

(مسألة 1): يشترط في الذابح أن يكون مسلما (1) أو بحكمه

______________________________

من أفضل نعم اللّه عز و جل علينا تحليل جملة من الحيوانات تنمية لأبداننا و إصلاح ما يصلحه ذلك، كما ان من أفضل ألطافه تعالى تحريم جملة منها صونا لنا عن المضار و المهالك، ثمَّ سهل علينا طريق تذكية ما أحل بأيسر السبل إليها و جعل في كل يوم كثيرا من الأنعام تضحية للإنسان لعله يشعر بهذه النعمة العظمى من الكريم المنان و يرتدع عن طاعة الشيطان.

(1) إجماعا بل ضرورة من المذهب و نصوصا كثيرة منها قول علي عليه السّلام في خبر محمد بن قيس: «ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلى لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه تعالى عليه» (1)، و قوله عليه السّلام: «صام و صلى» انما هو من باب الطريقية لإحراز الإسلام لا لكونهما شرطا في حلية الذبيحة.

و أما قول أبي جعفر عليه السّلام: «كل ذبيحة المشرك إذا ذكر اسم اللّه عليها و أنت تسمع» (2)، فلا بد من حمله على التقية أو رده الى أهله.

ص: 55


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الذبائح الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الذبائح الحديث: 32.

كالمتولد منه (2) فلا تحل ذبيحة الكافر مشركا كان أم غيره (3)، حتى الكتابي على الأقوى (4).

______________________________

(2) لأنه مسلم فيجري عليه جميع أحكام الإسلام، مضافا إلى الإجماع على كفاية الإسلام الحكمي في مورد اعتبار الإسلام الحقيقي.

(3) لشمول الإطلاق و الاتفاق لهما خصوصا مثل قول الرضا عليه السّلام في خبر زكريا: «إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه و أصحابك إلا في وقت الضرورة إليه» (1)، و لا بد من حمله على المخالفة الموجبة للكفر و مثل قول أبي جعفر عليه السّلام: «لا تحل ذبائح الحرورية» (2)، و أما صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن ذبيحة المرجئ و الحروري؟ فقال: كل و قر و استقر حتى ما يكون» (3)، فعلامة التقية فيه ظاهرة.

و المرجئة قوم يقولون إن الإيمان قول بلا عمل و يطلق عليهم الجبرية أيضا، و الحروراء قرية قريبة من الكوفة اجتمع فيها الخوارج يقال في النسبة إليها الحرورية، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر أبي بصير قال: «ذبيحة الناصب لا تحل» (4)، و أما قول أبي جعفر عليه السّلام: «لا تأكل ذبيحة الناصب إلا أن تسمعه يسمي» (5)، فلا بد من حمله على التقية، و عن الصادق عليه السّلام: «من زعم أن اللّه يجبر العباد على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته» (6)، و عنه عليه السّلام أيضا: «من زعم أن للّه وجها كالوجوه فقد أشرك، و من زعم ان له جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر باللّه فلا تقبلوا شهادته و لا تأكلوا ذبيحته» (7)، و المستفاد من المجموع عدم حلية ذبيحة مطلق من حكم بكفره شرعا بأي وجه كان ذلك سواء كان كافرا أصليا أو مرتدا مليا كان أو فطريا.

(4) هذه إحدى المسائل التي اختلفت فيها الأخبار اختلافا شديدا كما

ص: 56


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الذبائح الحديث: 5 و 3.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الذبائح الحديث: 5 و 3.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الذبائح الحديث: 8 و 2 و 7 و 9 و 10.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الذبائح الحديث: 8 و 2 و 7 و 9 و 10.
5- الوسائل باب: 28 من أبواب الذبائح الحديث: 8 و 2 و 7 و 9 و 10.
6- الوسائل باب: 28 من أبواب الذبائح الحديث: 8 و 2 و 7 و 9 و 10.
7- الوسائل باب: 28 من أبواب الذبائح الحديث: 8 و 2 و 7 و 9 و 10.

.....

______________________________

في مسألة أكثر النفاس و مسألة فصول الأذان و الإقامة و مسألة حكم ركعتي الأخيرتين من الرباعية و مسألة السلام المخرج عن الصلاة، و أخبار المقام على أقسام:

الأول: المطلقات الدالة على المنع كقول الصادق عليه السّلام الوارد في ذبيحة اليهودي: «لا تأكل من ذبيحته و لا تشتر منه» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر إسماعيل ابن جابر: «لا تأكل من ذبائح اليهود و النصارى و لا تأكل من آنيتهم» (2)، و عن أبي إبراهيم في خبر المثنى: «في ذبيحة اليهودي و النصراني فقال لا تقربوها» (3)، إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق، و هي موافقة لأصالة عدم التذكية و موافقة مع المشهور و مخالفة للتقية و مجموعها بعد رد بعضها إلى بعض آب عن التقييد فتكون من محكمات أخبار الباب فلا بد من العمل بها إلا أن يقوم دليل قطعي على الخلاف.

الثاني: خبر يونس بن بهمن عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «أهدى إليّ قرابة لي نصراني دجاجا و فراخا قد شواها و عمل لي فالوذجة فآكله؟ فقال عليه السّلام: لا بأس به» (4)، و خبر إسماعيل بن عيسى قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن ذبائح اليهود و النصارى و طعامهم؟ فقال: نعم» (5)، و فيه: أنه قاصر السند و موافق للعامة و مخالف للمشهور و معارض بما هو أرجح منها من جهات فكيف يصح الاعتماد عليه؟! الثالث: ما علّقت الحلّية و الحرمة على تحقق التسمية و عدمه فيحل في الأول دون الأخير، و هي أخبار كثيرة منطوقا و مفهوما منها قول الباقرين عليهما السّلام في الصحيح في ذبائح أهل الكتاب: «فإذا شهدتموهم و قد سمّوا اسم اللّه فكلوا ذبائحهم و إن لم تشهدوهم فلا تأكلوا، و إن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنهم سمّوا

ص: 57


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 10 و 30.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 10 و 30.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 10 و 30.
4- الوسائل باب: 27 من أبواب الذبائح الحديث: 40 و 41.
5- الوسائل باب: 27 من أبواب الذبائح الحديث: 40 و 41.

.....

______________________________

فكل» (1)، و قريب منه غيره و فيه: أولا معارضته بما عن الصادق عليه السّلام في خبر زيد الشحام قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن ذبيحة الذمي؟ فقال: لا تأكله إن سمى و إن لم يسم» (2).

و ثانيا: سقوط اعتباره بإعراض أصحابنا و موافقة غيرنا.

و ثالثا: بما رواه أبو بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ذبيحة اليهودي؟

فقال: حلال، قلت: و إن سمى المسيح؟ قال: و انما سمى المسيح فإنه إنما يريد اللّه» (3)، و مثله غيره فيسقط حينئذ أثر التسمية و عدمها فلا يبقى موضوع لتلك الأخبار الكثيرة.

الرابع: خبر العقرقوفي قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و معنا أبو بصير و أناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب، فقال لهم أبو عبد اللّه عليه السّلام قد سمعتم ما قال اللّه عز و جل في كتابه، فقالوا له: نحب أن تخبرنا، فقال لهم: لا تأكلوها، فلما خرجنا قال أبو بصير: كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته و أباه جميعا يأمران بأكلها، فرجعنا إليه، فقال لي أبو بصير سله فقلت له: جعلت فداك ما تقول في ذبائح أهل الكتاب؟ فقال: أ ليس قد شهدتنا بالغداة و سمعت؟ قلت:

بلى، فقال: لا تأكلها» (4)، و قريب منه غيره و مثل هذه الأخبار ظاهرة في أن الحكم كان مورد التقية فاستفادة الحكم الواقعي مما يظهر منه الجواز لا وجه له كما هو واضح عند اولى الألباب بعد التأمل في أخبار الباب، فان المستفاد منها و من التواريخ أن أهل الكتاب كانوا يتصدون ذبائح المسلمين بإشراف من السلطة، و في مثله لا بد للإمام عليه السّلام أن يبين الحكم الواقعي في ضمن روايات مختلفة حسب اختلاف الخصوصيات و الجهات كما هو دأبهم عليهم السّلام في مثل هذه المسائل.

و هناك أقسام أخرى من الروايات أعرضنا عن ذكرها خوف الإطالة بعد وضوح الحكم.

ص: 58


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الذبائح الحديث: 38.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الذبائح الحديث: 5 و 36 و 25.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب الذبائح الحديث: 5 و 36 و 25.
4- الوسائل باب: 27 من أبواب الذبائح الحديث: 5 و 36 و 25.

و لا يشترط فيه الإيمان (5) فتحل ذبيحة جميع فرق الإسلام (6) عدا النواصب، و المحكوم بكفرهم و هم المعلنون بعداوة أهل البيت عليهم السّلام كالخارجي و إن أظهر الإسلام (7).

مسألة 2: لا يشترط فيه الذكورة و لا البلوغ و لا غير ذلك

(مسألة 2): لا يشترط فيه الذكورة و لا البلوغ و لا غير ذلك، فتحل ذبيحة المرأة فضلا عن الخنثى و كذا الحائض و الجنب و النفساء و الطفل إذا كان مميزا و الأعمى و الأغلف و ولد الزنا (8).

______________________________

(5) لظواهر الأدلة المشتملة على الإسلام و المسلم- كما تقدم بعضها و يأتي بعضها الآخر- مضافا إلى السيرة الفتوائية و العملية قديما و حديثا، و ما نسب إلى بعض من اعتبار الإيمان بالمعنى الأخص و هو مبني على كفر غير المؤمن، و قد أثبتنا بطلان المبنى فلا وجه للبناء.

و أما قول أبي الحسن عليه السّلام لزكريا بن آدم: «إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه و أصحابك إلا في وقت الضرورة إليه» (1)، فلا بد من حمله على مجرد الإسلام أو جعله مما أستدل به على كفر غير أهل الحق، و قد اثبتوا خلافه في محله أو رده إلى أهله.

(6) للاتفاق و الإطلاق خصوصا مثل قول علي عليه السّلام في خبر محمد بن قيس: «ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلى لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه تعالى عليه» (2)، و قوله عليه السّلام: «صام و صلى» ليس شرطا في حلية الذبيحة، و إنما ذكر عليه السّلام ذلك لأجل إحراز إسلامه لا لموضوعية فيهما و كونهما شرطا في الحلية.

(7) تقدم ما يتعلق بكفرهم في كتاب الطهارة عند تعداد النجاسات فراجع.

(8) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق و نصوص خاصة، فعن الباقرين عليهما السّلام:

ص: 59


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الذبائح الحديث: 5.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الذبائح الحديث: 1.
مسألة 3: يشترط في الذبح أن يكون بالحديد مع الاختيار

(مسألة 3): يشترط في الذبح أن يكون بالحديد مع الاختيار (9) فإن

______________________________

«أن ذبيحة المرأة إذا أجادت الذبح و سمت فلا بأس بأكله و كذلك الصبي و كذلك الأعمى إذا سدّد» (1)، و عن الرضا عليه السّلام في خبر المرزبان: «لا بأس بذبيحة الصبي و الخصي و المرأة إذا اضطروا إليه» (2)، و في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام: «يا علي ليس على النساء جمعة- إلى أن قال-: و لا تذبح إلا عند الضرورة» (3)، و يمكن حمل ما ورد على أنها لا تذبح إلا عند الضرورة على ضرب من الكراهة بعد ظهور الاتفاق على عدم اعتبار الضرورة في حلية ذبيحة المرأة و الغلام، و في صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «كانت لعلي بن الحسين عليهما السّلام جارية تذبح له إذا أراد» (4)، و ظهوره في عدم الضرورة و الاضطرار مما لا ينكر و كذا في المداومة و التكرار، و عن الصادق عليه السّلام: «لا بأس بأن يذبح الرجل و هو جنب» (5)، و عنه عليه السّلام أيضا في ذبيحة الأغلف، قال: «كان علي عليه السّلام لا يرى به بأسا» (6)، و في خبر المرزبان قال: «سئل أبو الحسن الرضا عليه السّلام عن ذبيحة ولد الزنا قد عرفناه بذلك؟ قال: لا بأس به و المرأة و الصبي إذا اضطروا إليه» (7)، و في غير صورة الاضطرار محمول على الكراهة، و سئل علي عليه السّلام: «عن الذبائح على غير طهارة فرخص فيه» (8).

و أما الطفل غير المميز و المجنون و السكران فلا تحل ذبيحتهم لعدم حصول القصد منهم و عدم الاعتبار به لو حصل اتفاقا.

(9) إجماعا و نصوصا منها قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «لا ذكاة إلا بحديدة» (9)، و قريب منه غيره و الظاهر عدم الفرق

ص: 60


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الذبائح الحديث: 8 و 10 و 3.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الذبائح الحديث: 8 و 10 و 3.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الذبائح الحديث: 8 و 10 و 3.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب الذبائح الحديث: 9.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب الذبائح.
6- الوسائل باب: 17 من أبواب الذبائح.
7- الوسائل باب: 35 من أبواب الذبائح.
8- مستدرك الوسائل باب: 15 من أبواب الذبائح الحديث: 1.
9- الوسائل باب: 1 من أبواب الذبائح الحديث: 1.

ذبح بغيره مع التمكن منه لم يحل (10) و إن كان من المعادن المنطبعة كالصفر و النحاس و الذهب و الفضة و غيرها.

نعم، لو لم يوجد الحديد و خيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها جاز بكل ما يفري أعضاء الذبح و لو كان قصبا أو ليطة أو حجارة حادة أو زجاجة أو غيرها (11).

______________________________

بين أقسام الحديد.

(10) للأصل و الإجماع و النصوص منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر أبي بكر الحضرمي: «لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة» (1)، و عن الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ذبيحة العود و الحجر و القصبة؟ فقال: قال علي عليه السّلام: لا يصلح إلا بالحديدة» (2).

(11) نصوصا و إجماعا منها صحيح الشحام قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لم يكن بحضرته سكين أ يذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر و بالعظم و بالقصبة و العود إذا لم تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس به» (3)، و قريب منه خبر عبد الرحمن بن الحجاج و غيره.

و في النبوي صلّى اللّه عليه و آله، «امرر الدم بما شئت و اذكر اسم اللّه» (4)، المحمول على صورة الاضطرار جمعا و إجماعا، و الليطة بفتح اللام القشرة الظاهرة من القصب.

و تشهد له القاعدة المعروفة «الضرورات تبيح المحضورات»، و قاعدة «نفي الضرر و الحرج»، و قاعدة «عدم جواز تفويت المال مع إمكان الاستفادة منه بالوجه الحلال».

ثمَّ أن الأقسام خمسة:

الأول: الاضطرار الفعلي إلى الذبح و الاضطرار إلى الذبح بغير الحديد

ص: 61


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الذبائح الحديث: 3 و 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الذبائح الحديث: 3 و 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الذبائح الحديث: 3.
4- سنن ابن ماجه كتاب الذبائح باب: 5 الحديث: 3176.

نعم، في وقوع الذكاة بالسن و الظفر مع الضرورة إشكال (12) و ان

______________________________

لعدم وجدان الحديد.

الثاني: الاضطرار الفعلي إلى الذبح مع وجود الحديد لأجل الاحتياج إلى شحذه و إخراجه عن غمده مثلا بحيث لو فعل ذلك ماتت الذبيحة، و الظاهر شمول الأدلة للصورتين.

الثالث: عدم وجود الحديد إلى مدة يوم مثلا و يضطر في آخر اليوم إلى ذبيحة، هل يجوز له أن يذبحه في أول اليوم و تكون حلالا؟ هذا القسم مبنى على انه هل يجوز البدار في التكاليف الاضطرارية أو لا يجوز؟ و تقدم البحث عنه في الأصول و الأحوط عدم جوازه.

الرابع: إيجاد الاضطرار بالاختيار بان كان عنده سكين فألقاه في البحر مثلا، و هذا القسم مبني على أن التكاليف الاضطرارية هل تشمل ما إذا وجد الاضطرار بالاختيار أو لا؟ مقتضى الإطلاق الشمول و إن كان الأحوط خلافه.

الخامس: تحقق الاضطرار إلى الذبح بغير الحديد لأجل تقية أو ظلم ظالم أو نحو ذلك مقتضى إطلاق المقام الحلية.

(12) نسب الجواز إلى عامة المتأخرين لأن المناط كله إنما هو قطع الحلقوم و فري الأوداج نصا- كصحيح الشحام المتقدم و خبر عبد الرحمن بن الحجاج- و فتوى، و يتحقق ذلك بكل منهما فلا مجرى حينئذ لأصالة عدم التذكية.

و نسب عدم الجواز إلى جمع و استدلوا.

تارة: بأصالة عدم التذكية.

و اخرى: بالإجماع.

و ثالثة: بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ما انهار الدم و ذكر اسم اللّه عليه فكل غير السن و الظفر فإن السن عظم و الظفر مدي الحبشة» (1)، و قريب منه قول علي عليه السّلام: «لا

ص: 62


1- سنن ابن ماجه كتاب الذبائح باب: 5 الحديث: 3178.

كان الوقوع لا يخلو من رجحان (13).

مسألة 4: الواجب في الذبح

(مسألة 4): الواجب في الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة (14) الحلقوم و هو مجرى النفس دخولا و خروجا و المري ء و هو مجرى الطعام

______________________________

بأس بذبيحة المرود و العود و أشباهها ما خلا السن و العظم» (1).

و الكل مخدوش أما الأول فلا وجه له مع كثرة المخالف و كونه اجتهاديا.

و أما الأخير فلقصور السند فلا يصلح لإثبات حكم شرعي، و أما قول علي عليه السّلام فيحمل على مطلق المرجوحية مع وجود غيره.

(13) تمسكا بالعموم و الإطلاق الدال على الحلية المؤيدة بقاعدة «إباحة المحظورات عند الضرورات»، الموافق لسهولة الشريعة المقدسة فيحمل انصراف العموم و الإطلاق عنه كما انه يحتمل انصراف النبوي و العلوي إلى المتصل دون المنفصل.

(14) أرسل ذلك إرسال المسلمات الفقهية و عدّ ذلك في عداد الضروريات الفقهية إن لم تكن مذهبية، و عليه السيرة المستمرة الفتوائية و العملية قديما و حديثا، و لكن لم نظفر على لفظ: «الأوداج الأربعة» بالمعنى المطابقي و إن كان يستفاد ذلك منها التزاما، لأن الموجود فيها «إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك» (2)، و قوله عليه السّلام: «إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس» (3)، و قوله عليه السّلام: «الرأس موضع الذكاة» (4)، و قوله عليه السّلام: «النحر في اللبّة و الذبح في الحلق» (5)، و جميع هذه التعبيرات بعد رد بعضها إلى بعض يلازم فري الأوداج الأربعة.

ص: 63


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الذبائح الحديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 3.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 3.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 3.

و الشراب و محله تحت الحلقوم و الودجان و هما العرقان الغليظان (15) المحيطان بالحلقوم أو المري (16)، و ربما يطلق على هذه الأربعة الأوداج الأربعة (17)، و اللازم قطعها رأسا (18) فلا يكفي شقها من دون قطعها و فصلها (19).

______________________________

(15) و يطلق عليهما الوريدان أيضا.

(16) الترديد باعتبار مقام الإثبات فإن بعضهم عرّفوهما بأنهما: محيطان بالحلقوم، و آخرون بأنهما: محيطان بالمري.

و هذا النزاع ساقط أصلا لأن الأوداج الأربعة متصلة بعضها مع بعض و لها وحدة اعتبارية اتصالية بلا فرق بين أن يقال: انهما متصلان بالحلقوم أو بالمرى لاتصال الأجزاء بعضها مع بعض في لحاظ الوحدة الاتصالية الاعتبارية، و لعله لذلك اكتفى في النص بقطع الحلقوم لأن قطعه ملازم لقطع الأجزاء بالتمام كما هو ظاهر النص (1)، المكتفى به كما هو المشاهد و يعترف به أهل الخبرة بهذه الأمور.

(17) إطلاق هذه الجملة المركبة من اصطلاح الفقهاء و لفظ الأوداج منفردا ورد في النص كما مر.

(18) للإجماع و ظهور النصوص المتقدمة في ذلك.

(19) لأصالة عدم التذكية و ظهور الفتاوى و النصوص في قطع الأربع كما مر، و يظهر من الشهيد الثاني الاكتفاء بقطع الحلقوم فقط لما مر من الحديث.

و فيه: أنه من قصر النظر على خبر واحد مع قطع النظر عن البقية و قطع النظر عن مراجعة كلمات الأجلة، و هو مستلزم لتأسيس فقه جديد لا يرتضيه المتشرعة فضلا عن الفقهاء.

ص: 64


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الذبائح.
مسألة 5: محل الذبح في الحلق تحت اللحيين

(مسألة 5): محل الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به الأوداج الأربعة (20)، و اللازم وقوعه تحت العقدة المسماة في لسان أهل

______________________________

(20) الأوداج ما يربط الرأس بالجثة و يتكوّن العنق منها و طولها و قصرها يدور مدار طول العنق و قصره، و منتهى طرف منها في الرأس و يتشعب إلى عروق دقيقة منتشرة في الرأس، و منتهى الطرف الآخر في الجثة كذلك، و يكفي قطعها في أي جزء وقع القطع من الامتداد الطولي الواقع فيما بين اللحيين و فوق الجثة، و لم يرد تحديد لخصوص محل القطع في هذا الامتداد الطولي في الأخبار و كلمات فقهائنا الأخيار قال في الجواهر: «بقي شي ء كثر السؤال عنه في زماننا هذا و هو دعوى تعلق الأعضاء الأربعة بالخرزة التي تكون في عنق الحيوان المسماة بالجوزة على وجه إذا لم يبقها الذابح في الرأس لم يقطعها أجمع أو لم يعلم بذلك و ان قطع نصف الجوزة، لكن لم أجد لذلك أثرا في كلام الأصحاب و لا في النصوص، و المدار على صدق قطعها تماما أجمع و ربما كان الممارسون بذلك العارفون أولى من غيرهم في معرفة ذلك».

أقول: لو كان الأمر كذلك لاهتم الرواة بسؤاله و وجب على الإمام بيانه في هذا الأمر الابتلائي العظيم، و لوجب على الفقهاء نقله و شرحه حتى لا يختفي الأمر إلى زمان صاحب الجواهر، و قال قدّس سرّه في موضع آخر من كتابه: «و اما ما هو متعارف في زماننا هذا من اعتبار جعل العقدة التي في العنق المسماة في لسان أهل هذا الزمان بالجوزة في الرأس على وجه يكون القطع من تحتها فلم أجد له أثرا في شي ء من النصوص و الفتاوى اللّهم إلا أن لا يحصل قطع الأوداج الأربعة بدون ذلك، و لا أقل من الشك و الأصل عدم التذكية».

أقول: و على هذا يعتبر ذلك في مقام الإثبات لا الثبوت و هو أيضا مشكل لأنه لو كان كذلك لأشير إليه في بيان إمام أو سؤال رأو أو كلام فقيه، و لم سكت الجميع عن ذلك إلى أن ظهر في ألسن الناس في زمان صاحب الجواهر.

ص: 65

هذا الزمان بالجوزة و جعلها في الرأس دون الجثة و البدن بناء على ما قد يدعى من تعلق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة (21) على وجه لو لم يبقها الذابح في الرأس بتمامها و لم يقع الذبح بتمامها من تحتها لم تقطع الأوداج بتمامها، و هذا أمر يعرفه أهل الخبرة الممارسون لذلك فإن كان الأمر كذلك أو لم يحصل القطع بقطع الأوداج بتمامها بدون ذلك فاللازم مراعاته (22)، كما انه يلزم ان يكون شي ء من هذه الأعضاء الأربعة على الرأس حتى يعلم انها قد انقطعت و انفصلت عما يلي الرأس (23).

مسألة 6: يشترط ان يكون الذبح من القدام

(مسألة 6): يشترط ان يكون الذبح من القدام (24) فلو ذبح من القفا و أسرع الى ان قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح

______________________________

(21) تقدم نقل ذلك كله من صاحب الجواهر رحمه اللّه و كل ذلك من مجرد النقل و الدعوى بلا استناد إلى مدرك وثيق أو دليل معتبر.

نعم، لو شهد أهل الخبرة بهذه الأمور بذلك يعتبر قولهم لاعتبار قول أهل الخبرة بالأمور عند متعارف الناس.

(22) لأصالة عدم التذكية عند الشك في حصولها لو لم يكن الشك مستندا إلى الوسواس.

(23) هذا ملازم لجعل الجوزة في طرف الرأس و ليس شيئا زائدا عليه.

(24) نصوصا و إجماعا منها قول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية ابن عمار: «النحر في اللبّة و الذبح في الحلق» (1)، و منها قوله عليه السّلام في صحيح الشحام:

«إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس به» (2)، الظاهر في وقوع الذبح أولا على الحلقوم و تقتضيه السيرة المستمرة أيضا.

ص: 66


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الذبائح الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الذبائح الحديث: 3.

حرمت (25).

نعم، لو قطعها من القدام لكن من الفوق بان ادخل السكين تحت الأعضاء و قطعها الى فوق لم تحرم الذبيحة (26)، و ان فعل مكروها بل الأحوط تركه (27).

______________________________

(25) للأصل و الإجماع و قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم:

«لا تأكل ذبيحة لم تذبح من مذبحها» (1)، و قريب منه غيره.

(26) للإطلاقات بعد صدق الذبح من الحلقوم، و لأصالة البراءة عن اعتبار هذا القيد، و لو كان معتبرا لكثر الاهتمام به بيانا من الإمام عليه السّلام و سؤالا من الناس في هذا الحكم العام البلوى.

(27) المشهور هو الكراهة و أقوالهم في المسألة بين الإفراط و التفريط.

الأول: الكراهة.

الثاني: الحرمة التكليفية فقط كما نسب إلى بعض القدماء.

الثالث: الحرمة الوضعية و حرمة الذبيحة نسب ذلك إلى صاحب الغنية، و الأصل في ذلك خبر حمران بن أعين عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن الذبح، فقال: إذا ذبحت فأرسل و لا تكتف و لا تقلب السكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه إلى فوق، و الإرسال للطير خاصة، فإن تردّى في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعمه فإنك لا تدري التردي قتله أو الذبح و ان كان شي ء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره و لا تمسكن يدا و لا رجلا فأما البقر فاعقلها و أطلق الذنب و أما البعير فشد أخفافه إلى إباطه و أطلق رجليه و ان أفلتك شي ء من الطير و أنت تريد ذبحه أو ندّ عليك، فارمه بسهمك فإذا هو سقط فذكه بمنزلة الصيد» (2)، و العجب من بعض القدماء حيث استفاد الكراهة من سنخ

ص: 67


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الذبائح الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الذبائح الحديث: 2.
مسألة 7: يجب التتابع في الذبح

(مسألة 7): يجب التتابع في الذبح (28) بأن يستوفي قطع الأعضاء قبل زهوق الروح من الذبيحة (29) فلو قطع بعضها و أرسلها حتى انتهت الى الموت ثمَّ استأنف و قطع الباقي حرمت (30) بل لا يترك

______________________________

هذه النواهي كما في جملة من النواهي الواردة في أبواب الذبائح و حملها على الكراهة، و في خصوص المقام استفاد الحرمة مع أن سياق تمام الحديث صدرا و ذيلا سياق الأدب و الكراهة، و أعجب من صاحب الغنية حيث ادعى الإجماع على الحرمة الوضعية.

و لا ريب أن القول بالحرمة فاسد و دعوى الإجماع على الحرمة الوضعية أفسد، مع أن أصل الحديث قاصر سندا فان رجال الحديث و إن كان كلهم ثقات و أبو هاشم الجعفري ثقة جليل القدر، و لكن أباه لم يعرف حاله، و المفروض أنه نقل الحديث عن أبيه، و من ذلك كله يظهر ان الأظهر الكراهة لا الحرمة و لذا عبرنا عبارة سيدنا الأستاذ رحمه اللّه.

(28) لأنه المنساق من الأدلة و عليه السيرة المستمرة فيرجع في غيره إلى أصالة عدم التذكية هذا هو المشهور.

و نسب إلى العلامة استحبابه تمسكا بالإطلاق بعد صدق وقوع فري الأوداج على الحيوان الحي.

و فيه: أنه بعد كون المنساق عرفا من الفري و الذبح التتابع كيف يتمسك بالإطلاق؟ في مورد عدم صدقه أو صدق عدمه هذا إذا لم تكن الحياة مستقرة بعد وقوع الذبح الأول، و أما مع استقرارها فيصدق ذبح الحيوان بعد حمل التتابع المتعارف على الغالب فيصح التمسك بالإطلاق حينئذ، و أما مع الشك في الاستقرار و عدمه فالمرجع أصالة عدم التذكية بعد الشك في صدق الإطلاق.

(29) هذا احد معنى التتابع و المعنى الآخر كون العمل عملا واحدا عرفا من دون تخلل شي ء آخر في البين مطلقا و يأتي ذكره بعد ذلك.

(30) لأن ما وقع أولا لم يكف في إزهاق الروح، و ما وقع ثانيا وقع على الميت لا على الحي فتجري أصالة عدم التذكية فالأقسام ثلاثة:

ص: 68

الاحتياط (31) بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف المعتاد و لا يعد معه عملا واحدا عرفا بل يعد عملين و ان استوفى التمام قبل خروج الروح منها.

مسألة 8: لو قطع رقبة الذبيحة من القفا و بقيت أعضاء الذباحة

(مسألة 8): لو قطع رقبة الذبيحة من القفا و بقيت أعضاء الذباحة فإن بقيت لها الحياة المستكشفة بالحركة و لو كانت يسيرة ذبحت و حلت (32) و إلا لم تحل و صارت ميتة (33).

______________________________

الأول: ما إذا علم بكفاية ما وقع أولا في إزهاق الروح.

الثاني: ما إذا علم بعدم كفايته فيه و بقاء الحياة المستقرة.

الثالث: ما إذا شك في أنه من أي القسمين فتحرم في الأول بعد استناد الموت إلى قطع تمام الأعضاء، و تحل في الثاني ان قطعت بقية الأعضاء لما يأتي، و المرجع في الأخير أصالة عدم التذكية مع عدم وجود امارة على استقرار الحياة في البين، و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجعها و تأمل فيها.

(31) لتعارف ذلك بين الناس فإذا وضع السكين على حلقوم الذبيحة لا يسكن يد الذابح عن الحركة و لا يرفع الآلة إلا بعد تمام الأعضاء، و يمكن أن تكون الأدلة منزّلة على خصوص ذلك فلا إطلاق حينئذ في البين حتى يصح التمسك به، و لكنه مخالف لما يستفاد من مجموع الأدلة من التوسعة في هذا الأمر العام البلوى خصوصا بعد كون المتصدين للمذابح العامة ليسوا من أهل الورع و التقوى فالتضييق في ذلك ربما يؤدي إلى العسر و الحرج.

(32) لوجود المقتضي للحلية و فقد المانع عنها فيؤثر الذبح الشرعي أثره لا محالة.

(33) لوقوع الذبح على الميت فلا أثر له و المرجع حينئذ أصالة عدم التذكية.

ص: 69

مسألة 9: لو أخطأ الذابح و ذبح من فوق العقدة

(مسألة 9): لو أخطأ الذابح و ذبح من فوق العقدة و لم يقطع الأعضاء الأربعة فان لم تبق لها الحياة حرمت (34) و ان بقيت لها الحياة يمكن ان يتدارك بان يتسارع إلى إيقاع الذبح من تحت و قطع الأعضاء حلت (35).

مسألة 10: لو أكل الذئب مثلا مذبح الحيوان و أدركه حيا

(مسألة 10): لو أكل الذئب مثلا مذبح الحيوان و أدركه حيا فإن أكل الأوداج من فوق أو من تحت و بقي مقدار من الجميع معلقة بالرأس أو متصلة بالبدن يمكن ذبحه الشرعي بأن يقطع ما بقي منها، و كذلك لو أكل بعضها كذلك كما إذا أكل الحلقوم بالتمام و ابقى الباقي كذلك، و كان بعد حيا فلو قطع الباقي مع الشرائط وقعت عليه الذكاة و كان حلالا (36)، و أما إذا أكل التمام بحيث لم يبق شي ء منها فالظاهر انه غير قابل للتذكية (37).

______________________________

(34) لعدم اثر لما وقع من الذبح و عدم قابلية المحل لما سيقع منه فتحرم لا محالة.

(35) لوجود المقتضي للحلية و فقد المانع عنها فيؤثر الذبح الشرعي أثره لا محالة، و الظاهر أن الحكم كذلك في سائر الشرائط من التسمية و الاستقبال و الإسلام فلو تداركها في الذبح الثاني تحل و يجزي.

(36) لفرض بقاء الحياة و وقع التذكية على الحيوان الحي فيكون حلالا قهرا.

و توهم أنه لا بد مع قطع الأعضاء الأربعة و مع فرض انه أكل بعضها بالتمام لا موضوع حينئذ للحلية و لو قطع ما بقي (لا وجه له) لأن قطع الأعضاء الأربعة انما هو في ظرف وجودها لا مع عدم بعضها، كما انه لو فرض أن اللّه تبارك و تعالى خلق حيوانا بعضو واحد من تلك الأعضاء أو اثنين أو ثلاثة فيجزى حينئذ قطع الموجود في الحلية.

(37) عدم القابلية لها من باب السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع كما هو المعلوم.

ص: 70

ما يعتبر في التذكية

اشارة

ما يعتبر في التذكية

مسألة 11: يشترط في التذكية الذبحية مضافا الى ما مر أمور

(مسألة 11): يشترط في التذكية الذبحية مضافا الى ما مر أمور:

أحدها: الاستقبال بالذبيحة (38) حال الذبح بان يوجه مذبحها و مقاديم بدنها إلى القبلة (39) فإن أخل به فان كان عامدا عالما حرمت (40)، و إن كان ناسيا أو جاهلا أو خطأ في القبلة أو في العمل لم تحرم (41)، و لو لم يعلم جهة القبلة أو لم يتمكن من توجيهها إليها سقط

______________________________

(38) إجماعا بل الضرورة من المذهب و نصوصا مستفيضة منها قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «استقبل بذبيحتك القبلة» (1)، و قريب منه غيره.

(39) لأن هذا هو المنساق من قوله عليه السّلام: «استقبل بذبيحتك القبلة» و اعتبار الزائد عليه منفي بالأصل و الإطلاق، و أما خبر الدعائم: «إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذّب البهيمة احد الشفرة و استقبل القبلة» (2)، فمضافا إلى قصور سنده لا ظهور في اعتبار الأزيد من استقبال البهيمة.

(40) إجماعا و نصوصا منها صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة؟ فقال عليه السّلام: «لا بأس إذا لم يتعمد» (3)، و مثله غيره فخرج صورة التعمد و بقي كلما ليس بعمد من الغفلة و الخطأ و النسيان و الجهل موضوعا أو حكما قاصرا أو مقصرا.

(41) إجماعا و نصوصا منها ما تقدم و منها صحيح ابن مسلم عن أبي

ص: 71


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الذبائح.
2- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب الذبائح الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الذبائح الحديث: 3.

هذا الشرط (42)، و لا يشترط استقبال الذابح على الأقوى و إن كان أحوط و أولى (43).

ثانيها: التسمية من الذابح (44) بان يذكر اسم اللّه تعالى عليه حينما يتشاغل بالذبح أو متصلا به عرفا (45)، فلو أخل بها فإن كان عمدا حرمت و ان كان نسيانا لم تحرم (46)، و في إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو

______________________________

جعفر عليه السّلام: «عن رجل ذبح ذبيحة فجهل ان يوجهها إلى القبلة، قال: كل منها» (1)، و إطلاقه يشمل الموضوع و الحكم و القاصر و المقصر.

(42) لأن ظاهر النصوص انه شرط في حال الإمكان و الاختيار مضافا إلى ظهور الإجماع عليه و يشمل عدم التمكن الإكراه و الاضطرار و الإجبار.

(43) أما الأول فللإطلاق و ظهور الاتفاق، و أما الثاني فلما مر من خبر الدعائم القاصر عن افادة الوجوب.

(44) للكتاب المبين فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (2)، و إجماع المسلمين و المستفيضة من نصوص المعصومين منها قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «و لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم اللّه عليها» (3)، و قريب منه غيره.

(45) لشمول إطلاق الأدلة لكل منهما و صدق ذكر اسم اللّه عليه عرفا في القسمين.

(46) نصا و إجماعا فيهما ففي الصحيح قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يذبح و لا يسمي؟ قال عليه السّلام: ان كان ناسيا فلا بأس إذا كان مسلما» (4).

و ما دل على انه يسمي بعده كقوله عليه السّلام: «فليسم حين يذكر و يقول بسم

ص: 72


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الذبائح الحديث: 2.
2- سورة الانعام: 118.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 2.

العمد قولان؟ أظهرهما الثاني (47)، و المعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد اعني بعنوان كونها على الذبيحة (48) و لا تجزى التسمية الاتفاقية الصادرة لغرض آخر.

ثالثها: صدور حركة منها بعد تمامية الذبح كي تدل على وقوعه على الحي (49)، و لو كانت جزئية- مثل أن تطرف عينها أو تحرّك اذنها أو ذنبها

______________________________

اللّه على أوّله و آخره» (1)، محمول على الندب إجماعا.

(47) لإطلاق ما دل على حرمة ما لم يذكر اسم اللّه عليه، و أصالة عدم التذكية بعد الاقتصار في النصوص على استثناء خصوص صورة النسيان فقط.

و احتمال انه ذكر من باب المثال لكل عذر لا دليل عليه، كما ان حمل التسمية على الاستقبال قياس لا نقول به.

(48) لأنه المتفاهم من الأدلة و لأصالة عدم التذكية إلا بذلك.

(49) هذا الشرط متعرض لبيان طريق إحراز وقوع التذكية على الحي، و البحث فيه من جهات:

الأولى: تارة يعلم بوقوعها على الحي و لا موضوع للرجوع إلى الأمارة حينئذ لأن العلم أقوى الامارات و أجلها.

و اخرى: بوقوعها على الميت و لا موضوع للرجوع إلى الأمارة حينئذ أيضا.

و ثالثة: نشك في ذلك فيتحقق موضوع الرجوع إليها حينئذ.

الثانية: هذه الأمارات الواردة في أخبار الباب و عبارات الأصحاب أمور طبيعية عرفية قرّرها الشارع تسهيلا على الأنام لا ان تكون أمورا تعبدية محضة كما هو واضح.

الثالثة: مقتضى جعل هذه الأمارة انه لا يكفي الاعتماد على استصحاب

ص: 73


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الذبائح الحديث: 4.

.....

______________________________

بقاء الحياة مع فقدها و تحقق الشك في الحياة و عدمها، فالشارع جعل عدم هذه الأمارة علامة على تحقق الموت فلا يبقى موضوع لاستصحاب بقاء الحياة.

الرابعة: تحقق هذه الأمارة إما قبل وقوع التذكية فتقع على المتلبس بهذه الامارة.

و اخرى: تحقق الأمارة بعد الفراغ منها.

و ثالثة: تكون مقارنا لها و بعد الفراغ من التذكية تنعدم الأمارة.

و ظاهر الفقهاء الإجماع على اعتبار خصوص القسم الثاني بأن يعلم بالأمارة أن المذبوح قد تمَّ ذبحه و هو حي فلا عبرة بالحركة قبل الذبح و لا المقارن معه ما لم تستمر إلى ما بعد الفراغ من الذبح، و استظهروا ذلك من الأدلة خصوصا خبر المرادي الآتي، فالأقسام أربعة:

الأول: كون التذكية علة تامة لإزهاق الروح و وجود أمارة عليه بعد زهوق الروح.

الثاني: زهوق الروح بغير التذكية.

الثالث: الشك في أنه كان بالتذكية أو بغيرها مع عدم أمارة على التعيين بعدها.

الرابع: كون زهوق الروح بالتذكية مع عدم أمارة عليه بعد الفراغ عنها.

و ظاهرهم حرمة المذبوح في الجميع إلا في القسم الأول فقط، و يأتي في المسألة الرابعة عشرة ما ينفع المقام.

الخامسة: حركات هذه الأعضاء تارة اختيارية.

و اخرى: من قبيل الاتفاقات التي قد تحصل للميت أيضا، و المعتبر هو الأولى دون الأخيرة، و مع الشك في أنها من أي منهما؟ يمكن استصحاب بقاء الإرادة و الاختيار.

السادسة: للحركات و استقرار الحياة مراتب متفاوتة كثيرة، قلة و كثرة شدة و ضعفا كما هو من لوازم كل حركة، و مقتضى الإطلاق صحة الاكتفاء بأدنى

ص: 74

.....

______________________________

المراتب و أولاها لكشف ذلك عن الحياة.

السابعة: عمدة الأقوال في المسألة ثلاثة:

الأول: الاجتزاء في إحراز الحياة بأحد الأمرين من الحركة أو خروج الدم المعتدل نسب ذلك إلى المشهور بين المتأخرين.

الثاني: اعتبار الحركة فقط دون غيرها نسب ذلك إلى الصدوق و العلامة.

الثالث: اعتبار خروج الدم المعتدل فقط نسب ذلك إلى جمع منهم المفيد و ابن زهرة و ادعى الأخير الإجماع عليه.

الثامنة: مجموع اخبار الباب الواردة في بيان أمارة الحلية على أقسام ثلاثة:

الأول: ما ذكر فيها الحركة فقط من غير تعرض لخروج الدم أصلا لا من حيث جعله من الأمارات و لا من حيث نفي الأمارية عنه، و هي كثيرة كقول الصادق عليه السّلام في الصحيح: إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الإذن فهو ذكي» (1)، و قوله عليه السّلام أيضا: «الشاة إذا طرفت عينها أو حركت ذنبها فهي ذكية» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

الثاني: ما يظهر منه عدم الاعتبار بخروج الدم و انما الاعتبار بالحركة فقط كصحيح المرادي عن الصادق عليه السّلام: «عن الشاة تذبح فلا تتحرك و يهراق منها دم كثير عبيط، فقال: لا تأكل إن عليا عليه السّلام كان يقول، إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل» (3)، و يمكن حمله على ما إذا كان خروج الدم متثاقلا لا معتدلا.

الثالث: ما ذكر فيه خروج الدم فقط، كقول الصادق عليه السّلام «إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس» (4).

الرابع: ما فرق فيه بين الدم المتثاقل فلا يحل و الدم المعتدل فيحل كخبر

ص: 75


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الذبائح الحديث: 3 و 4.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الذبائح الحديث: 3 و 4.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الذبائح الحديث: 1.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب الذبائح الحديث: 3.

أو تركض برجلها و نحوها- و لا يحتاج مع ذلك إلى خروج الدم المعتدل، فلو تحرك و لم يخرج الدم أو خرج متثاقلا و متقاطرا لا سائلا و معتدلا كفى في التذكية، و في الاكتفاء به أيضا حتى يكون المعتبر أحد الأمرين من الحركة أو خروج الدم المعتدل قول مشهور لكن عندي فيه تردد و إشكال (50)، هذا إذا لم يعلم حياته و اما إذا علم حياته بخروج مثل هذا

______________________________

الحسين بن مسلم قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذا جاءه محمد بن عبد السلام فقال له: جعلت فداك تقول لك جدتي: إن رجلا ضرب بقرة بفأس فسقطت ثمَّ ذبحها، فلم يرسل معه بالجواب و دعا سعيدة مولاة أم فروة فقال لها: إن محمدا جاءني برسالة منك فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه فإن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا و أطعموا، و إن كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه» (1).

هذه خلاصة ما وصل إلينا من أخبار الباب عن الأئمة الأطهار و حينئذ فمن قصر الحلية على خصوص خروج الدم فقط أو خصوص الحركة كذلك لم يلحظ مجموع الاخبار بنظر التأمل و الاعتبار، و القول الوسط العدل ما ذهب إليه المشهور من المتأخرين و هو مقتضى الجمع بين شتات الأخبار على ما جرت عليه عادة فقهائنا الأخيار.

(50) وجه الإشكال أولا ان ظاهرهم الإجماع على اعتبار كون العلامة بعد تمامية الذبح و لو اكتفوا بخروج الدم فقط من دون سائر العلامات يكون هذا مقارنا للذبح لا أن يكون بعده.

و ثانيا: إمكان حمل ما دل على الاكتفاء بخروج الدم على بعض المحامل فلا وجه للجزم بكفايته فقط.

و ثالثا: أنه مقيد بما إذا علم الحياة فلا يشمل غير تلك الصورة و يأتي انه لا

ص: 76


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الذبائح الحديث: 2.

الدم اكتفى به بلا إشكال (51).

مسألة 12: لا يعتبر كيفية خاصة في وضع الذبيحة على الأرض حال الذبح

(مسألة 12): لا يعتبر كيفية خاصة في وضع الذبيحة على الأرض حال الذبح (52)، فلا فرق بين أن يضعها على الجانب الأيمن كهيئة الميت حال الدفن و أن يضعها على الأيسر.

مسألة 13: لا يعتبر في التسمية كيفية خاصة

(مسألة 13): لا يعتبر في التسمية كيفية خاصة و أن يكون في ضمن البسملة بل المدار على صدق ذكر اسم اللّه عليها فيكفي أن يقول «باسم اللّه» أو «اللّه أكبر» أو «الحمد للّه» أو «لا إله إلا اللّه» و نحو ذلك (53)، و في الاكتفاء بلفظ «اللّه» من دون أن يقرن بما يصير به كلاما تاما دالا على صفة كمال أو

______________________________

إشكال فيها حينئذ.

و فيه: أما الأول فلأنه لا موضوع لفرض خروج الدم بعد تمامية الذبح كما هو معلوم، و لكن يصح فرض كون الحركة بعده بلا إشكال، و أما الثاني فالحمل على المحامل تارة مع شاهد قريب و أخرى مع شاهد بعيد و ثالثة بلا شاهد أصلا.

و الصحيح هي الأولى فقط مع وجود قرينة عليه دون الأخيرتين، و هي مفقودة كما لا يخفى على المتدبر في المطولات، و أما الأخير فهو من تقييد الإطلاق بلا دليل عليه فالأوجه ما هو المشهور و لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاة الحركة.

(51) لفرض العلم بالحياة و لا حجة أقوى منه كما تقدم في الجهة الأولى.

(52) للإطلاق و ظهور الاتفاق.

(53) كل ذلك لإطلاق الأدلة من الكتاب و السنة الشامل للجميع، و في صحيح ابن مسلم قال: «سألته عن رجل ذبح فسبح أو كبر أو هلل أو حمد اللّه؟

قال: هذا كله من أسماء اللّه لا بأس به» (1).

ص: 77


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الذبائح الحديث: 1.

ثناء أو تمجيد إشكال (54) كالتعدي من لفظ اللّه الى سائر أسمائه الحسنى كالرحمن و الرحيم و الخالق و غيرها (55)، و كذا التعدي إلى ما يرادف هذه اللفظة المباركة في لغة أخرى كلفظة يزدان في الفارسية و غيرها في غيرها فإن فيه إشكالا بل عدم الجواز قوي جدا (56).

مسألة 14: ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه يشترط في حلية الذبيحة

(مسألة 14): ذهب جماعة من الفقهاء (57) إلى أنه يشترط في حلية الذبيحة استقرار الحياة لها قبل الذبح فلو كانت غير مستقرة الحياة لم تحل بالذبح و كانت ميتة، و فسروا الاستقرار المزبور بأن لا تكون مشرفة على الموت بحيث لا يمكن أن يعيش مثلها في اليوم أو نصف يوم كالمشقوق بطنه و المخرج حشوته و المذبوح من قفاه الباقية أوداجه و الساقط عن شاهق تكسرت عظامه و ما أكل السبع بعض ما به حياته و أمثال ذلك،

______________________________

(54) من الجمود على إطلاق ذكر اسم اللّه عليه فيجزى، و من أن المنساق من الأدلة موصوفا بصفة كمال و جلال و لا أقل من الشك و الأصل عدم التذكية.

(55) من انسباق لفظ الجلالة فقط من الأدلة دون سائر الأسماء الخاصة، و من ان هذا الانسباق بدوي غالبي لا أن يكون من الظهور الفعلي المستقر فيجزي جميع الأسماء المختصة، و لكن الاحتياط في ذكر الجلالة فقط.

(56) لا قوّة فيه فإن منشأ الاختصاص إما الانصراف إلى العربية أو أن ما ورد في الأدلة انما هو لفظ العربية.

و لا ريب في أن الأول من الانصرافات البدوية التي لا اعتبار بها، و الثاني لأجل أن الكتاب و السنة وردا بلفظ العربية فلو كان المجتمع مجتمعا غير عربي لورد اللفظ غير عربي.

فالعربية من خصوصيات المورد لا من خصوصيات ذات الحكم مطلقا كما في الصلاة و نحوها، و لكن الاحتياط الإتيان بالعربية مع الإمكان.

(57) منهم الشيخ و الشهيد و العلامة في بعض كتبه و أطالوا الكلام في ذلك

ص: 78

و الأقوى عدم اعتبار استقرار الحياة بالمعنى المزبور (58)، بل المعتبر أصل الحياة و لو كانت عند اشراف انقطاعها و خروجها (59) فإن علم ذلك و إلا يكون الكاشف عنها الحركة بعد الذبح و لو كانت جزئية يسيرة كما

______________________________

اطالة لا وجه لها، و كم لهم من هذه الخلافات التي لا جدوى فيها؟! و خلاصة كلامهم أن المنساق من الأدلة انما هو اعتبار وقوع الذبح على الحي الثابتة حياته، فلو كانت حياته في معرض الزوال لا تشمله الأدلة بل تجري فيه أصالة عدم التذكية، هذه خلاصة ما افادوه من الدليل على ما عليه من التطويل و التفصيل.

ثمَّ انه لمجموع كلماتهم خلاصة أخرى و هي أن الذبح إما أن يقع على ما هو معلوم الحياة أو ما هو معلوم الموت أو ما هو مشكوك الموت و الحياة، و الأول حلال و الثاني حرام و الأخير يستكشف حليته و حرمته بالحركة بعد الذبح فمع تحقق الحركة التي مرت الإشارة إليها بعد الذبح يحل و مع عدمه لا يحل فأي ثمرة عملية أو علمية بعد ذلك في هذا النزاع الطويل.

ثمَّ انهم فسروا استقرار الحياة.

تارة: بالزمان كقابلية الحيوان لبقاء حياته بيوم أو نصف يوم.

و اخرى: بالأمارة الدالة على الحياة و بعد عدم ثمرة مطلقا في البين لا وجه لصرف الوقت في النقض و الإبرام فيما لا فائدة فيه.

(58) لعدم دليل على اعتباره من عقل أو نقل أو عرف، و المناط كله وقوع الذبح على الحي و طريق إحراز ذلك ما أجمعوا عليه من تحقق الحركة بنحو ما مر بعد الذبح، و مع إحراز ذلك فلا موضوع لاعتبار استقرار الحياة بما قالوه.

(59) لصدق وقوع الذكاة على الحي و صدق ذبح الحيوان الحي عرفا و عقلا و شرعا و لو بهذه المرتبة من الحياة، و تدل عليه الأخبار الواردة في ذبح ما يدرك حياته من الصيد (1)، التي تقدم بعضها و هي ظاهرة في كفاية هذا المقدار

ص: 79


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الصيد الحديث: 4.

تقدم (60).

مسألة 15: لا يشترط في حلية أكل الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيا

(مسألة 15): لا يشترط في حلية أكل الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيا أن يكون خروج روحها بذلك الذبح فلو وقع عليها الذبح الشرعي ثمَّ وقعت في نار أو ماء أو سقطت من جبل و نحو ذلك فماتت بذلك حلت على الأقوى (61).

مسألة 16: تختص الإبل من بين البهائم بان تذكيتها بالنحر

(مسألة 16): تختص الإبل من بين البهائم بان تذكيتها بالنحر (62)،

______________________________

من الحياة.

(60) أما مع العلم بها فلا ريب في صدق وقوع الذبح على الحي و أما مع عدمه فلما مر من اعتبار تلك الحركات في كشفها عن بقاء الحياة شرعا.

(61) لتحقق التذكية الشرعية فتشمله العمومات و الإطلاقات لا محالة، و قال أبو جعفر عليه السّلام في الصحيح: «و إن ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار أو في الماء أو من فوق بيتك إذا كنت قد أجدت الذبح فكل» (1)، مضافا إلى الإجماع.

و أما قوله عليه السّلام: «إن تردّى في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعم، فإنك لا تدري التردي قتله أو الذبح» (2)، فمحمول بقرينة ذيله و قوله عليه السّلام الأول على صورة عدم إجادة الذبح.

(62) لما يظهر من مجموع النصوص المتفرقة المفروغية عن ذلك عند الأئمة عليهم السّلام منها ما ورد في المستعصي: «إن امتنع عليك بعير و أنت تريد أن تنحره فانطلق منك فإن خشيت أن يسبقك فضربته أو طعنته بحربة بعد ان تسمي فكل الا ان تدركه و لم يمت بعد فذكّه» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار و يظهر من مثله مسلمية الحكم بين الناس أيضا

ص: 80


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح الحديث: 5.

كما ان غيرها يختص بالذبح (63) فلو ذبحت الإبل أو نحرت غيرها كانت ميتة (64).

نعم، لو بقيت له الحياة بعد ذلك أمكن التدارك بأن يذبح ما يجب ذبحه بعد ما نحر أو ينحر ما يجب نحره بعد ما ذبحه و وقعت عليه التذكية (65).

مسألة 17: كيفية النحر و محله

(مسألة 17): كيفية النحر و محله أن يدخل سكينا أو رمحا و نحوهما من الآلات الحادة الحديدية في لبّته، و هي المحل المنخفض الواقع بين أصل العنق و الصدر (66).

و يشترط فيه كل ما اشترط في تذكية الذبيحة فيشترط في الناحر ما اشترط في الذابح و في آلة النحر ما اشترط في آلة الذبح، و يجب التسمية عند النحر كما تجب عند الذبح و يجب الاستقبال بالمنحور كما يجب

______________________________

(63) إجماعا و نصوصا تقدم بعضها و عن أبي الحسن عليه السّلام في صحيح صفوان: «للبقر الذبح و ما نحر فليس بذكي» (1).

(64) لقول الصادق عليه السّلام: «كل منحور مذبوح حرام، و كل مذبوح منحور حرام» (2)، و في سياقه أخبار أخرى مضافا إلى الأصل و الإجماع.

(65) لما مر مكررا من أن هذا ما تدرك به التذكية فإذا فات أولها لا وجه لأن يفوت آخرها.

(66) للإجماع و النص و العرف ففي الخبر: «ينحر حيال القبلة فيضرب في لبّته بالشفرة حتى تقطع و تفرى» (3).

ص: 81


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 3.
3- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب الذبائح: 5، و في سنن البيهقي ج: 5 صفحة: 237 باب نحر الإبل قياما (كتاب الحج).

بالذبيحة (67)، و في اعتبار الحياة أو استقرارها هنا ما مر في الذبيحة.

مسألة 18: يجوز نحر الإبل قائمة و باركة مقبلة إلى القبلة

(مسألة 18): يجوز نحر الإبل قائمة و باركة مقبلة إلى القبلة بل يجوز نحرها ساقطة على جنبها مع توجيه منحرها و مقاديم بدنها إلى القبلة و إن كان الأفضل كونها قائمة (68).

مسألة 19: كل ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان

(مسألة 19): كل ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان اما لاستعصائه أو لوقوعه في موضع لا يتمكن الإنسان من الوصول الى موضع الذكاة ليذبحه أو ينحره، كما لو تردّى في البئر أو وقع في مكان ضيق و خيف موته (69) جاز ان يعقره (70) بسيف أو سكين أو رمح أو غيرها مما

______________________________

(67) كل ذلك للإطلاق كما مر و الاتفاق الشامل لكل مذبوح و لكل منحور.

(68) اما جواز النحر قائمة أو باركة أو ساقطة فللإطلاق و الاتفاق و أما كون الأفضل القيام فلو رود النص فيه(1)، المحمول على الفضل و الاستحباب.

(69) لشمول إطلاق كلماتهم لذلك كله.

(70) للإجماع و النصوص، و لكونه حينئذ بمنزلة الوحشي فيجري عليه حكمه، فعن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «إذا استوحشت الإنسية فإنه يحل ما يحل الوحشية» (2)، و عن جعفر عن أبيه إن عليا عليه السّلام قال: «إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها، و إن لم تقدروا على ان تعرقبوها فإنه يحلها ما يحل الوحش» (3).

و في صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها، و قد سمى حين ضرب فقال: «لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح

ص: 82


1- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب الذبائح: 5، و في سنن البيهقي ج: 5 صفحة: 237 باب نحر الإبل قياما (كتاب الحج).
2- كنز العمال ج: 3 رقم 3792 صفحة: 2412.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح الحديث: 9.

يجرحه و يقتله (71)، و يحل أكله و إن لم يصادف العقر موضع التذكية (72) و سقطت شرطية الذبح و النحر و كذلك الاستقبال (73).

نعم، في سائر الشرائط من التسمية و شرائط الذابح و الناحر يجب مراعاتها (74)، و أما الآلة فيعتبر فيه ما مر في آلة الصيد الجمادية (75)،

______________________________

من مذبحها إذا تعمد ذلك و لم تكن حاله حال اضطرار، فأما إذا اضطر إليه و استصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك» (1)، و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن امتنع عليك بعير و أنت تريد أن تنحره فانطلق منك فان خشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته بحربة بعد أن تسمي فكل إلا أن تدركه و لم يمت بعد فذكه»(2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(71) للإطلاق- كما تقدم- الشامل لجميع ذلك.

(72) لأنه لا معنى لتنزيله منزلة الوحش إلا ذلك، و عن أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة «سألته عن بعير تردى في بئر فذبح من قبل ذنبه؟ فقال: لا بأس إذا ذكر اسم اللّه عليه» (3)، و عن علي عليه السّلام: «أيما إنسية تردت في بئر فلم يقدر على منحرها فلينحرها من حيث يقدر عليه و يسمى اللّه عز و جل عليها و تؤكل» (4)، و يؤيد أصل الحكم عدم جواز تضييع المال و قاعدة نفي الحرج، و تأمل في الحكم المحقق الأردبيلي و هو في غير محله كما اعترف به في الجواهر.

(73) لعين ما مر في سابقة من غير فرق.

(74) لعموم دليل اعتبارها الشامل للإنسي و المتوحّش، مضافا إلى ذكر التسمية في هذه النصوص الخاصة المتقدمة.

(75) لإطلاق أدلة اعتبار السلاح الشامل لهذا القسم من الوحش أيضا و إن لم يسم بالصيد موضوعا، و قد ورد في نصوص المقام «الحربة» و «السيف»

ص: 83


1- الوسائل باب: 32 من أبواب الصيد.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح الحديث: 5.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح الحديث: 6 و 8.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح الحديث: 6 و 8.

و في الاجتزاء هنا بعقر الكلب وجهان (76) أقواهما ذلك في المستعصي (77) دون غيره كالمتردي (78).

______________________________

و «السهم»، و الظاهر أن ذلك من باب المثال لكل ما جاز به الاصطياد و ان لم يكن المورد صيدا موضوعا و كان منه حكما.

(76) من إطلاق قول علي عليه السّلام: «إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها و إن لم تقدروا على أن تعرقبوها فإنه يحلها ما يحل الوحش» (1)، و هو صريح في اتحاد حكم المستوحش بالعارض و الوحشي بالأصل و ما مر من النبوي المنجبر بالعمل و الإجماع، فالمستوحش بالعارض و بالأصل يتحدان في الحلية بالالة الجمادية و الحيوانية، و من ذكر الإله الجمادية فقط من أخبار الباب كما تقدم فلا بد من الاقتصار عليها في الحكم المخالف للأصل.

(77) لأن ما مر من النبوي و العلوي في مقام جعل القاعدة الكلية فيه غير القابلة للتخصص إلا بمخصص قوي و هو مفقود، و ما ذكر من الآلات الجمادية انما هو من باب المثال لا التقييد مع ان غالبها وقع في كلام السائل.

(78) لأن نصوص المتردي لا عموم فيها يشمل التذكية لعقر الكلب ففي خبر الجعفي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: بعير تردى في بئر كيف ينحر؟ قال:

يدخل الحربة فيطعنه بها و يسمى و يأكل» (2)، و خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن بعير تردى في بئر فذبح من قبل ذنبه؟ فقال: لا بأس إذا ذكر اسم اللّه عليه» (3)، إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق مما ظاهره الاختصاص بالآلة الجمادية و الآبي عن التعميم إلى الآلة الحيوانية.

ص: 84


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح الحديث: 9.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح الحديث: 4 و 6.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الذبائح الحديث: 4 و 6.

آداب الذباحة و النحر

اشارة

آداب الذباحة و النحر للذباحة و النحر آداب و وظائف مستحبة و مكروهة.

مسألة 20: الآداب المستحبة كثيرة

(مسألة 20): الآداب المستحبة كثيرة فمنها: أن يربط يدي الغنم مع احدى رجليه و يطلق الأخرى و يمسك صوفه و شعره بيده حتى تبرد (79)، و في البقر أن يعقل قوائمه الأربع و يطلق ذنبه (80)، و في الإبل تكون قائمة و يربط يديها ما بين الخفين الى الركبتين أو الإبطين و يطلق رجليها (81)،

______________________________

(79) على المشهور في كل ذلك و يكفي في الحكم بالاستحباب كونه من الرفق و الإحسان المأمورين بهما على ما سيأتي، بل قد يستأنس ذلك من قول الصادق عليه السّلام في خبر حمران بن أعين: «و إن كان شي ء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره و لا تمسكن يدا و لا رجلا» (1).

(80) لقوله عليه السّلام في خبر حمران بن أعين: «فأما البقر فاعقلها و أطلق الذنب» (2).

(81) لقوله عليه السّلام أيضا: «و أما البعير فشد أخفافه إلى إباطه و أطلق رجليه» (3)، و في صحيح ابن سنان: «يربط يديها ما بين الخف إلى الركبة» (4)، و روي عنه عليه السّلام: «انه ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى» (5)، و روي ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه: «كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها» (6)، و الأمر سهل لان الاستحباب يقبل المسامحة عند الأصحاب.

ص: 85


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الذبائح الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الذبائح الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الذبائح الحديث: 2.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب الذبائح في منى الحديث: 1 و 3.
5- الوسائل باب: 35 من أبواب الذبائح في منى الحديث: 1 و 3.
6- سنن البيهقي: ج: 5 صفحة: 237.

و في الطير أن يرسله بعد الذبح حتى يرفرف (82).

و منها: أن يكون الذابح أو الناحر مستقبل القبلة (83).

و منها: أن يعرض عليه الماء قبل الذبح أو النحر (84).

و منها: أن يعامل مع الحيوان في الذبح أو النحر و مقدماتهما ما هو الأسهل و الأروح و أبعد من التعذيب و الأذية له بأن يساق إلى الذبح أو النحر برفق و يضجعه للذبح برفق، و إن يحدّ الشفرة و توارى و تستر عنه حتى لا يراها و أن يسرع في العمل و يمر السكين في المذبح بقوة فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إن اللّه تعالى شأنه كتب عليكم الإحسان في كل شي ء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، و ليحد أحدكم شفرته و ليرح ذبيحته» و في نبوي آخر أنه صلّى اللّه عليه و آله: «أمر أن تحدّ الشفار و أن توارى عن البهائم».

______________________________

(82) لقوله عليه السّلام فيما تقدم: «و الإرسال للطير خاصة» (1).

(83) أما الذابح فلما تقدم من خبر الدعائم (2)، و أما الناحر فلقوله عليه السّلام بعد أن سئل عن كيفية النحر: «يقوم الذي ينحره حيال القبلة فيضرب في لبته حتى يقطع و يفري» (3).

(84) لأنه إحسان و رفق و أمرنا بهما لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «إن اللّه تعالى شأنه كتب عليكم الإحسان في كل شي ء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة» (4)، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «يرفق بالذبيحة و لا يعنف بها قبل الذبح و لا بعده- الحديث-» (5)، إلى غير ذلك من الاخبار و إلا فلا دليل لهم سوى ذلك فيما

ص: 86


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الذبح الحديث: 2.
2- تقدم في صفحة: 71.
3- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب الذبائح الحديث: 5.
4- سنن البيهقي ج: 9 ص: 280 كتاب الضحايا.
5- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب الذبائح الحديث: 3.

و أما المكروهة فمنها إبانة الرأس قبل خروج الروح منها عند الأكثر (85) و حرّمها جماعة (86) و هو الأحوط (87)، و لا تحرم الذبيحة بفعلها و لو قلنا بالحرمة على الأقوى (88) هذا مع التعمد و أما مع الغفلة أو سبق السكين فلا حرمة و لا كراهة لا في الأكل و لا في الإبانة بلا

______________________________

تفحصناه عاجلا. و اللّه العالم.

(85) منهم الشيخ رحمه اللّه في الخلاف و ادعى إجماع الصحابة على الكراهة، و عن بعض دعوى إجماع المحصلين عليها و اختارها المحقق في الشرائع و الفاضل في جملة كتبه و ابن إدريس بقرينة الإجماع و ان السياق سياق الآداب.

(86) منهم الشهيدان و الفاضل في مختلفه جمودا على ظاهر النهي في صحيح الحلبي «لا يتعمد قطع رأسه» (1)، و غيره من الروايات.

(87) لظهور النهي في الحرمة ما لم تكن قرينة معتبرة على الخلاف.

و مجرد احتمال أن السياق سياق الآداب لا ينافي الظهور مع أنه ذكر في عداد التسمية و إسلام الذابح ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الذبيحة، فقال: استقبل بذبيحتك القبلة- إلى أن قال- و سألته عن الرجل يذبح و لا يسمي؟ قال عليه السّلام: إن كان ناسيا فلا بأس إذا كان مسلما و كان يحسن أن يذبح و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما يذبح» (2).

(88) نسب ذلك إلى الكثير منهم جمع من القائلين بالحرمة لإطلاق قوله تعالى فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (3)، و ما تقدم من صحيح الحلبي.

ص: 87


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الذبح الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 14 و 15 من أبواب الذبح الحديث: 1 و 2.
3- سورة الأنعام: 118.

إشكال (89).

و منها: أن تنخع الذبيحة (90) بمعنى إصابة السكين إلى نخاعها و هو الخيط الأبيض وسط الفقار الممتد من الرقبة إلى عجب الذنب.

و منها: أن يسلخ جلدها قبل خروج الروح منها (91)، و قيل فيه

______________________________

(89) لظهور إطلاق قوله تعالى فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ و الاتفاق، و عن أبي جعفر عليه السّلام في خبر فضيل بن يسار قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل ذبح فتسبقه السكين فتقطع الرأس؟ فقال عليه السّلام: ذكاة و حية لا بأس بأكله» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر محمد بن مسلم قال: «سألته عن مسلم ذبح و سمى فسبقته مديته بحدتها فأبان الرأس؟ فقال: إن خرج الدم فكل» (2)، و قريب منه ما عن الصادق عليه السّلام في خبر سماعة (3)، و عن ابن جعفر عن أخيه عليهما السّلام: «الرجل ذبح فقطع الرأس قبل أن تبرد الذبيحة كان ذلك منه خطأ و سبقه السكين أتوكل ذلك؟ قال: نعم، و لكن لا يعود» (4).

(90) إجماعا و نصا قال الصادق عليه السّلام في خبر الحلبي: «لا تنخع الذبيحة حتى تموت فإذا ماتت فانخعها» (5)، و مثله ما عن أبي جعفر عليه السّلام في رواية محمد ابن مسلم: «سألته عن الذبيحة فقال أستقبل بذبيحتك القبلة و لا تنخعها حتى تموت» (6)، و عن بعض تفسيره بإبانة الرأس و الظاهر ملازمتهما في الجملة.

(91) لقول أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «إذا ذبحت الشاة و سلخت أو سلخ شي ء منها قبل أن تموت لم يحل أكلها» (7)، المحمول على الكراهة إجماعا.

ص: 88


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الذبائح الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الذبائح الحديث: 4 و 7.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الذبائح الحديث: 4 و 7.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب الذبائح الحديث: 2 و 1.
6- الوسائل باب: 6 من أبواب الذبائح الحديث: 2 و 1.
7- الوسائل باب: 8 من أبواب الذبائح الحديث: 1.

بالحرمة (92) و إن لم تحرم الذبيحة و هي الأحوط (93).

و منها: أن يقلب السكين و يدخلها تحت الحلقوم و يقطع إلى فوق (94).

و منها: أن يذبح حيوان و حيوان آخر ينظر إليه (95).

و منها: أن يذبح ليلا و بالنهار قبل الزوال يوم الجمعة إلا مع الضرورة (96).

______________________________

(92) يظهر ذلك من الدروس و صاحب الوسائل و لكن الحديث المتقدم قاصر سندا عن إثبات الكراهة إلا بناء على المسامحة فكيف بإثبات الحرمة؟! و استند في الدروس إلى أن تحريم الأكل ملازم لتحريم الفعل و فيه ما لا يخفى.

(93) خروجا عن خلاف من قال بهما.

(94) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر حمران بن أعين: «و لا تقلب السكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه إلى فوق» (1)، المحمول على الكراهة إجماعا.

(95) لقول علي عليه السّلام في خبر غياث بن إبراهيم: «لا تذبح الشاة عند الشاة و لا الجزور عند الجزور و هو ينظر إليه» (2)، القاصر سندا عن إثبات الحرمة بل و عن الكراهة في غير المجالس إلا بناء على المسامحة في المسامحة.

(96) لقول الصادق عليه السّلام في رواية أبان بن تغلب قال: «كان علي بن الحسين عليهما السّلام و هو يقول لغلمانه: لا تذبحوا حتى يطلع الفجر فأن اللّه عز و جل جعل الليل سكنا لكل شي ء» (3)، و لقوله عليه السّلام أيضا: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكره الذبح و إراقة الدم يوم الجمعة قبل الصلاة إلا عن ضرورة» (4).

ص: 89


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الذبائح: 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الذبائح الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب الذبائح الحديث: 2.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب الذبائح الحديث: 1.

و منها: أن يذبح بيده ما رباه من النعم (97).

______________________________

(97) لقول أبي الحسن الرضا عليه السّلام في رواية محمد بن الفضيل: «كان عندي كبش سنة لأضحي به فلما أخذته و أضجعته نظر إليّ فرحمته و رققت له ثمَّ إني ذبحته، فقال عليه السّلام: ما كنت أحب لك أن تفعل، لا تربين شيئا من هذا ثمَّ تذبحه» (1)، و في رواية أبي الصحاري: «قلت له: الرجل يعلف الشاة و الشاتين ليضحي بها قال لا أحب ذلك» (2).

ص: 90


1- الوسائل باب: 40 من أبواب الذبائح.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب الذبائح.

ذكاة الجنين و ما تقبل التذكية من الحيوانات

اشارة

ذكاة الجنين و ما تقبل التذكية من الحيوانات

مسألة 21: إذا خرج الجنين أو أخرج من بطن أمه

(مسألة 21): إذا خرج الجنين أو أخرج من بطن أمه فمع حياة الأم أو موتها بدون التذكية لم يحل أكله (98) إلا إذا كان حيا و وقعت عليه التذكية (99)، و كذا إن خرج أو أخرج حيا من بطن أمه المذكاة فإنه لم يحل إلا بالتذكية (100).

فلو لم يذك لم يحل (101) و إن كان عدم التذكية من جهة عدم اتساع الزمان لها على الأقوى (102)، و أما لو خرج أو أخرج ميتا من بطن أمه

______________________________

(98) للأصل بعد عدم وقوع التذكية عليه لا تذكية استقلالية و لا تبعية تتبع تذكية أمه.

(99) لإطلاق ما دل على اعتبار وقوع التذكية على الحي الشامل للمقام أيضا فيحل بها لا محالة.

(100) لظواهر الأدلة الحاصرة للحلية في التذكية الاستقلالية أو التبعية فإذا انتفت الثانية بخروجه حيا تتعين الأولى لا محالة هذا مضافا إلى الإجماع.

(101) للأصل و الإجماع بعد انتفاء التذكيتين.

(102) للأصل و إطلاق ما دل على اعتبار الذكاة في الحي كما تقدم الشامل للمقام أيضا، و حصر ما عن الصادق عليه السّلام في رواية عمار بن موسى: «الشاة تذبح فيموت ولدها في بطنها، قال عليه السّلام: كله فإنه حلال لأن ذكاته ذكاة أمه فإن هو خرج و هو حي فاذبحه و كل فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله و كذلك البقر و الإبل» (1)، و إطلاق قوله عليه السّلام: «فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله» يشمل ما إذا لم

ص: 91


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الذبائح الحديث: 8.

المذكاة حل أكله و كانت تذكيته بتذكية أمه (103)، لكن بشرط كونه تام الخلقة و قد أشعر أو أوبر (104) فإن لم يتم خلقته و لم يشعر و لا أوبر كان

______________________________

يتسع الزمان للتذكية أيضا، و لكن نسب إلى جمع منهم الشيخ و الشهيدان الحلية حينئذ لأنه غير مستقر الحياة فيكون بحكم الميت الذي تكون ذكاته ذكاة أمه.

و فيه: أنه خلاف المنساق من الأدلة خصوصا ما تقدم من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام.

(103) لقول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله الذي نقل عنه بطرق متواترة من الفريقين «ذكاة الجنين ذكاة أمه» (1)، و صدر عن الأئمة عليهم السّلام في نصوص كذلك (2)، و هو من جوامع كلماته المقدسة التي اختص صلّى اللّه عليه و آله بها من بين سائر الأنبياء، و هذا الكلام مأخوذ من قوله تعالى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ (3)، فإن المراد بالبهيمة هنا الجنين كما في جملة من الأخبار (4)، و المنساق منه عند أهل المحاورة أنه يغني ذكاة الأم عن ذكاة الجنين كما عليه مذهب الإمامية لا أنه تجب تذكية الجنين كتذكية أمه كما نسب إلى غيرهم فإنه خلاف المتبادر من الحديث عند أهل اللسان خصوصا في هذا الحديث الذي سيق مساق التسهيل و الامتنان.

(104) إجماعا و نصوصا منها ما عن أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح: «الذبيحة تذبح و في بطنها ولد، قال عليه السّلام: إن كان تاما فكله فإن ذكاته ذكاة أمه و إن لم يكن تاما فلا تأكله» (5)، و مثله قول أبي عبد اللّه عليه السّلام (6)، و عن مولانا الرضا عليه السّلام في كتابه

ص: 92


1- سنن ابن ماجه باب: 15 من أبواب الذبائح الحديث: 3199، و في المستدرك باب: 16 من أبواب الذبائح: 2.
2- راجع الوسائل باب: 18 من أبواب الذبائح الحديث: 12.
3- سورة المائدة: 1، و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 10 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب الذبائح الحديث: 3 و 11.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب الذبائح الحديث: 6 و 7.
6- الوسائل باب: 18 من أبواب الذبائح الحديث: 6 و 7.

ميتة و حراما (105)، و لا فرق في حليته مع الشرط المزبور بين ما لم تلجه الروح بعد و بين ما ولجته فمات في بطن أمه على الأقوى (106).

مسألة 22: لو كان الجنين حيا حال إيقاع الذبح أو النحر على أمه

(مسألة 22): لو كان الجنين حيا حال إيقاع الذبح أو النحر على أمه و مات بعده قبل أن يشقوا بطنها و يستخرج منها حل على الأقوى (107)، أو بادر على شق بطنها و لم يدرك حياته (108)، بل و لو لم يبادر أو لم يتأخر

______________________________

إلى المأمون: «ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر و أوبر»(1).

(105) فتوى و نصا منها قول الصادق عليه السلام كما مر: «فإن لم يكن تاما فلا تأكله»

(106) لإطلاق الأدلة الظاهر في عدم الفرق بينهما خصوصا ما عن الصادق عليه السّلام في رواية عمار بن موسى: «عن الشاة تذبح فيموت ولدها في بطنها، قال عليه السّلام: كله فإنه حلال لأن ذكاته ذكاة أمه فإن هو خرج و هو حي فاذبحه و كل» (2) فإن الموت في بطن الأم لا يتحقق إلا بعد ولوج الروح كما هو معلوم.

و نسب إلى جمع منهم الشيخ و الحلي إن ما ولجته الروح لا بد من تذكيته و إلا فهو حرام للعمومات و الإطلاقات، و لأنه مع عدم ولوج الروح تبع محض للأم فيشمله قوله صلّى اللّه عليه و آله: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» كما تقدم، و مع ولوج الروح تظهر فيه جهة الاستقلالية فيشك في شمول الحديث له و المرجع أصالة عدم التذكية.

و فيه: ان الأصل عدم التذكية و العمومات و الإطلاقات محكومة بأدلة المقام، كما إن إطلاقها يشمل ما ولجته الروح فلا شك حينئذ حتى يتمسك بالأصل.

(107) لشمول إطلاق الأدلة و فتاوى الأصحاب لهذه الصورة أيضا.

(108) لأن هذه الصورة هي المتيقنة من الأدلة على الحلية نصا- كما تقدم- و فتوى.

ص: 93


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الذبائح الحديث: 12 و 8.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الذبائح الحديث: 12 و 8.

زائدا على القدر المتعارف في شق بطون الذبائح بعد الذبح (109)، و إن كان الأحوط المبادرة و عدم التأخير حتى بالمقدار المتعارف (110)، و أما لو أخر زائدا عن المقدار المتعارف و مات قبل أن يشق البطن فالظاهر عدم حليته (111).

مسألة 23: لا إشكال في وقوع التذكية على كل حيوان حل أكله ذاتا

(مسألة 23): لا إشكال في وقوع التذكية على كل حيوان حل أكله ذاتا (112)، و إن حرم بالعارض- كالجلال و الموطوء (113) بحريا كان أو

______________________________

(109) لتنزل الأدلة إطلاقا و عموما على ما هو المتعارف، و المفروض ان هذا هو المتعارف أيضا.

(110) جمودا على احتمال اعتبار اتصال زهوق روح الجنين بزهوق روح أمه و هذا الاحتمال و إن كان مخالفا لظهور الإطلاق و الشريعة السمحة السهلة و لكنه احتياط و هو حسن على كل حال.

(111) للشك في شمول الأدلة له فلا يصح حينئذ التمسك بإطلاقها فيكون المرجع حينئذ أصالة عدم التذكية.

(112) بالضرورة الفقهية بين المسلمين إن لم تكن دينية فيما بينهم فالأصل في المأكول قبول التذكية إذ لا معنى لما جعله اللّه تعالى من المأكول إلا ذلك، و يدل عليه عموم قوله تعالى إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ (1)، و قوله تعالى فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (2)، و النصوص المتواترة بين الفريقين في الأبواب المختلفة من أبواب الصيد و الذبائح- كما مر- في هذه النعمة التي هي من أعظم نعم اللّه تعالى على خلقه.

(113) تقدم ما يتعلق بالجلّال في كتاب الطهارة (3)، و يأتي ما يدل على

ص: 94


1- سورة المائدة: 3، و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 10 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
2- سورة الانعام: 118.
3- راجع ج: 2 صفحة: 122.

بريا وحشيا كان أو إنسيا طيرا كان أو غيره، و إن اختلف في كيفية التذكية على ما سبق تفصيلها (114)، و أثر التذكية فيها طهارة لحمها و جلدها

______________________________

الأخير في الأطعمة و الأشربة إن شاء اللّه تعالى.

(114) كل ذلك للعموم و الإطلاق و الاتفاق.

ثمَّ انه قد تقدم صحة جريان أصالة عدم التذكية في الشبهات الموضوعية بعد تشريع شرائط خاصة ثمَّ الشك في تحقق تلك الشرائط في الخارج، فلا تحل الذبيحة حينئذ لأصالة عدم تحقق ذلك الشرط ما لم تكن أمارة معتبرة على الخلاف.

و أما جريانها في الشبهات الحكمية بمعنى أنه إذا شك في حيوان في أنه يحل أكله أو الصلاة في أجزائه بالتذكية أو لا، فملخص المقال فيها في جهات:

الأولى: في المنساق مما وصل إلينا من الأدلة قد يقال أن المستفاد منها ان التذكية من التوقيفيات فلا بد فيها من الاقتصار على خصوص المنصوص قبوله لها، و في غيره يرجع إلى أصالة عدم التوقف أو أصالة عدم تلك الخصوصية التي بها تحصل الحلية.

و فيه: أولا أن التوقيفية في التذكية و نحوها من الموضوعات التي لها أحكام شرعية مما يستبعدها العقل و الوجدان و العرف لأن جميع تلك الموضوعات مما كانت بين الناس، و قد ورد الشرع عليها لا أنها وردت من الشرع كما هو معلوم.

و ثانيا: أنه عين المدعى كرر بعبارة أخرى كما لا يخفى.

و أما الاستدلال بقوله تعالى إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ (1)، بدعوى أنه أثبتت التذكية و جعلت الحرمة للبقية.

ص: 95


1- سورة المائدة: 3.

.....

______________________________

ففيه: ان الآية الشريفة في مقام بيان كيفية زهوق الروح بقرينة مجموع الآيات و ان بعض كيفيته يوجب الحرمة دون بعضها الآخر، فلا ربط للآية المباركة باعتبار دخل خصوصية في المذكى و بها يؤثر باقي الشرائط أثرها.

و منه يظهر عدم صحة الاستدلال بالنصوص التي سيقت هذا المساق فإنها أجنبية عن اعتبار تلك الخصوصية.

الثانية: من عادة الشرع أنه كلما كان الشي ء أكثر ابتلاء للناس و أشد حاجة لهم الاهتمام ببيان جهاته و خصوصياته الموجبة للحلية و الحرمة، و قد ورد في السمك و الطير قاعدتان للحلية و لو كان لأصالة عدم التذكية في غيرهما مدرك صحيح لا شير إليها بالخصوص أيضا لعموم الحاجة إليها كما هو واضح، بل يمكن أن يستفاد من الآية المباركة قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)، توسعة الأمر فلا أصل لأصالة عدم التذكية، و يدل عليه ما في الحدائق من دعوى إجماع الأصحاب على ان ما عدى الكلب و الخنزير و الإنسان يقبل التذكية.

الثالثة: من كثرة اعتناء الشرع ببيان الحيوانات و أقسامها و أحكامها و كثرة اهتمام الرواة في كل طبقة عن السؤال عن صنوف الحيوانات، و جواز الصلاة في أجزائها و حلية أكل لحمها و سائر الجهات المتعلقة بها يستفاد استفادة قطعية ان الحلية الوضعية و التكليفية في الحيوانات لا بد و أن تستند إلى دليل معتبر غير قابل للمناقشة، و مجموع هذه الاخبار الواردة في الأبواب المتفرقة (2)، حاكمة على أصالتي الحلية و الطهارة، و من تأمل في مجموعها بعد رد بعضها إلى بعض و متشابهاتها إلى محكماتها لعله يقطع بما قلناه، و يشهد لما قلناه عدم تهاجم عامة الناس في كل عصر و زمان على أكل كل حيوان و استعمال إجزائه إلا عند

ص: 96


1- سورة الأنعام: 145.
2- راجع الوسائل باب: 1- 8 من أبواب لباس المصلي.

و حلية أكل لحمها (115) لو لم يحرم بالعارض (116)، و أما غير المأكول من الحيوان فيما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه لا من حيث الطهارة و لا من حيث الحلية، لأنه طاهر و محرم أكله على كل حال (117)، و أما ما

______________________________

الشدائد و الضرورات أعاذنا اللّه تعالى منها، فأصالة عدم التذكية عبارة أخرى عن أصالة عدم تهاجم الناس بفطرتهم على أكل كل حيوان.

نعم، ما يقدمون على أكله من الحيوانات مورد الخلاف بينهم بعضها محلل في جميع الملل و الأديان و بعضها محلل في ملة دون أخرى.

و فيه: ان ما ذكر أشبه بالخطابة من الاستدلال في مقابل أصالة الإباحة و الحلية التي هي من أعظم الأصول التسهيلية الشرعية بل النظامية، و لا يرفع اليد عنهما، إلا بنص صريح أو إجماع صحيح.

الرابعة: نسب إلى المشهور أن كل ما لم تثبت تذكيته الشرعية فهو ميتة حكما و إن لم يكن منها موضوعا، و هذه الجهة تعم جميع الشبهات الموضوعية و الحكمية.

و فيه: أنه بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية لا بأس به في حرمة الأكل، و أما بالنسبة إلى الشبهات الحكمية فهو أول الدعوى، و قد تعرضنا في الأصول لهذه المسألة فراجع تهذيب الأصول و لا وجه للتكرار هنا.

(115) بالضرورة المذهبية بل الدينية.

(116) فيحرم حينئذ أكلها عرضا لا ذاتا.

(117) أي سواء ذكّي أو لا و دليل الحرمة المطلقة آية حرمة الخبائث، و هي قوله تعالى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ (1)، مضافا إلى الإجماع و يأتي التفصيل

ص: 97


1- سورة الأعراف: 157.

كان له نفس سائلة فما كان نجس العين كالكلب و الخنزير ليس قابلا للتذكية (118)، و كذا المسوخ غير السباع كالفيل و الدب و القرد و نحوها (119)، و الحشرات و هي الدواب الصغار التي تسكن باطن الأرض

______________________________

بعد ذلك.

(118) لأنه حرام و نجس على كل حال ذكي أو لا إجماعا و نصا (1).

(119) أما المسوخ فالأخبار في موضوعها بين مكثرة إلى سبعمائة و مقللة إلى اثنى عشر، ففي رواية أبي سعيد الخدري ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «إن اللّه تبارك و تعال مسخ قوما سبعمائة أمة عصوا الأوصياء بعد الرسل فأخذ أربعمائة أمة منهم برّا و ثلاثمائة بحرا ثمَّ تلا هذه الآية فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ» (2)، و في رواية محمد بن الحسن الأشعري أنه اثنا عشر فعن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «الفيل مسخ كان ملكا زانيا، و الذئب مسخ كان أعرابيا ديوثا، و الأرنب مسخ كان امرأة تخون زوجها و لا تغتسل من حيضها، و الوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس، و الخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت، و الجريث و الضب فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى عليه السّلام لم يؤمنوا فتاهوا فوقعت فرقة في البحر و فرقة في البر، و الفأرة هي الفويسقة، و العقرب كان نماما و الدب و الوزغ و الزنبور كان لحاما يسرق في الميزان- إلى أن قال- و هذه المسوخ كلها هلكت و هذه الحيوانات على صورها» (3)، و يمكن الجمع بينهما بحمل القسم الثاني على أنه من باب ذكر الأهم و أنه من باب المثال.

و أما حقيقة المسخ فهي تحويل صورة إلى صورة أخرى أقبح من الأولى

ص: 98


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الذبائح الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة 9 و 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة 9 و 2.

كالفأرة و ابن عرس و الضب و نحوها على الأحوط لو لم يكن الأقوى فيهما (120).

______________________________

لأمور ذكر بعضها في الكتاب (1) و السنة كما مر، و قد أثبت علماء الأخلاق صحة تعلق المسخ بالقلب فقط فالصورة صورة إنسانية و القلب قلب حيوان و ذكرنا ما يتعلق به في التفسير فراجع.

و أما حكمها فظاهرهم الاتفاق على الحرمة و لكنهم بين قائل بالطهارة و قائل بالنجاسة و المشهور عدم قبولها للتذكية فيجري عليها حكم عدم التذكية و لو بعد التذكية.

و نسب إلى جمع منهم المرتضى و الشهيد قبولها للتذكية و استدلوا.

تارة: بأصالة الطهارة و الحلية.

و اخرى: بوجود المناط الذي يوجب الحلية في المأكول فيها أيضا.

و ثالثة: بالنصوص الواردة في حل الأرنب و القنفذ و الوطواط و هي مسوخ (2).

و الكل مردود أما الأولى فلأنهما محكومتان بأصالة عدم التذكية كما مر، و أما الثاني فلأنه من القياس إذ لا يعلم المناط إلا إله الناس، و أما الأخير فيتعين حملها على التقية.

(120) نسب ذلك إلى المشهور لأصالة عدم التذكية إلا إذا ثبت خلافها، و لكن عن صاحب الحدائق الإجماع على أن كل حيوان قابل للتذكية إلا ما خرج بالدليل.

و في الجواهر مؤيدا «بما يفهم من مجموع النصوص المتقدمة في لباس المصلي من قبول التذكية لكل حيوان طاهر العين في حال الحياة و إن لم يكن

ص: 99


1- سورة المائدة: 60.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 6 و 7.

و أما السباع و هي ما تفترس الحيوان و تأكل اللحم سواء كانت من الوحوش كالأسد و النمر و الفهد و الثعلب و ابن آوى و غيرها، أو من الطيور كالصقر و البازي و الباشق و غيرها فالأقوى قبولها (121)، و بها يطهر لحومها و جلودها فيحل الانتفاع بها بان تلبس في غير الصلاة و يفترش بها بل بأن تجعل وعاء للمايعات كأن تجعل قربة ماء أو عكة سمن أو دبة دهن و نحوها (122)، و إن لم تدبغ على الأقوى (123)، و إن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة (124).

______________________________

مأكول اللحم»، و منه يظهر عدم ثبوت الشهرة أيضا.

(121) للنص و الإجماع و السيرة، ففي موثق سماعة قال: «سألته عن جلود السباع أ ينتفع بها؟ فقال عليه السّلام: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده و أما الميتة فلا» (1)، و في موثقة الآخر: «سألته عن لحوم السباع و جلودها فقال: أما لحوم السباع و السباع من الطير فإنا نكرهه و أما الجلود فاركبوا عليها، و لا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه» (2)، و تقدم في لباس المصلي بعض ما ينفع المقام.

(122) كل ذلك لوجود المقتضي و هو الطهارة، و فقد المانع كما هو المفروض و يقتضيه عموم الأدلة و إطلاقها.

(123) للأصل و الإطلاق و هو المشهور بين الفقهاء.

(124) نسب عدم جواز الاستعمال إلا بعد الدبغ إلى الشيخين و المرتضى مستندا إلى خبر أبي مخلد قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل معتب، فقال:

بالباب رجلان، فقال: أدخلهما، فقال أحدهما: إني رجل سراج أبيع جلود النمر فقال مدبوغة هي؟ قال: نعم، قال عليه السّلام: ليس به بأس»(3)، و لكن الخبر قاصر سندا

ص: 100


1- الوسائل باب: 34 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 1.

مسألة 24: الظاهر أن جميع أنواع الحيوان المحرم الأكل مما كانت له نفس سائلة

(مسألة 24): الظاهر أن جميع أنواع الحيوان المحرم الأكل مما كانت له نفس سائلة غير ما ذكر من أنواع الوحوش و الطيور المحرمة تقع عليها التذكية فتطهر بها لحومها و جلودها (125).

______________________________

موافق للتقية متنا لا يصلح للاحتياط الإيجابي فضلا عن الفتوى.

(125) لما تقدم من صاحب الحدائق من دعوى الإجماع عليه و من صاحب الجواهر «انه المستفاد من النصوص» و لابتناء الشرع على التسهيل مهما وجد اليه طريق و سبيل، و في صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن لباس الفراء و السمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود؟ قال عليه السّلام: لا بأس بذلك» (1)، لأنه لو لم يكن جميع الجلود قابلا للتذكية لما صح في الجواب نفي البأس مطلقا.

و عن الصادق عليه السّلام في صحيح ابن بكير: «فإن كان غير ذلك مما نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كل شي ء منه فاسد ذكّاه الذابح أو لم يذكه» (2)، إذ لو لا قبولها للتذكية لما صح قوله عليه السّلام: «ذكّاه الذابح أو لم يذكه» بقول مطلق فالتذكية تستعمل في موردين.

أحدهما: في مقابل الاقتضاء و الاستعداد و الشأنية، و بهذا المعنى يصح أن يقال بقابلية كل حيوان لها إلا ما خرج بالدليل، و الدليل عليه مثل هذين الصحيحين و إطلاق قوله تعالى خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (3)، فإنه أعم آية لحلية جميع الانتفاعات الممكنة إلا ما خرج بالدليل.

ثانيهما: بالنسبة إلى فعلية الأثر و لا ريب في جريان أصالة عدم ترتب

ص: 101


1- الوسائل باب: 5 من أبواب لباس المصلي الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلي الحديث: 1.
3- سورة البقرة: 29.

مسألة 25: تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرم الأكل

(مسألة 25): تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرم الأكل إنما يكون بالذبح مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلل، و كذا الاصطياد بالآلة الجمادية في خصوص الممتنع منها كالمحلل و في تذكيتها بالاصطياد بالكلب المعلم تردد و إشكال (126).

مسألة 26: ما كان بيد المسلم من اللحوم و الشحوم و الجلود

(مسألة 26): ما كان بيد المسلم من اللحوم و الشحوم و الجلود إذا لم يعلم كونها من غير الذكي يؤخذ منه و يعامل معه معاملة المذكى (127)، فيجوز بيعه و شراؤه و أكله و استصحابه في الصلاة و سائر الاستعمالات

______________________________

الأثر في الشبهات الموضوعية المسبوقة بعدم تحقق شرائط الذبح و ما يتعلق بالذبح، و أما في الشبهات الحكمية فقد أشرنا إلى ما يتعلق به في المقام و في الأصول فراجع.

(126) من أن الظاهر من قوله تعالى فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ (1)، الاختصاص بخصوص مأكول اللحم فيرجع في غيره إلى أصالة عدم التذكية.

و من احتمال أن يكون ذلك من إحدى الفوائد المترتبة على الآلة الحيوانية ذكرها اللّه تعالى من باب الغالب في تلك الأعصار فتكون الآلة الحيوانية كالآلة الجمادية، و تقدم في (مسألة 14) من أحكام الصيد ما ينفع المقام.

(127) أما اعتبار يد المسلم في الحلية و الطهارة فلما يأتي في اعتبار سوقهم إذ اليد كانت يدهم في تلك الأعصار و السوق سوقهم، و أما اشتراط عدم العلم بأنه غير مذكى فلعدم صحة الامارة مع العلم بخلافها، و لكن لا بد و أن يكون حصول العلم من عدم الوسواس و إلا فلا اعتبار به، و أما اعتبار سوق المسلمين في ذلك فلضرورة المذهب بل الدين و سيرة عامة المسلمين من أول بعثة سيد المرسلين

ص: 102


1- سورة المائدة: 4، و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 10 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.

المتوقفة على التذكية (128)، و لا يجب عليه الفحص و السؤال بل و لا يستحب (129) بل نهى عنه (130)، و كذلك ما يباع منها في سوق المسلمين (131) سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال (132)، بل و كذا

______________________________

و المستفيضة من النصوص، ففي صحيح الفضلاء: «سألوا أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحوم من الأسواق و لا يدرى ما صنع القصابون؟ فقال عليه السّلام: كل إذا كان في سوق المسلمين و لا تسأل عنه» (1)، و في صحيح ابن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام:

«في الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أ ذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري أ يصلي فيه؟ قال، نعم، إنا نشتري الخف من السوق و يصنع لي و أصلي فيه، و ليس عليكم المسألة» (2)، و صحيحه الآخر عنه عليه السّلام أيضا: «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فرو لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكية أ يصلي فيها؟ قال: نعم، ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم فضيق اللّه عليهم» (3).

(128) لأنه لا معنى للحلية و الطهارة إلا ذلك.

(129) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(130) لما تقدم آنفا في صحيحي ابن أبي نصر، و أدنى مفاد النهي الكراهة.

(131) لما مر آنفا و تقدم في كتاب الطهارة بعض ما يرتبط بالمقام، و الظاهر عدم اختصاص هذا الحكم بملة الإسلام بل يد كل ملة و سوقهم معتبر لديهم في الأحكام المجعولة لديهم و إن اختلفت أصنافهم.

(132) لإطلاق ما تقدم من الأخبار الظاهرة في أن المدار على صدق سوق المسلمين و أهله فالأقسام ثلاثة:

من علم إسلامه، و من جهل حاله، و من علم كفره، خرج الأخير بالدليل

ص: 103


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الذبائح الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات الحديث: 6 و 3.
3- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات الحديث: 6 و 3.

ما كان مطروحا في أرضهم (133)، إذا كان فيه أثر الاستعمال كما إذا كان اللحم مطبوخا أو الجلد مخيطا أو مدبوغا، و بالجملة كانت فيه أمارة تدل على وقوع اليد عليه (134)، بل و كذا إذا أخذ من الكافر و علم كونه مسبوقا بيد المسلم على الأقوى (135)، و أما ما يؤخذ من يد الكافر و لو في بلاد

______________________________

و بقي الأولان تحت الإطلاق خصوصا مع كثرة اختلاط المسلمين في أسواقهم مع الكفار في أوائل الإسلام، و هذا من أعظم أبواب سهولة الشريعة و لا بد و إن لا يضيق بالظنون الاجتهادية بل المقام من فروع قاعدتي الحلية و الطهارة التي هي من أوسع أبوابه على الخلق.

(133) لقول الصادق عليه السّلام: «إن أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: يقوّم ما فيها ثمَّ يؤكل، لأنه يفسد و ليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟

فقال عليه السّلام: هم في سعة حتى يعلموا» (1)، هذا مضافا إلى الإجماع.

(134) لأنه المنساق مما تقدم من الحديث.

و بالجملة هناك أمارات ثلاثة للحلية و الطهارة: يد المسلم- و لو كانت في غير بلاد الإسلام- و أرض المسلم، و سوق المسلم و الكل معتبر فيهما و لا يعتبر في سوق المسلمين أن يكون في بلادهم، للإطلاق الشامل لكل ما يسمى بسوق المسلمين و لو كان في بلاد الكفر أيضا و كذا محلة المسلمين التي تكون في بلاد الكفر، بل و كذا مدرستهم التي يعيشون فيها في بلاد الكفر كما شاع في هذه الأعصار على ما يقولون مع تحقق يد المسلم في جميع ذلك أيضا.

(135) لشمول إطلاق أدلة الطهارة و الحلية لذلك أيضا بعد عدم كون يد الكافر أمارة على الحرمة و النجاسة و إنما يحكم بهما في مورده لأصالة عدم

ص: 104


1- الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات الحديث: 11.

المسلمين و لم يعلم كونه مسبوقا بيد المسلم، و ما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفار أو كان مطروحا في أرضهم يعامل معه معاملة غير المذكى و هو بحكم الميتة (136)، و المدار في كون البلد أو الأرض منسوبا إلى المسلمين غلبة السكان و القاطنين بحيث ينسب عرفا إليهم (137)، و لو كانوا تحت سلطنة الكفار (138)، كما أن هذا هو المدار في بلد الكفار (139)، و لو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفار (140).

______________________________

التذكية و مع سبق يد المسلم يسقط هذا الأصل.

(136) لأصالة عدم التذكية بعد عدم وجود أمارة عليها من يد أو أرض أو سوق.

(137) لأنه المنساق من الأدلة عند المتعارف من سوق المسلم و أرضه مضافا إلى الإجماع و الأخبار، منها صحيح إسحاق عن العبد الصالح عليه السّلام قال: «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام، قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» (1).

(138) لأن المناط في بلاد الإسلام الصدق العرفي، و لا ريب في صدق ذلك مع غلبة وجودهم سواء كان المسلّط عليهم مسلما أو كافرا.

(139) فمع الغلبة الوجودية للكفار فيه يكون أرضهم و بلدهم و سوقهم سواء كان المسلّط عليهم كافرا أو مسلما.

(140) لأصالة عدم التذكية لكن إذا علم بأن المسلمين أيضا يذبحون ذبحا إسلاميا يشكل جريان أصالة عدم التذكية في مورد الابتلاء للعلم الإجمالي بنقض الحالة السابقة فكيف يجري الأصل حينئذ.

ص: 105


1- الوسائل باب: 55 من أبواب لباس المصلي الحديث: 3.

مسألة 27: لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمنا أو مخالفا

(مسألة 27): لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمنا أو مخالفا يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ و يستحل ذبائح أهل الكتاب و لا يراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية، و كذا لا فرق بين كون الآخذ موافقا مع المأخوذ منه في شرائط التذكية اجتهادا أو تقليدا أو مخالفا معه فيها إذا احتمل تذكيته على وفق مذهب الآخذ كما إذا كان المأخوذ منه يعتقد كفاية قطع الحلقوم في الذبح، و يعتقد الآخذ لزوم قطع الأوداج الأربعة إذا احتمل أن ما بيده قد روعي فيه ذلك، و إن لم يلزم رعايته عنده (141).

______________________________

(141) كل ذلك للإطلاقات و العمومات الواردة في مورد التسهيل و الامتنان و مراعاة حفظ الوحدة الإسلامية، و قد كان ذلك كله في عصر الأئمة عليهم السّلام و مع ذلك كانوا يعاملون معهم معاملة التذكية الشرعية الصحيحة اهتماما منهم عليهم السّلام بحفظ الوحدة الإسلامية التي هي الغرض الأهم من بعثة صاحب النبوة (صلوات اللّه عليهم أجمعين).

ص: 106

ختام في الصيد و الذباحة

اشارة

ختام في الصيد و الذباحة و فيه مسائل

الأولى: لا يجزي التوكيل في التسمية عند الاصطياد أو الذبح

الأولى: لا يجزي التوكيل في التسمية عند الاصطياد أو الذبح (142).

الثانية: لو شك في أنه سمى عند التذكية أو لا

الثانية: لو شك في أنه سمى عند التذكية أو لا، فإن كان بانيا على إتيان العمل صحيحا يحل (143)، و إن كان غافلا بالمرة يشكل الحلّية (144)، و كذا لو سمى و شك في إنها كانت لأجل التذكية أو من باب الاتفاق و العادة (145).

______________________________

(142) لأن المتفاهم من الأدلة إنما هو مباشرة الصائد و الذابح لها و مع عدمها تجري أصالة عدم التذكية و لو صدرت وكالة عنهما، و لهذا لا يجزي فيما شاع في هذه الأعصار الاكتفاء بواسطة آلة التسجيل.

(143) لأصالة بقائه على الإرادة الارتكازية الأوّلية و عدم عروض الغفلة و النسيان فيجري أصالة الصحة حينئذ.

(144) لعدم وجود أصل حاكم على أصالة عدم التذكية.

و أما خبر عيسى بن عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام: «أرمي بسهمي فلا أدري سميت أم لم اسم؟ فقال عليه السّلام: كل لا بأس به» (1)، فلا بد من تقييد إطلاقه بما قلناه.

(145) لجريان ما مر في سابقة فيه أيضا بلا فرق بينهما، و لو سمى بعنوان الاستهزاء و السخرية- نعوذ باللّه- فلا أثر للتسمية لأن المنساق من الأدلة إنما هو القصد الجدي الواقعي.

ص: 107


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الصيد و الذبائح الحديث:

الثالثة: لو أصاب السهم إلى شي ء ثمَّ وثب منه إلى الصيد

الثالثة: لو أصاب السهم إلى شي ء ثمَّ وثب منه إلى الصيد فإن كانت الإصابة إلى الصيد ببقاء حركته الأولية يحل و في غيره لا يحل (146).

الرابعة: لو ذبح بآلة مغصوبة أو في محل مغصوب تحل الذبيحة مع تحقق الشرائط

الرابعة: لو ذبح بآلة مغصوبة أو في محل مغصوب تحل الذبيحة مع تحقق الشرائط و إن كان آثما ضامنا لأجرة المثل، بل لو غصب حيوانا و ذبحه يحل مع الشرائط و إن كان ضامنا لصاحبه (147).

الخامسة: لو كان له سكين طويل- مثلا- فذبح حيوانين أو أكثر بتلك الآلة مرة واحدة يحل مع تحقق الشرائط

الخامسة: لو كان له سكين طويل- مثلا- فذبح حيوانين أو أكثر بتلك الآلة مرة واحدة يحل مع تحقق الشرائط (148).

السادسة: يصح صيد المضطر و ذبيحته

السادسة: يصح صيد المضطر و ذبيحته، و كذا المكره لو كان قصد ذلك موجودا لديه (149).

السابعة: لو تردد سمك بين أن يكون قد مات في الماء أو بعد إخراجه منه

السابعة: لو تردد سمك بين أن يكون قد مات في الماء أو بعد إخراجه منه يمكن القول بحلّيته و الأحوط الاجتناب عنه (150).

______________________________

(146) أما الحلّية في الصورة الأولى فللإطلاقات و العمومات و أما الحرمة في غيرها فلأصالة عدم التذكية.

نعم، إن كان حيا و ذبح مع الشرائط يحل حينئذ لما تقدم فراجع.

(147) و ذلك كله لعدم كون إباحة آلة الذبح و محله و اباحة نفس الذبيحة شرطا في صحة الذبح، فالذبح صحيح في الجميع و إن أثم و وجبت عليه الأجرة في الأولين و العوض في الأخير، و تقدم ما ينفع المقام في (مسألة 12) من الصيد.

(148) لشمول إطلاق الأدلة و عمومها لهذه الصورة أيضا و إن كان الاحتياط في الاقتصار على الواحد.

(149) لوجود المقتضي للحلية في جميع ذلك و فقد المانع فتشمله الأدلة لا محالة، و أما لو كان الإكراه بحيث سلب منه القصد أصلا فلا تحل، لتقوم التذكية بالقصد و الاختيار.

(150) لأصالة بقاء حياته إلى ما بعد إخراجه فيحل أكله و شبهة الإثبات

ص: 108

الثامنة: لو كان هناك أطنان من السمك و علم أن فيها حلال و حرام

الثامنة: لو كان هناك أطنان من السمك و علم أن فيها حلال و حرام يجري عليها حكم العلم الإجمالي (151).

التاسعة: يجوز الذبح بالمقراض

التاسعة: يجوز الذبح بالمقراض و بوضع السكين على الحلقوم و ضغطه حتى تنقطع الأوداج الأربعة، و لكن الأحوط الترك فيهما (152).

العاشرة: من نذر أضحية يزول ملكه عنه

العاشرة: من نذر أضحية يزول ملكه عنه (153).

الحادية عشرة: تجزي تسمية الأخرس لنفسه

الحادية عشرة: تجزي تسمية الأخرس لنفسه و أما صحة وكالته لغيره في الذبح مع تمكن الموكل من توكيل الكامل بل القادر عليها مشكل (154).

______________________________

مردودة كما مر.

(151) فمع كون الجميع مورد الابتلاء يحرم و مع كون بعضه خارجا عن مورد الابتلاء يحل على ما فصّل الحكم في الأصول فراجع.

(152) أما الجواز فيهما فللعمومات و الإطلاقات بعد تحقق سائر الشرائط كما هو المفروض، و كذا الذبح بالمنشار، فلو أوجب أذية الحيوان يستلزم الحكم التكليفي، و هو الحرمة لا الحكم الوضعي أما الاحتياط فللجمود على ما هو المتعارف من القطع بالسكين.

و احتمال أن الذبح بالمقراض يكون الذبح من القفا فيدخل في موضوعه.

مردود، لكونهما موضوعان متغايران عرفا.

(153) دليله منحصر بالإجماع و استدل أيضا بأخبار قاصرة سندا، بل و دلالة أيضا منها النبوي على ما في الجواهر: «يا رسول اللّه إني أوجبت على نفسي و هي تطلب مني بنوق، فقال صلّى اللّه عليه و آله: انحرها و لا تبعها و لو طلبت بمائة بعير»، و كذا فيه عن علي عليه السّلام: «من عين أضحية فلا يستبدل بها»، و السند قاصر و الدلالة لا تفيد أزيد من الحكم التكليفي و لذا اقتصروا على خصوص الأضحية و لم يتعدوا إلى العقيقة فضلا عن سائر النذور.

(154) أما إجزاؤها لنفسه فلإطلاق ما دل على أن تلبية الأخرس و قراءته

ص: 109

الثانية عشرة: لو أخرج سمكة من الماء حيا و وجد في جوفها سمكة أخرى حلا معا

الثانية عشرة: لو أخرج سمكة من الماء حيا و وجد في جوفها سمكة أخرى حلا معا (155).

الثالثة عشرة: يحل ما يصيده الأطفال من السمك و الجراد

الثالثة عشرة: يحل ما يصيده الأطفال من السمك و الجراد (156).

الرابعة عشرة: بيض الطير تابع للأنثى في الملك

الرابعة عشرة: بيض الطير تابع للأنثى في الملك (157).

الخامسة عشرة: في جواز وقوع التذكية على الحيوان غير المأكول اللحم البحري قولان

الخامسة عشرة: في جواز وقوع التذكية على الحيوان غير المأكول اللحم البحري قولان؟ لا يبعد الأول (158).

______________________________

تحريك لسانه و إشارته بيده الشامل لنظائرهما.

و أما توكيله لغيره فهو من صغريات صحة توكيل من يأتي بعمل الاضطراري مع التمكن ممن يأتي به جامعا للشرائط الاختيارية أم لا؟ و المسألة سيالة في جميع الموارد و الأحوط هنا عدم الاكتفاء مع التمكن من غيره.

(155) أما إخراجها حيا فلأن إخراجها من الماء حيا ذكاتها، و أما حلية ما في بطنها فلاستصحاب حياتها إلى حين الخروج من الماء، و في خبر السكوني عن الصادق عليه السّلام: «إن عليا عليه السّلام سئل عن سمكة شق بطنها فوجد فيها سمكة فقال عليه السّلام: كلهما جميعا» (1)، و عن الصادق عليه السّلام: «في رجل أصاب سمكة و في جوفها سمكة، قال عليه السّلام: يؤكلان جميعا» (2).

(156) لعدم اعتبار البلوغ في تذكية الذبيحة فضلا عن هذه التذكية التي هي في الحقيقة من حيازة المباحات.

(157) لقاعدة تبعية النماء للأصل في الملك.

(158) لعموم أدلة التذكية الشامل له مع ما ورد في الخز من أنه كلب الماء و قبوله للتذكية (3)، فتحل الصلاة في أجزائه، و من احتمال الانصراف عن غير المنصوص فلا تحل و يمكن القول بالأول لما عرفت، و لإطلاق قوله عليه السّلام: «صيد

ص: 110


1- الوسائل باب: 36 من أبواب الذبائح.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الذبائح.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب لباس.

السادسة عشرة: ما يذبح بالمكائن الحديثة يحرم أكله و بيعه

السادسة عشرة: ما يذبح بالمكائن الحديثة يحرم أكله و بيعه فلا يملك البائع الثمن و لا المشتري المثمن، سواء علم أنه ذبح بطريق غير شرعي أو شك فيه (159).

السابعة عشرة: اللحوم المستوردة من البلاد الأجنبية المطبوعة عليها

السابعة عشرة: اللحوم المستوردة من البلاد الأجنبية المطبوعة عليها:

«ذبح على الطريقة الإسلامية» تنقسم إلى أقسام ثلاثة:

الأول: ما إذا علم أن ما طبع مطابق للواقع.

الثاني: ما إذا علم الخلاف و أنه طبع لغرض تسويق السلعة و ترويجها.

الثالثة: ما إذا شك في ذلك.

و تحل في خصوص القسم الأول دون الأخيرين (160).

الثامنة عشرة: لو ترك الاستقبال في الذبيحة عمدا

الثامنة عشرة: لو ترك الاستقبال في الذبيحة عمدا معتقدا عدم وجوبه- اجتهادا أو تقليدا- فالظاهر الحلية (161).

______________________________

الحيتان أخذها» (1).

(159) أما الأول فحكمه واضح لأنه ميتة و أما الثاني فلأصالة عدم التذكية، و لو علم أنه ذبح بالطريق الشرعي مع اجتماع تمام ما مر من الشرائط حل حينئذ.

(160) الوجه في ذلك كله واضح أما الأول فلإطلاقات أدلة الحلية بعد فرض إحراز ذلك و أما الأخيران فلأصالة عدم التذكية.

(161) لدخوله في موضوع الجهل الذي تقدم حكمه في (مسألة 11)، و المراد من الجهل أعم من القاصر و المقصر و الجهل البسيط و المركب كما مر.

و اللّه العالم.

ص: 111


1- الوسائل باب: 32 من أبواب الذبائح الحديث: 11 و 9 و 8.

ص: 112

.....

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الأطعمة و الأشربة

اشارة

كتاب الأطعمة و الأشربة

______________________________

و هما من أعظم مظاهر حكم اللّه تعالى و آياته فيتغذى بهما الإنسان و ينمو و يتوالد بهما البشر فيبقى نوعه في ممر القرون و الأزمان، و جعل عز و جل فيها منافع لا تحصى فيعالج بها ما يعرضه الحرمان كما شرع فيها أحكاما بيّنها أئمة الدين عليهم السّلام و شرحها الفقهاء بأحسن شرح و بيان، ثمَّ منّ اللّه تعالى على عباده فجعل الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد منه حظر فيها و خلق لنا ما في الأرض جميعا و توافقت العقول على هذه الإباحة المطلقة الأصلية لقاعدة قبح العقاب بلا بيان التي هي من أهم القواعد المعاشية و المعادية، فاتفقت الأدلة الشرعية و العقلية على الإباحة الأصلية في الأشياء كلها ما لم ينص على التحريم بدليل معتبر قويم، و تفصيل هذا الإجمال مذكور في كتب الأصول و الفروع من كتب الفريقين.

و ينبغي الإشارة إلى أمور:

الأول: أن المعلوم من الحكمة المتعالية الإلهية حلية الطيبات و حرمة الخبائث في هذا النظام الكياني الموافق للنظام العلمي الرباني الذي تحيرت العقول في حسنه و كماله و تمامه، و لا يتوهم نظام أحسن و لا أتم و لا أكمل منه و لو فرض توهم ذلك فهو يرجع إلى قصور في المدرك (بالكسر) لا نقص في المدرك (بالفتح)، و بعد كون الحكم من العقليات بالنسبة إلى حكمة الحكيم

ص: 113

.....

______________________________

المطلق لا وجه لبيان الآيات (1)، و الروايات الواردة في هذا المجال لأن كلها إرشاد إلى حكم العقل المستقل، قال مفضل بن عمر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام لم حرّم اللّه الخمر و الميتة و الدم و لحم الخنزير؟ قال: إن اللّه تبارك و تعالى لم يحرم ذلك على عباده و أحل لهم ما سواه رغبة منه فيما حرم عليهم و لا زهدا فيما أحل لهم، و لكنه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم و ما يصلحهم فأحله لهم و أباحه تفضلا عليهم لمصلحتهم، و علم ما يضرهم فنهاهم عنه و حرمه عليهم- الحديث-» (2)، و قريب منه روايات كثيرة أخرى وردت في أبواب متفرقة.

الثاني: الناس في كل زمان و مكان من حين ظهورهم إلى حين انقراضهم عنها على طبقات ثلاث:

الاولى: المترفون المتأنقون في المأكل و المشرب فلا يستعملون فيهما إلا أحسن ما يقدرون عليه، و هم في طرف الإفراط، و هذا الصنف بين قليل و كثير حسب ما تقتضيه الظروف و الجهات.

الثانية: من يكون بعكس ذلك و في طرف التفريط فالطيب لديهم ما قدروا على أكله و لو كان من الجيف و الخبث عندهم ما حرموا منه و لو كان من أفضل الأغذية و التحف.

الثالثة: المتوسطون الخارجون عن حدي الإفراط و التفريط بحيث يكون لهم سجية التمييز بين الطيب و الخبيث فكما يميزون بين الريح الطيب و غيره كذلك يميزون بين الخبائث و الطيبات بأذواقهم، و هذه الطبقة كثيرة في جميع البلدان و الأزمان و الأديان.

الثالث: الخبيث و الطيب من الأمور النسبية الإضافية تختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات، فرب طيب عند القحط و الغلاء يكون من

ص: 114


1- سورة المائدة: 4 و سورة البقرة- 172 و 267 و راجع ما يتعلق بالآيات المباركة في ج: 10 و ج: 2 و ج: 4 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأطعمة المحرمة.

و المقصود من هذا الكتاب بيان المحلل و المحرم (1) من الحيوان و غير الحيوان.

القول في الحيوان

اشارة

القول في الحيوان

مسائل في أحكام الحيوان

مسألة 1: لا يؤكل من حيوان البحر إلّا السمك

(مسألة 1): لا يؤكل من حيوان البحر إلّا السمك (2) فيحرم غيره من

______________________________

أخبث الخبائث عند الوسعة و الرخاء و رب خبيث في حالة يكون طيبا في حالة اخرى، و لهذه كلها مراتب لا تضبط لديها الحدود و لا تعيّن بحد محدود.

الرابع: لا بد من إخراج المحرمات الشرعية- عن الطيبات على فرض صدق الطيب على بعضها عرفا لأن نهي الشارع عنها يكشف عن خباثتها، و بعد وضوح ذلك كله نقول الخبيث و الطيب من المعاني العرفية و المرجع في تعيين هذا المعنى العرفي الطبقة الثالثة التي قلنا أنهم المتوسطين الخارجين عن حدي الإفراط و التفريط، لأن كل حكم تعلق بموضوع لم يرد في الشرع تحديد و تقييد لذلك الموضوع يرجع فيه إلى المتعارف، و المتوسطون هم المتعارف في تعيين هذا الموضوع كما هو الشأن في تعيين جميع الموضوعات العرفية، فيرجع إلى المتوسط منهم لا إلى أهل المداقة منهم الذين يكونون من أهل الوسواس أو قريبا منهم، و لا إلى المسامحين الذين من أهل عدم المبالاة بالشي ء أو قريبا منهم، و إذا رجعنا إليهم فإن حكموا بأنه خبيث يحرم و إن حكموا بأنه طيب يحل، و مع ترددهم أو اختلافهم و عدم الترجيح لانظارهم في البين فالمرجع أصالة الحلية لا محالة.

(1) هذا هو المناسب للفقه و أما بيان مالهما من المنافع و المضار و الخواص فهو يناسب علم الطب و غيره من العلوم المعدّة لذلك.

(2) للإجماع و السيرة بين المتشرعة قديما و حديثا، و لأنه المتبادر من صيد البحر عرفا، و أما المرسل: «كل ما كان في البحر مما يؤكل في البر مثله

ص: 115

أنواع حيوانه حتى ما يؤكل مثله في البر كبقرة الماء على الأقوى (3).

مسألة 2: لا يؤكل من السمك إلا ما كان له فلس و قشور بالأصل

(مسألة 2): لا يؤكل من السمك إلا ما كان له فلس و قشور بالأصل (4)، و إن لم تبق و زالت بالعارض كالكنعت فإنه على ما ورد فيه حوت سيئة الخلق تحتك بكل شي ء فيذهب فلسها، و لذا لو نظرت إلى أصل أذنها وجدته فيه (5)، و لا فرق بين أقسام السمك ذي القشور فيحل

______________________________

فجائز أكله و كل ما كان في البحر مما لا يجوز أكله في البر لم يجز أكله» (1)، و في صحيح زرارة: «و يكره كل شي ء من البحر ليس له قشر مثل الورق و ليس بحرام إنما هو مكروه» (2).

و في خبر ابن أبي يعفور قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن أكل لحم الخز قال: كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه و إلا فأقربه» (3).

فالكل مردود بموافقة العامة و مخالفة المشهور و قصور السند إلا الصحيح و لا ينفعه صحة سنده مع وهنه بموافقة التقية و مخالفة المشهور و المغارضة بما هو الأقوى و الأكثر.

(3) ظهر الوجه فيه من سابقة فلا وجه للتطويل.

(4) إجماعا و نصوصا كثيرة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «كل ما له قشر من السمك و ما ليس له قشر فلا تأكله» (4)، و عنه عليه السّلام أيضا: «كل من السمك ما كان له فلوس، و لا تأكل منه ما ليس له فلوس» (5)، إلى غير ذلك من الروايات.

(5) صرّح به جمع من اللغويين، و في رواية حماد بن عثمان عن

ص: 116


1- الوسائل باب: 22 من أبواب الأطعمة و الأشربة ج: 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة و الأشربة ج: 16.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 7.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 7.

جميعها، صغيرها، و كبيرها من البز و البني و الشبوط و القطان و الطيرامي و الإبلامي و غيرها (6)، و لا يؤكل منه ما ليس له فلس في الأصل (7) كالجري و الزمار و الزهو و المارماهي.

مسألة 3: الإربيان المسمى في لسان أهل هذا الزمان بالروبيان

(مسألة 3): الإربيان المسمى في لسان أهل هذا الزمان بالروبيان من

______________________________

الصادق عليه السّلام: «الكنعت لا بأس بأكله، قلت له: فإنه ليس له قشر، فقال: بلى و لكنها حوت سيئة الخلق تحتك بكل شي ء فإذا نظرت في أصل أذنها وجدت لها قشرا» (1)، و يطلق عليه الكنعد (بالدال المهملة) أيضا.

(6) كل ذلك للعموم و الإطلاق و الاتفاق، و خبر الطبري قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام عن سمك يقال له: الإبلامي و سمك يقال له: الطبراني، و سمك يقال له: الطمر و أصحابي ينهوني عن أكله، قال: فكتب كله لا بأس به، و كتبت بخطي» (2).

(7) إجماعا و نصوصا يصح دعوى القطع بصدور مضمونها عن المعصوم و هي ظاهرة في الحرمة بعد ملاحظة مجموعها مثل ما ورد في النهي عن بيعه (3)، و ضرب أمير المؤمنين عليه السّلام بالدرة من يفعل ذلك (4)، و نداوة في الأسواق بذلك (5)، و ان التجنب عنه من شرائط الإيمان (6)، و منها ما دل على النهي عن بيع ما لا قشر فيه من السمك (7)، و منها ما دل على أنه من المسوخ (8)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و نوقش في الإجماع بمخالفة الشيخ في النهاية و القاضي، الذي هو من

ص: 117


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث الحديث: 9.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 14.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 8.
6- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 10 و 4 و 5 و 22.
7- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 10 و 4 و 5 و 22.
8- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 10 و 4 و 5 و 22.

.....

______________________________

اتباعه، و في الأخبار بمعارضتها بغيرها كصحيحي زرارة و ابن مسلم، ففي الأول قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن الجرّيث؟ فقال: ما الجرّيث؟ فنعتّه له، فقال:

قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ثمَّ قال: لم يحرم اللّه شيئا من الحيوان في القرآن إلا الخنزير بعينه، و يكره كل شي ء من البحر ليس له قشر مثل الورق و ليس بحرام إنما هو مكروه» (1).

و في الثاني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجري و المارماهي و الزمير و ما ليس له قشر من السمك حرام هو؟ قال لي: يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الأنعام قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً قال: فقرأتها حتى فرغت منها، فقال: إنما الحرام ما حرّم اللّه و رسوله في كتابه و لكنهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها» (2)، و في بعض الأخبار التصريح بالكراهة كصحيح الحلبي: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا يكره شي ء من الحيتان إلا الجريّ» (3)، و في رواية حكم عن الصادق عليه السّلام: «لا يكره شي ء من الحيتان إلا الجرّيث» (4)، و غير ذلك من الأخبار، و لذا مال بعض إلى الكراهة جمعا بين الأخبار.

لكن هذه المناقشة ساقطة رأسا، أما قول الشيخ رحمه اللّه في نهايته ففيه أولا:

ان كتاب النهاية ليس موضوعا للفتوى و النظر و إنما هو متون أخبار جمعها لينظر رحمه اللّه فيها بعد ذلك.

و ثانيا: أنه مخالف لفتواه في سائر كتبه.

و ثالثا: أنه مخالف لدعواه الإجماع في خلافه على الحرمة.

و أما الكراهة في كلام القاضي فيمكن أن يراد بها الحرمة و مثل ذلك كثير في كلمات القدماء.

و أما الأخبار التي يظهر منها الحلية فهي لا تقاوم الظاهرة بل الناصة في

ص: 118


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 19 و 20.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 19 و 20.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 17.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 18.

جنس السمك الذي له فلس فيجوز أكله (8).

مسألة 4: بيض السمك يتبع السمك

(مسألة 4): بيض السمك يتبع السمك فبيض المحلل حلال و إن كان أملس و بيض المحرّم حرام و إن كان خشنا (9)، و إذا اشتبه أنه من المحلّل

______________________________

الحرمة بالسنة شتى كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «أقرأني أبو جعفر عليه السّلام شيئا من كتاب علي عليه السّلام فإذا فيه: أنهاكم عن الجري و الزمير و المارماهي و الطافي و الطحال» (1)، و عن الصادق عليه السّلام في رواية سماعة: «لا تأكل الجرّيث و لا المارماهي و لا طافيا و لا طحالا، لأنه بيت الدم و مضغة الشيطان» (2)، و أيضا في رواية حنان بن سدير: «وجدنا في كتاب علي عليه السّلام أشياء من السمك محرمة فلا تقربه ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما لم يكن له قشر من السمك فلا تقربه» (3)، و عن مولانا الرضا عليه السّلام في رواية فضل بن شاذان: «محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللّه- إلى أن قال- و تحريم الجرّي من السمك، و السمك الطافي، و المارماهي و الزمير و كل سمك لا يكون له فلس» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في التأكيد و الاهتمام في بيان الحرمة بطرق شتى فكيف يحصل الاطمئنان بصدور مثل الصحيحين لبيان الحكم الواقعي مع الوهن بالإعراض و الموافقة للعامة؟!

(8) إجماعا و نصا ففي رواية يونس بن عبد الرحمن قال: «قلت له:

جعلت فداك ما تقول في أكل الإربيان؟ فقال عليه السّلام لي: لا بأس و الإربيان ضرب من السمك» (5).

(9) لإطلاق النص و الإجماع و للسيرة القطعية و إطلاق دليل حلية الأصل الشامل بفرعه أيضا بل و لاستصحاب الحلية و الحرمة، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في

ص: 119


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4 و 9.
4- الوسائل باب: من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4 و 9.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 5.

أو من المحرم حل أكله (10) و الأحوط في حال الاشتباه عدم أكل ما كان أملس (11).

مسألة 5: لو تردد سمك حي بين المحلل و المحرّم يحرم

(مسألة 5): لو تردد سمك حي بين المحلل و المحرّم يحرم (12).

مسألة 6: البهائم البرية من الحيوان صنفان

(مسألة 6): البهائم البرية من الحيوان صنفان إنسية و وحشية أما الإنسية فيحل منها جميع أصناف الغنم و البقر و الإبل (13)، و يكره الخيل و البغال و الحمير (14)،

______________________________

خبر ابن أبي يعفور: «إن البيض إذا كان يؤكل لحمه فلا بأس بأكله فهو حلال» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر داود بن فرقد: «كل شي ء لحمه حلال فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة كل ذلك حلال طيب» (2).

(10) لقاعدة الحلية بعد عدم إحراز التبعية للمحرّم و عدم جريان أصالة عدم التذكية لاختصاصها بالحيوان و ليس البيض من الحيوان في شي ء بل هو مبدأ تكوين الحيوان.

(11) ذكره المحقق في الشرائع و تبعه من تأخر عنه، و لكن قال في الجواهر: «لم نقف على خبر بالتفصيل المزبور إلا أنه يمكن شهادة التجربة له و إلا لاقتضى حرمة الأملس من المحلّل و الخشن من المحرّم و لا دليل عليه بل ظاهر الأدلة خلافه»، و التعبير بالاحتياط في المقام لأجل ذلك.

(12) لأصالة عدم التذكية على ما هو المشهور كما تقدم.

(13) بالضرورة الدينية بين المسلمين يعرفها غيرهم من ملل آخرين.

(14) إجماعا و نصوصا كثيرة منها قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام في رواية محمد بن سنان: «كره أكل لحوم البغال و الحمير الأهلية لحاجة الناس إلى ظهورها و استعمالها و الخوف من فنائها و قلتها لا لقذر خلقها و لا قذر

ص: 120


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 7.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 2.

و أخفها كراهة الأول (15)، و اختلف في الأخيرين فقيل بأخفية الثاني و قيل بأخفية الأول، و تحرم منها غير ذلك كالكلب و السنور و غيرهما (16) و أما

______________________________

غذائها» (1)، و منها ما عن أبي جعفر عليه السّلام في رواية محمد بن مسلم قال: «سألته عن لحوم الخيل و البغال و الحمير؟ فقال عليه السّلام: حلال و لكن الناس يعافونها» (2)، إلى غير ذلك مما هو كثير، و يمكن أن تكون لكراهة شي ء حكم شتى منها ما تقدم في قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام و منها ما ذكره أبو جعفر عليه السّلام.

و ما يظهر من بعض الأخبار كصحيح سعد بن سعد عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عن لحوم البراذين و الخيل و البغال؟ فقال عليه السّلام: لا تأكلها» (3)، و في صحيح ابن مسكان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أكل الخيل و البغال؟ فقال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا تأكلها إلا أن تضطر إليها» (4)، و مرسل أبان بن تغلب (5)، عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن لحوم الخيل قال: لا تأكل إلا أن تصيبك ضرورة» محمول على الكراهة جمعا مع وهنها بالإعراض و المعارضة و قصور السند في جملة منها و موافقتها للعامة فما نسب إلى المفيد من الحرمة لا وجه له.

(15) نسب ذلك إلى المشهور، و يشهد لها خبر زيد بن علي عن آبائه عن على عليه السّلام قال: «أتيت أنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلا من الأنصار فإذا فرس له يكيد بنفسه، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: انحره يضعف لك به أجران بنحرك إياه و احتسابك له، فقال: يا رسول اللّه أ لي منه شي ء؟ قال: نعم كل و أطعمني، قال:

فأهدى للنبي صلّى اللّه عليه و آله فخذا منه فأكل منه و أطعمني» (6).

(16) إجماعا و الضرورة من المذهب في الأول.

ص: 121


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 8
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 5 و 1 و 2.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 5 و 1 و 2.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 5 و 1 و 2.
6- الوسائل باب: 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4.

الوحشية فتحل منها الظبي و الغزلان و البقر و الكباش الجبلية و اليحمور و الحمير الوحشية (17)، و تحرم منها السباع (18)، و هي ما كان مفترسا و له ظفر و ناب قويا كان- كالأسد و النمر و الفهد و الذئب- أو ضعيفا- كالثعلب

______________________________

(17) لإجماع الإمامية بل الضرورة المذهبية، و للسيرة المستمرة مضافا إلى النص ففي خبر نضر بن محمد قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام أسأله عن لحوم الحمر الوحشية؟ فكتب: يجوز أكلها وحشية و تركه عندي أفضل» (1)، و في خبر سعد بن سعد قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن اليحامير؟ قال: لا بأس به» (2)، و في خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «عن ظبي أو حمار وحشي أو طير صرعه رجل ثمَّ رماه بعد ما صرعه غيره فمتى يؤكل؟ قال عليه السّلام: كله ما لم يتغير إذا سمى و رمى» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(18) إجماعا بل ضرورة من المذهب، و للسيرة المستمرة و نصوصا كثيرة منها قول الصادق عليه السّلام في صحيح سماعة: «السبع كله حرام و إن كان سبعا لا ناب له» (4)، و في صحيح الحلبي عنه عليه السّلام أيضا: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: كل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير حرام، و قال: لا تأكل من السباع شيئا» (5)، إلى غير ذلك من الأخبار، فيشمل السنور أهليا كان أو وحشيا كما تقدم.

و ما يظهر منه الخلاف كصحيح محمد بن مسلم: «ليس الحرام إلا ما حرم اللّه في كتابه» (6)، و صحيح زرارة: «ما حرم اللّه في القرآن من دابة إلا الخنزير و لكنه النكرة» (7)، و قريب منهما غيرهما مطروح أو مؤول.

ص: 122


1- الوسائل باب الحديث: 19 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث الحديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب الحديث: 19 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 5.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3 و 2.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3 و 2.
6- الوسائل باب: 5 من أبواب الأطعمة المحرمة.
7- الوسائل باب: 1 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 2.

و الضبع و ابن آوى (19)- و كذا يحرم الأرنب و إن لم يكن من السباع (20) و كذا تحرم الحشرات كلها- كالحية و الفارة و الضب و اليربوع و القنفذ و الصراصر و الجعل و البراغيث و القمل و غيرها مما لا تحصى (21).

مسألة 7: يحرم الذباب و الزنبور و الديدان حتى التي في الفواكه

(مسألة 7): يحرم الذباب و الزنبور و الديدان حتى التي في الفواكه (22).

______________________________

(19) لشمول إطلاق النص و الفتوى للجميع.

(20) لأنه ممسوخ كما في النص (1)، و كل ممسوخ حرام مضافا إلى الإجماع، و أما قول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عزوف النفس و كان يكره الشي ء و لا يحرّمه، فأتي بالأرنب فكرهها و لم يحرمها» (2)، فلا بد من حمله على التقية.

(21) للمتحقق من الإجماع، و تنفر أوساط الطباع، و تحقق عنوان الممسوخ في جملة منها قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «إن الضب و الفارة و القردة و الخنازير مسوخ» (3)، و عنه عليه السّلام أيضا: «حرم اللّه و رسوله المسوخ كلها» (4)، و عن أبى الحسن عليه السّلام في الموثق (5): «حرم اللّه لحوم المسوخ و لحم ما مثل به في صورها»، و كون الحشرات مطلقا من الخبائث بالفطرة السليمة و هي محرمة في الشريعة لصريح الآية (6) و مر ما يتعلق بمعنى الخبث (7)، فراجع.

(22) لكون الجميع من الخبائث مع أن الزنبور من ذوات السم.

نعم، لو استهلك الدود في المأكول لا يحرم حينئذ.

ص: 123


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 13 و 14.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 21.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 3 و 2.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 3 و 2.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 3 و 2.
6- سورة الأعراف: 157.
7- تقدم في صفحة: 114.
مسألة 8: يحل من الطير الحمام بجميع أصنافه

(مسألة 8): يحل من الطير الحمام بجميع أصنافه (23) كالقماري و هو الأزرق و الدباسي و هو الأحمر و الورشان و هو الأبيض و الدراج و القبج و القطا و الطيهوج و البط و الكروان و الحبارى و الكركي و الدجاج بجميع اقسامه، و العصفور بجميع أنواعه (24)، و منه البلبل و الزرزور و القبرة و هي التي على رأسها القنزعة، و قد ورد إنها من مسحة سليمان عليه السّلام (25)، و يكره منه الهدهد و الخطاف و هو الذي يأوي البيوت

______________________________

(23) للنص و الإجماع و إطلاقهما يشمل جميع الأصناف، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بركوب البخت و شرب ألبانها و أكل الحمام المسرول» (1)،- و المسرول هو الحمام الذي في رجليه ريش- و عن علي عليه السّلام في خبر داود البرقي: «أطيب اللحام لحم فرخ حمام» (2)، مضافا إلى نصوص خاصة في أبواب متفرقة كقول الكاظم عليه السّلام: «أطعموا المحموم لحم القباج فإنه يقوى الساقين و يطرد الحمى طردا» (3)، و في رواية علي بن مهزيار: «تغديت مع أبى جعفر عليه السّلام فأتى بقطا، فقال: إنه مبارك و كان أبي عليه السّلام يعجبه، و كان يقول: أطعموه صاحب اليرقان، و يشوى له فإنه ينفعه» (4)، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من سره أن يقل غيظه فليأكل لحم الدراج» (5)، إلى غير ذلك مما ورد عنهم عليهم السّلام.

(24) للإجماع و السيرة القطعية في كل واحد من الدجاج و العصفور و ما ورد من أن «الدجاج خنزير الطير» (6)، إنما هو فيما إذا تغذى بالعذرة و نحوها من القذارات.

(25) ذكر ذلك في حديث عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «قال علي ابن

ص: 124


1- الوسائل باب: 38 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 1 و 2 و 3.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 1 و 2 و 3.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 1 و 2 و 3.
6- الوسائل باب: 16 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 1.

و آنس الطيور بالناس و الصرد و هو طائر ضخم الرأس و المنقار يصيد العصافير أبقع نصفه أسود و نصفه أبيض، و الصوّام و هو طائر أغبر اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل، و الشقراق و هو طائر أخضر مليح بقدر الحمام خضرته حسنة مشبعة في أجنحته سواد و يكون مخطط بحمرة و خضرة و سواد و لا يحرم شي ء منها (26)، حتى الخطّاف على الأقوى (27)،

______________________________

الحسين عليهما السّلام: «القنزعة التي هي على رأس القنبرة من مسحة سليمان بن داود ثمَّ ذكر قصتها، و ان الذكر و الأنثى أهديا إلى سليمان عليه السّلام جرادة و تمرة فقبل هديتهما و جنّب جنده عنهما و عن بيضهما و مسح على رأسهما و دعا لهما بالبركة فحدثت القنزعة على رأسهما من مسحه» (1).

(26) لوجود علامات الحلية- على ما يأتي- فيها مضافا إلى الإجماع على الحلية في الجميع.

و أما الكراهة فلإجماعهم عليها، و في الشرائع ذكر القبّرة في المكروهات أيضا.

(27) و يقال له: عصفور الجنة و زوّار الهند كما في مجمع البحرين، و يقال له بالفارسية (پرستو) و دليل حلّيته وجود الدفيف الذي هو من أماراتها فيه، و في خبر عمار عن الصادق عليه السّلام: «الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده أ يأكله؟ فقال عليه السّلام: هو مما يؤكل» (2)، و عنه عليه السّلام في موثقة الآخر: «لا بأس به و هو مما يحل يؤكل لحمه و أكله لكن كره أكله لأنه استجار بك و آوى في منزلك و كل طير يستجير بك فأجره» (3)، و هذا الحديث معتبر سندا و نص في الحلية و معلل للكراهة بما هو مقبول لذوي الأذواق السليمة فهو من محكمات الأخبار و لا بد

ص: 125


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الصيد الحديث: 4.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الصيد الحديث: 6 و 5.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب الصيد الحديث: 6 و 5.

و يحرم منه الخفاش و الطاوس (28).

و كل ذي مخلب (29)، سواء كان قويا يقوى به على افتراس الطير كالبازي و الصقر و العقاب و الشاهين و الباشق أو ضعيفا لا يقوى به على

______________________________

من حمل غيره عليه أورده إليه.

و نسب إلى نهاية الشيخ و ابني إدريس و البراج الحرمة لأخبار قاصرة سندا و دلالة كقول السجاد عليه السّلام: «لا تقتلهن و لا تؤذهن فإنهن لا يؤذين شيئا» (1)، و قول الصادق عليه السّلام في خبر الحسن بن داود الرقي (2): «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن قتل الستة: النحلة، و النملة، و الضفدع، و الصرد، و الهدهد، و الخطاف».

و فيه: ان النهي عن القتل أو الإيذاء أعم من حرمة أكل اللحم كما هو واضح و ما مر من الخبر المعلل حاكم على الجميع.

(28) لأنهما ممسوخان و كل ممسوخ حرام نصا (3)، و فتوى ففي خبر سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «الطاوس مسخ- إلى أن قال- فلا تأكل لحمه و لا بيضه» (4)، و عنه عليه السّلام أيضا: «الطاوس لا يحل أكله و لا بيضه» (5)، و عن الصادق عليه السّلام: «المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا: منهم القردة، و الخنازير، و الخفاش، و الضب، و الفيل، و الدب، و الدعموص، و الجريث، و العقرب، و سهيل، و القنفذ، و الزهرة و العنكبوت» (6)، و ذكرنا في التفسير ما يتعلق بالمسخ مفصلا فراجع.

(29) إجماعا و نصوصا منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر داود بن فرقد:

«كل ذي ناب من السباع و مخلب من الطير حرام» (7)، و عنه عليه السّلام في موثقة سماعة بن مهران قال: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرّم كل ذي مخلب من الطير و كل ذي ناب

ص: 126


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الصيد الحديث: 1 و 2 و 3.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الصيد الحديث: 1 و 2 و 3.
3- تقدم في صفحة: 98.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 6.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 6.
6- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 12.
7- الوسائل باب: 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.

ذلك كالنسر و البغاث (30).

مسألة 9: الأحوط التنزه و الاجتناب عن الغراب بجميع أنواعه

(مسألة 9): الأحوط التنزه و الاجتناب عن الغراب بجميع أنواعه (31) حتى الزاغ- و هو غراب الزرع- و الغداف الذي هو أصغر منه أغبر اللون

______________________________

من الوحش» (1)، إلى غير ذلك من الأخبار، و هذه من القواعد الكلية في الفصل بين الحرمة و الحلية.

(30) لإطلاق النص و الفتوى الشامل لكل منهما.

(31) البحث فيه تارة: بحسب ما وصل إلينا من الأخبار.

و اخرى: بحسب الأصل.

و ثالثة: بحسب القرائن و الشواهد.

و رابعة: بحسب الكلمات.

أما الأولى: فعن ابن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام: «لا يحل أكل شي ء من الغربان، زاغ و لا غيره» (2)، و في خبر إسماعيل قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن بيض الغراب؟ فقال: لا تأكله» (3)، و منه يعلم حرمة لحمه لما مر من الملازمة، و عنه عليه السّلام في خبر الواسطي قال: «سألته عن الغراب الأبقع؟ فقال:

إنه لا يؤكل و من أحل لك الأسود؟!» (4)، و عن جعفر بن محمد عليهما السّلام في خبر غياث بن إبراهيم: «أنه كره أكل الغراب لأنه فاسق» (5) و في المرسل: «إن النبي صلّى اللّه عليه و آله أتى بغراب فسماه فاسقا، و قال: ما هو و اللّه من الطيبات» (6)، و في صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام أنه قال: «إن أكل الغراب ليس بحرام إنما الحرام ما حرّم اللّه في كتابه و لكن الأنفس تتنزه عن كثير من ذلك تقززا» (7)، و لو لا قرب احتمال التقية فيه لكان قرينة على حمل ما يظهر منه الحرمة على الكراهة، و قال

ص: 127


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3 و 5 و 4 و 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3 و 5 و 4 و 2.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3 و 5 و 4 و 2.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3 و 5 و 4 و 2.
6- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.
7- الوسائل باب: 7 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.

كالرماد (32) و يتأكد الاحتياط في الأبقع الذي فيه سواد و بياض و يقال له

______________________________

في الجواهر: «إن رواية التحريم أصحّ سندا و معتضدة بغيرها مما دل عليه من نص و إجماع محكي و مخالفة العامة و الاحتياط و أصالة عدم التذكية و غير ذلك»، فلا موضوع للحلية بعد موافقتها للعامة فمفاد الأخبار حينئذ الحرمة بعد سقوط ما يظهر منه الحلية عن صلاحية المعارضة.

و أما الثانية: و هي أصالة عدم التذكية على ما هو المشهور.

و أما الثالثة: فعن جمع إن الغراب مطلقا من ذوات المخلب إلا أنه بين و ضعيف و ان من عادته آكل الجيف و هما من علامات الحرمة.

و أما الرابعة: فهي مختلفة حسب أنظارهم و اجتهاداتهم و لا اعتبار بها ما لم تكن من الإجماع المعتبر.

و نسب إلى الشيخ رحمه اللّه في خلافه إجماع الفرقة و أخبارها على الحرمة في مطلق الغراب.

و لكنه رحمه اللّه في النهاية و كتابي الأخبار قال بالحلية مطلقا على كراهة، و في مبسوطه فصّل فيما يأكل الميتة فحرام و ما لا يأكلها فحلال.

و ما يكون كذلك بالنسبة إلى شيخ الفقهاء و المحدثين فكيف يعتمد على نقل الإجماع عن غيره، و من شاء العثور على الأقوال فليراجع المطولات يجدها إنها لا محصل لها على طولها.

(32) لعدم خصوصية فيهما بالنسبة إلى الحلّية المطلقة أو الحرمة كذلك.

نعم، قيل بورود الرخصة فيهما، و لكن قال في الجواهر: «لم نجد شيئا يدل على شي ء من هذه التفاصيل كما اعترف به غير واحد سوى ما عساه يقال مما أرسله في الخلاف من ورود الرخصة فيهما»، و الرخصة التي لم يعتمد قائلها بل ادعي إجماع الفرقة و أخبارها على الحرمة في مطلق الغراب فكيف يصح الاعتماد عليه بالنسبة إلى غيره؟!

ص: 128

العقعق، و الأسود الكبير الذي يسكن الجبال (33) و هما يأكلان الجيف و يحتمل قويا كونهما من سباع الطير فيقوى فيهما الحرمة (34).

مسألة 10: يميّز محلّل الطير عن محرّمه بأمرين

(مسألة 10): يميّز محلّل الطير عن محرّمه بأمرين جعل كل منهما في الشرع علامة للحل و الحرمة فيما لم ينص على حلّيته و لا على حرمته دون ما نص فيه على حكمه من حيث الحل أو الحرمة (35)، كالأنواع المتقدمة.

أحدهما: الصفيف و الدفيف فكل ما كان صفيفه- و هو بسط جناحيه عند الطيران- أكثر من دفيفه- و هو تحريكهما عنده- فهو حرام و ما كان بالعكس بان كان دفيفه أكثر من صفيفه فهو حلال (36).

______________________________

(33) لإرسال العلامة في القواعد الحرمة فيهما إرسال المسلمات و جعل الاختلاف في غيرهما.

(34) فيشمله إطلاق قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام في الموثق: «و حرّم سباع الطير و الوحش كلها»(1)، و مثله غيره.

(35) فمنصوص الحرمة حرام و إن كان دفيفه أكثر من صفيفه، و منصوص الحلية حلال و إن كان صفيفه أكثر من دفيفه، و ذلك لتقدم النص الخاص على القاعدة المجعولة في ظرف الشك في الحلية و الحرمة.

(36) إجماعا و نصا في كل منهما فعن زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عما يؤكل من الطير؟ فقال: كل ما دف و تأكل ما صف» (2)، و عن الصادق عليه السّلام في صحيح ابن أبي يعفور: «كل ما دف و لا تأكل ما صف» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار و يشهد له الاعتبار أيضا لأن كثرة الصفيف كاشفة عن قوة الطير و كونه من الجوارح و أكلي اللحوم و أكثرية الدفيف كاشف عن ضعفه و كونه من آكلي الحبوب.

ص: 129


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 7.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 3.

ثانيهما: الحوصلة، و القانصة، و الصيصية فما كان فيه أحد هذه الثلاثة فهو حلال، و ما لم يكن شي ء منها فهو حرام (37)، و الحوصلة: ما يجتمع فيه الحب و غيره من المأكول عند الحلق، و القانصة في الطير: بمنزلة الكرش لغيره، أو هي قطعة صلبة تجتمع فيها الحصاة الدقاق التي يأكلها

______________________________

ثمَّ إن المنساق من الأخبار ثبوت الصفتين بنحو يكون كل واحد منها علامة عرفا بحسب الغالب و لازم كونها علامة مراعاة الأكثرية، و إلا فكل طير صاف لا يخلو عن دف و كل داف لا يخلو عن صف مع إن لفظ الأكثرية مذكور في خبر الفقيه- «إن كان الطير يصف و يدف فكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل، و إن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلا يؤكل» (1)- و معاقد الإجماعات فالأقسام ثلاثة:

الأول: الجهل بالتفاوت بين الصفتين.

الثاني: التساوي بينهما.

الثالث: أكثرية إحداهما عن الآخر.

و العلامة هو الأخير فقط و يأتي حكم الأول و الثاني.

(37) إجماعا و نصوصا منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق ابن بكير: «كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا في موثق مسعدة بن صدقة: «كل من الطير ما كانت له قانصة» (3)، و في خبر سماعة ابن مهران: «كل من الطير ما كانت له حوصلة- إلى أن قال- و القانصة و الحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه و كل طير مجهول» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار و لا ريب في ظهور الجميع في كفاية الوحدة كما عليه الفتوى و مورد عمل الطائفة.

ص: 130


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 5 و 4.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 5 و 4.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3.

الطير، و الصيصية: هي الشوكة التي في رجل الطير موضع العقب (38)، و يتساوى طير الماء مع غيره في العلامتين المزبورتين (39)، فما كان دفيفه أكثر من صفيفه أو كان فيه أحد الثلاثة: الحوصلة و القانصة و الصيصية فهو حلال و إن كان يأكل السمك (40)، و ما كان صفيفه أكثر من دفيفه أو لم يوجد فيه شي ء من الثلاثة فهو حرام (41).

______________________________

(38) و هي للطير بمنزلة الإبهام للإنسان في عدم الفرق بينهما فيهما.

(39) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(40) لإطلاق الأدلة، و خصوص الخبر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «عن طير الماء ما يأكل السمك منه يحل؟ قال: لا بأس به كله» (1)، و تقدم حلّية الصرد مع أنه يأكل العصافير و تحل العصافير مع أنها تأكل جملة من الحشرات.

(41) و تلخيص المقال بعد ملاحظة جميع النصوص و ردّ بعضها إلى بعض و الأخذ بالمتحصل من المجموع ان للحرمة في الطير علامات أربعة:

الأول: المخلب.

الثاني: أكثرية الصفيف.

الثالث: المسخ.

الرابع: انتفاء الثلاثة أي: القانصة و الصيصية و الحوصلة.

و للحلال منه أيضا علامات أربعة:

الأول: أكثرية الدفيف.

الثاني: الحوصلة.

الثالث: القانصة.

الرابع: الصيصية.

ص: 131


1- الوسائل باب: 22 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.
مسألة 11: لو تعارضت العلامتان

(مسألة 11): لو تعارضت العلامتان كما إذا كان ما صفيفه أكثر من دفيفه ذا حوصلة أو قانصة أو صيصية أو كان ما دفيفه أكثر من صفيفه فاقدا للثلاثة فالظاهر إن الاعتبار بالصفيف و الدفيف (42) فيحرم الأول و يحل الثاني على إشكال في الثاني (43)، فلا يترك الاحتياط.

و لكن ربما قيل (44) بالتلازم بين العلامتين و عدم وقوع التعارض

______________________________

(42) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق سماعة المتقدم: «و القانصة و الحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه و كل طير مجهول» (1)، فيستفاد من أول كلامه عليه السّلام أن علامة كيفية الطيران مقدمة على سائر العلامات كما أنها علامة في كل طير مجهول لا علامة فيه للحلّية و الحرمة أبدا.

(43) أما عدم الإشكال في الأول فلموافقة الحكم بالحرمة لأصالة عدم التذكية بلا إشكال فيه من هذه الجهة.

و أما الإشكال في الثاني فلأنه بعد تعارض الأمارتين يسقطان و يرجع إلى أصالة عدم التذكية.

و فيه: أنه بعد قول الصادق عليه السّلام بتقديم كيفية الطيران على سائر العلامات لا موضوع للتعارض حتى يسقط المتعارضان، و يرجع إلى أصالة عدم التذكية و لذا ذهب جمع إلى الحلّية في هذه الصورة.

(44) يظهر ذلك عن الشهيد الثاني في الروضة، فقال رحمه اللّه: «إن العلامات متلازمة».

أقول: يمكن استفادة التلازم من الروايات المشتملة على ذكر علامة واحدة فقط، و كذا في غير المقام كما هو عادة الشرع في جعل العلامات لأمور حيث انها متلازمة غالبا فيما إذا جعل لشي ء واحد علامات متعددة.

ص: 132


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4.

بينهما فلا إشكال (45).

مسألة 12: لو رأى طيرا يطير و له صفيف و دفيف و لم يتبين أيهما أكثر

(مسألة 12): لو رأى طيرا يطير و له صفيف و دفيف و لم يتبين أيهما أكثر تعين له الرجوع إلى العلامة الثانية و هي وجود إحدى الثلاثة و عدمها فيه، و كذا إذا وجد طيرا مذبوحا لم يعرف حاله (46).

مسألة 13: لو فرض تساوي الصفيف و الدفيف فيه فالمشهور على حلّيته

(مسألة 13): لو فرض تساوي الصفيف و الدفيف فيه فالمشهور على حلّيته (47) لكن لا يخلو من إشكال (48) فالأحوط ان يرجع فيه إلى العلامة الثانية (49).

مسألة 14: بيض الطيور تابعة لها في الحل و الحرمة

(مسألة 14): بيض الطيور تابعة لها في الحل و الحرمة فبيض المحلّل

______________________________

(45) بناء على ثبوت التلازم و عدم التعارض بين هذه الأمارات و لكنه من مجرد الدعوى بلا دليل مع كثرة التخالف بين ما جعله الشارع علامة في موارد كثيرة.

(46) الوجه في كل منهما واضح، لأنه مع عدم إحراز إحدى العلامتين لا بد من الرجوع إلى العلامة الموجودة وجدانا و شرعا.

(47) منهم المحقق في الشرائع لعموم أدلة الإباحة كتابا (1)، و سنة (2)، و ما دل على اباحة ما اجتمع فيه الحلال و الحرام (3).

(48) لأصالة عدم التذكية بعد تعارض العلامتين و عدم المرجح إلا أن يقال بعدم جريان أصالة عدم التذكية في مورد تجري فيه أمارة التذكية و يسقط بالمعارضة، بل هي مختصة بما لا تجري أمارة التذكية أصلا و لكنه مشكل بل ممنوع.

(49) لا ريب في حسن هذا الاحتياط كما هو معلوم.

ص: 133


1- سورة البقرة: 29- 168 و غيرهما من الآيات.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب صفات القاضي الحديث: 60.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به.

حلال و بيض المحرّم حرام (50)، و ما اشتبه أنه من المحلّل أو المحرّم يؤكل ما اختلف طرفاها و تميّز رأسها من تحتها مثل بيض الدجاج دون ما اتفق و تساوى طرفاه (51).

مسألة 15: النعامة من الطيور

(مسألة 15): النعامة من الطيور و هي حلال لحما و بيضا على الأقوى (52).

______________________________

(50) للإجماع و النص و قاعدة التبعية إلا ما خرج بالدليل، قال الصادق عليه السّلام في خبر ابن أبي يعفور: «إن البيض إذا كان مما يؤكل لحمه فلا بأس بأكله فهو حلال» (1)، و في خبر داود بن فرقد عن الصادق عليه السّلام: «كل شي ء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة فكل ذلك حلال طيب» (2)، إلى غير ذلك.

(51) إجماعا و نصوصا منها قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة في البيض: «ما استوى طرفاه فلا تأكله و ما اختلف طرفاه فكل» (3)، و عن الصادق عليه السّلام في صحيح ابن أبي يعفور: «كل منه ما اختلف طرفاه» (4).

و منها ما في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام: «يا علي كل من البيض ما اختلف طرفاه و من السمك ما كان له قشر و من الطير ما دف و اترك منه ما صف» (5).

ثمَّ إن المراد باختلاف طرفيه الاختلاف في الجملة لأن مراتب الاختلاف في طرفي البيض متفاوتة كما هو المشاهد فيكفي مجرد صدق الاختلاف عرفا.

(52) لا ريب في أن النعامة من بدائع صنع اللّه تعالى و عجائب قدرته غير المتناهية من كل حيثية و جهة، أما أنه من الطيور فهو المشهور بين الفقهاء و اللغويين و متخصصي معرفة الحيوان و من جعله من غير الطير نظرا

ص: 134


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 7.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4 و 6 و 7.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4 و 6 و 7.
5- الوسائل باب: 20 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4 و 6 و 7.
مسألة 16: اللقلق لم ينص على حرمته و لا على حلّيته

(مسألة 16): اللقلق لم ينص على حرمته و لا على حلّيته فليرجع في حكمه إلى علامات الحل و الحرمة أما من جهة الدفيف و الصفيف فقد اختلفت في ذلك أنظار من تفقّده فبعض ادعى أن دفيفه أكثر من صفيفه و بعض ادعى العكس و لعل طيرانه غير منتظم، و كيف كان إذا تبين حاله من جهة الدفيف و الصفيف فهو و إلا فليرجع إلى العلامة الثانية و هي وجود إحدى الثلاث و عدمها (53).

______________________________

إلى عدم طيرانه.

و فيه: إن الطيران وصف غالبي للطيور لا أن يكون من مقوماته الذاتية و فصوله المقومة.

و أما حلية أكل لحمه فظاهرهم الإجماع عليها، و تقتضيه السيرة بين المسلمين قديما و حديثا بلا استنكار من أحد عليهم، و لكن نسب إلى الصدوق حيث عدّه من المسوخ في الفقه، و لكنه في غيره لم يشر إلى شي ء من ذلك حتى في كتاب العلل الذي عد فيه أصناف المسوخ و علّل مسخها و لم يذكر النعامة أبدا، و من كان هذا حاله في تأليفاته في النعامة فكيف يعتني بخلافه في الحلية التي تسالم الفقهاء عليها و من ذلك يظهر حلّية بيضه أيضا لما مر من تبعيته للحيوان من الحل و الحرام.

(53) حكم هذه المسألة واضح لا يحتاج إلى بيان كما تقدم و ما ذكره لا يختص باللقلق بل يجري في كل طير كان كذلك.

ص: 135

الحيوان المحرم بالعارض

اشارة

الحيوان المحرم بالعارض تعرض الحرمة على الحيوان المحلّل بالأصل في موارد ثلاثة:

الأول: الجلل
اشارة

الأول: الجلل (54) و هو أن يتغذى الحيوان عذرة الإنسان بحيث يصدق عرفا أنها غذاؤه (55) و لا يلحق بعذرة الإنسان عذرة غيره و لا سائر النجاسات (56).

مسألة 1: يتحقق صدق الجلل بانحصار غذائه بعذرة الإنسان

(مسألة 1): يتحقق صدق الجلل بانحصار غذائه بعذرة الإنسان (57)، فلو كان يتغذى بها مع غيرها لم يتحقق الصدق، فلم يحرم (58)، إلا أن يكون تغذّيه بغيرها نادرا جدا بحيث يكون في أنظار العرف بحكم

______________________________

(54) إجماعا و نصا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في صحيح هشام بن سالم: «لا تأكل لحوم الجلالات و إن أصابك من عرقها فأغسله» (1)، و لا بد من حمل ذيله على مجرد التنزه لا النجاسة لأن الجلل لا يوجب النجاسة.

(55) لأنه المتيقن من هذا الحكم المخالف للأصل الموضوعي و الحكمي، مضافا إلى الإجماع و الخبر: «لا بأس بأكلهن إذا كن يخلطن» (2)، و تقدم في كتاب الطهارة عند بيان النجاسات فراجع.

(56) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(57) لأصالة عدم تحقق العنوان و الحكم إلا بذلك مضافا إلى إجماعهم على اعتباره.

(58) لما تقدم من الأصل بعد الاستظهار من الأدلة بانحصار غذائه فيه.

ص: 136


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 3.

العدم (59)، و بأن يكون تغذّيه بها. مدة معتدا بها، و الظاهر عدم كفاية يوم و ليلة بل يشك صدقه بأقل من يومين بل ثلاثة (60).

مسألة 2: يعم حكم الجلل كل حيوان محلل حتى الطير و السمك

(مسألة 2): يعم حكم الجلل كل حيوان محلل حتى الطير و السمك (61).

مسألة 3: كما يحرم لحم الحيوان بالجلل يحرم لبنه و بيضه

(مسألة 3): كما يحرم لحم الحيوان بالجلل يحرم لبنه و بيضه (62) و يحلان بما يحل به لحمه، و بالجملة هذا الحيوان المحرم بالعارض كالحيوان المحرم بالأصل في جميع الأحكام قبل أن يستبرأ و يزول حكمه (63).

مسألة 4: الظاهر أن الجلل ليس مانعا عن وقوع التذكية

(مسألة 4): الظاهر أن الجلل ليس مانعا عن وقوع التذكية (64)، فيذكى الجلال بما يذكى به غيره و يترتب عليها طهارة لحمه و جلده كسائر

______________________________

(59) لتحقق الصدق العرفي حينئذ.

(60) لأصالة عدم تحقق الموضوع و الحكم إلا بما هو المعلوم منهما.

(61) للإطلاق و الاتفاق بعد صدق العنوان و عن علي عليه السّلام في خبر السكوني: «الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيد ثلاثة أيام- الحديث-» (1)، و يأتي النص في السمك أيضا.

(62) للإجماع و قاعدة التبعية و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة» (2)، هذا إذا لم ينعقد القشر الا على في البيض ثمَّ عرض الجلل و إلا يخرج عن التبعية.

(63) لإطلاق دليل جعل المحرم بالعرض كالمحرم بالذات.

(64) للإطلاق و الاتفاق، و لأنه إذا كان المحرم بالذات قابلا للتذكية

ص: 137


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 2.

الحيوان المحرم بالأصل القابل للتذكية.

مسألة 5: تزول حرمة الجلال بالاستبراء

(مسألة 5): تزول حرمة الجلال بالاستبراء بترك التغذي بالعذرة و التغذي بغيرها مدة و هي في الإبل أربعون يوما (65).

و في البقر عشرون يوما (66)، و الأحوط ثلاثون يوما (67)، و في الشاة عشرة أيام، و في البطة خمسة أيام، و في الدجاجة ثلاثة أيام، و في السمك يوم و ليلة (68)، و في غير ما ذكر فالمدار على زوال اسم الجلل

______________________________

فالمحرم بالعرض أولى بذلك.

(65) لقول علي عليه السّلام في خبر مسمع: «الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى أربعين يوما، و البقرة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى ثلاثين يوما، و الشاة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغذى عشرة أيام، و البطة الجلالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تربى خمسة أيام و الدجاجة ثلاثة أيام» (1)، و في رواية أخرى في البقرة عشرين يوما كما في خبر السكوني و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «ينتظر به يوما و ليلة» (2)، و في بعض الأخبار: «يوما إلى الليل» (3)، و لا ريب إن الأول أحوط و يمكن إرجاع الثاني إليه أيضا.

(66) لقول علي عليه السّلام في خبر السكوني: «و البقرة الجلالة عشرين يوما» (4)، و تقدم عنه عليه السّلام أيضا فيها «ثلاثين يوما».

(67) حملا لدليل الأكثر على الأفضلية، و الاحتياط حسن على كل حال، و مع اعتبار دليل الأقل لا يبقى موضوع لاستصحاب الجلل، و تقدم في كتاب الطهارة ما يتعلق بالمقام.

(68) تقدم جميع ذلك آنفا في خبر مسمع و مثله خبر السكوني و غيرهما.

ص: 138


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 5.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 7 و 1.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 7 و 1.

بحيث لم يصدق عليه أنه يتغذى بالعذرة بل صدق أن غذاءه غيرها (69).

مسألة 6: كيفية الاستبراء أن يمنع الحيوان بربط أو حبس عن التغذي بالعذرة في المدة المقررة

(مسألة 6): كيفية الاستبراء أن يمنع الحيوان بربط أو حبس عن التغذي بالعذرة في المدة المقررة، و يعلف في تلك المدة علفا طاهرا على الأحوط و إن كان الاكتفاء بالتغذي بغير ما أوجب الجلل مطلقا و إن كان متنجسا أو نجسا لا يخلو من قوة خصوصا في المتنجس (70).

مسألة 7: يستحب ربط الدجاجة التي يراد أكلها أياما

(مسألة 7): يستحب ربط الدجاجة التي يراد أكلها أياما ثمَّ ذبحها و إن لم يعلم جللها (71).

الثاني: أن يطأه الإنسان قبلا أو دبرا
اشارة

الثاني: أن يطأه الإنسان (72) قبلا أو دبرا و إن لم ينزل صغيرا كان الواطي أو كبيرا عالما كان أو جاهلا مختارا كان أو مكرها فحلا كان

______________________________

(69) لقاعدة ان المناط في كل ما لم يرد فيه تحديد شرعي إنما هو الصدق العرفي مضافا إلى الإجماع عليه.

(70) لأن المناط كله إنما هو منعه عن الجلل و هو يتحقق بكل ما تغذى بغير العذرة، و لاستصحاب حالهن قبل الجلل حيث لا أثر لتغذيهن بكل نجس و متنجس غير العذرة، و ليس في النصوص لفظ الطاهر لا في السمك و لا في غيره و الربط المذكور فيها أعم من ذلك كما هو معلوم، و كذا فيما ورد فيما ارتضع جدي بلبن خنزير كما يأتي مع أن الاستبراء عن الجلل ليس لأجل النجاسة و إلا لوجب التعدي لكل نجس، و إنما هو لأجل الاستقذار الطبيعي و التنفر الحاصل عن ذلك عادة، و يمكن أن يكون اعتبار الطهارة نحو تشديد على صاحب الدجاجة لأن يمنعوها عن التعرض من أكل العذرة.

(71) لما روي عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أياما ثمَّ يأكلها» (1).

(72) إجماعا و نصوصا منها ما عن الصادق عليه السّلام في خبر مسمع: «إن أمير

ص: 139


1- لم يرد في المجامع إلا ان الدميري ذكره في ج: 1 صفحة: 332 من حياة الحيوان.

الموطوء أو أنثى (73) فيحرم بذلك لحمه و لحم نسله المتجدد بعد الوطي (74) و لبنه (75).

مسألة 8: الحيوان الموطوء إن كان مما يراد أكله كالشاة و البقرة و الناقة يجب أن يذبح

(مسألة 8): الحيوان الموطوء إن كان مما يراد أكله كالشاة و البقرة و الناقة يجب أن يذبح ثمَّ يحرق و يغرم الواطي قيمته لمالكه إذا كان غير المالك، و إن كان مما يراد ظهره حملا أو ركوبا و ليس يعتاد أكله- كالحمار و البغل و الفرس- أخرج من المحل الذي فعل به إلى بلد آخر فيباع فيه فيعطى ثمنه للواطي و يغرم قيمته إن كان غير المالك (76) و لعلنا نستوفي

______________________________

المؤمنين عليه السّلام سئل عن البهيمة التي تنكح، قال: حرام لحمها و لبنها» (1)، و مثله غيره.

(73) كل ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق من غير ما يصلح للتقييد على وجه يصح الاعتماد عليه.

(74) و لكن النصوص خالية عن ذكر «النسل» إلا أن يستفاد ذلك من الإحراق الوارد في قوله عليه السّلام: «ذبحها و أحرقها» (2)، و غيره من الأخبار.

(75) لذكره بالخصوص في النص و الفتوى فعن الصادق عليه السّلام كما تقدم في خبر مسمع، و عن علي عليه السّلام في البهيمة المنكوحة: «حرام لحمها و لبنها»، و عن الصادق عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «في الرجل يأتي البهيمة، فقالوا جميعا: إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت، فإذا ماتت أحرقت بالنار و لم ينتفع بها، و إن لم تكن البهيمة له قومت و أخذ ثمنها منه و دفع إلى صاحبها و ذبحت و أحرقت بالنار و لم ينتفع بها- إلى أن قال- فقلت، و ما ذنب البهيمة؟ قال: لا ذنب لها و لكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعل هذا و أمر به لكي لا يجتزئ الناس بالبهائم و ينقطع النسل» (3).

(76) كما مر في الحديث و يأتي في الحدود إن شاء اللّه تعالى.

ص: 140


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الأطعمة و الأشربة الحديث: 3 و 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الأطعمة و الأشربة الحديث: 3 و 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب نكاح البهائم الحديث: 1.

بعض ما يتعلق بهذه المسألة في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى.

الثالث: ان يرتضع حمل أو جدي أو عجل من لبن خنزيرة
اشارة

الثالث: ان يرتضع حمل أو جدي أو عجل من لبن خنزيرة حتى قوي و نبت لحمه و اشتد عظمه (77) فيحرم لحمه و لحم نسله و لبنهما.

مسألة 9: لا تلحق بالخنزيرة الكلبة و لا الكافرة

(مسألة 9): لا تلحق بالخنزيرة الكلبة و لا الكافرة (78).

مسألة 10: في تعميم الحكم للشرب من دون رضاع

(مسألة 10): في تعميم الحكم للشرب من دون رضاع أو للرضاع بعد ما كبر و فطم إشكال (79)، و إن كان أحوط.

مسألة 11: إذا لم يشتد عظم الجدي أو الحمل أو العجل من لبن الخنزيرة

(مسألة 11): إذا لم يشتد عظم الجدي أو الحمل أو العجل من لبن الخنزيرة كره لحمه و تزول الكراهة بالاستبراء سبعة أيام بأن يمنع عن التغذي بلبن الخنزيرة و يعلف ان استغني عن اللبن و إن لم يستغن عنه يلقى على ضرع شاة مثلا في تلك المدة (80).

______________________________

(77) إجماعا و نصوصا منها ما عن الصادق عليه السّلام في صحيح حنان بن سدير: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن جدي رضع من لبن خنزيرة حتى شب و كبر و اشتد عظمه ثمَّ أن رجلا استفحله في غنمه فخرج له نسل؟ فقال: أمّا ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنه، و أما ما لم تعرفه فكله فهو بمنزلة الجبن و لا تسأل عنه» (1)، و الاخبار مشتمل على الجدي و الحمل و صريح الفقهاء التعميم إلى غيرهما أيضا للقطع بعدم الفرق.

(78) للأصل بعد عدم دليل على الإلحاق.

(79) من الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على خصوص مورد الدليل و من تحقق المناط فيهما أيضا.

(80) ذكر ذلك جمع منهم المحقق رحمه اللّه في الشرائع و مستندهم قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر السكوني: «إن أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن حمل غذي بلبن

ص: 141


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.
مسألة 12: لو شرب الحيوان المحلّل الخمر حتى سكر

(مسألة 12): لو شرب الحيوان المحلّل الخمر حتى سكر و ذبح في تلك الحال يؤكل لحمه لكن بعد غسله (81)، و لا يؤكل ما في جوفه من الأمعاء و الكرش و القلب و الكبد و غيرها و إن غسل (82) و لو شرب بولا ثمَّ ذبح عقيب الشرب حل لحمه بلا غسل (83) و يؤكل ما في جوفه بعد ما يغسل (84).

______________________________

خنزيرة؟ فقال: قيّدوه و أعلفوه الكسب و النوى و الشعير و الخبز إن كان استغنى عن اللبن و إن لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيام ثمَّ تؤكل لحمه» (1)، و حيث لم يقيد بالاشتداد فلا موضوع للحرمة فيكون من مجرد استحباب الاستبراء و كراهة الأكل بدونه كما صرحوا بذلك.

(81) أما جواز أكل لحمه، فللأصل و الإطلاق.

و أما الغسل فللمرسل المروي عن السرائر المنجبر: «إنه إذا شرب شي ء من هذه الأجناس خمرا ثمَّ ذبح جاز أكله بعد أن يغسل بالماء و لا يجوز أكل شي ء مما في بطنه و لا استعماله»، و في خبر الشحام عن الصادق عليه السّلام: «في شاة شربت خمرا حتى سكرت ثمَّ ذبحت على تلك الحال، قال عليه السّلام: لا يؤكل ما في بطنها» (2)، و لا فرق بين الشاة و غيره و لا بين السكر و عدمه كما هو المشهور فيحمل الخبر الثاني على أنه تعرض لبعض الأفراد لا أن يكون في مقام بيان أصل موضوع الحكم نفيا و إثباتا.

(82) لما مر في الحديث الأول مضافا إلى دعوى الإجماع عليه.

(83) لأصالة الطهارة و عدم السراية إلى اللحم و التنظير على ما مر في الخمر قياس أولا و مع الفارق ثانيا، لسرعة نفوذ الخمر دون غيره مضافا إلى الإطلاق و الاتفاق.

(84) لما عن أبي جعفر عليه السّلام: «في شاة شربت بولا ثمَّ ذبحت، قال عليه السّلام:

ص: 142


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث: 4، و الكسب فضلة دهن السمسم.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.
مسألة 13: لو رضع جدي أو عناق أو عجل من لبن امرأة حتى فطم و كبر

(مسألة 13): لو رضع جدي أو عناق أو عجل من لبن امرأة حتى فطم و كبر لم يحرم لحمه لكنه مكروه (85).

______________________________

يغسل ما في جوفها ثمَّ لا بأس به، و كذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلّالة، و الجلّالة التي يكون ذلك غذاها» (1)، هذا مع عدم الاستحالة و إلا فلا يجب الغسل.

(85) أما الحلّية فللأصل و الإطلاق و الاتفاق.

و أما الكراهة فلمكاتبة أحمد بن محمد قال: «كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام:

جعلني اللّه فداك من كل سوء، امرأة أرضعت عناقا حتى فطمت و كبرت و ضربها الفحل ثمَّ وضعت أ فيجوز أن يؤكل لحمها و لبنها؟ فكتب فعل مكروه و لا بأس به»(2)، و العناق: الأنثى من ولد المعز.

ص: 143


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.

ما يحرم من الحيوان المحلل

اشارة

ما يحرم من الحيوان المحلل يحرم من الحيوان المحلل و إن ذكي أربعة عشر شيئا (86).

الدم، و الروث، و الطحال، و القضيب، و الأنثيان، و المثانة، و المرارة، و النخاع و هو خيط أبيض كالمخ في وسط فقار الظهر، و الغدد و هي كل عقدة في الجسد مدورة يشبه البندق في الأغلب، و المشيمة و هي موضع الولد أو قرينة الذي يخرج معه- و يجب الاحتياط بالتنزه عنهما-، و العلباوان و هما عصبتان عريضتان صفراوان ممتدتان على الظهر من الرقبة

______________________________

(86) البحث في المقام.. تارة: بحسب المرتكزات الصحيحة العرفية.

و اخرى: بحسب إطلاقات الأدلة.

و ثالثة: بحسب الأصول العملية.

أما الأولى: فمقتضى الطبائع السليمة حرمة ما انطبق عليه عنوان الخباثة و عدم إقدام المتعارف على أكله، و تقدم حكم صورة الشك سابقا فراجع (1).

و أما الثانية: فمقتضى إطلاق حلّية الغنم مثلا حلّية جميع اجزائه إلا ما خرج بالدليل، و في مورد الشك لا يصح التمسك به لعدم إحراز الموضوع فلا بد من الرجوع إلى الأصل حينئذ.

أما الثالثة: فمقتضى الأصل الحكمي الحلية و الإباحة ما لم يكن دليل على الخلاف.

و توهم: أنه مع العلم إجمالا بوجود محرمات في الذبيحة فلا بد من

ص: 144


1- تقدم في صفحة: 115.

.....

______________________________

الاجتناب فيما يحتمل الحرمة لمكان تنجيز العلم.

فاسد، لما أثبتناه في علم الأصول من أن العلم الإجمالي المردد بين الأقل و الأكثر لا تنجز له إلا بالنسبة إلى الأقل بلا فرق بين الاستقلالي و الارتباطي.

أما الرابعة: فعن المحقق في الشرائع التصريح بحرمة الخمسة: «الطحال و القضيب و الفرث و الدم و الأنثيان» و جعل التحريم في المثانة و المرارة و المشيمة أشبه، و عن الشيخ في النهاية- و تبعه ابن حمزة- حرمة أربعة عشر أشياء كما في المتن، و عن المرتضى: «انفردت الإمامية بتحريم الطحال و القضيب و الخصيتين و الرحم و المثانة، و حيث ان خلافهم اجتهادي مستند إلى ما وصلت إليه أنظارهم الشريفة فلا يهمنا صرف الوقت في الرد و الإيراد، و قد استند بعضهم في الحرمة إلى الخباثة.

و أما الأخبار فغالبها قاصرة سندا و لكن اعتنى بنقلها المحدثون، و بالعمل و الفتوى بها في الجملة الفقهاء و من لا يعمل إلا بالقطعيات، و يكفي ذلك كله في حصول الاطمئنان و هي على طوائف:

الأولى: قول أبي الحسن عليه السّلام في خبر إبراهيم بن عبد الحميد: «حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم، و الخصيتان، و القضيب، و المثانة، و الغدد، و الطحال، و المرارة»(1)، و هذا هو المتفق عليه في الحرمة و ليس في مقام الحصر الحقيقي، و مثله ما عن علي عليه السّلام الدال على نهي بيع: «سبعة أشياء من الشاة: الدم، و الغدد، و آذان الفؤاد، و الطحال، و النخاع، و الخصي و القضيب- الحديث-» (2)، و الاختلاف في المصاديق قرينة على أن هذه الروايات ليست في مقام الحصر الواقعي حتى تنافي غيرها مما هو أقل أو أكثر فيؤخذ بكل منهما.

الثانية: خبر إسماعيل بن مرار عنهم عليهم السّلام: «لا يؤكل مما يكون في الإبل و البقر و الغنم و غير ذلك مما لحمه حلال: الفرج بما فيه ظاهره و باطنه،

ص: 145


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 2.

إلى الذنب (87)، و خرزة الدماغ و هي حبة في وسط الدماغ بقدر الحمصة تميل إلى الغبرة في الجملة يخالف لونها لون المخ الذي في الجمجمة، و الحدقة و هي الحبة الناظرة من العين لا جسم العين كله.

مسألة 1: تختص حرمة الأشياء المذكورة بالذبيحة

(مسألة 1): تختص حرمة الأشياء المذكورة بالذبيحة (88)،

______________________________

و القضيب، و البيضتان، و المشيمة و هي موضع الولد، و الطحال لأنه دم، و الغدد مع العروق، و المخ الذي يكون في الصلب، و المرارة، و الحدق، و الخرزة التي تكون في الدماغ و الدم»، و الظاهر أن المراد من قوله عليه السّلام: «مع العروق، العلبوان و الا فلا يحرم كل عرق لطيف يكون في جسم الحيوان المأكول.

الثالثة: خبر ابن أبي عمير (1)، عن الصادق عليه السّلام: «لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث، و الدم، و الطحال، و النخاع، و العلباوان، و الغدد، و القضيب، و الأنثيان، و الحياء، و المرارة»، و الحياء هو الرحم.

الرابعة: خبر ابان عن الصادق عليه السّلام: «يكره من الذبيحة عشرة أشياء: منها الطحال، و الأنثيان، و النخاع، و الدم، و الجلد، و العظم، و القرن، و الظلف، و الغدد، و المذاكير» (2)، و المراد بالكراهة الحرمة بقرينة غيره من الأخبار.

الخامسة: ما عن الهاشمي عن أبيه عن آبائه: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكره أكل خمسة: الطحال، و القضيب، و الأنثيين، و الحياء، و آذان القلب» (3)، إلى غير ذلك من النصوص التي لا بد من حمل العدد الخاص الوارد في بعضها على بيان ذكر بعض الافراد لا الحصر الحقيقي لئلا يلزم التنافي كما أنه لا بد من الأخذ بمفادها بعد رد بعضها إلى بعض ثمَّ ملاحظة الانجبار بالعمل و الفتوى.

(87) و هما اثنان من الأوداج الأربعة التي تقدم ذكرها في الذبيحة ثمَّ انه لم يذكر في بعض النسخ الفرج ظاهره و باطنه مع أنه منصوص كما مر.

(88) بلا فرق بين الطير و غيره.

ص: 146


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث. 11.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث. 10.

و المنحورة (89)، فلا يحرم من السمك و الجراد شي ء منها (90) ما عدا الرجيع و الدم على إشكال فيهما (91).

مسألة 2: لا يوجد في الطيور شي ء مما ذكر عدا الرجيع

(مسألة 2): لا يوجد في الطيور شي ء مما ذكر عدا الرجيع، و الدم، و المرارة، و الطحال (92)، و البيضتين في الديكة و لا إشكال في حرمة الأولين منها فيها (93)، و أما البواقي ففيها إشكال فلا يترك فيها الاحتياط (94).

______________________________

(89) لأن دليل الحرمة اما الإجماع فهما المتيقن منه، و اما الأخبار فهما المنساق منها مع ذكر الشاة في جملة منها، و الإبل و البقر و الغنم في بعضها الآخر كما تقدم كل منهما.

نعم، لا فرق فيها بين الصغير و الكبير.

(90) للأصل و الإطلاق بعد اختصاص الدليل بخصوص الأنعام الثلاثة.

(91) أما أكلهما حيا و فيهما الرجيع و الدم فيجوز، للإطلاق و الاتفاق، و كذا أكلهما بعد التذكية أي الأخذ حيا.

و أما أكل نفس الرجيع و الدم فلا إشكال فيه أيضا من حيث النجاسة لعدم نجاستهما منهما و إنما الإشكال من حيث الخباثة و إطلاق ما دل على حرمة الدم، و مع صدق الخباثة يحرم و مع الشك فيها لا يحرم، و احتمال انصراف ما دل على حرمة الدم غير دمهما ثابت و طريق الاحتياط واضح هذا في السمك المحلّل و أما المحرم منه فإطلاق دليل حرمته يشمل اجزاءه أيضا.

(92) و كذا الحدقة.

(93) الأول من حيث الخباثة و الثاني من حيث الخباثة و النجاسة.

(94) من الجمود على ما دل على حرمة هذه الأشياء الشامل للطيور أيضا، و من احتمال الاختصاص بالانعام الثلاثة فيرجع في غيرها إلى الإطلاق و أصالة الإباحة لكن احتمال الاختصاص مع ملاحظة مجموع الأدلة ضعيف، و منه يظهر

ص: 147

مسألة 3: يؤكل من الذبيحة غير ما مر

(مسألة 3): يؤكل من الذبيحة غير ما مر فيؤكل القلب و الكبد و الكرش و الأمعاء و الغضروف و العضلات و غيرها (95).

نعم، يكره الكليتان و أذنا القلب و العروق خصوصا الأوداج (96)، و هل يؤكل منها الجلد و العظم مع عدم الضرر أم لا؟ أظهرهما الأول و أحوطهما الثاني (97).

______________________________

وجوب الاحتياط.

(95) كل ذلك للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(96) أما الأول فلقول أبي الحسن الرضا عن آبائه عليهم السّلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يأكل الكليتين من غير أن يحرّمهما لقربهما من البول» (1)، و في خبر آخر: «إنما هما مجتمع البول» (2).

و أما الثاني: و يعبر عنه بآذان الفؤاد أيضا فلما عن علي عليه السّلام من أنه نهى عن بيع آذان الفؤاد (3)، و في خبر الهاشمي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكره آذان القلب (4).

و أما الثالث: فلذكرها في خبر إسماعيل بن مرار من قولهم عليهم السّلام: «و الغدد مع العروق» (5).

و أما الأخير: فلذكرها في مرسل الصدوق عن الصادق عليه السّلام الدال على النهي من أكل عشرة أشياء وعد منها «الأوداج» (6)، و كذا في غيره.

و لا بد من حمل الكل على الكراهة لقصور السند و عدم الجابر، و أما تخصيص الأوداج فلانطباق عنوان العروق عليها فتشتد الكراهة من هذه الجهة.

(97) أما أظهرية الأول فلأصالة الإباحة و إطلاق دليل حلّية ذلك الحيوان

ص: 148


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 18 و 5.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 18 و 5.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 2.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 10 و 5 و 8.
5- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 10 و 5 و 8.
6- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 10 و 5 و 8.

نعم، لا إشكال في جلد الرأس و جلد الدجاج و غيره من الطيور و كذا في عظم صغار الطيور كالعصفور (98).

مسألة 4: يجوز أكل لحم ما حل أكله نيّا و مطبوخا

(مسألة 4): يجوز أكل لحم ما حل أكله نيّا و مطبوخا بل و محروقا أيضا (99)، إذا لم يكن مضرا (100).

نعم، يكره أكله غريضا بمعنى كونه طريا لم يتغير بشمس و لا نار (101) و لا بذر الملح عليه و تجفيفه في الظل و جعله قديدا (102).

______________________________

الشامل لجميع أجزائه من عظمه و جلده و غيرهما إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخروج إلا ذكر الجلد، و العظم، و القرن، و الظلف في خبر أبان (1)، في عداد المحرمات كما مر، و دعوى انسباق صورة الضرر و الاستخباث منه ممكن فتبقى الحرمة المطلقة بلا دليل فيرجع إلى الأصل و الإطلاق حينئذ.

و أما وجه الاحتياط فهو الجمود على الإطلاق و إن خرج عما هو المنساق.

(98) كل ذلك للأصل و السيرة القطعية بعد انصراف خبر أبان على إطلاقه عنهما.

(99) كل ذلك للأصل و الإطلاق و الاتفاق و لا بد في المحروق من عدم الاستخباث.

(100) فيحرم حينئذ لا يأتي من حرمة أكل ما هو مضر.

(101) لقول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يؤكل اللحم غريضا و قال: إنما تأكله السباع حتى تغيره الشمس أو النار» (2).

(102) أما الأول فلمفهوم قوله عليه السّلام «في اللحم يقدد و يذر عليه الملح و يجفف في الظل، فقال: لا بأس بأكله فإن الملح قد غيره» (3).

ص: 149


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 11.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب آداب المائدة.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 2.
مسألة 5: اختلفوا في حلّية البول من ما يؤكل لحمه

(مسألة 5): اختلفوا في حلّية البول من ما يؤكل لحمه كالغنم و البقر عند عدم الضرورة (103) على قولين فقال بعض بالحلّية (104)، و حرّمه جماعة (105)، و هو الأحوط (106).

نعم، لا إشكال في حلّية بول الإبل للاستشفاء (107).

______________________________

و أما الثاني فلنصوص منها ما عن أبي الحسن عليه السّلام: «القديد لحم سوء و أنه يسترخي في المعدة و يهيج كل داء و لا ينفع من شي ء بل يضره» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «ما أكلت طعاما أبقى و لا أهيج للداء من اللحم اليابس يعني القديد» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(103) فإنه يحل معها قولا واحدا لقاعدة: «أن الضرورات تبيح المحظورات».

(104) نسب إلى المرتضى و ابني جنيد و إدريس و اختاره في الجواهر و دليلهم الطهارة، و عدم ذكره في محرمات الحيوان مع ذكر الفرث فيها، و دعوى السيد الإجماع عليها.

و لكن الطهارة أعم من الحلّية، و عدم الذكر أعم من عدم الحرمة.

(105) منهم الشيخ و الشهيدان، و دليلهم الاستخباث.

(106) للاستخباث في الجملة لو لا إجماع المرتضى رحمه اللّه و نفي الخلاف في الحلّية بين كل من قال بالطهارة و هذا هو منشأ عدم الجزم بالفتوى.

(107) لما عن الصادق عليه السّلام في خبر سماعة: «في شرب الرجل أبوال الإبل و البقر و الغنم ينعت له من الوجع هل يجوز له أن يشرب؟ قال: نعم لا بأس به» (3)، و تقتضيه القاعدة أيضا إن وصل إلى مرتبة الضرورة، و يمكن حمل إطلاق النص عليها أيضا لأن الناس بفطرتهم لا يقدمون على شربها إلا مع الاضطرار إليه

ص: 150


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 2 و 1.
3- الوسائل باب: 59 من أبواب الأطعمة المباحة: 7.
مسألة 6: يحرم رجيع كل حيوان و لو كان مما حل أكله

(مسألة 6): يحرم رجيع كل حيوان و لو كان مما حل أكله (108).

نعم الظاهر عدم حرمة فضلات الديدان الملصقة بأجواف الفواكه و البطائخ و نحوها (109)، و كذا ما في جوف السمك و الجراد إذا أكل معهما (110).

مسألة 7: يحرم الدم من الحيوان ذي النفس 111 حتى العلقة

(مسألة 7): يحرم الدم من الحيوان ذي النفس (111) حتى العلقة و الدم في البيضة (112) عدا ما يتخلف في الذبيحة (113) على إشكال

______________________________

و قد ورد في الإبل أخبار خاصة.

(108) للاستخباث إن أكل ذلك منفصلا عن السمك و الجراد، و يستقبح الناس ذلك على الأكل.

(109) لعدم مداقة المتعارف في إزالة أمثال ذلك، و تحقق السيرة على أكلها بدون المداقة في الإزالة.

(110) لإطلاق ما دل على حليتهما الشامل لما في جوفهما أيضا.

(111) كتابا (1)، و سنة متواترة بل بضرورة من المذهب، و من النصوص قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام في خبر محمد بن سنان: «و حرم اللّه الدم كتحريم الميتة» (2)، و قد عد من المحرمات في الذبيحة الدم كما مر.

(112) لكونهما دما و كل دم يحرم أكله للنصوص- كما تقدم- و الإجماع.

(113) لإطلاق دليل حلّية أكل الذبيحة إطلاقها الحالي و المقامي الشامل للمتخلف أيضا، مع كون الحكم كان مورد الابتلاء من أول البعثة إلى زماننا هذا و لم يشر في دليل إلى الخلاف، و تقدم في كتاب الطهارة ما يتعلق بطهارة هذا الدم و بعض الفروع المتعلقة به (3).

ص: 151


1- سورة الأنعام: 145.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3.
3- راجع ج: 1 صفحة: 342- 345.

فيما يجتمع منه في القلب و الكبد (114)، و أما الدم من غير ذي النفس فما كان مما حرم أكله كالوزغ و الضفدع و القرد فلا إشكال في حرمته (115)، و أما ما كان مما حل أكله كالسمك الحلال ففيه خلاف و الظاهر حليته إذا أكل مع السمك بأن أكل السمك بدمه (116)، و أما إذا أكل منفردا ففيه إشكال (117).

مسألة 8: قد مر في كتاب الطهارة طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة

(مسألة 8): قد مر في كتاب الطهارة طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة حتى اللبن و البيضة إذا اكتست جلدها الأعلى الصلب و الانفحة و هي كما أنها طاهرة حلال أيضا (118).

مسألة 9: لا إشكال في حرمة القيح و الوسخ و البلغم و النخامة

(مسألة 9): لا إشكال في حرمة القيح و الوسخ و البلغم و النخامة من

______________________________

(114) من جهة الشك في شمول الإطلاقات لما يجتمع فيهما فيحرم، و من جهة الجمود على ظاهر إطلاق حلّية الذبيحة الشامل لجميع أجزائها الداخلية و الخارجية- إلا ما استثنى منها كما تقدم- فيحل.

(115) للإجماع، و إطلاق الدليل الشامل للكل و الجزء متصلا كان أو منفصلا.

(116) لظهور الاتفاق و الإطلاق.

(117) من عموم حرمة الدم و حرمة الخبائث الشامل له بعد سقوط التبعية من جهة الانفصال و من جهة الشك في الشمول فيرجع حينئذ إلى أصالة الحلية و الإباحة.

(118) لصحيح الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث: «أن قتادة قال له:

أخبرني عن الجبن، فقال: لا بأس به، فقال: أنه ربما جعلت فيه إنفحة الميتة، فقال: ليس به بأس إن الإنفحة ليس لها عروق و لا فيها دم- الحديث-» (1)، مضافا إلى الإجماع.

ص: 152


1- الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.

كل حيوان (119)، و أما البصاق و العرق من غير نجس العين فالظاهر حلّيتهما (120) خصوصا إذا كان من الإنسان أو مما يؤكل لحمه من الحيوان (121).

______________________________

(119) للخباثة، و تنفر الطباع، و ظهور الإجماع. و السيرة المستمرة.

(120) لأصالتي الطهارة و الحلّية من غير دليل حاكم عليهما.

(121) لإمكان دعوى السيرة في الجملة- خصوصا في مثل الأواني و الملاعق المشتركة بين الناس أو على خوان واحد- و ما ورد في مص لسان الزوجة (1)، و سؤر المؤمن (2)، بل يكون ذلك من لوازم معاشرة أفراد الإنسان بعضهم مع بعض و معاشرتهم مع ما يؤكل لحمه هذا في غير بصاق المعصومين عليهم السّلام، و من يتلو تلوهم ممن يتبرك الناس ببصاقهم و تصدر الكرامات منه لديهم كما شاهدنا بعضهم.

ص: 153


1- الوسائل باب: 34 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- الوسائل باب: 121 من أبواب الأطعمة المباحة 1 و 18 من الأشربة المباحة.

القول في غير الحيوان

اشارة

القول في غير الحيوان

مسألة 1: يحرم تناول الأعيان النجسة

(مسألة 1): يحرم تناول الأعيان النجسة (122) و كذا المتنجسة ما دامت باقية على النجاسة مائعة كانت أو جامدة (123).

مسألة 2: يحرم تناول كل ما يضر بالبدن

(مسألة 2): يحرم تناول كل ما يضر بالبدن (124)، سواء كان موجبا للهلاك كشرب السموم القاتلة، و شرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين أو سببا لانحراف المزاج أو لتعطيل بعض الحواس ظاهرة أو باطنة أو لفقد بعض القوى، كالرجل يشرب ما يقطع به قوة الباه و التناسل أو المرأة تشرب

______________________________

(122) إجماعا بل ضرورة من المذهب و النصوص الكثيرة الواردة في أبواب النجاسات و المتنجسات (1).

(123) للإجماع و النصوص الكثيرة الواردة في المتنجسات منها قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه فإن كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و إن كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به و الزيت مثل ذلك» (2) و قريب منه غيره.

(124) للأدلة الأربعة أما الكتاب فقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (3)، و أما السنة فهي كثيرة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن اللّه تبارك و تعالى- إلى أن قال- علم ما يضرهم فنهاهم عنه و حرّمه عليهم» (4)، إلى غير

ص: 154


1- الوسائل باب: 1 و 66 من أبواب الأطعمة المحرمة و باب: 38 و 12 من أبواب النجاسات.
2- الوسائل باب الحديث: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة: 2.
3- سورة البقرة: 195.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.

ما به تصير عقيما لا تلد (125).

مسألة 3: لا فرق في حرمة تناول المضرّ بين معلوم الضرر و مظنونه

(مسألة 3): لا فرق في حرمة تناول المضرّ بين معلوم الضرر و مظنونه بل و محتمله أيضا إذا كان احتماله معتدا به عند العقلاء بحيث أوجب الخوف عندهم و كذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتب عليه عاجلا أو بعد مدة (126).

مسألة 4: يجوز التداوي و المعالجة بما يحتمل فيه الخطر

(مسألة 4): يجوز التداوي و المعالجة بما يحتمل فيه الخطر و يؤدي إليه أحيانا إذا كان النفع المترتب عليه حسبما ساعدت عليه التجربة و حكم به الحذّاق و أهل الخبرة غالبا، بل يجوز المعالجة بالمضر العاجل الفعلي المقطوع به إذا يدفع به ما هو أعظم ضررا و أشد خطرا، و من هذا القبيل قطع بعض الأعضاء دفعا للسراية المؤدية إلى الهلاك و ربط الجرح و الكي بالنار و بعض العمليات المعمولة في هذه الأعصار بشرط أن يكون الإقدام على ذلك جاريا مجرى العقلاء بأن يكون المباشر للعمل حاذقا محتاطا مباليا غير متسامح و لا متهوّر (127)، لا إذا كان على خلاف ذلك كبعض

______________________________

ذلك من الروايات، و أما الإجماع فهو من المسلمين بل العقلاء.

و أما العقل فهو مما لا يخفى على كل عاقل رجع إلى وجدانه.

(125) إجماعا بل ضرورة من الفقه في جميع ذلك و يأتي في كتاب الديات بعض ما ينفع المقام.

(126) كل ذلك لإطلاق الأدلة و إجماع الإمامية إن لم يكن من جميع المسلمين.

(127) كل ذلك لسيرة العقلاء و إجماع الفقهاء و إطلاق نصوص أئمة الهدى، منها ما عن الصادق عليه السّلام في خبر يونس بن يعقوب: «الرجل يشرب الدواء و ربما قتل و ربما سلم منه و من يسلم منه أكثر، فقال عليه السّلام: أنزل اللّه الدواء

ص: 155

المتطببين (128).

مسألة 5: ما كان يضرّ كثيره دون قليله يحرم كثيره المضر دون قليله غير المضر

(مسألة 5): ما كان يضرّ كثيره دون قليله يحرم كثيره المضر دون قليله غير المضر و لو فرض العكس كان بالعكس، و كذا ما يضرّ منفردا لا منضما مع غيره يحرم منفردا لا منضما و ما كان بالعكس كان بالعكس (129).

مسألة 6: إذا كان شي ء لا يضر تناوله مرة أو مرتين مثلا

(مسألة 6): إذا كان شي ء لا يضر تناوله مرة أو مرتين مثلا و لكن يضر إدمانه و زيادة تكريره و التعود عليه يحرم تكريره المضر خاصة (130)، و من ذلك شرب الأفيون بابتلاعه أو شرب دخانه فإنه لا يضر مرة أو مرتين لكن تكراره و المداومة عليه و التعود به كما هو المتداول في بعض البلاد خصوصا ببعض كيفياته المعروفة عند أهله مضر غايته و فيه فساد و أي فساد

______________________________

و أنزل الشفاء و ما خلق اللّه داء إلا و جعل له دواء فاشرب و سم اللّه تعالى» (1)، و في خبر محمد بن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السّلام هل يعالج بالكي؟ فقال: نعم إن اللّه تعالى جعل في الدواء بركة و شفاء و خيرا كثيرا، و ما على الرجل أن يتداوى و لا بأس به» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار مما هو كثير.

(128) لما مر من العمومات الدالة على عدم جواز ارتكاب ما فيه الضرر، بل السيرة تقتضي ذلك أيضا.

(129) الوجه في كل ذلك معلوم بعد كون المدار في الحرمة على الضرر و في الحلية على عدمه.

(130) لتحقق التضرر بالادمان فيحرم، و هكذا في مثل الهروين و غيره من المخدرات و المنعشات.

ص: 156


1- الوسائل باب: 134 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 9.
2- الوسائل باب: 134 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: 8.

بل هو بلاء و اي بلاء داء عظيم و بلاء جسيم و خطر خطير و فساد كبير أعاذ اللّه المسلمين منه (131)، فمن رام شربه لغرض من الأغراض فليلتفت إلى أن لا يكثره و لا يكرره إلى حد يتعود و يبتلي به و من تعود به يجب عليه الاجتهاد في تركه و كف النفس و العلاج بما يزيل عنه هذا الاعتياد.

مسألة 7: يحرم أكل الطين

(مسألة 7): يحرم أكل الطين (132)، و هو التراب المختلط بالماء حال بلته، و كذا المدر (133) و هو الطين اليابس و يلحق بهما التراب أيضا على الأحوط (134).

______________________________

(131) ما ذكر من الإضرار موافق للوجدان فيغني عن إقامة الدليل و البرهان و يكفي في ذلك كله إذهابه للغيرة كما هو معروف عند مجربيه.

(132) إجماعا و نصوصا متواترة منها قول الصادق عليه السّلام في خبر هشام ابن سالم: «إن اللّه عزّ و جلّ خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر السكوني: «من أكل الطين فمات فقد أعان نفسه» (2)، و عن أبي الحسن عليه السّلام في أكل الطين: «انه لمن مصائد الشيطان الكبار و أبوابه العظام» (3)، و في خبر سعد قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الطين؟ فقال: أكل الطين حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(133) لذكره بالخصوص في بعض النصوص ففي الحديث: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن أكل المدر» (5)، و في خبر المعمر عن أبي الحسن عليه السّلام: «قلت له:

ما يروي الناس في أكل الطين و كراهته؟ قال: إنما ذلك المبلول و ذاك المدر» (6)، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(134) من عدم صدق الطين و المدر عليه فيرجع في حكمه إلى أصالة

ص: 157


1- الوسائل باب: 58 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 5 و 7 و 9.
2- الوسائل باب: 58 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 5 و 7 و 9.
3- الوسائل باب: 58 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 5 و 7 و 9.
4- الوسائل باب: 59 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 2.
5- الوسائل باب: 58 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.
6- الوسائل باب: 58 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 12.

نعم لا بأس بما تختلط به الحنطة أو الشعير مثلا من التراب و المدر، و كذا ما يكون على وجه الفواكه و نحوها من التراب و الغبار و كذا الطين الممتزج بالماء المتوحل الباقي على إطلاقه و ذلك لاستهلاك الخليط في المخلوط (135).

نعم، لو أحس ذائقة الأجزاء الطينية حين الشرب فلا يترك الاحتياط بترك شربه أو تركه (136)، إلى أن يصفو و ترسب تلك الأجزاء.

مسألة 8: الظاهر أنه لا يلحق بالطين الرمل و الأحجار و أنواع المعادن

(مسألة 8): الظاهر أنه لا يلحق بالطين الرمل و الأحجار و أنواع المعادن فهي حلال كلها مع عدم الضرر (137).

مسألة 9: يستثنى من الطين طين قبر الحسين عليه السّلام

(مسألة 9): يستثنى من الطين طين قبر الحسين عليه السّلام للاستشفاء (138)،

______________________________

الحلية و الإباحة و من أن قوام الطين إنما هو بالتراب، و الرطوبة إنما هو من العوارض لا من المقومات، و لذا يكون المدر الجاف في حكمه أيضا بلا فرق حينئذ بين حال البلة و حال الجفاف مع كونه متمسكا بعضه مع بعض الذي يطلق عليه المدر و بين حال الجفاف الناعم و غير المتمسك مع وجود حكمة النهي في الجميع بحسب الظاهر.

(135) فيخرج عن موضوع الأدلة الظاهرة في أن الحرمة إنما تكون في صورة الاستقلال لا الاستهلاك فيرجع حينئذ إلى إطلاق حلية المستهلك فيه و مع الشك فإلى أصالة الإباحة و الحلية.

(136) لإمكان أن يقال إن للطين مراتب، و إحساس طعمة من بعض مراتبه، و مقتضى التأكيدات الأكيدة في حرمة أكل الطين شمول الحرمة لجميع المراتب.

(137) لأصالتي الحلية و الإباحة بعد عدم دليل على الخلاف.

(138) إجماعا و نصوصا كثيرة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الطين حرام كله كلحم الخنزير و من أكله ثمَّ مات منه لم أصلّ عليه إلا طين القبر فإن فيه شفاء من

ص: 158

فإن في تربته المقدسة الشفاء من كل داء و انها من الأدوية المفردة و انها لا تمر بداء إلا هضمته (139)، و لا يجوز أكلها لغير الاستشفاء (140)، و لا

______________________________

كل داء و من أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر سماعة بن مهران: «أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين عليه السّلام من أكله من وجع شفاء اللّه» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(139) رواه في المصباح مرسلا عن الصادق عليه السّلام: «إن رجلا سأله فقال: إني سمعتك تقول إن تربة الحسين عليه السّلام من الأدوية المفردة و انها لا تمر بداء إلا هضمته؟ فقال عليه السّلام: قد قلت ذلك فما بالك؟ قلت: إني تناولتها فما انتفعت بها، قال له: أما: إن لها دعاء فمن تناولها و لم يدع به و استعملها لم يكد ينتفع بها، فقال له: ما يقول إذا تناولها؟ قال: تقبلها قبل كل شي ء و تضعها على عينيك و لا تناول منها أكثر من حمصة فإن من تناول أكثر من ذلك فكأنما أكل لحومنا و دماءنا، فإذا تناولت فقل: اللهم إنّي أسألك بحق الملك الذي قبضها و أسألك بحق النبي الذي خزنها و أسألك بحق الوصي الذي حل فيها ان تصلي على محمد و آل محمد و أن تجعلها لي شفاء من كل داء و أمانا من كل خوف و حفظا من كل سوء. فإذا قلت ذلك فأشددها في شي ء و أقرأ عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها هو الاستيذان عليها و قراءة إنا أنزلناه ختمها» (3)، و قد ورد آداب كثيرة لأخذ التربة المقدسة كلها من باب الفضل و الأفضلية لا الشرطية الحقيقية و من أراد الاطلاع عليها فليراجع مظانها.

(140) للنص و الإطلاق و الاتفاق قال الصادق عليه السّلام في خبر حنان بن سدير:

«من أكل من طين قبر الحسين عليه السّلام غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا»(4).

ص: 159


1- الوسائل باب: 59 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 4.
2- الوسائل باب: 59 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 4.
3- الوسائل باب: 59 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 7 و 6.
4- الوسائل باب: 59 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 7 و 6.

أكل ما زاد عن قدر الحمصة المتوسطة (141)، و لا يلحق به طين غير قبره من قبور سائر المعصومين عليهم السّلام على الأحوط لو لم يكن الأقوى (142).

نعم، لا بأس بأن يمزج بماء (143) أو مائع آخر شربة و التبرك و الاستشفاء بذلك الماء أو مائع آخر.

مسألة 10: لأخذ التربة المقدسة و تناولها عند الحاجة آداب

(مسألة 10): لأخذ التربة المقدسة و تناولها عند الحاجة آداب و أدعية مذكورة في محالها خصوصا في كتب المزار و لا سيما مزار بحار الأنوار، لكن الظاهر انها كلها شروط كمال (144)، لسرعة تأثيرها لا أنها

______________________________

(141) إجماعا و نصا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام فيما تقدم: «و لا تناول منها أكثر من حمصة»، و عن أحدهما عليهما السّلام: «و لكن اليسير من مثل الحمصة» (1)، و المنساق منها المتوسطة.

(142) لإطلاق أدلة حرمة أكل الطين الشامل لجميع ذلك من غير ما يصلح للتخصيص إلا بعض الأخبار (2)، و يصح حمله على الاستشفاء بغير الأكل من المصاحبة و التبرك به و نحو ذلك.

(143) لتحقق الاستهلاك حينئذ فيجوز بلا إشكال.

(144) لما أثبتوه في الأصول من أن القيود في المندوبات كلها من باب تعدد المطلوب إلا ما خرج بالدليل، مع ان سياق بعض أخبار المقام ظاهر في ذلك فراجع.

إن قيل: نعم، و لكن مقتضى أصالة التحريم في أكل الطين إلا في المتيقن منه أن يكون ذلك كله شرط أصل الجواز لا شرط الكمال.

يقال: الأصل محكوم بما تقدم من إطلاق الروايات فليس لنا التمسك به، فيبقى مجرد الإطلاق و التقييد الصناعي و مقتضاه ما ذكرنا من حمل القيد على تعدد المطلوب.

ص: 160


1- الوسائل باب: 72 من أبواب المزار «الحج» الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 59 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3.

شرط لجواز تناولها (145).

مسألة 11: القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف

(مسألة 11): القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف و ما يقرب منه على وجه يلحق به عرفا (146)، و لعله كذلك الحائر المقدس بأجمعه (147)، لكن في بعض الأخبار يؤخذ طين قبر الحسين عليه السّلام من عند

______________________________

(145) لما تقدم آنفا فلا وجه للإعادة.

(146) لقاعدة الاقتصار على القدر المتيقن فيما هو خلاف إطلاق أدلة الحرمة و ما يلحق بالقبر الشريف عرفا هو القدر المتيقن.

(147) لأن جميع الحائر قريب من القبر المقدس عرفا و انه المتيقن أيضا بالنسبة إلى التحديدات المذكورة في المقام مع اختلافها قربا و بعدا، كما يأتي مع وقوع خصوص طين الحائر في خبر سعد بن سعد قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الطين؟ فقال: أكل الطين حرام إلا طين الحائر فإن فيه شفاء من كل داء و أمنا من كل خوف» (1)، و كذا خبر أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في حديث أنه سئل عن طين الحائر هل فيه من الشفاء؟ فقال: يستشفى ما بينه و بين القبر على رأس أربعة أميال، و كذلك قبر جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كذا طين قبر الحسن و علي و محمد فخذ منها فإنها شفاء من كل داء و سقم و جنة مما تخاف و لا يعد لها شي ء من الأشياء الذي يستشفى بها إلا الدعاء و انما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها و قلة اليقين لمن يعالج بها، فاما من أيقن انها له شفاء إذا تعالج كفته بإذن اللّه عن غيرها مما يعالج به- إلى أن قال- و أما الشياطين و كفار الجن فإنهم يحسدون بها و ما تمر بشي ء إلا شمها ابن آدم- عليها يتمسحون بها- فيذهب عامة طيبها و لا يخرج الطين من الحائر إلا و قد استعد له ما لا يحصى منهم- الحديث-» (2).

ص: 161


1- الوسائل باب: 59 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 2.
2- أورد بعضه في الوسائل باب: 59 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3 و بعضه الآخر في مستدرك الوسائل باب: 53 من أبواب المزار الحديث: 9 (الحج).

القبر على سبعين ذراعا (148)، و في بعضها طين قبر الحسين فيه شفاء و إن أخذ على رأس ميل (149)، بل و في بعضها أنه يستشفى مما بينه و بين القبر على رأس أربعة أميال (150)، بل و في بعضها على عشرة أميال (151)، و في بعضها فرسخ في فرسخ (152)،

______________________________

أقول: و لعل من حكم الدعوات و الآداب التي وردت حين أخذها و حين كونها مع الآخذ إنها لدفع تلك الأرواح الخبيثة عن هذه التربة الشريفة، و لا ريب في اهتمام تلك الأرواح الخبيثة بإزالة أثر المقدسات مهما أمكنهم ذلك و لو بان يوحوا إلى أوليائهم من الأنس أنحاء التشكيكات فيها.

(148) قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يؤخذ طين قبر الحسين عليه السّلام من عند القبر على سبعين ذراعا» (1)، و في رواية أخرى: «على سبعين باعا» (2)، و الباع و البوع مد اليدين و ما بينهما من البدن و يصير أكثر من ثلاثمائة و خمسين ذراعا.

(149) قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر أبي الصباح: «طين قبر الحسين عليه السّلام فيه شفاء و ان أخذ على رأس ميل» (3).

(150) قال الصادق عليه السّلام كما تقدم في خبر الثمالي: «يستشفى بما بينه و بين القبر على رأس أربعة أميال» (4).

(151) كما عن الصادق عليه السّلام في خبر الحجال: «التربة من قبر الحسين عليه السّلام على عشرة أميال» (5)، و الميل ثلث الفرسخ لأن كل فرسخ ثلاثة أميال و كل فرسخ بالمسافة المعروفة خمس كيلو مترات و نصف تقريبا.

(152) قال الصادق عليه السّلام: «حرم الحسين عليه السّلام فرسخ من أربع جوانب القبر»(6).

ص: 162


1- الوسائل باب: 67 من أبواب المزار الحديث: 3 و 4.
2- الوسائل باب: 67 من أبواب المزار الحديث: 3 و 4.
3- كامل الزيارات صفحة: 279.
4- الوسائل باب: 59 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3.
5- الوسائل باب: 67 من أبواب المزار الحديث: 7.
6- البحار ج: 101 صفحة: 131.

بل و روي إلى أربعة فراسخ (153)، و لعل الاختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل فكل ما قرب الى القبر الشريف كان أفضل (154)، و الأحوط الاقتصار على ما حول القبر إلى سبعين ذراعا (155)، و فيما زاد على ذلك أن تستعمل ممزوجة بماء أو شربة على نحو لا يصدق عليه الطين و يستشفى به رجاء (156).

مسألة 12: تناول التربة المقدسة للاستشفاء

(مسألة 12): تناول التربة المقدسة للاستشفاء إما بازدرادها و ابتلاعها و إما بحلها في الماء و شربه أو بان يمزجها بشربه و يشربها بقصد التبرك و الشفاء (157).

مسألة 13: إذا أخذ التربة بنفسه

(مسألة 13): إذا أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بان هذا الطين

______________________________

(153) لمرسل الشهيد الثاني في المسالك: «و روي إلى أربعة فراسخ» و لم يعثر عليه في كتب الأحاديث.

نعم، ورد إن «حرم الحسين عليه السّلام خمس فراسخ من أربع جوانبه» (1)، و هو يتضمن أربع فراسخ بالأولى.

(154) كما هو المشهور بين الفقهاء و تعضده المرتكزات العرفية.

(155) لأنه المتيقن من مجموع التحديدات في هذا الحكم المخالف لإطلاق أدلة حرمة أكل الطين.

(156) أما اعتبار عدم الطين و تحقق الاستهلاك فللخروج عن شبهة الحرمة.

و أما قصد الرجاء في الاستشفاء فلعدم إحراز موضوع الشفاء حتى يستشفى به بعنوان التعبد به فلا بد من قصد الرجاء حينئذ.

(157) أو بغير ذلك مثل أن تمزج بالطعام أو يتمسح بها على موضع الوجع أو نحو ذلك.

ص: 163


1- الوسائل باب: 67 من أبواب المزار: (الحج).

من تلك التربة المقدسة فلا إشكال (158)، و كذا إذا قامت على ذلك البينة بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة (159)، و هل يكفي إخبار ذي اليد بكونه منها أو بذله لها على أنه منها لا يبعد ذلك (160)، و إن كان الأحوط في غير صورة العلم و قيام البينة تناولها بالامتزاج بماء أو شربة (161).

مسألة 14: قد استثنى بعض العلماء من الطين

(مسألة 14): قد استثنى بعض العلماء من الطين طين الأرمني

______________________________

(158) في الحلية لحجية العلم بالوجدان.

(159) أما الأول فلاعتبار البينة مطلقا في الشريعة كما مر غير مرة.

و أما الأخير فلاستقرار السيرة على الاعتماد على قول الثقة في نظائر المقام بين المتشرعة من الأنام.

(160) بناء على ثبوت قاعدة: «ان كل من استولى على شي ء يكون قوله معتبرا فيما استولى عليه» و قد أشرنا إليها غير مرة.

(161) لأن الاحتياط حسن على كل حال و جمودا على قول من يقول من الفقهاء باعتبار قيام البينة فقط.

تنبيه: ما ورد من الأخبار المتواترة في التربة الشريفة بأن فيها الشفاء- كما تقدم بعضها- إنما هو من باب الاقتضاء لا العلية التامة فمع فقد الموانع يؤثر المقتضي أثره، و الموانع عن تأثير المعنويات كثيرة خصوصا في هذه الأعصار التي زيد فيها الهتك و الانتهاك للمقدسات و قلة المبالاة بها، و يستفاد من بعض الأخبار ان وضع التربة الشريفة في غير الموضع اللائق بها يوجب زوال أثرها (1)، و في بعض الأخبار ان ماء الفرات شفاء إن لم يغتسل فيه الجنب من الحرام أو الخطائين (2).

ص: 164


1- الوسائل باب: 59 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب المزار و في كامل الزيارات الحديث: ص 47.

للتداوي به (162)، و هو غير بعيد لكن الأحوط عدم تناوله إلا عند انحصار العلاج (163)، أو ممزوجا بالماء أو شربة أو أجزاء أخر بحيث لا يصدق معه أكل الطين (164).

مسألة 15: يحرم الخمر بالضرورة من الدين

(مسألة 15): يحرم الخمر بالضرورة من الدين (165)، بحيث أن

______________________________

(162) يظهر ذلك من المحقق في الشرائع لجملة من الأخبار منها: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن طين الأرمني يؤخذ منه للكسير و المبطون أ يحل أخذه؟ قال: لا بأس به أما انه من طين قبر ذي القرنين و طين قبر الحسين عليه السّلام خير منه» (1).

(163) لحلية كل محرم انحصر العلاج بتناوله حينئذ و قصور الأخبار سندا عن إثبات الإباحة في غير هذه الصورة، و إمكان أن يراد منها خصوص هذه أيضا فتكون مؤكدة للقاعدة أي قاعدة: «حلية المحرمات عند الاضطرار و الضرورات».

(164) لانتفاء موضوع الحرمة حينئذ فلا موضوع لها حتى يبحث عنها.

(165) و تدل على حرمته الأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (2)، و من النصوص نصوص متواترة بين الفريقين منها قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «كل مسكر خمر و كل مسكر حرام» (3)، و منها عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا:

«لعنت الخمر و شاربها و ساقيها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمولة إليه و مبتاعها و آكل ثمنها» (4)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «أيها الناس إن من العنب خمرا و إن من الزبيب خمرا، و إن من التمر خمرا، و إن من الشعير خمرا ألا أيها الناس

ص: 165


1- الوسائل باب: 60 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 3.
2- سورة المائدة: 90.
3- سنن البيهقي كتاب الأشربة و الحد فيها باب: 2 الحديث الحديث: 12.
4- سنن البيهقي باب: 1 من كتاب الأشربة و الحد فيها الحديث: 1.

مستحله في زمرة الكافرين (166)، بل عن مولانا الباقر عليه السّلام أنه: «لا يبعث اللّه نبيا و لا يرسل رسولا إلا و يجعل في شريعته تحريم الخمر»، و عن الرضا عليه السّلام: «أنه ما بعث اللّه نبيا قط إلا بتحريم الخمر»، و عن الصادق عليه السّلام:

«إن الخمر أم الخبائث و رأس كل شر يأتي على شاربها ساعة يسلب لبّه فلا يعرف ربه و لا يترك معصية إلا ركبها و لا يترك حرمة إلا انتهكها و لا رحما ماسة إلا قطعها و لا فاحشة إلا أتاها و ان من شرب منها جرعة لعنه اللّه و ملائكته و رسله و المؤمنون و إن شربها حتى سكر منها نزع روح الإيمان من جسده و ركبت فيه روح سخيفة خبيثة ملعونة و لم تقبل صلاته أربعين يوما، و يأتي شاربها يوم القيامة مسودا وجهه مدلعا لسانه ليسيل لعابه على صدره ينادي العطش العطش».

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من شرب الخمر بعد ما حرمها اللّه على لساني فليس بأهل أن يزوج إذا خطب و لا يشفع إذا شفع و لا يصدق إذا حدث و لا

______________________________

أنهاكم عن كل مسكر» (1).

و من الإجماع إجماع المسلمين بل جميع الأنبياء و المرسلين من آدمهم إلى خاتمهم صلّى اللّه عليه و آله.

و من العقل استقلاله بقبح تعطيل أعظم قوة فعالة مدركة في الإنسان عن ادراك ما تستعد له دركها من تنظيم الحواس الظاهرية و الباطنية و ضبطها عن وقوع الاختلال فيها، و لو لم يكن فيه إلا عروض السكر على الإنسان و صيرورة أفعاله في تلك الحالة كأفعال المجانين و الصبيان لكفى في الخسة و النقصان.

(166) على تفصيل تقدم في كتاب الطهارة (2)، فلا وجه للإعادة بالتكرار.

ص: 166


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 4.
2- راجع المجلد الأول صفحة: 392.

يعاد إذا مرض و لا يشهد له جنازة و لا يؤتمن على أمانة»، بل: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيها عشرة: غارسها و حارسها و عاصرها و شاربها و حاملها و المحمولة إليه و بائعها و مشتريها و آكل ثمنها»، و قد ورد أن من تركها و لو لغير اللّه بل صيانة لنفسه سقاه اللّه من الرحيق المختوم، و بالجملة الأخبار في تشديد أمرها و الترغيب في تركها أكثر من أن تحصى بل نص في بعضها أنه أكبر الكبائر خصوصا مدمنه فقد ورد في أخبار مستفيضة أو متواترة أنه كعابد وثن أو كمن عبد الأوثان، و قد فسر المدمن في بعض الأخبار بأنه ليس الذي يشربها كل يوم و لكنه الموطن نفسه أنه إذا وجدها شربها هذا مع كثرة المضار في شربها التي اكتشفها حذاق الأطباء في هذه الأزمنة و أذعن المنصفون من غير ملتنا.

مسألة 16: يلحق بالخمر موضوعا أو حكما كل مسكر جامدا كان أو مائعا

(مسألة 16): يلحق بالخمر موضوعا أو حكما كل مسكر جامدا كان أو مائعا (167)،

______________________________

(167) إجماعا و نصوصا منها: قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «كل مسكر خمر و كل خمر حرام» (1)، الظاهر في الإلحاق الموضوعي.

و منها: ما دل على أن الخمر من خمسة كما في صحيح ابن الحجاج عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الخمر من خمسة العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل، و المزر من الشعير، و النبيذ من التمر» (2)، و قريب منه غيره، و ظاهره الإلحاق الموضوعي أيضا.

و منها: ما ورد عن الأئمة الهداة عليهم السّلام في عدة روايات: «حرم اللّه الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المسكر من كل شراب فأجاز اللّه له ذلك» (3)،

ص: 167


1- مستدرك الوسائل باب: 11 من أبواب الأشربة المحرمة: 15.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 2 و غيره.

و ما أسكر كثيره دون قليله حرم قليله و كثيره (168).

مسألة 17: و لو فرض في الخمر عدم الإسكار في بعض الطباع

(مسألة 17): و لو فرض في الخمر عدم الإسكار في بعض الطباع أو في بعض الأزمنة أو الأمكنة أو مع العادة لا يوجب ذلك الحلية (169).

مسألة 18: إذا انقلبت الخمر خلا حلت

(مسألة 18): إذا انقلبت الخمر خلا حلت (170)، سواء كان بنفسها أو بعلاج، و سواء كان العلاج بدون ممازجة شي ء فيها كما إذا كان بتدخين أو مجاورة شي ء أو كان بالممازجة، سواء استهلك الخليط فيها قبل أن تنقلب خلا كما إذا مزجت بقليل من الملح أو الخل فاستهلكا فيها ثمَّ انقلبت خلا أو لم يستهلك بل بقي فيها إلى ما بعد الانقلاب (171)، و يطهر

______________________________

الظاهرة في الإلحاق الحكمي و إطلاقها يشمل الجامد و المائع.

(168) للإطلاق و الاتفاق و نصوص خاصة منها قول أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «كل مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله حرام» (1).

(169) لإطلاق الأدلة و إجماع فقهاء الملة، و كثرة ما ورد من التشديد في هذه المادة المكنى عنها بأم الخبائث في اصطلاح السنة (2)، و المسمى بالإثم في اصطلاح الكتاب في قوله تعالى وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (3)، و بالخمر فيه أيضا (4).

و كل من يراجع تاريخ العالم من الملل و الأديان يرى أن الخمر و الكذب منشأ المفاسد بجزئياتها و كلياتها.

(170) لتبدل الموضوع فيتبدل الحكم لا محالة و تقدم في كتاب الطهارة في الانقلاب ما ينفع المقام.

(171) كل ذلك لإطلاق حلية المنقلب إليه و ظهور الاتفاق.

ص: 168


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 11.
3- سورة الأعراف: 33.
4- سورة المائدة: 90.

ذلك الممتزج الباقي بالتبعية كما يطهر بها الإناء (172).

مسألة 19: و من المحرمات المائعة الفقاع

(مسألة 19): و من المحرمات المائعة الفقاع إذا صار فيه غليان و نشيش و إن لم يسكر و هو شراب معروف كان في الصدر الأول يتخذ من الشعير في الأغلب (173)، و ليس منه ماء الشعير المعمول بين الأطباء (174).

مسألة 20: يحرم عصير العنب إذا نش و غلى بنفسه أو غلى بالنار

(مسألة 20): يحرم عصير العنب إذا نش و غلى بنفسه أو غلى بالنار (175)، و كذا عصير الزبيب على الأحوط لو لم يكن الأقوى (176).

و أما عصير التمر فالأقوى أنه يحرم إذا غلى بنفسه (177)، و يحل إذا غلى بالنار (178)، و الظاهر أن الغليان بالشمس كالغليان بالنار فله

______________________________

(172) مر في التاسع من المطهرات التبعية و هي في موارد تسعة منها ما نحن فيه فلا مبرر للإعادة.

(173) راجع النجاسات في كتاب الطهارة (العاشر الفقاع).

(174) لعدم الإسكار فيه و لو كان مسكرا لحرم بلا إشكال.

(175) إجماعا و نصوصا منها قول الصادق عليه السّلام في خبر ذريح: «إذا نشّ العصير أو غلى حرم» (1)، و لا فرق في الغليان بين النار و الشمس و غيرهما على ما تقدم في كتاب الطهارة (2).

(176) تقدم حكمه في التاسع من النجاسات (مسألة 1) فلا وجه للإعادة بالتكرار هنا، و منه يظهر ان ما في المتن «لو لم يكن الأقوى» مخدوش فراجع هناك (3).

(177) بناء على تحقق الإسكار فيه.

(178) لعدم تحقق الإسكار فيه بمجرد الغليان.

ص: 169


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 3.
2- راجع ج: 1 صفحة: 403- 408.
3- راجع ج: 1 صفحة: 403- 408.

حكمه (179).

مسألة 21: الظاهر أن الماء الذي في جوف حبة العنب بحكم عصيره

(مسألة 21): الظاهر أن الماء الذي في جوف حبة العنب بحكم عصيره فيحرم إذا غلى بنفسه أو بالنار (180).

نعم، لا يحكم بحرمته ما لم يعلم بغليانه (181)، و هو نادر جدا لعدم الاطلاع على باطنها غالبا فلو وقعت حبة من العنب في قدر يغلي و هي تعلو و تسفل في الماء المغلي فمن يطلع على كيفية ما في جوف تلك الحبة و لا ملازمة بين غليان ماء القدر و غليان ما في جوفها، بل لعل المظنون عدمها لأن المظنون أنه لو غلى ما في جوفها لتفسخت و انشقت، و بالجملة المدار على حصول العلم بالغليان و عدمه فمن علم به حرم عليه و من لم يعلم به حلّ له (182).

مسألة 22: من المعلوم أن الزبيب ليس له عصير في نفسه

(مسألة 22): من المعلوم أن الزبيب ليس له عصير في نفسه، فالمراد بعصيره ما اكتسب منه الحلاوة إما بأن يدق و يخلط بالماء و إما بأن ينقع في الماء و يمكث إلى أن يكتسب حلاوته بحيث صار في الحلاوة بمثابة عصير العنب، و أما بأن يمرس و يعصر بعد النقع فيستخرج عصارته، و اما إذا كان الزبيب على حاله و حصل في جوفه ماء فالظاهر أن ما فيه ليس من عصير

______________________________

(179) لعدم تحقق المناط فيه، و الشك في حصوله يكفي في استصحاب الطهارة و الحلية بعد دوران الحرمة و النجاسة مدار تحقق السكر فعلا.

(180) لأن المناط في العصير ماء العنب و التعبير به باعتبار أخذ الماء من العنب فيجري على ماء العنب حكم العصير لاتحاد الموضوع و إن اختلف محلا.

(181) للأصل موضوعا و حكما.

(182) لأن المناط في الحلية و الحرمة على إحراز الموضوع بالعلم أو الحجة المعتبرة و كلاهما مفقودان في المقام.

ص: 170

الزبيب فلا يحرم بالغليان و إن كان الأحوط الاجتناب عنه (183)، لكن العلم به غير حاصل عادة (184)، فإذا ألقى زبيب في قدر فيه ماء أو مرق و كان يغلي فرأينا الزبيب فيه منتفخا من أين ندري أن ما في جوفه قد غلى مع أنه بحسب العادة لو غلى ما في جوفه لانشق و تفسخ و أولى من ذلك بعدم وجوب الاجتناب ما إذا وضع في وسط طبيخ أو كبة أو محشى و نحوها مما ليس فيه ماء و إن انتفخ فيه لأجل الأبخرة الحاصلة فيه (185).

مسألة 23: الظاهر أن ما غلى بنفسه من أقسام العصير

(مسألة 23): الظاهر أن ما غلى بنفسه من أقسام العصير لا تزول حرمته إلا بالتخليل (186)، كالخمر حيث انها لا تحل إلا بانقلابها خلا و لا أثر فيه لذهاب الثلاثين. و أما ما غلى بالنار تزول حرمته بذهاب ثلثيه و بقاء ثلث منه (187)، و الأحوط أن يكون ذلك بالنار لا بالهواء و طول المكث مثلا (188).

نعم، لا يلزم أن يكون ذهاب الثلاثين في حال غليانه بل يكفي كون ذلك مستندا إلى النار و لو بضميمة ما ينقص منه بعد غليانه قبل أن يبرد، فلو

______________________________

(183) لأن الاحتياط حسن على كل حال، و هذا بخلاف ما تقدم في المسألة السابقة من عدم الفرق بين الماء الداخل في العنب إذا غلى و بين العصير المأخوذ منه.

(184) و يكفي فيه مجرد الاستصحاب موضوعا و حكما.

(185) كل ذلك واضح عند العوام فضلا عن الإعلام.

(186) لأنه يصير خمرا و ينحصر التحليل حينئذ بالتخليل، و احتمال شمول إطلاقات ما دل على الحلية بذهاب الثلاثين بعيد جدا لاختلاف الموضوع.

(187) لشمول الإطلاقات (1)، له حينئذ.

(188) لاحتمال انصراف ذهاب الثلاثين عنهما.

ص: 171


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 1 و غيرها.

كان العصير في القدر على النار و قد غلى حتى ذهب نصفه ثلاثة أسداسه ثمَّ وضع القدر على الأرض فنقص منه قبل أن يبرد بسبب صعود البخار سدس آخر كفى في الحلّية (189).

مسألة 24: إذا صار العصير المغلي دبسا قبل أن يذهب ثلثاه

(مسألة 24): إذا صار العصير المغلي دبسا قبل أن يذهب ثلثاه لا يكفي في حلّيته على الأقوى (190).

مسألة 25: إذا اختلط العصير بالماء ثمَّ غلى يكفي في حلّيته ذهاب ثلثي المجموع و بقاء ثلثه

(مسألة 25): إذا اختلط العصير بالماء ثمَّ غلى يكفي في حلّيته ذهاب ثلثي المجموع و بقاء ثلثه (191)، فلو صب عشرين رطلا من ماء في عشرة أرطال من عصير العنب ثمَّ طبخه حتى ذهب منه عشرون و بقي عشرة فهو حلال، و بهذا يمكن العلاج في طبخ بعض أقسام العصير مما لا يمكن لغلظها و قوامها أن تطبخ على الثلث لأنه يحترق و يفسد قبل أن يذهب ثلثاه فيصب فيه الماء بمقداره أو أقل منه أو أكثر ثمَّ يطبخ إلى أن يذهب الثلثان و يبقى الثلث (192).

مسألة 26: لو صب على العصير المغلي قبل أن يذهب ثلثاه مقدارا من العصير غير المغلي

(مسألة 26): لو صب على العصير المغلي قبل أن يذهب ثلثاه مقدارا من العصير غير المغلي وجب ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الأول مع ما صب ثانيا (193)، و لا يحسب ما ذهب من الأول أولا فإذا كان في القدر

______________________________

(189) لصدق ذهاب الثلاثين بالنار عرفا فتشمله الإطلاقات الواردة كما تقدم في أحكام النجاسات من كتاب الطهارة.

(190) لاستصحاب الحرمة بعد بقاء الموضوع عرفا و احتمال تغاير الموضوع بدوي ساقط.

(191) لصدق إطلاق ذهاب الثلاثين على هذه الصورة أيضا فإذا ذهب ثلثا المجموع يذهب ثلثا البعض بالنسبة أيضا.

(192) و لا بد فيه من ملاحظة الاحتياط و مراعاة الخصوصيات.

(193) لاستصحاب بقاء النجاسة و عدم حصول الطهارة إلا بما يزيلها و هو

ص: 172

تسعة أرطال من العصير فغلى حتى ذهب منه ثلاثة و بقي ستة ثمَّ صب عليه تسعة أرطال أخر فصار خمسة عشر يجب أن يغلي حتى يذهب عشرة و يبقى خمسة و لا يكفي ذهاب تسعة و بقاء ستة (194).

مسألة 27: لا بأس بأن يطرح في العصير قبل ذهاب الثلاثين مثل اليقطين

(مسألة 27): لا بأس بأن يطرح في العصير قبل ذهاب الثلاثين مثل اليقطين و السفرجل و التفاح و غيرها و يطبخ فيه حتى يذهب ثلثاه فإذا حلّ حلّ ما طبخ فيه (195).

مسألة 28: يثبت ذهاب الثلاثين من العصير المغلي بالعلم

(مسألة 28): يثبت ذهاب الثلاثين من العصير المغلي بالعلم و بالبينة و بإخبار ذي اليد المسلم (196)، بل و بالأخذ منه إذا كان ممن يعتقد حرمة ما لم يذهب ثلثاه بل و إذا لم يعلم اعتقاده أيضا (197).

نعم، إذا علم أنه ممن يستحل العصير المغلي قبل أن يذهب ثلثاه مثل أن يعتقد أنه يكفي في حليته صيرورته دبسا أما اجتهادا أو تقليدا ففي جواز الاستيمان بقوله إذا أخبر عن حصول التثليث خلاف و إشكال (198)،

______________________________

منحصر بما ذكر.

(194) لعدم تحقق ما يزيل النجاسة كما عرفت.

(195) للطهارة التبعية فيشمله إطلاق دليل الطهارة، و قد تقدم في كتاب الطهارة ما ينفع المقام فراجع (1).

(196) أما الأول فلحجية العلم ذاتا و أما الثاني فلعموم اعتبار البينة على ما تقدم مرارا في كتاب الطهارة و غيره، و أما الأخير فلاعتبار يد المسلم في الطهارة و النجاسة، و قد أثبتنا ذلك على نحو القاعدة في كتاب الطهارة و هي: «كل من استولى على شي ء فقوله معتبر فيه».

(197) كل ذلك لما مر من القاعدة.

(198) لاحتمال عدم شمول ما تقدم من القاعدة لمثل هذه الصورة، فيبقى

ص: 173


1- راجع ج: 2 صفحة: 118.

و اولى بالإشكال جواز الأخذ منه و البناء على أنه طبخ على الثلث إذا احتمل ذلك من دون تفحص عن حاله (199)، و لكن الأقوى جواز الاعتماد بقوله و كذا جواز الأخذ منه و البناء على التثليث على كراهية (200).

مسألة 29: يحرم تناول مال الغير و إن كان كافرا محترم المال بدون اذنه

(مسألة 29): يحرم تناول مال الغير و إن كان كافرا محترم المال بدون اذنه و رضاه (201) حتى ورد «من أكل من طعام لم يدع إليه فكأنما أكل قطعة من النار».

______________________________

الأصل بحاله، و لكنه احتمال بدوي مخالف لإطلاق الفتوى و سهولة الشريعة مهما أمكن.

نعم، لو حصل الاطمئنان العرفي بعدم ذهاب الثلاثين من القرائن يتبع اطمينانه حينئذ لحجيته شرعا كما تقدم مرارا.

(199) لا وجه لأولوية الفرض بالإشكال بل يجري ما مر في سابقة.

(200) أما الجواز فلظهور إطلاق الروايات (1)، مضافا إلى ما مر من القاعدة، و أما الكراهة فلبعض الأخبار المحمول عليها جمعا و قد مر تفصيل ذلك كله في كتاب الطهارة فلا وجه للتكرار هنا.

(201) للأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (2)، و من السنة نصوص متواترة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر الشحام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقف بمنى حتى قضى مناسكها في حجة الوداع- إلى أن قال عليه السّلام- فقال صلّى اللّه عليه و آله: أي يوم أعظم حرمة؟ فقالوا هذا اليوم، فقال: فأي بلد أعظم حرمة؟ قالوا هذا البلد، قال: فإن

ص: 174


1- راجع ج: 2 صفحة: 96.
2- سورة النساء: 29 و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 7 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.

مسألة 30: يجوز أن يأكل الإنسان و لو مع عدم الضرورة

(مسألة 30): يجوز أن يأكل الإنسان و لو مع عدم الضرورة (202) من بيوت من تضمنته الآية الشريفة في سورة النور، و هم: الآباء و الأمهات و الاخوان و الأخوات و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات، و كذا يجوز لمن كان وكيلا على بيت أحد مفوضا إليه أموره و حفظه بما فيه أن يأكل من بيت موكله، و هو المراد من «ما ملكتم مفاتحه» المذكور في تلك الآية الشريفة (203)، و كذا يجوز أن يأكل الصديق من بيت صديقه، و كذا

______________________________

دماءكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال صلّى اللّه عليه و آله: اللهم أشهد، ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفسه و لا تظلموا أنفسكم، و لا ترجعوا بعدي كفارا» (1)، و من الإجماع إجماع المسلمين بل العقلاء، و من العقل استقلاله بقبح الظلم و التصرف في مال الغير بغير إذنه ظلم عليه لاحترام نفس الغير و عرضه و ماله بفطرة العقول.

(202) لإطلاق الكتاب لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً (2)، و السنة كما يأتي و الإجماع، و أما مع الاضطرار فلا اختصاص للجواز بمورد الآية بل يجوز من كل أحد.

(203) فعن الصادق عليه السّلام: «في قول اللّه عز و جلّ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ

ص: 175


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القصاص في النفس الحديث: 3.
2- سورة النور: 61.

الزوجة من بيت زوجها (204).

و الأب و الأم من بيت الولد (205)، و إنما يجوز الأكل من تلك البيوت إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت (206)، فيكون امتيازها عن غيرها بعدم توقف جواز الأكل منها على إحراز الرضا و الإذن من صاحبها فيجوز مع الشك (207)،

______________________________

قال: الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله فيأكل بغير إذنه» (1).

أقول: يمكن أن يستفاد من قوله تعالى أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ التسلط على التصرف بإذن المالك لأن مالكية المفتاح لازم لذلك عرفا، فالموارد المرخص فيها في الآية المباركة مطابقة للمتعارف بين الناس غالبا.

(204) أما الأول فلذكره في الآية الشريفة، و أما الثانية فلقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و كذلك تأكل المرأة بغير إذن زوجها» (2).

(205) لشمول قوله تعالى مِنْ بُيُوتِكُمْ لبيت الولد و للأولوية القطعية الثابتة للولد بالنسبة إلى الأعمام و الأخوال و نحوهما، و لأن الولد و ماله لأبيه كما في الخبر (3)، و لأن ما يأكل الرجل من كسبه و ان ولده من كسبه كما في الحديث (4)، و لعل عدم ذكره في الآية المباركة من أجل أن لا تتوهم المغايرة بين الوالد و مال الولد.

(206) لإطلاق أدلة التحريم- كما تقدم- الشامل لهذه الصورة بلا إشكال و متعارف الناس يستنكرون التصرف حينئذ و يقبحون التصرف مع الكراهة.

(207) للإطلاق الوارد مورد التسهيل و الترغيب إلى حسن المجاملة

ص: 176


1- الوسائل باب: 24 من أبواب آداب المائدة الحديث: 5.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب آداب المائدة الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به.
4- سنن البيهقي ج: 7 صفحة: 479.

بل و مع الظن بالعدم أيضا على الأقوى (208)، بخلاف غيرها و الأحوط اختصاص الحكم بما يعتاد أكله من الخبز و التمر و الإدام و الفواكه و البقول و نحوها (209)، دون نفائس الأطعمة التي تدخر غالبا لمواقع الحاجة

______________________________

و المعاشرة، فكأن الشارع الذي هو وليّ الكل ألغى اعتبار رضا المالك في مورد الشك في رضائه بالنسبة إلى هؤلاء، فكأنه قال للمالك:

ينبغي لك أن ترضى، و قال للمتصرف: لا تعتن بشكك ما لم يظهر لك الاطمئنان بعدم الرضا، و الوجدان يشهد فإن ذوي النفوس الآبية يرضون بالتصرف في تلك الموارد و يستنكرون ترك التصرف لأجل الشك و الرضا و يجعلونه من الوسواس.

(208) الأقسام ثلاثة:

الأول: الاطمئنان النوعي بالرضا.

الثاني: الاطمئنان كذلك بعدمه، و لا إشكال في الجواز في مورد الآية و غيرها، كما لا إشكال في عدم الجواز فيها في القسم الثاني فلا فرق في هذين القسمين جوازا و منعا بين مورد الآية و غيرها.

الثالث: الشك في الرضا، و عدمه يجوز التصرف في مورد الآية دون غيرها لما مر، و هذا هو الفارق بين الموردين.

الرابع: الظن بعدم الرضا مقتضى أصالة حرمة التصرف في مال الغير و إطلاق أدلة حرمته من الكتاب و السنة عدم جواز التصرف إلا إذا ثبت إطلاق آية الترخيص و عمومها حتى من هذه الجهة، و هو مشكل خصوصا إذا كان الظن قويا خصوصا مع استيلاء الشح على أهل الزمان و شيوع حب المال و مفاسد الأخلاق في أهل الدوران.

(209) للاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة- العقلية و النقلية- على المتيقن من مورد الدليل و في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عما

ص: 177

لمواقع الحاجة للأضياف ذوي الشرف و العزة (210)، و الظاهر التعدية إلى غير المأكول من المشروبات العادية من الماء و اللبن المخيض و اللبن الحليب و غيرها (211).

نعم، لا يتعدى إلى بيوت غيرهم و لا إلى غير بيوتهم كدكاكينهم و بساتينهم (212) كما أنه يقتصر على ما في البيت من المأكول فلا يتعدى إلى ما يشترى من الخارج بثمن يؤخذ من البيت (213).

مسألة 31: تباح جميع المحرمات المزبورة حال الضرورة

(مسألة 31): تباح جميع المحرمات المزبورة حال الضرورة (214)،

______________________________

يحل للرجل من بيت أخيه من الطعام قال: المأدوم و التمر» (1)، و الظاهر كونها من باب المثال لكل ما شاع أكله في كل زمان و لا يدخر لضيافة الأرحام و الإخوان.

(210) فإن المتعارف يتحرزون عن تناوله و يستنكرون ذلك حتى لو أذن لهم المالك، فكيف بما إذا لم يأذن و بالجملة لا بد من إتباع القرائن و هي كثيرة مختلفة باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة و الحالات و الخصوصيات.

(211) لأن الظاهر أنه ليس المراد بالأكل في الآية المباركة خصوص الازدراد، بل المراد التناول الشامل للشرب أيضا.

(212) كل ذلك لأصالة حرمة التصرف في مال الغير إلا بإذنه.

(213) لما تقدم في سابقة من الأصل، كما أنه لا بد من الاقتصار على النسبي دون الرضاعي و على خصوص الأكل دون الحمل، و على ما إذا كان مأذونا في دخول أصل الدار و على الأكل بالقدر المتعارف لا التملي و على ما إذا كان المأكول مهيئا للأكل لا ما إذا أخذ اللحم مثلا و شواه و أكله إلى غير ذلك مما يمكن إحراز عدم الرضا.

(214) للأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى:

ص: 178


1- الوسائل باب: 24 من أبواب آداب المائدة الحديث: 6.

إما لتوقف حفظ نفسه و سد رمقه على تناوله أو لعروض المرض الشديد الذي لا يتحمل عادة بتركه، أو لأداء تركه إلى لحوق الضعف المفرط المؤدي إلى المرض أو التلف أو المؤدي للتخلف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب، و منها ما إذا خيف بتركه على نفس اخرى محترمة كالحامل تخاف على جنينها و المرضعة على طفلها بل و من الضرورة خوف طول

______________________________

يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (1)، و قوله تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (2)، و كذا قوله جلّ شأنه فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)، و من السنة المتواترة الواردة كحديث الرفع (4)، و قاعدة:

«كل ما غلب اللّه على العباد فهو أولى بالعذر» كما تقدم في قضاء الصلاة و غيرهما مما ورد في سهولة الشريعة و سماحتها مما لا تعد و لا تحصى في أبواب متفرقة من أول الفقه إلى آخره كحديث نفي الضرر و الضرار (5).

و قول علي عليه السّلام: «المضطر يأكل الميتة و يأكل كل محرم إذا اضطر إليه» (6).

و من الإجماع إجماع المسلمين إن لم يكن من العقلاء.

و من العقل حكمه بتقديم الأهم على المهم و لا ريب في أهمية حفظ النفس على أكل المحرم حين الاضطرار إليه، و ترتفع الحرمة و يباح فلا يبقى موضوع للمهم حتى يكون من التزاحم بين الأهم و المهم، بل يكون من انتهاء

ص: 179


1- سورة البقرة: 185.
2- سورة الحج: 78.
3- سورة البقرة: 173.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات.
6- مستدرك الوسائل باب: 40 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 4.

المرض أو عسر علاجه بترك التناول (215).

و المدار في الكل على الخوف الحاصل من العلم أو الظن بالترتب (216)، لا مجرد الوهم و الاحتمال (217).

مسألة 32: من الضرورات المبيحة للمحرمات الإكراه و التقية

(مسألة 32): من الضرورات المبيحة للمحرمات الإكراه و التقية (218)، عمن يخاف منه على نفسه أو نفس محترمة أو على عرضه

______________________________

حكم العام بتحقق المخصص فلا حكم للعام حينئذ هذا كله في غير أكل مال الغير فإنه لا يباح عند الضرورة بل يجوز الأكل بعنوان ثانوي أي: نفس تحقق الاضطرار لأهمية حفظ النفس من مال الغير.

(215) أرسلوا ذلك إرسال المسلمات بحيث يظهر منهم الإجماع عليه و جعلوا المدار على صدق الاضطرار و الضرورة عرفا، فمع صدقه كذلك يحل التناول و مع صدق عدمه أو الشك فيه يحرم لأصالة الحرمة، و أما خبر المفضل:

«ثمَّ أباحه (أي أباح المضر) للمضطر و أحلّه له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك» (1)، و قريب منه غيره فهو انما تعرض لبعض المصاديق لا أن يكون في مقام التحديد من كل جهة.

(216) لأنه المنساق من الأدلة، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(217) للأصل و إطلاق أدلة التحريم و ظهور الاتفاق.

(218) لما استفاض عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه» (2)، و عن الصادق عليه السّلام: «التقية في كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله اللّه له» (3)، و الأخبار في هذا المساق كثيرة جدا هذا مضافا إلى الإجماع من المسلمين في الإكراه و من الإمامية في التقية.

ص: 180


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الحديث الحديث: 2.

أو عرض محترم أو مال محترم يجب عليه حفظه (219).

مسألة 33: في كل مورد يتوقف حفظ النفس على ارتكاب محرّم يجب الارتكاب

(مسألة 33): في كل مورد يتوقف حفظ النفس على ارتكاب محرّم يجب الارتكاب فلا يجوز له التنزه و الحال هذه (220)، و لا فرق بين الخمر و الطين و بين سائر المحرمات في هذا الحكم (221)، و القول بوجوب التنزه عن الخمر و الطين حتى مع الضرورة و أنه لا يباحان بها

______________________________

(219) لأن ما لا يجب عليه حفظه لا يتحقق الضرورة بالنسبة إليه.

(220) لفرض كونه مأمورا بالتناول و هو واجب عليه فيكون تركه حراما، مع أنه اقدام على تحقق الضرر.

(221) لإطلاقات أدلة التحليل عند الاضطرار المؤيدة بحكم العقل و سائر الآيات(1)، و الروايات التي تقدم بعضها غير قابلة للتقييد، و خصوص ما عن الصادق عليه السّلام في حديث عمار: «الرجل أصابه عطش حتى خاف على نفسه فأصاب خمرا، قال عليه السّلام: يشرب منه قوته» (2).

و نسب إلى الشيخ رحمه اللّه عدم الجواز لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر أبي بصير: «المضطر لا يشرب الخمر فإنها لا تزيده إلا شرا» (3)، و في بعض الروايات: «لا تزيده إلا عطشا»(4)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و لا بد من حملها على بعض المحامل لمعارضتها مع القواعد العقلية و النقلية.

و أما القول بالفرق بين الطين و سائر المحرمات فلم نظفر على قائله، و ذكره في الجواهر أيضا بلفظ القيل من دون تعيين القائل.

ص: 181


1- سورة الانعام: 119.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 31 و 14.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 31 و 14.

ضعيف (222)، خصوصا في ثانيهما (223)، فإذا أصابه عطش حتى خاف على نفسه فأصاب خمرا جاز بل وجب شربها و كذا إن اضطر إلى أكل الطين (224).

مسألة 34: إذا اضطر إلى محرم فليقتصر على مقدار الضرورة

(مسألة 34): إذا اضطر إلى محرم فليقتصر على مقدار الضرورة و لا يجوز له الزيادة (225)، فإذا اقتضت الضرورة أن يأكل الميتة لسد رمقه فليقتصر على ذلك و لا يجوز له أن يأكل حد الشبع إلا إذا فرض أن ضرورته لا تندفع إلا بالشبع (226).

مسألة 35: جواز أكل المحرم في مورد الضرورة يختص بغير الباغي و العادي

(مسألة 35): جواز أكل المحرم في مورد الضرورة يختص بغير الباغي و العادي (227)، و أما فيهما فيبقى على حرمته و يعاقب عليه و إن أرشده عقله إلى الارتكاب (228).

مسألة 36: يجوز التداوي لمعالجة الأمراض بكل محرم إذا انحصر

(مسألة 36): يجوز التداوي لمعالجة الأمراض بكل محرم إذا انحصر

______________________________

(222) لعدم دليل عليه من عقل أو نقل كما عرفت.

(223) لعدم وجدان دعوى دليل عليه من أحدكما تقدم.

(224) لعموم ما دل على إباحة المحرمات بالاضطرار كما تقدم مرارا.

(225) لإطلاق أدلة التحريم إلا في خصوص ما ترتفع به الضرورة مع ما ارتكز في النفوس من أن «الضرورات تتقدر بقدرها».

(226) لفرض تحقق الضرورة حينئذ إلى الشبع فيجوز له الأكل حتى يشبع.

(227) للآية المباركة فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (1)، و تعرضنا لمعنى الباغي و العادي في التفسير فراجع.

(228) لقاعدة «تقديم الأهم على المهم» غير القابلة للتخصيص بوجه من الوجوه.

ص: 182


1- سورة البقرة: 173.

به العلاج (229)، و لو بحكم الحذاق و الثقات من الأطباء (230) و المدار على انحصار العلاج به بين ما بأيدي الناس مما يعالج به هذا الداء لا الانحصار واقعا فإنه مما لا يحيط به إدراك البشر (231).

مسألة 73: المشهور عدم جواز التداوي بالخمر

(مسألة 73): المشهور عدم جواز التداوي بالخمر بل بكل مسكر حتى مع الانحصار (232).

______________________________

(229) لما مر من تطابق الأدلة الأربعة على الجواز بل الوجوب حينئذ.

(230) لكونهم من أهل الخبرة بهذه الأمور و قول أهل الخبرة بكل أمر معتبر فيه عند ذوي العقول.

(231) لأن أحكام الشريعة مبتنية على هذا النظام الظاهري البشري خصوصا الشريعة الختمية المبتنية على التسهيل مهما وجد إليه السبيل، و التكليف بالواقعيات صعب عسير إذ لا يحيط بها إلا العليم الخبير.

(232) لجملة من النصوص منها ما عن الصادق عليه السّلام في خبر الحلبي قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن دواء عجن بالخمر؟ فقال: لا و اللّه ما أحب أن أنظر إليه فكيف أتداوى به إنه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير» (1)، و منها ما عنه عليه السّلام أيضا في خبر عمر بن أذينة: «إن اللّه لم يجعل في شي ء مما حرم دواء و لا شفاء» (2).

و منها ما عن أبي بصير قال: «دخلت أم خالد العبدية على أبي عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده، فقالت: جعلت فداك أنه يعتريني قراقر في بطني و قد وصف لي أطباء العراق النبيذ بالسويق- إلى أن قال- فقال عليه السّلام: ما يمنعك من شربه؟ قالت: قد قلدتك ديني فألقى اللّه عز و جل حين ألقاه فأخبره أن جعفر بن محمد أمرني و نهاني، فقال عليه السّلام: يا أبا محمد تسمع هذه المسائل؟ لا فلا تذوقي منه قطرة لا و اللّه لا آذن لك في قطرة منه فإنما تندمين إذا بلغت نفسك هاهنا-

ص: 183


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 4 و 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 4 و 1.

.....

______________________________

و أومى بيده إلى حنجرته- يقولها ثلاثا أ فهمت؟ فقالت: نعم، ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما يبل الميل ينجس حبا من ماء يقولها ثلاثا» (1)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و لكن لا يخفى أنه ليس للإمام عليه السّلام بل و لا للفقيه الخبير بأحوال الأنام أن يأذن في التداوي و لو عند الضرورة لئلا يتخذ ذلك وسيلة لتناولها، فيمكن حمل مثل هذه الأخبار على ما ذكرنا و إلا فلو دار الأمر بين الموت و تناوله لا تشمله تلك الأخبار مع ما تقدم من إذن الصادق عليه السّلام في شربه عند الاضطرار إلى شربه، و أما قولهم عليهم السّلام: «إن اللّه لم يجعل في شي ء مما حرم دواء و لا شفاء» (2)، كما تقدم فلا بد و أن يحمل على الجعل الأولي كما في الأدوية المباحة لا الجعل الثانوي الاضطراري، و إلا فهو مخالف لما هو المشاهد في الأدوية الحديثة مثل الشراب و بعض الاقراص و غيرهما المشتمل على الخمر (الكحول) على ما يقولون، و مع ذلك يرفع المرض فهذه الأخبار مثل ما ورد: «إن اللّه تعالى لم يجعل رزق عباده في الحرام»، أ تحمل على النفوس الشريفة و العزيمة الصادقة الذين يتحملون تمام جهدهم في تعظيم حرمات اللّه فيفيض اللّه عز و جل عليهم من العوالم الغيبية الدواء و الشفاء بعد قطع علائقهم عن الدنيا و ما فيها كأمثال ابن أبي يعفور الذي يصلي عليه و يترحم له و يحمده ففي خبر المفضل قال: «كتب أبو عبد اللّه عليه السّلام حين مضى عبد اللّه بن أبي يعفور يا مفضل عهدت إليك عهدي كان إلى عبد اللّه بن أبي يعفور صلوات اللّه عليه، فمضى صلوات اللّه عليه موفيا للّه عز و جل و لرسوله و لإمامه بالعهد المعهود للّه و قبض صلوات اللّه على روحه محمود الأثر مشكور السعي مغفورا له مرحوما برضا اللّه و رسوله و إمامه عنه بولادتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما كان في عصرنا أطوع للّه و لرسوله و لإمامه منه، فما زال كذلك حتى قبضه اللّه إليه برحمته و صيره إلى جنته ساكنا فيها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام أنزله اللّه بين المسكنين مسكن محمد صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام و إن كانت المساكن واحدة و الدرجات

ص: 184


1- الوافي ج: باب: 159 من أبواب المشارب.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الأشربة المحرمة.

لكن الجواز لا يخلو من قوة (233) بشرط العلم بكونه قابلا للعلاج (234)، و العلم بأن ترك معالجته يؤدي إلى الهلاك أو إلى ما يدانيه و العلم بانحصار العلاج به بالمعنى الذي ذكرناه.

نعم، لا يخفى شدة أمر الخمر فلا يبادر إلى تناولها و المعالجة بها (235)، إلا إذا رأى من نفسه الهلاك لو ترك التداوي بها (236)، و لو بسبب توافق جماعة من الحذاق و أولي الديانة و الدراية من الأطباء و إلا فليصطبر على المشقة فلعلّ الباري تعالى شأنه يعافيه لما رأى منه التحفظ على دينه (237)، فعن الثقة الجليل عبد اللّه بن أبي يعفور أنه قال: «كان إذا أصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدت شربت الحسو من النبيذ فسكن عنه فدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبره بوجعه و انه إذا شرب الحسو من النبيذ سكن عنه، فقال له: لا تشربه فلما أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه فأقبل أهله فلم يزالوا به حتى شرب فساعة شربه منه سكن عنه فعاد الى ابي

______________________________

واحدة فزاده اللّه رضى من عنده و مغفرة من فضله برضاه عنه» (1)، و في رواية أخرى قال عليه السّلام له: «رحمك اللّه رحمك اللّه» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا: «ما أحد ادعي إلينا ما افترض اللّه عليه فينا إلا عبد اللّه بن أبي يعفور» (3).

(233) تقدم وجه ذلك.

(234) لأنه المعلوم من مورد الجواز لكل من قال به.

(235) لعدم دليل على الترخيص بنحو ذلك فيكفي استصحاب بقاء الحرمة ما لم يعلم الخلاف.

(236) فيجوز حينئذ عقلا و نقلا كما تقدم.

(237) لأن عنايات اللّه تبارك و تعالى على المحافظين لدينهم مما لا تعد و لا تحصى و لا يعلم بها إلا اللّه تعالى.

ص: 185


1- راجع رجال الكشي صفحة: 215 ط: النجف.
2- راجع رجال الكشي صفحة: 215 ط: النجف.
3- راجع رجال الكشي صفحة: 215 ط: النجف.

عبد اللّه عليه السّلام فأخبره بوجعه و شربه، فقال له: يا ابن أبي يعفور لا تشرب فإنه حرام إنما هو الشيطان موكل بك و لو قد يئس منك ذهب فلما أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه أشد مما كان فأقبل أهله عليه، فقال لهم: لا و اللّه ما أذوق منه قطرة أبدا فأيسوا منه أهله فكان يهتم على شي ء و لا يحلف و كان إذا حلف على شي ء لا يخلف، فلما سمعوا أيسوا منه و اشتد به الوجع أياما ثمَّ اذهب اللّه به عنه فما عاد إليه حتى مات رحمة اللّه عليه».

مسألة 38: لو اضطر إلى أكل طعام الغير لسد رمقه

(مسألة 38): لو اضطر إلى أكل طعام الغير لسد رمقه و كان المالك حاضرا فإن كان هو أيضا مضطرا لم يجب عليه بل لا يجوز له بذله (238)، و لا يجوز للمضطر قهره (239)، و إن لم يكن مضطرا يجب عليه بذله للمضطر (240)

______________________________

(238) لأولوية حفظ النفس عن حفظ الغير عند الدوران بحسب مرتكزات العقلاء و لا أقل من احتماله عند الدوران فلا يجوز حينئذ و لا دليل على الخلاف إلا توهم شمول إطلاق قوله تعالى وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (1)، للمقام و هو فاسد لظهور الآية الكريمة في غير صورة الدوران بين هلاك أحدهما.

نعم، انها تعم تحمل المشقّات التي لا تبلغ هلاك النفس.

(239) لأنه حينئذ قهر على هلاك نفس المالك و هو مما لا يجوز بلا شبهة في ذلك.

(240) لوجوب حفظ النفس المحترمة عن الهلاك مع القدرة عليه إجماعا و نصا (2)، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «ما آمن بي من بات شبعانا و أخوه المسلم

ص: 186


1- سورة الحشر: 9.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب القصاص في النفس الحديث: 4.

و إن امتنع عن البذل جاز له قهره (241)، بل مقاتلته (242)، و الأخذ منه قهرا و لا يتعين على المالك بذله مجانا فله أن لا يبذله إلا بالعوض (243)، و ليس للمضطر قهره بدونه (244)، فإن اختار البذل بالعوض فإن لم يقدّره بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما أكله أو مثله إن كان مثليا (245)، و إن قدّره لم يتعين عليه تقديره بثمن المثل أو أقل بل له أن يقدره بأزيد منه (246)، و حينئذ إذا كان المضطر قادرا على دفعه يجب عليه الدفع إذا طالبه به (247)، و إن كان عاجزا يكون في ذمته يتبع تمكنه (248)، هذا إذا كان

______________________________

طاو» (1)، و قد ورد في هذا المساق أخبار أخرى مختلفة في أبواب متفرقة (2).

(241) لسقوط اعتبار اذنه شرعا مع الانحصار و امتناعه عن الإذن.

(242) أرسله جمع إرسال المسلمات و جعلوا ذلك من صغريات الدفاع عن النفس و لازمه أنه لو قتله المضطر يكون دمه هدرا بخلاف العكس.

(243) لقاعدة السلطنة التي لا تنافي وجوب البذل و أخذ العوض كما في مورد الاحتكار و نحوه كما تقدم.

(244) لأصالة عدم تسلطه عليه بعد عدم الدليل لجواز القهر بدونه من عقل أو نقل.

(245) لأن ذلك هو العوض الشرعي لكل ما لم يكن فيه العوض المسمّى شرعا.

(246) لقاعدة السلطنة مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه و لكن لا بد و أن يقيّد بعدم وصول الزيادة إلى مرتبة الحرج.

(247) لوجوب حفظ النفس عقلا و شرعا بكل ما قدر عليه المضطر إلى حفظها.

(248) لصحة المعاوضة حينئذ فتشملها عموم ما دل على وجوب الوفاء بها

ص: 187


1- الوسائل باب: 44 من أبواب المائدة.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب آداب التجارة و باب: 39 من أبواب فعل المعروف.

المالك حاضرا و أما إذا كان غائبا فله الأكل منه بمقدار سد رمقه و تقدير الثمن و جعله في ذمته و لا يكون أقل من ثمن المثل (249)، و الأحوط المراجعة إلى الحاكم لو وجد و مع عدمه فإلى عدول المؤمنين (250).

مسألة 39: يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شي ء من الخمر

(مسألة 39): يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شي ء من الخمر بل و غيرها من المسكرات و كذا الفقاع (251)، بل ذهب بعض العلماء إلى حرمة كل طعام يعصى اللّه تعالى به أو عليه (252).

______________________________

من الكتاب و السنة كما تقدم.

(249) للعلم برضا الشارع الذي هو وليّ المالك بذلك حينئذ بل العلم العادي برضا المالك به أيضا بحيث لو لم يرض يستنكر منه ذلك، و يحتمل سقوط اعتبار رضاه حينئذ.

(250) لأن هذا من موارد الأمور الحسبية و المشهور أن المرجع فيها أولا الحاكم الشرعي و مع عدمه فإلى عدول المؤمنين.

(251) لما عن الصادق عليه السّلام في خبر هارون بن الجهم: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

ملعون ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر الجراح المدائني: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يأكل على مائدة يشرب عليها الخمر» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا و قد: «سئل عن المائدة إذا شرب عليها الخمر أو مسكر؟ فقال: حرمت المائدة» (3)، و تقدم أن كل مسكر خمر فيشمل الفقاع و جميع المسكرات مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الفرق.

(252) نسب ذلك إلى العلامة و ابن إدريس لأن مجلس العصيان مما يحبه الشيطان و من مظاهر غضب الرحمن و في معرضية العذاب و الهلاك.

ص: 188


1- الوسائل باب: 62 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 62 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 1.

خاتمة في بعض الآداب المتعلّقة بالأكل و الشرب

اشارة

خاتمة في بعض الآداب المتعلّقة بالأكل و الشرب

فأما آداب الأكل

اشارة

فأما آداب الأكل فهي بين مستحبة و مكروهة،

أما المستحبة

أما المستحبة فأمور:

منها: غسل اليدين معا قبل الطعام و بعده مائعا كان الطعام أو جامدا (253)، و إذا كانت جماعة على المائدة يبدأ في الغسل الأول صاحب الطعام ثمَّ بمن على يمينه و يدور الى أن يتم الدور على من في

______________________________

(253) لنصوص مستفيضة منها قول علي عليه السّلام: «غسل اليدين قبل الطعام و بعده زيادة في العمر و إماطة للغمر من الثياب و يجلو البصر» (1).

و منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن القداح: «من غسل يده قبل الطعام و بعده عاش في سعة و عوفي من بلوى في جسده» (2)، إلى غير ذلك مما هو كثير، و المراد بالوضوء في جملة منها كقول أبي الحسن عليه السّلام: «الوضوء قبل الطعام و بعده يثبت النعمة» (3)، إنما هو غسل اليد فقط إذ لم يعهد من الفقهاء استحباب الوضوء المعهود قبل الطعام و بعده بل المعهود عدمه، و في خبر هشام بن سالم قال لي الصادق عليه السّلام: «و الوضوء هنا غسل اليدين قبل الطعام و بعده» (4)، و مقتضى إطلاق ما تقدم من الأخبار عدم الفرق بين كون الطعام مائعا أو جامدا كان الأكل باليد مباشرة أو بالآلات المتعارفة في هذه الأزمنة و سواء كان الأكل بيد واحدة أو بهما معا لأن هذا نحو تعظيم لنعمة اللّه و تجليل لها مضافا إلى مصالح اخرى ثمَّ ان الموجود في كلمات الفقهاء «غسل اليدين» و الموجود في

ص: 189


1- الوسائل باب: 49 من أبواب آداب المائدة الحديث: 6 و 5 و 8 و 16.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب آداب المائدة الحديث: 6 و 5 و 8 و 16.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب آداب المائدة الحديث: 6 و 5 و 8 و 16.
4- الوسائل باب: 49 من أبواب آداب المائدة الحديث: 6 و 5 و 8 و 16.

يسار صاحب الطعام ثمَّ دور إلى أن يختم بصاحب الطعام (254).

و منها: المسح بالمنديل بعد الغسل الثاني و ترك المسح به بعد الغسل الأول (255).

______________________________

النصوص لفظ «اليد» و «اليدين» و «أيديكم» و «الوضوء» و يصح أن يراد بالأول الجنس فلا ينافي البقية، و قد مر أن المراد بالوضوء غسل اليدين فيرتفع تنافي الأخبار من البين.

ثمَّ انه إن كانت اليد نظيفة فلا يتأكد استحباب الغسل لقول أبي الحسن عليه السّلام: «من كانت يده نظيفة فلم يغسلها فلا بأس أن يأكل من غير أن يغسل يده» (1).

(254) لجملة من الأخبار منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الوضوء قبل الطعام يبدأ صاحب البيت لئلا يحتشم أحد فإذا فرغ من الطعام بدأ بمن على يمين الباب حرا كان أو عبدا» (2)، و في حديث آخر: «يغسل أولا رب البيت يده ثمَّ يبدأ بمن على يمينه فإذا رفع الطعام بدأ بمن على يسار صاحب المنزل لأنه أولى بالصبر على الغمر» (3).

أقول: و فيه فوائد أخرى كما لا يخفى.

(255) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك بالمنديل فلا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد» (4)، و في خبر مرازم قال: «رأيت أبا الحسن عليه السّلام إذا توضأ قبل الطعام لم يمس المنديل و إذا توضأ بعد الطعام مس المنديل» (5).

ص: 190


1- الوسائل باب: 64 من أبواب آداب المائدة الحديث: 10.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 50 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 3.
4- الوسائل باب: 52 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2.
5- الوسائل باب: 52 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2.

و منها: أن يسمّي عند الشروع في الأكل (256)، بل على كلّ لون على انفراده عند الشروع في الأكل منه (257)، و لا تعتبر العربية بل يكفي

______________________________

(256) لنصوص كثيرة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا وضع الغداء و العشاء فقل: بسم اللّه، فإن الشيطان يقول لأصحابه: اخرجوا فليس هاهنا عشاء و لا مبيت و إذا نسي ان يسمي قال لأصحابه: تعالوا فإن لكم هاهنا عشاء و مبيتا» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «إن الرجل إذا أراد أن يطعم طعاما فأهوى بيده و قال: بسم اللّه و الحمد للّه رب العالمين غفر اللّه عز و جل له من قبل أن تصير اللقمة إلى فيه» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا وضعت المائدة حفتها أربعة آلاف ملك فإذا قال العبد: بسم اللّه قالت الملائكة: بارك اللّه عليكم في طعامكم ثمَّ يقولون للشيطان: أخرج يا فاسق لا سلطان لك عليهم فإذا فرغوا فقالوا الحمد للّه قالت الملائكة: قوم أنعم اللّه عليهم فأدّوا شكر ربهم، و إذا لم يسموا قالت الملائكة للشيطان: ادن يا فاسق فكل معهم، فإذا رفعت المائدة و لم يذكروا اسم اللّه عليها قالت الملائكة قوم أنعم اللّه عليهم فنسوا ربهم» (3)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر أبي بصير: «إذا وضعت المائدة فقل: بسم اللّه فإذا أكلت فقل الحمد للّه أوله و آخره و إذا رفع فقل الحمد للّه» (4)، و عنه عليه السّلام أيضا: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من ذكر اسم اللّه عند طعام أو شراب في أوله و حمد اللّه في آخره لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام أبدا» (5).

(257) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا اختلف الآنية فسمّ على كل إناء» (6)، و المنساق منه تعدد أواني ألوان الغذاء، و لا بأس بالتسمية رجاء على الأواني

ص: 191


1- الوسائل باب: 56 من أبواب آداب المائدة الحديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 56 من أبواب آداب المائدة الحديث: 2 و 1.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2 و 5.
4- الوسائل باب: 57 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2 و 5.
5- الوسائل باب: 57 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2 و 5.
6- الوسائل باب: 61 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1.

التسمية بغيرها أيضا (258)، و لو كان على المائدة جمع و سمى واحد منهم أجزأ عن الجميع و إن كان الأفضل أن يسمى كل واحد منهم (259)، كما لا يعتبر أن تكون التسمية بخصوص البسملة المعهودة بل يجزي لفظ «بسم اللّه» فقط (260)، و لكن الأفضل الإتيان بها (261).

و منها: أن يحمد اللّه تعالى بعد الفراغ (262).

و منها: الأكل باليمين (263).

______________________________

المتعددة و لو مع وحدة الغذاء و لو قال: «بسم اللّه على أوله و آخره»(1)، لأجزأ عن التكرار لتحقق التسمية إجمالا بالنسبة إلى الجميع و لكن التكرار أفضل.

(258) لإطلاق الأدلة و كون الاستحباب قابلا للمسامحة.

(259) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا حضرت المائدة فسمى رجل منهم أجزأ عنهم أجمعين» (2).

(260) لإطلاق الأدلة من غير ما يصلح للتقييد إلا دعوى الانصراف إليها و لكنه من الانصرافات البدوية.

(261) لما مر من احتمال الانصراف إليها.

(262) لنصوص كثيرة منها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ما من رجل يجمع عياله و يضع مائدته فيسمّون في أول طعامهم و يحمدون في آخره فترفع المائدة حتى يغفر لهم» (3).

و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ما من شي ء إلا و له حد ينتهي إليه فجي ء بالخوان فقالوا: ما حده؟ قال: حده إذا وضع قيل بسم اللّه و إذا رفع قيل الحمد للّه» (4).

(263) لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إذا أكل أحدكم أو شرب فليأكل أو يشرب بيمينه

ص: 192


1- الوسائل باب: 58 من أبواب آداب المائدة.
2- الوسائل باب: 58 من أبواب آداب المائدة.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب آداب المائدة الحديث: 6.
4- الوسائل باب: 57 من أبواب آداب المائدة الحديث: 3.

و منها: أن يبدأ صاحب الطعام و أن يكون آخر من يمتنع (264).

و منها: أن يأكل بثلاث أصابع أو أكثر و لا يأكل بإصبعين و قد ورد أنه من فعل الجبارين (265).

و منها: أن يأكل مما يليه إذا كان مع جماعة على مائدة و لا يتناول من قدام الآخر (266).

______________________________

فإن الشيطان يأكل و يشرب بشماله» (1)، و لما مر في كتاب الطهارة من استحباب التيامن مطلقا بل يكره الأكل و الشرب و التناول باليسرى، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر جراح المدائني: «كره للرجل أن يأكل بشماله أو يشرب بها أو يتناول بها» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر أبي بصير: «لا تأكل باليسرى و أنت تستطيع» (3).

(264) تأسيا بالنبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «إذا أكل مع القوم طعاما كان أول من يضع يده و آخر من يرفعها ليأكل القوم» (4)، و مثله غيره.

(265) لخبر أبي خديجة عن الصادق عليه السّلام: «أنه كان يجلس جلسة العبيد و يضع يده على الأرض و يأكل بثلاث أصابع، و إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأكل هكذا ليس كما يفعل الجبارون يأكل أحدهم بإصبعه» (5)، و في الحديث: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يستاك عرضا و يأكل هرثا، و الهرث ان يأكل بأصابعه جميعا» (6).

(266) لما عن الصادق عليه السّلام في خبر ابن القداح قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

إذا أكل أحدكم فليأكل مما يليه» (7)، و عنه عليه السّلام أيضا: «يأكل كل إنسان مما يليه و لا

ص: 193


1- سنن أبي داود كتاب الأطعمة باب الأكل باليمين الحديث: 3776.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب آداب المائدة الحديث: 2 و 3.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب آداب المائدة الحديث: 2 و 3.
4- الوسائل باب: 41 من أبواب آداب المائدة.
5- الوسائل باب: 68 من أبواب آداب المائدة: 1 و 2.
6- الوسائل باب: 68 من أبواب آداب المائدة: 1 و 2.
7- الوسائل باب: 66 من أبواب آداب المائدة.

و منها: تصغير اللقمة (267).

و منها: تجويد المضغ (268).

و منها: طول الجلوس على الموائد و طول الأكل (269).

و منها: لعق الأصابع و مصها و كذا لطع القصعة و لحسها بعد الفراغ (270).

______________________________

يتناول من قدام الآخر شيئا» (1)، إلى غير ذلك من الأخبار كما سيأتي.

(267) لما رواه الصادق عليه السّلام عن آبائه عن الحسن بن علي عليهم السّلام فيما يتعلق بآداب المائدة: «الأكل مما يليك و تصغير اللقمة» (2)، و مثله ما في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام (3).

(268) لقول الحسن بن علي عليهما السّلام في آداب المائدة: «تجويد المضغ و قلّة النظر في وجوه الناس» (4)، و عن علي عليه السّلام في آداب المائدة: «المضغ الشديد و قلّة النظر في وجوه الناس و غسل اليدين» (5).

(269) لما عن علي عليه السّلام في وصيته لكميل: «إذا أنت أكلت فطوّل أكلك يستوف من معك و ترزق منه غيرك» (6)، و عن الصادق عليه السّلام: «ما عذّب اللّه عز و جل قوما و هم يأكلون إن اللّه عز و جل أكرم من أن يرزقهم شيئا ثمَّ يعذّبهم عليه حتى يفرغوا منه» (7)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(270) أما الأول فلما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «كان إذا فرغ لعق أصابعه الثلاث التي أكل بها واحدة واحدة» (8)، و في وصيته صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام في آداب المائدة: «أن

ص: 194


1- الوسائل باب: 66 من أبواب آداب المائدة.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 112 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2.
5- الوسائل باب: 112 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب آداب المائدة الحديث: 30 و 1.
7- الوسائل باب: 14 من أبواب آداب المائدة الحديث: 30 و 1.
8- الوسائل باب: 112 من أبواب آداب المائدة الحديث: 2.

و منها: الخلال بعد الطعام و أن لا يكون بعود الريحان و قضيب الرمان و الخوص و القصب (271).

______________________________

يأكل مما يليه و مص الأصابع» (1)، و قال الصادق عليه السّلام: «إني لألعق أصابعي حتى أرى إن خادمي يقول: «ما أشره مولاي» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما الثاني فعن الصادق عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يلطع القصعة و يقول:

من لطع القصعة فكأنما تصدق بثمنها» (3).

(271) أما استحباب الخلال فلجملة من الأخبار منها قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لجعفر بن أبي طالب: «يا جعفر تخلل فإنه مصلحة للفم (للّثة) و مجلبة للرزق» (4)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «رحم اللّه المتخلّلين، قيل: يا رسول اللّه و ما المتخلّلون؟ قال: المتخلّلون من الطعام فإنه إذا بقي في الفم تغير فأذّى الملك ريحه» (5)، و عن أبي الحسن عليه السّلام: «ملك ينادي في السماء: اللهم بارك على الخلّالين و المتخلّلين و هم الذين في بيوتهم الخل و الذين يتخلّلون» (6).

و أما جوازه بكل عود فلإطلاق الأدلة و قول الصادق عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتخلّل بكل ما أصاب ما خلا الخوص و القصب» (7).

و أما الكراهة فلقول الصادق عليه السّلام: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يتخلّل بالقصب و الريحان» (8)، و عنه عليه السّلام أيضا: «من تخلّل بالقصب لم تقض له حاجة

ص: 195


1- الوسائل باب: 112 من أبواب آداب المائدة الحديث: 12.
2- الوسائل باب: 67 من أبواب آداب المائدة الحديث: 5 و 1.
3- الوسائل باب: 67 من أبواب آداب المائدة الحديث: 5 و 1.
4- الوسائل باب: 104 من أبواب آداب المائدة الحديث: 7.
5- الوسائل باب: 104 من أبواب آداب المائدة الحديث: 8 و 11.
6- الوسائل باب: 104 من أبواب آداب المائدة الحديث: 8 و 11.
7- الوسائل باب: 105 من أبواب آداب المائدة الحديث: 4.
8- الوسائل باب: 105 من أبواب آداب المائدة الحديث: 3.

و منها التقاط ما يسقط من الخوان خارج السفرة و الطبق و أكله فإنه شفاء من كل داء إذا قصد به الاستشفاء و أنه ينفي الفقر و يكثر الولد (272)، و هذا في غير الصحراء و نحوها و أما فيها فيستحب أن يترك للطير و السبع بل ورد أن ما كان في الصحراء فدعه و لو فخذ شاة (273).

______________________________

ستة أيام» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن التخلّل بالرمان و الآس و القصب و قال: إنهن يحركن عرق الآكلة» (2)، و عن علي عليه السّلام: «التخلّل بالطرفاء يورث الفقر» (3).

(272) فعن الصادق عليه السّلام في خبر أبي بصير: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: كلوا ما يسقط من الخوان فإنه شفاء من كل داء بإذن اللّه لمن أراد أن يستشفى به» (4)، و عنه عليه السّلام أيضا «ينفي الفقر و يكثر الولد» (5)، و في خبر أبي الحر قال: «شكى إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام رجل ما يلقى من وجع الخاصرة فقال: ما يمنعك من أكل ما يقع الخوان» (6)، و عن الرضا عن آبائه عليهم السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الذي يسقط من المائدة مهور حور العين» (7).

(273) لقول أبي الحسن الرضا عليه السّلام في خبر معمّر بن خلاد: «من أكل في منزله طعاما فسقط منه شي ء فليتناوله، و من أكل في الصحراء أو خارجا فليتركه للطير و السبع» (8)، و في خبر أبي الوليد قال: «أكلت بين يدي أبي جعفر الثاني حتى إذا فرغت و رفع الخوان ذهب الغلام يرفع ما وقع من فتات الطعام، فقال له:

ما كان في الصحراء فدعه و لو فخذ شاة، و ما كان في البيت فتتبعه و التقطه» (9)، و الفتات بالضم ما وقع من الشي ء.

ص: 196


1- الوسائل باب: 105 من أبواب آداب المائدة الحديث: 2 و 5 و 7.
2- الوسائل باب: 105 من أبواب آداب المائدة الحديث: 2 و 5 و 7.
3- الوسائل باب: 105 من أبواب آداب المائدة الحديث: 2 و 5 و 7.
4- الوسائل باب: 76 من أبواب آداب المائدة الحديث: 3 و 4 و 5 و 7.
5- الوسائل باب: 76 من أبواب آداب المائدة الحديث: 3 و 4 و 5 و 7.
6- الوسائل باب: 76 من أبواب آداب المائدة الحديث: 3 و 4 و 5 و 7.
7- الوسائل باب: 76 من أبواب آداب المائدة الحديث: 3 و 4 و 5 و 7.
8- الوسائل باب: 72 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1.
9- الوسائل باب: 72 من أبواب آداب المائدة الحديث: 2.

و منها: الأكل غداء و عشيا و عدم الأكل بينهما (274).

و منها: أن يستلقي بعد الأكل على قفاه و يجعل رجله اليمنى على اليسرى (275).

و منها: الافتتاح بالملح و الاختتام به فقد ورد أن فيه «المعافاة عن اثنين و سبعين من البلاء» و في خبر آخر «ابدؤا بالملح في أول طعامكم فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الترياق المجرب» (276).

______________________________

(274) لخبر شهاب بن عبد ربه قال: «شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام ما القي من الأوجاع و التخم فقال لي: تغد و تعش و لا تأكلن بينهما شيئا فإن فيه فساد البدن أما سمعت اللّه تبارك و تعالى يقول: لهم رزقهم فيها بكرة و عشيا» (1).

(275) لقول أبي الحسن الرضا عليه السّلام في خبر أبي نصر: «إذا أكلت فاستلق على قفاك وضع رجلك اليمنى على اليسرى»(2).

أقول: وضع الرجل اليمنى على اليسرى راجح في الجلوس أيضا بخلاف العكس فإنه مرجوح من غير عذر و تقدم في الجلوس في الصلاة ما ينفع المقام.

(276) لما عن الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ابدأوا بالملح في أول طعامكم فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الترياق المجرب»(3)، و في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام: «يا علي افتتح بالملح و اختتم بالملح فإن فيه شفاء من اثنين و سبعين داء» (4)، إلى غير ذلك من الروايات، و في بعض الأخبار ورد الابتداء بالخل(5)، و يمكن أن يحمل على التقية أو على الابتداء الإضافي فالابتداء الحقيقي يستحب أن يكون بالملح ثمَّ بعده بالخل مع عدم الضرر في

ص: 197


1- الوسائل باب: 45 من أبواب آداب المائدة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 74 من أبواب آداب المائدة.
3- الوسائل باب: 95 من أبواب آداب المائدة الحديث: 3 و 7.
4- الوسائل باب: 95 من أبواب آداب المائدة الحديث: 3 و 7.
5- الوسائل باب: 96 من أبواب آداب المائدة.

و منها: حضور البقل و الخضروات على المائدة و كراهة ترك ذلك (277).

و منها: الأكل من جوانب الغذاء لا من وسطه و ذروته بل يكره ذلك (278).

و منها: رفع الصوت بالتحميد (279).

و منها: غسل الثمار بالماء قبل أكلها ففي الخبر: «إن لكل ثمرة سما

______________________________

كل واحد منهما.

(277) لقول الصادق عليه السّلام في خبر حنان: «إن أمير المؤمنين عليه السّلام لم يؤت بطبق إلا و عليه بقل قلت: و لم؟ قال: لأن قلوب المؤمنين خضرة فهي تحن إلى شكلها» (1)، و عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام أنه جي ء بالمائدة لم يكن عليها بقل فأمسك يده ثمَّ قال للغلام: أما علمت اني لا آكل على مائدة ليس فيها خضرة فأتني بالخضرة فذهب الغلام فجاء بالبقل فألقاه على المائدة فمد يده فأكل» (2).

أقول: و قد أثبت العلم الحديث أن مادة الحياة الجسمانية تكثر في الخضروات و البقول إذا أكلت نيا من غير طبخ لها.

(278) لما عن أبي الحسن الرضا عن آبائه عليهم السّلام: «إذا أكلتم الثريد فكلوا من جوانبه فإن الذروة فيها البركة» (3)، و عن الصادق عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تأكلوا من رأس الثريد و كلوا من جوانبه فإن البركة في رأسه» (4).

(279) لوصية أمير المؤمنين عليه السّلام إلى كميل: «يا كميل إذا استويت على طعامك فاحمد اللّه على ما رزقك و ارفع بذلك صوتك ليحمده سواك فيعظم بذلك أجرك، يا كميل لا توقر معدتك طعاما ودع فيها للماء موضعا و للريح مجالا» (5).

ص: 198


1- الوسائل باب: 103 من أبواب آداب المائدة.
2- الوسائل باب: 103 من أبواب آداب المائدة.
3- الوسائل باب: 65 من أبواب آداب المائدة.
4- الوسائل باب: 65 من أبواب آداب المائدة.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب آداب المائدة الحديث: 4.

فإذا أتيتم بها اغمسوها في الماء يعني اغسلوها» (280).

و أما المكروه

و أما المكروه: فمنها الأكل على الشبع (281).

و منها: التملي من الطعام ففي الخبر: «ما من شي ء أبغض إلى اللّه من بطن مملوّ»، و في خبر آخر: «أقرب ما يكون العبد إلى اللّه إذا خفّ بطنه و أبغض ما يكون العبد إلى اللّه إذا امتلئ بطنه»، و في خبر آخر: «لو أن الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم»، بل ينبغي الاقتصار على ما دون الشبع ففي الخبر «أن البطن إذا شبع طغى»، و في خبر آخر عن مولانا الصادق عليه السّلام: «إن عيسى بن مريم قام خطيبا فقال يا بني إسرائيل لا تأكلوا حتى تجوعوا و إذا جعتم فكلوا و لا تشبعوا فإنكم إذا شبعتم غلظت رقابكم و سمنت جنوبكم و نسيتم ربكم» (282).

و منها: النظر في وجوه الناس عند الأكل على المائدة (283).

و منها: أكل الحار (284).

______________________________

(280) لعل هذه الرواية (1)، موافقة للعلم الحديث أيضا.

(281) لشهادة الاعتبار و للمستفيضة من الأخبار منها قولهم عليهم السّلام: «الأكل على الشبع يورث البرص» (2)، إلى غير ذلك من الروايات.

(282) إلى غير ذلك من الأخبار (3).

(283) تقدم ما يدل عليه (4).

(284) لجملة من الأخبار منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن النبي صلّى اللّه عليه و آله أتى بطعام حار جدا فقال صلّى اللّه عليه و آله: ما كان اللّه ليطعمنا النار أقرّوه حتى يمكّن فإنه طعام

ص: 199


1- الوسائل باب: 80 من أبواب الأطعمة المباحة.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب المائدة الحديث: 7.
3- راجع الوسائل باب: 1 و 2 من أبواب آداب المائدة.
4- راجع صفحة: 194.

و منها: النفخ على الطعام و الشراب (285).

و منها: انتظار غير الخبز إذا وضع الخبز (286).

و منها: قطع الخبز بالسكين (287).

و منها: أن يوضع الخبز تحت إناء و وضع الإناء عليه (288).

______________________________

ممحوق البركة و للشيطان فيه نصيب» (1).

(285) لقول الصادق عليه السّلام في حديث المناهي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «و نهى أن ينفخ في طعام أو شراب أو ينفخ في موضع السجود» (2)، و ما يدل على الجواز (3)، لا ينافي الكراهة و تشتد الكراهة إذا كان الطعام مشتركا بينه و بين غيره (4).

(286) فلما عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أكرموا الخبز، قيل: يا رسول اللّه و ما إكرامه؟ قال: إذا وضع لا ينتظر به غيره» (5).

(287) لجملة من الأخبار منها قول الرضا عليه السّلام: «لا تقطعوا الخبز بالسكين و لكن اكسروه باليد» (6)، و ما ورد عن الصادق عليه السّلام: «أدنى الإدام قطع الخبز بالسكين» (7)، و إن عليا عليه السّلام: «إذا لم يكن عنده أدم قطع الخبز بالسكين» (8)، محمول على الضرورة و نحوها.

(288) لقول الصادق عليه السّلام: «لا يوضع الرغيف تحت القصعة» (9)، و كذا يكره شم الخبز، لما عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إياكم ان تشموا الخبز كما يشمه السباع فإن الخبز مبارك أرسل اللّه له السماء مدرارا و له أنبت اللّه

ص: 200


1- الوسائل باب: 91 من أبواب آداب المائدة الحديث: 5.
2- الوسائل باب: 92 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 92 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 92 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2.
5- الوسائل باب: 83 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1.
6- الوسائل باب: 84 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 4 و 3.
7- الوسائل باب: 84 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 4 و 3.
8- الوسائل باب: 84 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 4 و 3.
9- الوسائل باب: 81 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1.

و منها: المبالغة في أكل اللحم الذي على العظم (289).

و منها: تقشير الثمرة (290).

و منها: رمي بقية الثمرة قبل الاستقصاء في أكلها (291).

و أما آداب الشرب

اشارة

و أما آداب الشرب: فهي أيضا بين مندوبة و مكروهة

أما المندوبة

أما المندوبة فمنها أن يشرب الماء مصا لا عبا فإنه كما في الخبر «يوجد منه الكباد» يعني وجع الكبد (292).

______________________________

المرعى و به صلّيتم و به صمتم و حججتم بيت ربكم» (1).

(289) لقول السجاد عليه السّلام: «لا تنهكوا العظام فإن للجن فيها نصيبا فإن فعلتم ذهب من البيت ما هو خير من ذلك» (2)، و ما دل على الخلاف (3)، يراد منه بعض مراتب النهك لا المبالغة فيه.

(290) لما عن الصادق عليه السّلام: «انه كان يكره تقشير الثمرة» (4).

(291) لخبر نادر الخادم قال: «أكل الغلمان يوما فاكهة فلم يستقصوا أكلها و رموا بها فقال أبو الحسن عليه السّلام: سبحان اللّه إن كنتم استغنيتم فإن ناسا لم يستغنوا أطعموه من يحتاج إليه» (5).

(292) ورد في فضل الماء روايات فعن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: سيد شراب الجنة الماء» (6)، و عن علي عليه السّلام: «الماء سيد الشراب في الدنيا و الآخرة»(7)، و عن الصادق عليه السّلام: «طعم الماء طعم الحياة» (8)، و في خبر ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: مصوا الماء مصا و لا تعبوه

ص: 201


1- الوسائل باب: 85 من أبواب آداب المائدة.
2- الوسائل باب: 94 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 94 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 80 من أبواب آداب الأطعمة المباحة الحديث: 2.
5- الوسائل باب: 69 من أبواب آداب المائدة الحديث: 1.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 4 و 5 و 6.
7- الوسائل باب: 1 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 4 و 5 و 6.
8- الوسائل باب: 1 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 4 و 5 و 6.

و منها: أن يشرب قائما بالنهار (293)، فإنه «أقوى و أصح للبدن و يمرئ الطعام».

و منها: أن يسمي عند الشروع و يحمد اللّه بعد ما فرغ (294).

و منها: أن يشرب بثلاثة أنفاس (295).

و منها: التلذذ بالماء ففي الخبر: «من تلذذ بالماء في الدنيا لذذه اللّه من أشربة الجنة».

______________________________

عبا فإنه يوجد منه الكباد» (1).

(293) قال الصادق عليه السّلام: «شرب الماء من قيام بالنهار يمرئ الطعام، و شرب الماء بالليل من قيام يورث الماء الأصفر» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا: «شرب الماء من قيام بالنهار أدرّ للعرق و أقوى للبدن» (3)، و عنه عليه السّلام أيضا: «الشرب قائما أقوى و أصح» (4)، و هناك مطلقات كثيرة دالة على النهي عن شرب الماء قائما كقول علي عليه السّلام: «لا تشربوا الماء قائما» (5)، فلا بد من حملها على ما إذا كان بالليل كما تقدم.

(294) لجملة من الأخبار منها: قول الصادق عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام من ذكر اسم اللّه على طعام أو شراب في أوله و حمد اللّه في آخره لم يسئل عن نعيم ذلك الطعام أبدا» (6)، و عن أبي جعفر قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إن المؤمن ليشبع من الطعام و الشراب فيحمد اللّه فيعطيه اللّه من الأجر ما لا يعطي الصائم، إن اللّه شاكر عليم يحب أن يحمد» (7).

(295) لجملة من الأخبار منها قول الصادق عليه السّلام: «ثلاثة أنفاس في الشرب أفضل من نفس واحدة»(8)، و عنه عليه السّلام أيضا: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يكره النفس

ص: 202


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المباحة.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 2 و 7 و 5 و 12.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 2 و 7 و 5 و 12.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 2 و 7 و 5 و 12.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 2 و 7 و 5 و 12.
6- الوسائل باب: 10 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 8 و 3.
7- الوسائل باب: 10 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 8 و 3.
8- الوسائل باب: 9 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 17.

و منها: أن يذكر الحسين عليه السّلام و أهل بيته بعد شرب الماء فعن داود الرقي قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ استسقى الماء فلما شربه رأيته قد استعبر و اغرورقت عيناه بدموعه ثمَّ قال لي يا داود- إلى أن قال- فما أنغص ذكر الحسين عليه السّلام للعيش إني ما شربت ماء باردا إلا ذكرت الحسين عليه السّلام، و ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السّلام و أهل بيته- إلى أن قال- إلا كتب اللّه عز و جل له مائة ألف حسنة و حط عنه مائة ألف سيئة و رفع له مائة ألف درجة و كأنما أعتق مائة ألف نسمة و حشره اللّه يوم القيامة ثلج الفؤاد».

و أما المكروهة

و أما المكروهة فمنها الإكثار في شرب الماء فإنه كما في الخبر: «مادة لكل داء»، و كان مولانا الصادق عليه السّلام يوصي رجلا فقال له: «أقل شرب الماء فإنه يمد كل داء و اجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء»، و عنه عليه السّلام: «لو أن الناس أقلّوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم».

و منها: شرب الماء بعد أكل الطعام الدسم فإنه كما في الخبر يهيج الداء، و عن الصادق عليه السّلام قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أكل الدسم أقل شرب الماء فقيل له يا رسول اللّه إنك لتقل شرب الماء قال هو امرئ لطعامي».

و منها: الشرب باليسار (296).

و منها: الشرب من قيام في الليل فإنه كما في الخبر «يورث الماء الأصفر».

______________________________

الواحد في الشرب و قال ثلاث أنفاس أو اثنين» (1).

(296) لخبر جراح المدائني: «كره أبو عبد اللّه عليه السّلام إن يأكل الرجل بشماله أو

______________________________

(1)

ص: 203


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 12.

و منها: أن يشرب من عند كسر الكوز إن كان فيه كسر و من عند عروته (297).

______________________________

يشرب بها أو يتناول بها» (1).

(297) لقول الصادق عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام لا تشربوا الماء من ثلمة الإناء و لا من عروته فإن الشيطان يقعد على العروة و الثلمة» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا:

«لا تشرب من اذن الكوز و لا من كسر إن كان فيه فإنه مشرب الشياطين» (3).

ص: 204


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الأشربة المباحة الحديث: 1 و 2.
تذييل

تذييل في الكافي بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام: «من سقى مؤمنا من ظمأ سقاه اللّه من الرحيق المختوم»، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سقى مؤمنا شربة من ماء من حيث يقدر على الماء أعطاه بكل شربة سبعين ألف حسنة و إن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل»، و في الأمالي بإسناده عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنة و من كساه من عرى كساه اللّه من استبرق و حرير، و من سقاه شربة من عطش سقاه اللّه من الرحيق المختوم، و من أعانه أو كشف كربته أظله اللّه في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله».

و في المحاسن قال: «سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن عمل يعدل عتق رقبة فقال لأن أدعو ثلاثة نفر من المسلمين فأطعمهم حتى يشبعوا و أسقيهم حتى يرووا أحب إليّ من أن أعتق نسمة و نسمة حتى عدّ سبعا أو أكثر» (298).

______________________________

(298) إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة (1).

و هناك آداب مندوبة و مكروهة أخرى ذكرها الشهيد في الدروس و لكن الأصحاب اكتفوا بما تقدم و من أراد التفصيل فيها فليراجع الدروس.

و اللّه الموفق و المستعان و صلى اللّه على محمد و آله الطيبين الأطهار.

ص: 205


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الأشربة المباحة.

ص: 206

.....

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب إحياء الموات و المشتركات

اشارة

كتاب إحياء الموات و المشتركات و فيه فصول:

الفصل الأول في إحياء الأرض

اشارة

الفصل الأول في إحياء الأرض

______________________________

للأرض حياة و موت كما في النفوس النباتية و الحيوانية كل بحسبه فللحيوانية مراتب كما ان لذيها أنواع و أقسام لا يعلمها إلا الحي القيوم قال تعالى اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها (1)، و إحياء الموات من الأمور القديمة جدا و هو حليف الإنسان من أول حدوثه على وجه الأرض إلى انقراضه عنها، كما ان تبدل الحياة و الموات على الأرض قرينها منذ خلقت الى ان يبدل الأرض غير الأرض، فكم من معمورة محياة صارت خربة و مواتا، و كم من خربة و موات صارت عامرة و محياة، و كذلك كم من أرض تبادلت عليها العمران و الخراب مرات عديدة و سيتبادل عليها كذلك و هذه سنّة اللّه التي لا

ص: 207


1- سورة الحديد: 17.

.....

______________________________

يوجد لها تبديلا و لا تحويلا.

و الموات و الإحياء و المشتركات و حيازة المباحات من أهم الأمور النظامية العامة التي لا تختص كل ذلك بملة دون أخرى، و لا بعصر دون آخر، و إنما وردت الشرائع السماوية عليها لا أنها أخذت من الشرائع الإلهية، و إحياء الأرض من صنع اللّه تعالى الملهم إلى عباده ليجري هذا النظام الأتم الأكمل، فأول ما فعله أبونا آدم عليه السّلام عند هبوطه إلى الأرض إنما هو إحياء الموات و حيازة المباحات، و جرى ذلك في ذريته إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها فالأصل في الاملاك البشر هو إحياء الموات و حيازة المباحات، و البقية متفرعة عليهما و جعل اللّه الأرض اليف الإنسان في جملة من العوالم التي ترد عليه منها يخرج و فيها يعيش و فيها يموت و عليها يبعث و يحشر إلى غير ذلك من استحالات الإنسان إلى الأرض و استحالات الأرض إلى الإنسان، فكم من أرض كانت إنسانا في القرون الماضية و تصير كذلك في القرون اللاحقة قال تعالى مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (1)، و ذلك من أعظم مظاهر قدرة اللّه تعالى كما ان إحياء الأرض كذلك قال تعالى وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها (2).

و المرجع في الإحياء و الموات إلى العرف في ما هو قبل الشرع و ليس له فيه تعبد خاص و لا للفقهاء فيه نظر مخصوص.

نعم، جرت عادة الشرع على تحديد الموضوعات العرفية بحدود و قيود تأتي الإشارة إليها.

ثمَّ إن الفطرة البشرية تحكم بان كل من أحيا أرضا مواتا فهي له، و هذا حكم عام في كل عصر و مكان و في جميع الملل و الأديان، و هو الأصل الأولي في ملك الإنسان و قرره الشريعة المقدسة كما كان، فقال نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من

______________________________

ص: 208


1- سورة طه: 55.
2- سورة يس: 33.

الموات: هي الأرض المعطلة التي لا ينتفع بها، إما لانقطاع الماء عنها أو لاستيلاء المياه أو الرمول أو السبخ أو الأحجار عليها أو لاستيجامها و التفاف القصب و الأشجار بها أو لغير ذلك (1)،

______________________________

أحيا أرضا مواتا فهي له» (1)، و عنه عليه السّلام: «من غرس شجرا أو حفر و أديا بديا لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّه و رسوله» (2)، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمّروها فهم أحق بها و هي لهم» (3)، إلى غير ذلك من الروايات.

(1) الموات في مقابل العمران فكل ما ليس بعامر تكون مواتا، و المرجع في العمران متعارف أهل تلك المناطق التي تعمر الأرض فيها فتكون الموات أيضا كذلك، فالموات من الأرض ما لا ينتفع بها و العمران ما ينتفع بها.

ثمَّ إن الأرض كسائر العوالم للّه تعالى يورثها من يشاء من عباده، و تدل على أصل الحكم الأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى وَ لِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (4)، و قوله تعالى إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (5)، و من النصوص نصوص كثيرة تقدم بعضها في كتاب الخمس، و من الإجماع إجماع المسلمين، و من العقل انه لا ملكية أهم و أتم من جاعلها و مخرجها من العدم إلى الوجود حدوثا و بقاء، و المراد من العباد الذين يورثهم الأرض من في عدله يتصالح الذئب و الغنم، و يوجد كمال الصدق و الصفا بين العباد و يرفع رايات العدل في جميع البلدان، و مثله ينبغي أن يرث

ص: 209


1- الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات ج: 17.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب إحياء الموات الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات الحديث: 4.
4- سورة النور: 42.
5- سورة الأعراف: 128.

و هو على قسمين (2).

الأول: الموات بالأصل، و هو ما لم يعلم مسبوقيته بالملك و الإحياء (3)، أو علم عدم مسبوقيته بهما كأكثر المفاوز و البراري و البوادي و صفحات الجبال و أذيالها و نحوها (4).

الثاني: الموات بالعارض، و هو ما عرض عليه الخراب و الموتان بعد الحياة و العمران كالأراضي الدارسة التي بها آثار المرور و الأنهار و القرى الخربة التي بقيت منها رسوم العمارة (5).

مسألة 1: الموات بالأصل

(مسألة 1): الموات بالأصل و إن كان ملكا للإمام عليه السّلام حيث انه من الأنفال كما مر في كتاب الخمس (6)، لكن يجوز في زمان الغيبة لكل أحد

______________________________

الأرض من خالقها بل لا قيمة للأرض بالنسبة إليه لكونه مورد إفاضة الخالق و مرجع استفاضة المخلوق، و كشف هذه المسائل و الفروع لا بد و أن يكون بالعيان إذ يقصر عن شرحه القلم و البيان.

(2) هذا التقسيم عقلي دائر بين النفي و الإثبات و حكمهما معلوم كما يأتي.

(3) كما سيأتي تفسيره آنفا.

(4) للصدق العرفي بين أهل الأراضي بكونها مواتا.

(5) كما هو المشهور بين الفقهاء بل ظاهرهم الإجماع عليه و هو المنساق عرفا أيضا.

(6) إجماعا و نصوصا متواترة قال أبو جعفر عليه السّلام في الصحيح: «وجدنا في كتاب علي عليه السّلام إن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض و نحن المتقون و الأرض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها فإن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها فليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها

ص: 210

إحياؤه مع الشروط الآتية (7)، و القيام بعمارته و يملكه المحيي على

______________________________

حتى يظهر القائم عليه السّلام من أهل بيتي، بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و منعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم» (1).

(7) مقتضى الأصل و عموم ما دل على أنه لا يصح التصرف في ملك الغير إلا بإذنه- كما تقدم في كتاب الغصب- و إن كان عدم صحة التصرف، و لكن يصح دعوى القطع برضا الامام عليه السّلام بإحياء الأرض و عمرانها و انتفاع الناس بها مهما وجد إليه السبيل، و عدم رضائه ببقاء الأرض على الخراب من دون أن ينتفع بها أحد فإن ذلك لا يليق بالعاقل فضلا عن الامام عليه السّلام مع الاحتياج إلى العمران في كل دورة و زمان، و احتياج الجسم إلى المكان و النفس إلى ما يتقوم به الإنسان فأي نفس لا يرضى بذلك؟! مع إن الإمام عليه السّلام ملاذ جميع الأنام في تمام ما يتعلق بهم في حاجاتهم الدنيوية و الأخروية و أنه عليه السّلام كما أنه رب الأرض في الملك ربانيها في العمران و التعمير، و لا يتم ذلك إلا بالإذن في مطلق التعمير لمطلق المعمّر ما لم يكن محذور شرعي في البين، و ذكر المسلم أو المؤمن في بعض النصوص إنما هو من باب ذكر أفضل الافراد، مع أن غالب عمّار الدنيا هم الكفار.

نعم، في مثل الناصب لأهل البيت عليهم السّلام يمكن أن يستظهر عدم الإذن منهم عليهم السّلام لما ورد من التأكيد في عدم إعطائهم شيئا (2)، و يصح أن يقال: ان مقتضى سيرة العقلاء في هذه الأملاك العامة غير المحدودة بحد أبدا المتصفة بالموات تعميم الإذن لكل من عمّرها مطلقا إلا ما نص على الخلاف، و الإمام عليه السّلام رأس العقلاء و رئيسهم لا يتعدى عن هذه السيرة إلا بنص صحيح أو

ص: 211


1- الوسائل باب: 3 من أبواب إحياء الموات الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الصدقة و باب: 7 من أبواب المستحقين للزكاة.

الأقوى (8)، سواء كان في دار الإسلام أو في دار الكفر، و سواء كان في أرض الخراج كأرض العراق أو في غيرها، و سواء كان المحيى مسلما أو كافرا (9).

______________________________

أثر صحيح، نعم المسلمون في الدرجة الأولى و لا ينافي ذلك تعميم الإذن كما لا يخفى.

(8) التعبيرات الواردة في النصوص- كما مرت و تأتي- أقسام ثلاثة:

الأول: «فهي له» على ما مر في كثير من الروايات.

الثاني: قول علي عليه السّلام في الصحيح «فهو أحق بها»، و كذا قول أبي جعفر عليه السّلام: «فهم أحق بها و هي لهم» (1).

الثالث: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الأرض للّه و لمن عمّرها» (2)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«للّه و لرسوله ثمَّ هي لكم» على ما يأتي، و ظاهر الأخير أنها كما تكون ملكا للّه و لرسوله تكون ملكا للغير، و ظاهر كلمة (اللام) إنها للملكية إلا مع القرينة على الخلاف كما في (اللام) المستعمل في جملة من المجانيات و الصدقات و نحوها و تقتضيه سيرة المتشرعة قديما و حديثا من معاملة المعمّرين لها معاملة الملكية، و أما لفظ «أحق بها» فهو لا يدل على الحق في مقابل الملك لأنه اصطلاح حادث عند الفقهاء، بل يكون بمعنى الأحقية الثبوتية و هي مساوقة للملكية أي تكون ثابتا له، و هو عبارة أخرى عن الملك مع إن هذا النزاع ساقط من أصله لاتفاقهم على صحة ترتيب آثار الملكية مع تحقق الشرائط و عدم الصحة مع فقد بعضها.

(9) كل ذلك لإطلاق الأدلة و السيرة- قديما و حديثا- و ذكر «المسلمين» في صحيح الكابلي المتقدم إنما هو من باب ذكر أفضل الافراد و إن الغاية إنما هو

ص: 212


1- الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات الحديث: 4.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب إحياء الموات الحديث: 1.

مسألة 2: الموات بالعارض الذي كان مسبوقا بالملك و الإحياء إذا لم يكن له مالك معروف على قسمين

(مسألة 2): الموات بالعارض الذي كان مسبوقا بالملك و الإحياء إذا لم يكن له مالك معروف على قسمين (10).

الأول: ما باد أهلها و صارت بسبب مرور الزمان و تقادم الأيام بلا مالك، و ذلك كالأراضي الدارسة و القرى و البلاد الخربة و كالقنوات الطامسة التي كانت للأمم الماضين الذين لم يبق منهم اسم و لا رسم، أو نسبت إلى أقوام أو أشخاص لم يعرف منهم إلا الاسم (11).

الثاني: ما لم يكن كذلك و لم تكن بحيث عدّت بلا مالك بل كانت لمالك موجود و لم يعرف شخصه و يقال لها مجهولة المالك (12).

فأما القسم الأول فهو بحكم الموات بالأصل في كونه من الأنفال (13)، و أنه يجوز إحياؤه و يملكه المحيي فيجوز إحياء الأراضي

______________________________

انتفاع المسلم لا التخصيص به كما هو معلوم، و أما الإجماع الذي ادعاه العلامة على اعتبار الإسلام في المحيي فهو- على فرض صحته- إجماع اجتهادي منشأه استفادة ذلك من النص لا أن يكون دليلا آخر في مقابل النص، و كذا سائر الأخبار.

(10) هذا التقسيم شرعي بل عرفي عقلائي أيضا.

(11) فإنه يصدق على جميع ذلك إنها بلا ملاك عرفا و لو لو حظ مجرد الملك و لو في الأزمنة القديمة لصار أغلب الأرض ملكا لأشخاص سادوا ثمَّ بادوا.

(12) عرفا و عقلا و شرعا كما تقدم لأن مجهول المالك من الموضوعات العرفية تترتب عليه أحكام شرعية كثيرة، و لا ريب في الصدق العرفي بأنه مجهول المالك.

(13) نصا و إجماعا منها قوله صلّى اللّه عليه و آله: «عادي الأرض للّه و رسوله ثمَّ هي لكم

ص: 213

الدراسة التي بقيت فيها آثار الأنهار و السواقي و المرور و تنقية القنوات و الآبار المطمومة، و تعمير الخربة من القرى و البلاد القديمة التي بقيت بلا مالك و لا يعامل معها معاملة مجهول المالك و لا يحتاج إلى الإذن من حاكم الشرع أو الشراء منه بل يملكها المحيي و المعمّر بنفس الإحياء و التعمير (14).

______________________________

مني فمن أحيا مواتا فهي له» (1)، و منها قوله صلّى اللّه عليه و آله: «موتان الأرض للّه و لرسوله فمن أحيا منها شيئا فهي له» (2)، و العادي: القديم كأنها منسوبة إلى قوم عاد من حيث القدم.

(14) لأن كل ذلك من أحكام أراضي الموات التي يكون جميع ما ذكر من صغرياتها و مصاديقها، فالرضاء بالتصرف في الموات بالإحياء حاصل قطعا لكل من رجع إلى ما ورد عنهم عليهم السّلام في ترغيبهم إلى المزارعة و حثّهم عليها نحو حثّهم على الواجبات، و قال في الجواهر و نعم ما قال: «ينبغي أن يعلم أن الأدلة و خصوصا ما تقدم في كتاب الخمس ظاهر في الإذن منهم عليهم السّلام للشيعة أو مطلقا بالتصرف في الأرض التي لهم من الأنفال بل ظاهرة في ملك المحيى لها، و أنه لا شي ء عليه غير الصدقة أي الزكاة، بل قد يستفاد الإذن منهم عليهم السّلام أيضا فيما لهم الولاية عليه، كأرض الخراج فضلا عن غيره، بل قد تقدم في كتاب الجهاد ما يدل على صحة كلّية كل أرض ترك أهلها عماراتها كان للإمام عليه السّلام تقبيلها ممن يقوم بها و عليها طسقها لأربابها، و كلية كل أرض موات سبق إليها سابق فأحياها كان أحق بها، و إن كان لها مالك معروف فعليه طسقها، بل ستمسع في الإقطاع انتزاع الحاكم ما أقطعه إذا ترك المقطع العمارة».

أقول: قد تشتت كلماتهم في الأرض تشتتا لا يليق بهم و لباب المقال في

ص: 214


1- مستدرك الوسائل ج: 3 باب: 1 من أبواب إحياء الموات الحديث: 5 و 2 و في سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 143 باب: 3 من كتاب إحياء الموات.
2- مستدرك الوسائل ج: 3 باب: 1 من أبواب إحياء الموات الحديث: 5 و 2 و في سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 143 باب: 3 من كتاب إحياء الموات.

.....

______________________________

بيان أمور واضحة:

الأول: حياة الحيوان- إنسانا كان أو غيره- تتوقف على حياة الأرض فالأرض الموات باطلة ظاهرها و باطنها و كل شي ء يتعلق بها، فابقاؤها على هذه الحالة مع المنافع التي لا تحصى فيها و إمكان إخراجها من الاقتضاء إلى الفعلية و كثرة احتياج الناس إليها قبيح عقلا و مع العلم العادي بأن غالب العمران إنما هو من الكفار و انتفاع المسلمين بعمرانهم يكون التخصيص بخصوص الشيعة أو أقبح.

نعم، يصح أن يكون الشيعة أو المسلمين هو العمدة و الغرض الأقصى للإذن للكفار، و يستفاد من ذلك كله حصول الإذن منهم عليهم السّلام للكفار فضلا عن المسلمين، و قد تقدم بعض أقسام الأراضي و أحكامها في البيع فراجع.

الثاني: لا بد للأرض التي فيها تمام منافع الحيوان و مصالح الإنسان من مدبّر يصلحها بالتعمير مباشرة أو بالتسبيب و يحفظها عن طغيان الأنام و يراعي فيها أحسن التدبير و النظام.

الثالث: حسن تعمير هذه الجوهرة الثمينة- التي لا يعقل تقويمها بأي قيمة، و لا رقم في الحساب يسوى عشر قيمتها فضلا عن تمامها- فطري لكل أحد و محبوب عند كل ذي شعور فلو لم يأذن وليّ أمرها في تعميرها يعد ذلك قبيحا بالنسبة إليه.

نعم، لا بد من الإذن في التعمير من بيان حدود و قيود فاحتمال عدم الإذن منه عليه السّلام في ذلك من احتمال النقص في جهة حكومته و ولايته و هو برئ من ذلك كما ثبت في محله.

فالإحياء من الأسباب التوليدية العرفية و الشرعية لحصول الملك للمحيي إلا مع النص على الخلاف، و أما احتمال أن الكافر بعد تحقق الإحياء يحتاج إلى إذن في الملك فهو ساقط لأنه بعد كون ذات الإحياء بعد إحراز الرضا سببا توليديا لحصول الملكية، فما الوجه في الاحتياج إلى إذن مستأنف فيكون من

ص: 215

و أما القسم الثاني: فلا إشكال في جواز إحيائه و القيام بتعميره و التصرف فيه بأنواع التصرفات، و هل يملكه المحيى عينا و منفعة و ليس عليه شي ء إلا الزكاة عند اجتماع شرائطها كالقسم الأول أم لا؟ ظاهر المشهور هو الأول (15)، لكنه لا يخلو من إشكال (16)، فالأحوط أن يتفحّص عن صاحبه و بعد اليأس عنه يعامل معه معاملة مجهول

______________________________

قبيل أن يقول أحد أن المشتري بعد الشراء من المالك شراء جامعا للشرائط يحتاج إلى إذن جديد من المالك في التملك، و يدل على ما قلناه صحيح محمد ابن مسلم قال: «سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصارى؟ فقال: ليس به بأس، و قد ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملون بها و يعمّرونها، و ما بها بأس إذا اشتريت منها شيئا، و أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عملوه فهم أحق بها و هي لهم» (1)، و صحيح أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شراء الأرضين من أهل الذمة؟ فقال: لا بأس بان يشتري منهم إذا عملوها و أحيوها فهي لهم، و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين ظهر على خيبر و فيها اليهود خارجهم على أمر و ترك الأرضين في أيديهم يعملونها و يعمرونها» (2)، و ظهورهما في عموم الإذن و حصول الملكية بالإحياء مما لا ينكر.

(15) بدعوى انها لا ربّ لها و ما لا ربّ لها يكون للإمام كما في الحديث (3) أو أنها خربة و الأراضي الخربة للإمام عليه السّلام.

(16) لانصراف أخبار الأنفال عما كانت ملكا لمحترم المال، و الشك فيه يكفي بعد عدم صحة التمسك بها.

ص: 216


1- الوسائل باب: 71 من أبواب الجهاد الحديث: 2 ج: 11.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب إحياء الموات الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال الحديث: 1 و 4.

المالك (17)، فأما أن يشتري عينها من حاكم الشرع و يصرف ثمنها على الفقراء و أما أن يستأجرها منه بأجرة معينة أو يقدر ما هو أجرة مثلها لو انتفع و يتصدق بها على الفقراء (18).

نعم، لو علم أن مالكها قد أعرض عنها أو انجلى عنها أهلها و تركوها لقوم آخرين جاز إحياؤها و تملكها بلا إشكال (19).

مسألة 3: إذا كان ما طرأ عليه الخراب لمالك معلوم

(مسألة 3): إذا كان ما طرأ عليه الخراب لمالك معلوم فإن أعرض عنه مالكه كان لكل أحد إحياؤه و تملكه (20)، و إن لم يعرض عنه فإن أبقاه مواتا للانتفاع بها في تلك الحال من جهة تعليف دوابه أو بيع حشيشه أو قصبة و نحو ذلك، فربما ينتفع منها مواتا أكثر مما ينتفع منها محياة فلا إشكال في أنه لا يجوز لأحد إحياؤها و التصرف فيها بدون إذن مالكها، و كذا فيما إذا كان مهتما بإحيائها عازما عليه (21)، و إنما أخر الاشتغال به لجمع الآلات و تهيئة الأسباب المتوقعة الحصول أو لانتظار وقت صالح له (22)، و أما لو ترك تعمير الأرض و إصلاحها و أبقاها إلى الخراب من جهة

______________________________

(17) لأن كونها من مجهول المالك معلوم إنما الكلام في أن هذا القسم من مجهول المالك للإمام عليه السّلام أو لا؟

(18) لأن كل ذلك حكم مجهول المالك في الأراضي المجهول مالكها.

(19) لصيرورتها كالمباحات الأولية حينئذ و يملكها المحيي لفرض ان المالك تركها لأن يتملكها كل من أحياها.

(20) لكونه من المباحات حينئذ و الاعراض عنه قرينة معتبرة على صحة تملك كل من حازه.

(21) للأدلة الأربعة الدالة على عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه و رضاه، و قد ذكرناها مكررا كما تقدم في كتاب الغصب.

(22) لأصالتي بقاء الملكية و عدم جواز التصرف.

ص: 217

جهة عدم الاعتناء بشأنها و عدم الاهتمام و الالتفات إلى مرمتها و عدم عزمه على إحيائها أما لعدم حاجته إليها أو لاشتغاله بتعمير غيرها فبقيت مهجورة مدة معتدا بها حتى آلت إلى الخراب، فإن كان سبب ملك المالك غير الإحياء مثل أنه ملكها بالإرث أو الشراء فليس لأحد وضع اليد عليها و إحيائها و التصرف فيها إلا بإذن مالكها (23)، و لو أحياها أحد و تصرف فيها و انتفع بها بزرع أو غيره فعليه أجرتها لمالكها (24)، و إن كان سبب ملكه الإحياء بأن كانت أرضا مواتا بالأصل فأحياها و ملكها ثمَّ بعد ذلك عطلها و ترك تعميرها حتى آلت إلى الخراب، فالظاهر أنه يجوز إحياؤها لغيره (25)، فلو أحياها غيره و عمرها كان الثاني أحق بها من الأول و ليس

______________________________

(23) بضرورة المذهب بل الدين و تدل عليه الأدلة الأربعة كما تقدم مكررا.

(24) هذا التصرف على أقسام ثلاثة:

الأول: أن يكون بإذنه في التصرف مع العوض.

الثاني: أن يكون بلا إذن منه أصلا.

الثالث: أن يكون بإذنه في التصرف مجانا و بلا عوض.

أما الأول فيجب عليه دفع العوض المسمى.

و أما الثاني فيجب عليه أجرة المثل و عوض ما فات عن المالك للإجماع و قاعدة «أن استيفاء مال الغير يوجب الضمان» و «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»، و تقدم في كتاب الغصب إن للمالك قلع غرسه و رفع يده لقوله صلّى اللّه عليه و آله:

«ليس لعرق ظالم حق» (1).

و أما الأخير فلا شي ء للمالك لإقدامه على المجانية و عدم العوض.

(25) البحث في هذه المسألة.

ص: 218


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الغصب الحديث: 1.

.....

______________________________

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الاخبار.

و ثالثة: بحسب الاعتبار.

و رابعة: بحسب كلمات فقهائنا الأخيار «قدس اللّه أنفاسهم».

أما الأول فمقتضى الأصل عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه كما تقدم مكررا، و نوقش فيه بوجهين:

الأول: أن حصول الملكية بالإحياء ما دامية لا دائمية فتزول أصل الملكية فلا موضوع لجريان الأصل حتى يجري و يترتب عليه عدم الجواز، و مقتضى المرتكزات العرفية أن تكون الملكية ما دامية أي: ما دامت الأرض تكون معرضا لانتفاع الناس منها فلا وجه لاسقاطها عن هذه المعرضية مع وجود المنتفع بها فعلا كما هو المفروض، فتكون نسبة الإحياء إليها نسبة وجود شخص في المشتركات (كالمسجد) في انه مع وجوده يكون الحق باقيا و مع الزوال و التعطيل يزول الحق لا محالة.

الثاني: العمومات الدالة بالسنة مختلفة على أن الأرض للإمام عليه السّلام خرج منها زمان الإحياء و بقاء علقة الحياة و الإحياء و بقي الباقي تحت العام لما ثبت في محله من أن العام المخصص بالتخصيص المردد بين الأقل و الأكثر يخصص بالأقل، و يكون المرجع في الباقي هو العموم فلا مورد للرجوع إلى الأصل.

و منه يظهر أنه لا وجه للتمسك بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «ليس لعرق ظالم حق» (1)، كما في الجواهر للشك في أنه المحيى فعلا ظالم أو لا فكيف يتمسك بالعام في موضوع لم يحرز.

و اما الثاني: أي البحث بحسب الأخبار فهي أقسام:

الأول: العمومات بالسنة شتى، و تقدم إن مقتضاها كونها للإمام عليه السّلام فيملكها كل من أحياها كما مر (2).

الثاني: صحيح ابن وهب عن الصادق عليه السّلام: «سمعته يقول: أيّما رجل أتى

ص: 219


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الغصب الحديث: 1.
2- تقدم في صفحة: 209- 217.

للأول انتزاعها من يده (26)، و إن كان الأحوط أنه لو رجع الأول إليه أعطي حقه إليه و لم يتصرف فيها إلا بإذنه (27).

______________________________

خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فإن عليه فيها الصدقة فإن كانت الأرض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخربها ثمَّ جاء بعد ذلك يطلبها فإن الأرض للّه و لمن عمرها» (1)، و ظهور ذيله في أنها للمعمر الفعلي مما لا ينكر.

الثالث: ما عنه عليه السّلام أيضا في صحيح سليمان بن خالد: «عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه؟ قال:

الصدقة، قلت: فإن كان يعرف صاحبها، قال: فليؤد إليه حقه» (2).

و فيه: ان المنساق من قوله «يعرف صاحبها» انه كان يتردد في الأرض و منعه عن القيام بعمارتها مانع لا أن تكون الأرض مهجورة من كل جهة، و الكلام في الثاني دون الأول.

و أما الثالث فقال في المسالك: «إن هذه الأرض أصلها مباح فإذا تركها حتى عادت إلى ما كانت عليه صارت مباحة كما لو أخذ من ماء دجلة ثمَّ رده إليها، و ان العلة في تملك هذه الأرض الإحياء و العمارة فإذا زالت العلة زال المعلول و هو فإذا أحياها الثاني فقد أوجد سبب الملك فيثبت الملك له».

و أما الأخير: فنسب ذلك إلى جمع بل نسبه المحقق الثاني إلى المشهور.

(26) لما تقدم من الأدلة الدالة على صيرورة الثاني مالكا لها فعلا فلا يجوز تصرف الأول فيها.

(27) خروجا عن خلاف جمع- منهم الشيخ و الشهيد و الحلي و غيرهم- و عمدة دليلهم استصحاب الملكية و عمومات ما دل على عدم جواز التصرف في ملك الغير.

و لا يجري الأول للشك في أصل الموضوع كما لا تجري الثانية لأنها من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و قد أثبت المحققون بطلان كل منهما

ص: 220


1- الوسائل باب: 3 من أبواب إحياء الموات الحديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب إحياء الموات الحديث: 1 و 3.

مسألة 4: كما يجوز إحياء القرى الدارسة و البلاد القديمة التي باد أهلها

(مسألة 4): كما يجوز إحياء القرى الدارسة و البلاد القديمة التي باد أهلها و صارت بلا مالك بجعلها مزرعا أو مسكنا أو غيرهما، كذا يجوز حيازة أجزائها الباقية من أحجارها و أخشابها و أجرها و غيرها و يملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملك (28).

مسألة 5: لو كانت الأرض موقوفة و طرأها الموتان و الخراب

(مسألة 5): لو كانت الأرض موقوفة و طرأها الموتان و الخراب فإن كانت من الموقوفات القديمة الدارسة التي لم يعلم كيفية وقفها و إنها خاص أو عام أو وقف على الجهات، و لم يعلم من الاستفاضة و الشهرة غير كونها وقفا على أقوام ماضين لم يبق منهم اسم و لا رسم أو قبيله لم يعرف منهم إلا الاسم فالظاهر انها من الأنفال (29)، فيجوز إحياؤها كما إذا كان الموات المسبوق بالملك على هذا الحال و إن علم أنها وقف على الجهات و لم تتعين- بأن علم انها وقف إما على مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غيرها، و لم يعلم بعينها أو علم أنها وقف على أشخاص لم يعرفهم بأشخاصهم أو أعيانهم، كما إذا علم أن مالكها قد وقفها على ذرية و لم يعلم من الواقف و من الذرية، فالظاهر أن ذلك بحكم الموات المجهول المالك (30)، الذي نسب إلى المشهور القول بأنه من الأنفال، و قد مر ما فيه

______________________________

فراجع كتابنا (تهذيب الأصول).

(28) كل ذلك لجريان حكم الكل على الجزء و الكلي على الاجزاء ما لم يكن دليل على الخلاف، و هو مفقود مضافا إلى عدم القول بالفصل.

(29) لأنها لا رب لها، و كل أرض لا ربّ لها تكون من الأنفال كما تقدم في بحث الأنفال و الخمس.

(30) لصدق المجهول المالك عليها في الجملة فتكون من أفراد ما نسب إلى المشهور.

ص: 221

من الإشكال (31)، بل القول به هنا أشكل (32)، فالأحوط القيام بإحيائها و تعميرها و التصرف فيها و الانتفاع بها بزرع أو غيره و إن يصرف أجرة مثلها في الأول في وجوه البر (33)، و في الثاني على الفقراء (34)، بل الأحوط خصوصا في الأول مراجعة حاكم الشرع (35)، و أما لو طرأ الموتان على الوقف الذي علم مصرفه أو الموقوف عليهم فلا ينبغي الإشكال في أنه لو أحياه أحد و عمره وجب عليه صرف منفعته في مصرفه المعلوم في الأول و دفعها و إيصالها

______________________________

(31) من الشك في انطباق العناوين المذكورة في موضوع الأنفال مثل «كل أرض لا رب لها» (1)، أو: «كل أرض ميتة لا رب لها» (2)، أو «ما كان من الأرضين باد أهلها»(3)، أو «كل أرض جلا أهلها» (4)، و كذا «ما كان من أرض خربة» (5)، إلى غير ذلك من العناوين و الشك في الموضوع يوجب الشك في الحكم لا محالة.

(32) لإمكان إعراض المالك الشخصي في الملك الشخصي فتصير مما لا رب لها بخلاف المقام الذي لا فرض للإعراض و لو فرض تحققه فلا أثر له.

(33) المراد بالأول ما إذا لم يعلم بأنها وقف عام أو خاص أو وقف على الجهات، و دليل الصرف في وجوه البر ما أرسلوه إرسال المسلمات من أنه الأصل في كل مال لم يعلم مصرفه و كيفية صرفه و أدعوا الإجماع عليه، و يشهد له ارتكازات المتشرعة أيضا كما تقدم مكررا.

(34) أي: ما إذا كان وقفا على الجهات و وجه الصرف على الفقراء لأنه من وجوه البر مع احتمال أن يكونوا هم الموقوف عليهم في الواقع.

(35) لاحتمال، اعتبار نظر الحاكم الشرعي في صرف مجهول المالك كما مر في كتاب الخمس، و وجه اختصاص الإذن احتمال كونه هو المتولي في

ص: 222


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال الحديث: 20 و 4 و 11 و 9 و 12.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال الحديث: 20 و 4 و 11 و 9 و 12.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال الحديث: 20 و 4 و 11 و 9 و 12.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال الحديث: 20 و 4 و 11 و 9 و 12.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال الحديث: 20 و 4 و 11 و 9 و 12.

إلى الموقوف عليهم المعلومين في الثاني (36)، و إن كان المتولي أو الموقوف عليهم تاركين إصلاحه و تعميره و مرمته إلى أن آل إلى الخراب (37).

مسألة 6: إذا كانت الموات بالأصل حريما لعامر مملوك لا يجوز لغير مالكه إحياؤه

(مسألة 6): إذا كانت الموات بالأصل حريما لعامر مملوك لا يجوز لغير مالكه إحياؤه و إن أحياه لم يملكه (38)، و توضيح ذلك: إن من أحيا مواتا لإحداث شي ء من دار أو بستان أو مزرع أو غيرهما يتبع ذلك الشي ء الذي أحدثه مقدار من الأرض الموات القريبة من ذلك الشي ء الحادث مما يحتاج إليها لتمام الانتفاع به و يتعلق بمصالحه عادة، و يسمى ذلك المقدار

______________________________

الواقع عند إنشاء الوقف.

(36) لمعلومية الموقوف عليهم في الثاني و المصرف في الأول فيجب الصرف و الدفع كما مر.

(37) لعدم خروج المال بذلك عن مورد الصرف و المصرف و عدم أثر لإعراضهم في صحة تملك غيرهم.

(38) للأصل و الإجماع و انه مورد حق الغير فلا يجوز التصرف فيه بغير إذنه، و تدل عليه النصوص أيضا منها مفهوم قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من أحيا مواتا في غير حق مسلم فهو له» (1).

و منها: صحيح أحمد بن عبد اللّه قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل تكون له الضيعة و تكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلا أو أقل أو أكثر يأتيه الرجل فيقول: أعطني من مراعي ضيعتك و أعطيك كذا و كذا درهما، فقال: إذا كانت الضيعة له فلا بأس» (2)، و نحوه خبر إدريس بن يزيد عن أبي الحسن عليه السّلام:

«قال سألته و قلت: جعلت فداك إن لنا ضياعا و لنا حدود و لنا الدواب و فيها مراعي و للرجل منا غنم و إبل و يحتاج إلى تلك المراعي لإبله و غنمه أ يحل له أن

ص: 223


1- سنن البيهقي ج 6: صفحة: 142 الحديث: 3 باب: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب إحياء الموات الحديث: 1.

التابع حريما لذلك المتبوع (39)، و يختلف مقدار الحريم زيادة و نقيصة باختلاف ذي الحريم (40)، و ذلك من جهة تفاوت الأشياء في المصالح و المرافق المحتاج إليها (41)، فما يحتاج إليه الدار من المرافق بحسب العادة غير ما يحتاج إليه البئر و النهر مثلا، و هكذا باقي الأشياء بل يختلف ذلك باختلاف البلاد و العادات أيضا (42)، فإذا أراد شخص إحياء حوالي ما له الحريم لا يجوز له إحياء مقدار الحريم بدون إذن المالك

______________________________

يحمي المراعي لحاجته إليها؟ فقال: إذا كانت الأرض أرضه فله أن يحمي، و يصير ذلك إلى ما يحتاج إليه، قلت له: الرجل يبيع المراعي، فقال: إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس» (1)، ففي مثل هذا الإحياء مضافا إلى الحرمة التكليفية، لأنه تصرف في مال الغير بدون إذنه لا يترتب عليه أثر وضعي أيضا و هو الملكية.

(39) الحريم عرفي عادي استقرت عليه السيرة من قديم الأزمان في جميع الأمكنة و الازمان قررهم الشارع على ذلك لكنه حدد الموضوع بحدود خاصة كما هو شأنه في جملة من الموضوعات، و يأتي التعرض لتلك الحدود في الفروع المستقبلة.

و سمي حريما لأنه يحرم منع صاحبه منه، أو لأنه يحرم على غيره التصرف فيه بغير إذنه، فحريم الشي ء ما حوله من حقوقه و مرافقه.

(40) إجماعا و وجدانا و نصا كما يأتي.

(41) و اختلاف ذلك محسوس لكل أحد من حيث السعة و الضيق و كثرة الواردين و الخارجين و قلّتهما و سائر الجهات التي لا تضبطها ضابطة كلية.

(42) و الأزمنة فرب بلد دورها لا حريم لها و رب بلد حريم دورها أوسع

ص: 224


1- الوسائل باب: 22 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث: 1.

و رضاه (43) إن أحياه لم يملكه و كان غاصبا (44).

مسألة 7: حريم الدار مطرح ترابها و كناستها و رمادها

(مسألة 7): حريم الدار مطرح ترابها و كناستها و رمادها و مصب مائها و مطرح ثلوجها و مسلك الدخول و الخروج منها في الصوب الذي يفتح إليه الباب (45)، فلو بنى دارا في أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حواليها، فليس لأحد أن يحيى هذا المقدار بدون رضا صاحب الدار (46)، و ليس المراد من استحقاق الممر في قبالة الباب استحقاقه على الاستقامة و على امتداد الموات بل المراد أن يبقى مسلك له يدخل و يخرج إلى الخارج بنفسه و عياله و أضيافه و ما تعلق به من دوابه و أحماله و أثقاله بدون مشقة بأي نحو كان (47)، فيجوز لغيره إحياء ما في قبالة الباب من الموات

______________________________

من دويرة غيرها، و هكذا في البستان و المزرعة و القرية و نحوها.

(43) لأنه تصرف فيما يتعلق بالغير و هو حرام بالأدلة الأربعة كما تقدم في كتاب الغصب فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(44) أما عدم الملك فلسبق حق الغير و هو مانع عن تحقق الملكية للمحيي، و أما العصيان فلتحقق الطغيان و العدوان.

(45) كل ذلك على المشهور بين الفقهاء و تقتضيه السيرة بين الناس قديما و حديثا و لآية نفي الحرج (1)، و حديث نفي الضرر (2)، و لا نص على التحديد بالخصوص في المقام و يمكن أن يستفاد ذلك في الجملة مما ورد في غير المقام (3)

(46) لأنه لا معنى لحق الحريم إلا ذلك.

(47) للأصل و زوال الحرج و الضرر بكل نحو كان و عدم دليل مخصوص

ص: 225


1- سورة الحج: 78.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات.
3- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب إحياء الموات.

إذا بقي له الممر و لو بانعطاف و انحراف (48).

و حريم الحائط لو لم يكن جزء من الدار- بأن كان مثلا جدار حصار أو بستان أو غير ذلك- مقدار ما يحتاج إليه لطرح التراب و الآلات و بلّ الطين لو انتقض و احتاج إلى البناء و الترميم (49).

و حريم النهر مقدار مطرح طينه و ترابه إذا احتاج إلى التنقية و المجاز على حافتيه للمواظبة عليه و لإصلاحه على قدر ما يحتاج إليه (50).

و حريم البئر ما يحتاج إليه لأجل السقي منها و الانتفاع بها من الموضع الذي يقف فيه النازح إن كان الاستقاء منها باليد و موضع الدولاب و متردد البهيمة إن كان الاستقاء بهما و مصب الماء و الموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية أو الزرع من حوض و نحوه، و الموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منها من الطين و غيره لو اتفق الاحتياج إليه (51).

و حريم العين ما يحتاج إليه لأجل الانتفاع بها أو إصلاحها و حفظها على قياس غيرها (52).

______________________________

على تعيين نحو خاص.

(48) للأصل بعد عدم الإضرار و الحرج بالنسبة إلى الغير كما هو المفروض.

(49) لظهور الإجماع و السيرة خلفا عن سلف.

(50) للإجماع و السيرة و قوله عليه السّلام في خبر إبراهيم بن هاشم: «حريم النهر حافتاه و ما يليهما» (1).

(51) للإجماع في الجملة و السيرة المستمرة في جميع الأزمنة و الأمكنة.

(52) لظهور الإجماع و السيرة و الاعتبار.

ص: 226


1- الوسائل باب: 11 من أبواب إحياء الموات الحديث: 4.

مسألة 8: لكل من البئر و العين و القناة أعني بئرها الأخيرة

(مسألة 8): لكل من البئر و العين و القناة أعني بئرها الأخيرة التي هي منبع الماء و يقال لها بئر العين و أم الابار- حريم آخر (53)، بمعنى آخر، و هو المقدار الذي ليس لأحد أن يحدث بئرا أو قناة أخرى فيما دون ذلك المقدار بدون إذن صاحبهما، و هو في البئر أربعون ذراعا إذا كان حفرها لأجل استقاء الماشية من الإبل و نحوها منها (54)، و ستّون ذراعا إذا كان لأجل الزرع و غيرها (55)، فلو أحدث شخص بئرا في موات من الأرض لم يكن لشخص آخر إحداث بئرا أخرى في جنبها بدون إذنه بل ما لم يكن الفصل بينهما أربعين ذراعا أو ستين فما زاد على ما فصل (56).

و في العين و القناة خمسمائة ذراع في الأرض الصلبة و ألف ذراع في الأرض الرخوة (57)، فإذا استنبط إنسان عينا أو قناة في أرض موات صلبة

______________________________

(53) لما يأتي من النص، و للإجماع و شهادة أهل الخبرة بهذه الأمور.

(54) للإجماع و لجملة من الأخبار منها قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، و ما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا، و ما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع» (1)، و إطلاقه لا بد و أن يحمل على ما قلناه بقرينة فهم المشهور و قرينة المتعارف في الخارج.

و المعطن البئر التي يستقى منها لشرب الإبل كما أن الناضح البئر الذي يستقى عليه الزرع و غيره، و في بعض الأخبار التحديد بغير ذلك (2)، و هو محمول أو مطروح.

(55) لما تقدم في قول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و للإجماع و يشهد له الاعتبار أيضا.

(56) لظاهر النص و الإجماع من هذه الجهة لا من سائر الجهات.

(57) إجماعا و نصا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر عقبة بن خالد: «يكون بين

ص: 227


1- الوسائل باب: 11 من أبواب إحياء الموات الحديث: 5 و 8.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب إحياء الموات الحديث: 5 و 8.

و أراد غيره حفر أخرى تباعد عنه بخمسمائة ذراع، و إن كانت رخوة تباعد بألف ذراع، و لو فرض أن الثانية تضر بالأولى و تنقص ماءها مع البعد المزبور فالأحوط لو لم يكن الأقوى زيادة البعد بما يندفع به الضرر أو التراضي مع صاحب الأولى (58).

مسألة 9: اعتبار البعد المزبور في القناة إنما هو في أحداث قناة أخرى

(مسألة 9): اعتبار البعد المزبور في القناة إنما هو في أحداث قناة أخرى كما أشرنا إليه آنفا- و أما إحياء الموات الذي في حواليها لزرع أو بناء أو غيرهما فلا مانع منه (59)، إذا بقي من جوانبها مقدار ما تحتاج للنزح أو الاستقاء أو الإصلاح و التنقية و غيرهما مما ذكر في مطلق البئر (60)، بل لا مانع من إحياء الموات الذي فوق الآبار و ما بينها إذا أبقى من أطراف حلقها مقدار ما يحتاج إليه لصالحها فليس لصاحب القناة المنع

______________________________

البئرين إذا كانت أرضا صلبة خمسمائة ذراع، و إن كانت أرضا رخوة فألف ذراع» (1)، و به يقيد غيره من المطلقات كقوله عليه السّلام: «يكون ما بين العينين ألف ذراع» (2)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «ما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع» (3)، و غيرهما من الأخبار.

(58) لأن الظاهر أن التحديد المذكور من باب الغالب و ما يندفع به الضرر لا العلة التامة المنحصرة على أي تقدير، و على هذا لو حكم ثقات أهل الخبرة بعدم الضرر أو التضرر في حفر البئر فيما دون الحد الشرعي لكان جائزا و إن كان خلاف الاحتياط إلا بالتراضي.

(59) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق و السيرة.

(60) لأنها حق الغير و لا يجوز التصرف في حق الغير إلا بإذنه بالضرورة.

ص: 228


1- الوسائل باب: 11 من أبواب إحياء الموات الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب إحياء الموات الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب إحياء الموات الحديث: 6.

عن الإحياء للزرع و غيره فوقها إذا لم يضر بها (61).

مسألة 10: الظاهر أن التباعد المزبور في القناة إنما يلاحظ بالنسبة إلى البئر

(مسألة 10): الظاهر أن التباعد المزبور في القناة إنما يلاحظ بالنسبة إلى البئر التي هي منبع الماء المسماة بأم الآبار فلا يجوز لأحد أن يحدث قناة أخرى يكون منبعها بعيدا عن منبع الأخرى بأقل من خمسمائة أو ألف ذراع، و أما الآبار الأخر التي هي مجرى الماء فلا يراعى الفصل المذكور بينها (62)، فلو أحدث الثاني قناة في أرض صلبة و كان منبعها بعيدا عن منبع الأولى بخمسمائة ذراع ثمَّ تقارب في الآبار الأخر التي هي مجرى الماء إلى الآبار الأخر للأخرى إلى أن صار بينها و بينها عشرة أذرع مثلا لم يكن لصاحب الأولى منعه (63).

نعم، لو فرض أن قرب تلك الآبار أضر بتلك الآبار من جهة جذبها للماء الجاري فيها أو من جهة أخرى تباعد بما يندفع به الضرر (64).

مسألة 11: القرية المبنيّة في الموات لها حريم ليس لأحد إحياؤه

(مسألة 11): القرية المبنيّة في الموات لها حريم ليس لأحد إحياؤه، و لو أحياه لم يملكه و هو ما يتعلق بمصالحها و مصالح أهليها من طرقها المسلوكة منها و إليها و مسيل مائها و مجمع ترابها و كناستها و مطرح سمادها و رمادها و شرعها، و مجمع أهاليها لمصالحهم على حسب مجرى عاداتهم

______________________________

(61) أما الجواز فللأصل و الإطلاقات و ظهور الإجماع.

و أما عدم الجواز في صورة الضرر فلقاعدة نفي الضرر و الضرار.

(62) لأصالة الإباحة و إطلاق أدلة الإحياء بعد كون القيد منفصلا و مرددا بين الأقل و الأكثر فيقيّد بالأقل و يرجع في الأكثر إلى الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(63) لأن الثاني وقع عن أهله و في محله فليس لغيره سبيل عليه.

(64) لقاعدة نفي الضرر و الضرار المعروفة بين الفريقين و المعمول بها بين المسلمين.

ص: 229

و مدفن موتاهم و مرعى ماشيتهم و محتطبهم و غير ذلك (65)، و المراد بالقرية البيوت و المساكن المجتمعة المسكونة (66)، فلم يثبت هذا الحريم للضيعة و المزرعة ذات المزارع و البساتين المتصلة الخالية من البيوت و المساكن و السكنة (67)، فلو أحدث شخص قناة في فلاة و أحيا أرضا بسيطة بمقدار ما يكفيه ماء القناة و زرع فيها و غرس فيها النخيل و الأشجار لم يكن الموات المجاور لتلك المحياة حريما لها فضلا عن التلال و الجبال القريبة منها (68)، بل لو أحدث بعد ذلك في تلك المحياة دورا و مساكن حتى صارت قرية كبيرة يشكل ثبوت الحريم لها (69)، فالقدر المتيقن من

______________________________

(65) أما ثبوت الحريم لكل قرية فهو من الضروريات عند أهل القرى فضلا عن البلدان بل يعرفه أهل البدو و المعدان، فلا تصل النوبة إلى نظر فقهائنا الأعيان.

و أما تحديد الحريم بما ذكر فهو أيضا كذلك عند أهل كل قرية في مشارق الأرض و مغاربها، و يختلف ذلك اختلافا كثيرا حسب خصوصيات أهالي القرى و سائر الجهات، فرب قرية كثيرة الأهل لا تبلغ مطرح كثافاتها مترا و رب قرية قليلة الأهل تبلغ مطرح كثافاتها عشرات الامتار و هذه سنة اللّه تعالى التي قد جرت في عباده.

(66) المرجع فيها هو العرف فكلما تسمى قرية يشمله الحكم.

و سميت قرية لاجتماع الناس فيها و يشمل هذا الحكم البلد أيضا.

(67) لأصالة الإباحة و إطلاق أدلة الحيازة و ظهور الإجماع.

(68) لأصالة الإباحة بالنسبة إلى غيره و إطلاق أدلة الحيازة كذلك مضافا إلى استنكار العرف بثبوت الحريم لمثله.

(69) لأصالة عدم تحقق هذا الحق إلا بنص صريح أو إجماع صحيح و هما مفقودان.

ص: 230

ثبوت الحريم للقرية فيما إذا أحدثت في أرض موات (70).

نعم للمزرعة بنفسها أيضا حريم و هو ما تحتاج إليه في مصالحها، و يكون من مرافقها من مسالك الدخول و الخروج و محل بيادرها و حظائرها و مجتمع سمادها و ترابها و غيرها (71).

مسألة 12: حدّ المرعى الذي هو حريم للقرية و محتطبها مقدار حاجة أهاليها بحسب العادة

(مسألة 12): حدّ المرعى الذي هو حريم للقرية و محتطبها مقدار حاجة أهاليها بحسب العادة بحيث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا في الضيق و الحرج (72)، و يختلف ذلك بكثرة الأهالي و قلّتهم و كثرة المواشي و الدواب و قلّتها، و بذلك يتفاوت المقدار سعة و ضيقا طولا و عرضا (73).

مسألة 13: إذا كان موات بقرب العامر و لم يكن من حريمه و مرافقه جاز لكل أحد إحياؤه

(مسألة 13): إذا كان موات بقرب العامر و لم يكن من حريمه و مرافقه جاز لكل أحد إحياؤه (74)، و لم يختص بمالك ذلك العامر و لا أولوية له (75)، فإذا طلع شاطئ من الشط بقرب أرض محياة أو بستان مثلا كان

______________________________

(70) لأنها المنساق من الأدلة و مورد إجماع الأجلة و في غيره يرجع إلى أصالة عدم الحدوث.

(71) للسيرة المستمرة خلفا عن سلف في جميع الأزمنة و الأمكنة.

(72) لقاعدة نفي الحرج و الضرر و للسيرة.

(73) لأنه لا تحديد لذلك شرعا و إنما الحد هو مقدار الحاجة و الخروج عن الضيق و الحرج.

(74) للإطلاق و الاتفاق، و لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله اقطع بلال بن الحارث العقيق الذي كان قريب عمارة المدينة (1).

(75) لأصالة عدم الأولوية مضافا إلى الإجماع إلا إذا عد من حريم

ص: 231


1- سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 149.

كسائر الموات، فمن سبق إلى إحيائه و حيازته كان له و ليس لصاحب الأرض أو البستان منعه (76).

مسألة 14: لا إشكال في أن حريم القناة المقدر بخمسمائة ذراع

(مسألة 14): لا إشكال في أن حريم القناة المقدر بخمسمائة ذراع أو ألف ذراع ليس ملكا لصاحب القناة و لا متعلقا لحقه (77)، المانع عن سائر تصرفات غيره بدون إذنه، بل ليس له إلا حق المنع عن إحداث قناة أخرى كما مر، و الظاهر أن حريم القرية أيضا ليس ملكا لسكانها و أهليها بل إنما لهم حق الأولوية (78)، و أما حريم النهر و الدار فالظاهر أنه ملك لصاحب ذي الحريم (79)، فيجوز له بيعه منفردا كسائر الأملاك.

مسألة 15: ما مرّ من الحريم لبعض الاملاك إنما هو فيما إذا ابتكرت في أرض الموات

(مسألة 15): ما مرّ من الحريم لبعض الاملاك إنما هو فيما إذا ابتكرت في أرض الموات (80)، و أما في الأملاك المتجاورة فلا حريم لها (81)،

______________________________

العامر و مرافقه.

(76) لأصالة عدم حق له على ذلك بعد عدم كون الموضوع له.

(77) أما ثبوت حق منع إحداث قناة أخرى فيه فمعلوم، و ثبوت الملكية و مطلق الحق مشكوك فيرجع فيه إلى الأصل، بل الظاهر أنه معلوم العدم للإجماع فلا تصل النوبة إلى الشك.

(78) لأنه معلوم و ثبوت غيره مشكوك فيرجع فيه إلى الأصل.

(79) لجريان سيرة الناس على ترتب أثر الملك عليهما في النقل و الانتقال الوارد على ذي الحريم فيكون ذلك من الملك التبعي إلا إذا دلت قرينة معتبرة على الخلاف.

(80) لظواهر النصوص (1)، مضافا إلى الإجماع.

(81) للأصل و الإجماع و قاعدة السلطنة.

ص: 232


1- الوسائل باب: 11 من أبواب إحياء الموات الحديث: 9.

فلو أحدث المالكان المجاوران حائطا في البين لم يكن له حريم من الجانبين، و لو أحدث أحدهما في آخر حدود ملكه حائطا أو نهرا لم يكن لهما حريم في ملك الآخر، و كذا لو حفر أحدهما قناة في ملكه كان للآخر إحداث قناة أخرى في ملكه و إن لم يكن بينهما الحد (82).

مسألة 16: ذكر جماعة أنه يجوز لكل من المالكين المتجاورين التصرف في ملكه بما شاء

(مسألة 16): ذكر جماعة أنه يجوز لكل من المالكين المتجاورين التصرف في ملكه بما شاء و حيث شاء و إن استلزم ضررا على الجار (83).

______________________________

(82) كل ذلك لقاعدة السلطنة التي هي من أجل القواعد النظامية و الشرعية.

(83) دليل الجماعة قاعدة «الناس مسلطون على أموالهم» بدعوى شمولها لكل تصرف و لو تضرر به الجار مطلقا، و حيث أن هذه القاعدة من القواعد العرفية العقلائية المقررة شرعا لا بد في فهم مقدار دلالتها من الرجوع إلى أذهان متعارف الناس في مقابل قاعدة «لا ضرر و لا ضرار»، و هي أيضا من القواعد العقلائية المقررة شرعا بل المستفيضة بين الفريقين- كما سيأتي- و كلتا القاعدتان من القواعد الامتنانية النوعية فلا بد من ذكر الأقسام و بيان ما هو محل البحث و الكلام.

الأول: أن يكون تصرف المالك في ملكه علة تامة منحصرة توليدية لإضرار الجار مع قصده لذلك و التفاته إليه و إمكان تصرفه في غير ذلك المحل بما هو أنفع و أحسن بلا مشقة فيه عليه، و الظاهر حرمته و عدم كونه مورد حكمهم بالجواز لقاعدة نفي الضرر بعد الشك في شمول قاعدة السلطنة لمثل الفرض.

الثاني: الصورة المتقدمة بعينها مع كون المحل الآخر مساويا في النفع في غرض المالك مع أن المحل الذي يتصرف فيه يتضرر به الجار أيضا و حكمه كالأول لعين ما مر من غير فرق.

ص: 233

لكنه مشكل على إطلاقه (84)، بل الحق عدم جواز ما يكون سببا لعروض فساد في ملك الجار (85)، كما إذا دق دقا عنيفا انزعج منه حيطان داره بما أوجب خللا فيها أو حبس الماء في ملكه بحيث تنشر منه النداوة

______________________________

الثالث: ما إذا لم يقصد الإضرار و لم يتعمد ذلك و لكن يترتب عليه ذلك قهرا، و قد جرت العادة على النحو من التصرفات و التضررات و تحمل الناس لها و مقتضى قاعدة السلطنة بعد عدم استنكار العرف لذلك و تحملهم لمثل هذه التضررات هو الجواز.

الرابع: عين هذا القسم بعينه مع استنكار العرف له، و الظاهر جريان قاعدة نفي الضرر و الضرار حينئذ لمساعدة الأذهان العرفية على جريانها فيه فتكون قاعدة السلطنة محكومة بها حينئذ.

الخامس: الشك في أنه من أي القسمين الأخيرين و مقتضى جريان قاعدة السلطنة الصحة حينئذ بعد عدم إحراز الضرر و الإضرار، و هناك أقسام أخرى لم نتعرض لها خوف الإطالة و لعله تجي ء إلى بعضها الإشارة.

(84) لأنه لا يرضى بهذا الإطلاق ذوو المروة من العقلاء فضلا عن أعاظم الفقهاء، فكيف يصح أن ينسب إلى الشرع الذي ورد في مراعاة الجار ما ورد و في حديث سمرة بن جندب المنقول عن الفريقين (1)، غنى و كفاية لبطلان إطلاق هذا القول مع كونه خلاف ذوق الأئمة عليهم السّلام لكثرة ما ورد في الشريعة المقدسة في التأكيد على حق الجار حتى قال العبد الصالح عليه السّلام: «ليس حسن الجوار كف الأذى عن الجار و لكن حسن الجوار صبرك على الأذى» (2)، و مثل هذه الأخبار كثيرة و معها كيف يجترئ أحد أن يعتني بما قيل أو يقال.

(85) لأنه إتلاف لملك الغير بالتسبيب بل المباشرة، و تقدم في كتاب

ص: 234


1- كنز العمال ج: 3 صفحة: 529.
2- الوسائل باب: 85 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 2.

.....

______________________________

الغصب حرمة كل منهما، و قاعدة السلطنة محكومة بحديث نفي الضرر و الضرار المعروف بين الفريقين (1)، بل مورده يكون ذلك و حيث جرى ذكر الحديث الشريف فلا بأس بالإشارة الإجمالية إلى بعض ما يتعلق به- كما ذكر ما يتعلق به في كتابنا (تهذيب الأصول)- و الكلام فيه من جهات:

الأولى: لا وجه للبحث عن سنده بعد اعتماد أئمة الهدى عليهم السّلام به و بناء فقه المسلمين عليه في موارد كثيرة من عصر البعثة، بل القاعدة من القواعد النظامية العقلائية يكفي فيها عدم ثبوت الردع و قد ورد التقرير في موارد كثيرة.

الثانية: هذه القاعدة «لا ضرر و لا ضرار» مقدمة على الأدلة الأولية لأنها من القواعد الثانوية الامتنانية سواء كان وجه التقديم التخصيص أو الحكومة أو الورود، و لا ثمرة عملية بل و لا علمية معتنى بها في أن وجه التقديم تخصيص أو حكومة أو ورود و إن أطيل الكلام، و إنما هي اصطلاحات حدثت بعد الشيخ الأنصاري و إنما زاد بعض مشايخنا الحكومة الظاهرية و الواقعية، و قد جعل الزمان جملة من هذه الاصطلاحات في معرض الاندراس و الاضمحلال، فكم من معالم ظهرت ثمَّ اندرست و كم من آثار سادت ثمَّ بادت، و كيف كان فقد ذكرنا الفرق بينهما في (تهذيب الأصول) من شاء فليرجع إليه.

الثالثة: مع إنها من القواعد الثانوية المقدمة على الأدلة الأولية قد يقدم عليها بعض الأوليات، بل بعض القواعد الأخرى الثانوية لصرورة أو نص أو إجماع أو غيرها من القرائن المعتبرة و منها قاعدة السلطنة في بعض الموارد كما سيأتي.

الرابعة: التكاليف المجعولة في موردها المال و القصاص و الكلفة

ص: 235


1- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات و في سنن البيهقي باب: 21 من أبواب إحياء الموات ج: 6 صفحة: 157.

.....

______________________________

و نحوها خارجة تخصصا عن مورد قاعدة نفي الضرر، لأنها أوليات يخيل الضرر و ليس فيها ضرر بعد ملاحظة المصالح الكثيرة المترتبة عليها فلا ضرر إذا لوحظت في النظام النوعي، و لذا قال تعالى وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (1).

و قاعدة نفي الضرر إنما تنفي الإضرار الشخصية التي يتضرر الناس بها بعضهم بعضا.

و بالجملة: ما جعله الخالق على الناس يكون إطلاق الضرر عليه من سوء الأدب، و على فرض الإطلاق فهو إطلاق صوري لا أن يكون حقيقيا إذا قيس إلى النظام الأحسن فإنه حينئذ عين النفع لا الضرر.

الخامسة: نفي الضرر إما تكويني حقيقي أو تعبدي شرعي أو يكون من نفي الحكم بلحاظ نفي الموضوع، و الأول خلاف الوجدان و الأخيران يرجع في الواقع أحدهما إلى الآخر، و الظاهر أن الزائد على هذا المقدار من لزوم ما لا يلزم مع ضيق المجال و عدم مساعدة الحال.

السادسة: يظهر من جمع من الفقهاء ان مفاد قاعدة «نفي الضرر و الحرج» هو نفي الحكم لا إثبات حكم آخر فلا تدل القاعدة على ذلك.

و فيه: أنه صحيح إن أريد بذلك المفاد المطابقي الأولي الذي هو من المداليل المطابقية للفظ.

و أما إن أريد بذلك نفي مطلقه حتى بالمداليل الالتزامية المعتبرة فظاهر الحديث أجنبي عن ذلك، و هي المستفاد منه بحسب الأذهان العرفية مثلا نفي الضرر عن مورد يستلزم الترخيص في تركه أو وجوب تركه بحسب المقامات، و في حديث سمرة المتقدم الذي هو مورد تشريع القاعدة يستلزم جواز تصرف الأنصاري في ماله و حرمة تصرف سمرة فيه.

ص: 236


1- سورة البقرة: 179، و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 2 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.

في حائطه أو أحدث بالوعة أو كنيفا بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها، بل و كذا لو حفر بئرا قرب بئره إذا أوجب نقص مائها و كان ذلك من جهة جذب الثانية ماء الأولى (86)، و أما إذا كان من جهة ان الثانية لكونها أعمق و وقوعها في سمت مجرى المياه ينحدر فيها الماء من عروق الأرض قبل أن يصل إلى الأولى، فالظاهر أنه لا مانع منه (87)، و المائز بين الصورتين أولوا الحدس الصائب من أهل الخبرة (88)، و كذا لا مانع من إطالة البناء و إن كان مانعا من الشمس و القمر أو الهواء أو جعل داره مدبغة أو مخبزة مثلا و إن تأذى الجار من الريح و الدخان إذا لم يكن بقصد الإيذاء، و كذا احداث ثقبة في جداره إلى دار جاره موجبة للإشراف أو لانجذاب الهواء فإن المحرم هو التطلع على دار الجار (89)،

______________________________

(86) لأن المناط في ذلك كله نظر الشرع بل ذوو المروءات من أهل العقل في ملاحظاتهم للأمور النوعية و عدم اقتصارهم على مصالح أنفسهم و لو أضر بغيرهم، فالمسألة وجدانية لا أن تكون تعبدية شرعية.

(87) لإطلاق أدلة حيازة المباحات الشامل للفرض أيضا (1)، و جريان السيرة على تفاوت أعماق الآبار في كثرة العمق و قلته و لو كانت متقاربة هذا إذا لم يكن بقصد الظلم على الغير و إلا فيشكل.

(88) لأنهم المرجع في تعيين الموضوعات التي لم يحدها الشارع بحد معين في جميع الموارد.

(89) الأقسام أربعة:

الأول: ما إذا كان نفس التصرف من حيث هو إيذاء قصد به الإيذاء أو لم يقصد ذلك به، و لكنه كان قاصدا للتصرف الكذائي مطلقا و يترتب عليه الإيذاء

ص: 237


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات.

لا مجرد ثقب الجدار (90).

مسألة 17: لا يخفى أن أمر الجار شديد و حث الشرع الأقدس على رعايته أكيد

(مسألة 17): لا يخفى أن أمر الجار شديد و حث الشرع الأقدس على رعايته أكيد و الأخبار في وجوب كف الأذى عن الجار، و في الحث على حسن الجوار كثيرة لا تحصى فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: «ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، و في حديث آخر أنه صلّى اللّه عليه و آله أمر عليا عليه السّلام و سلمان و أبا ذر قال الراوي و نسيت آخر و أظنه المقداد أن ينادوا في المسجد بأعلى صوتهم بأنه: «لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه فنادوا بها ثلاثا»، و في الكافي عن الصادق عليه السّلام عن أبيه قال: «قرأت في كتاب علي عليه السّلام إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كتب بين المهاجرين و الأنصار و من لحق بهم من

______________________________

ترتب المسببات التوليدية على أسبابها مع عدم الضرورة و الاضطرار و الظاهر أن العقلاء لا يتأملون في قبحه و استنكاره و المتشرعة لا يتأملون في حرمته لأن الشارع لا يرى له هذه السلطنة في هذه الصورة.

الثاني: نفس الصورة السابقة مع تحقق الاضطرار و الضرورة و الحكم هو ملاحظة أقوى الضررين ثمَّ التصالح و التراضي في البين.

الثالث: قصده الإيذاء مع إمكان رفع حاجته بغير ذلك، و العاقل بما هو عاقل لا يرضى بالجواز حينئذ فضلا عن الشارع الذي هو رأس العقلاء و رئيسهم.

الرابع: عدم قصد الإيذاء أبدا بوجه، و لكنه يترتب على التصرف في ملكه قهرا فيكون ترتب الإيذاء من باب الوصف بحال المتعلق لا من باب الوصف بحال الذات، و مقتضى قاعدة السلطنة و إطلاق الأدلة و السيرة الجواز حينئذ و ما ذكر في المتن من الأمثلة التي حكم فيها بالجواز من هذا القبيل.

(90) للأصل و قاعدة السلطنة ما لم يترتب عليه عنوان ثانوي آخر كما عرفت آنفا.

ص: 238

أهل يثرب إن الجار كالنفس غير مضار و لا آثم و حرمة الجار كحرمة أمه» و روى الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السّلام عن علي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

«قال من أذى جاره حرّم اللّه عليه ريح الجنة و مأواه جهنم و بئس المصير، و من ضيّع جاره فليس مني»، و عن الرضا عليه السّلام: «ليس منا من لم يأمن جاره بوائقه»، و عن الصادق عليه السّلام أنه قال: «و البيت غاص بأهله اعلموا أنه ليس منا من لم يحسن مجاورة من جاوره» (91)، و عنه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «حسن الجوار يعمّر الديار و ينسي في الأعمار»، فاللازم على كل من يؤمن باللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و اليوم الآخر الاجتناب عن كل ما يؤذي الجار و إن لم يكن مما يوجب فسادا أو ضررا في ملكه إلا أن يكون في تركه ضررا فاحشا على نفسه (92) و لا ريب ان مثل ثقب الجار الموجب للإشراف على دار الجار إيذاء عليه و أي إيذاء، و كذا إحداث ما يتأذى من ريحه أو دخانه أو صوته أو ما يمنع عن وصول الهواء إليه أو عن إشراق الشمس عليه و غير ذلك.

مسألة 18: يشترط في التملك بالإحياء أن لا يسبق إليه سابق

(مسألة 18): يشترط في التملك بالإحياء (93)، أن لا يسبق إليه سابق

______________________________

(91) و قد فسر حسن الجوار في بعض الأخبار بتحمل أذية الجار لا بدفع الأذية عنه (1).

(92) فيجوز التصرف حينئذ لقاعدتي السلطنة و نفي الضرر و دعوى الإجماع.

(93) المعروف اعتبار أمور خمسة:

الأول: أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير.

الثاني: أن لا يكون مما أقطعه الإمام الأصل و لو كان خاليا عن التحجير

ص: 239


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام العشرة.

بالتحجير فإن التحجير يفيد أولويّة للمحجّر فهو أولى بالإحياء و التملك من غيره فله منعه (94)، و لو أحياه قهرا على المحجّر لم يملكه (95)، و المراد

______________________________

و يمكن الاستغناء عنه بذكر الشرط الأول لأن الإقطاع تمليك و الإمام عليه السّلام مالك للأرض، فإذا كان التحجير مانعا عن الإحياء يكون الإقطاع مانعا عنه بالأولى، مع أنه لا ثمرة له في زمان الغيبة إلا إذا ثبتت الولاية العامة للفقيه الجامع للشرائط حتى في الاقطاعات و فيه بحث.

الثالث: أن لا تكون مشعرا عباديا كعرفة و مزدلفة و منى و نحوها و جعله من الشروط مشكل لأنها صارت مورد حق اللّه تعالى و حق الناس، فخرجت عن الإباحة الأصلية فكيف تتعلق بها الحيازة و هما متباينان موضوعا و حكما.

الرابع: أن لا يكون حريما لعامر.

الخامس: أن لا يكون عليه يد مالك محترم.

ذكر هذه الشروط جمع منهم المحقق في الشرائع و يمكن إرجاع بعضها إلى بعض، و يأتي التفصيل إن شاء تعالى.

(94) للإجماع و مفهوم قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له» (1)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أحاط حائطا على أرض فهي له» (2)، المعمول بهما عند الفريقين، و كذا قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لم يسبقه إليه أحد» (3)، و قول أبي جعفر عليه السّلام: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمّروها فهم أحق بها» (4).

(95) للأصل و الإجماع و سياق ما مر من الأدلة، و لا فرق فيه بين القول

ص: 240


1- سنن البيهقي ج: 6 باب: 1 من إحياء الموات صفحة: 142.
2- سنن البيهقي باب: 8 من أبواب إحياء الموات صفحة: 148.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب إحياء الموات.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات الحديث: 3.

بالتحجير أن يحدث ما يدل على إرادة الإحياء (96)، كوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب و نحو ذلك في أطرافه و جوانبه أو يشرع في إحياء ما يريد إحياءه، كما إذا حفر بئرا من آبار القناة الدارسة التي يريد إحياءها فإنه تحجير بالنسبة إلى سائر آبار القناة (97)، بل و بالنسبة إلى أراضي الموات التي تسقى بمائها بعد جريانه (98)، فليس لأحد إحياء تلك القناة و لا إحياء تلك الأراضي و كما إذا أراد إحياء أجمة فيها الماء و القصب فعمد إلى قطع مائها فقط فهو تحجير لها فليس لأحد

______________________________

بحصول الملك في مورد التحجير أو بحصول مجرد الحق فقط.

(96) مادة الحجر في جميع هيئاته تدل على المنع فيكون التحجير في المقام مانعا عن مداخلة الغير و علامة لسبق الحق، فيكون من مقدمات الإحياء لا أن يكون نفسه.

(97) التحجير ليس من الموضوعات التعبدية و لا من العرفيات المحدودة بحد خاص و قيد معين، بل يختلف حسب اختلاف الأزمنة و الأمكنة و العادات اختلافا كثيرا، و الجامع كون الشي ء أمارة عرفية على استيلاء المحجر (بالكسر) و المنع عن تدخل الغير و هو من الامارات المعتبرة عند الناس جميعا، و أقرهم الشرع عليه و ليس ما يحصل به التحجير محدودا بعصر خاص بل يحصل في كل زمان عرفا سواء كان مثل القديم أو لم يكن، و الأقسام ثلاثة:

فتارة: يعلم أنه علامة الحجر.

و أخرى: يعلم بعدم كونه كذلك.

و ثالثة: نشك فيه، و في الأول لا يجوز الإحياء بخلاف الأخيرين و الحكم معلوم و الأمثلة واضحة.

(98) لفرض تحقق التسبيب إلى إجراء الماء و هو تحجير بالنسبة إلى ما يسقيه عرفا.

ص: 241

إحياءها بقطع قصبها (99).

مسألة 19: لا بد من أن يكون التحجير مضافا إلى دلالته على أصل الإحياء دالا على مقدار ما يريد إحياءه

(مسألة 19): لا بد من أن يكون التحجير مضافا إلى دلالته على أصل الإحياء دالا على مقدار ما يريد إحياءه، فلو كان ذلك بوضع الأحجار أو جمع التراب أو غرز الخشب أو القصب مثلا لا بد أن يكون ذلك في جميع الجوانب (100)، حتى يدل على أن جميع ما أحاطت به العلامة يريد إحياءه.

نعم، في مثل إحياء القناة البائرة يكفي الشروع في حفر إحدى آبارها كما أشرنا إليه آنفا فإنه دليل بحسب العرف في كونه بصدد إحياء جميع القناة، بل الأراضي المتعلقة بها أيضا (101)، فإذا حفر بئرا في أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة يمكن أن يقال أنه يكون تحجيرا بالنسبة إلى أصل القناة و إلى الأراضي الموات التي تسقى بمائها بعد تمامها و جريان مائها، فليس لأحد إحياء تلك الجوانب حتى يتم القناة و يعيّن ما تحتاج إليه من الأراضي (102).

نعم، الأرض الموات التي ليست من حريم القناة و مما علم أنه لا

______________________________

(99) لصيرورة الأجمة حينئذ مورد حق من حجّرها بقطع الماء.

(100) لأن المتعارف في التحجير مطلقا- قديما و حديثا- تحديد الجهات و الحدود مطلقا شرقية غربية جنوبية و شمالية إما بالمطابقة أو بالملازمة و الشرع منزل على ذلك أيضا.

(101) لأنه لو لم يكن كذلك يكون تحجيره من اللغو الباطل الذي لا يقدم عليه العاقل، و تدل عليه السيرة و ظهور الإجماع.

نعم، إذا كانت في البين قرينة معتبرة على الخلاف تتبع القرينة لا محالة.

(102) تعيين الأراضي. تارة: يكون بالتفصيل.

و أخرى: يكون بالملازمة العرفية كما إذا كانت في البين عادة جارية على

ص: 242

يصل إليها ماؤها بعد جريانه لا بأس بإحيائها (103).

مسألة 20: التحجير كما أشرنا إليه يفيد حق الأولوية و لا يفيد الملكية

(مسألة 20): التحجير كما أشرنا إليه يفيد حق الأولوية و لا يفيد الملكية (104)، فلا يصح بيعه (105).

نعم، يصح الصلح عنه و يورّث و يقع ثمنا في البيع لأنه حق قابل للنقل و الانتقال (106).

مسألة 21: يشترط في مانعية التحجير أن يكون المحجّر متمكنا من القيام بتعميره

(مسألة 21): يشترط في مانعية التحجير أن يكون المحجّر متمكنا من القيام بتعميره (107)، فلو حجّر من لم يقدر على إحياء ما حجّره إما لفقره

______________________________

أن هذا المقدار من الماء يحتاج إلى هذا المقدار من الأرض بنظر ثقات أهل الخبرة هذا مع عدم وجود القرائن المعتمدة على الخلاف، و إلا فالاعتماد عليها.

(103) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(104) لأصالة عدم حصول الملكية و المنساق من الأدلة اللفظية و الإجماع إنما هو حصول الحق فقط، و ما نسب إلى بعض الفقهاء- و هو ابن نما أستاذ المحقق الأول- إن التحجير احياء و يفيد الملكية.

سهو منه كما عن المحقق و اللّه العالم و يحمل على بعض المحامل كما عن الدروس، و قد تقدم ما يدل على ذلك فراجع.

(105) لما مر من اعتبار كون المبيع عينا في مقابل الحق و المنفعة.

(106) فيصح كل نقل و انتقال بالنسبة إليه إلا ما خرج بالدليل و هو مفقود، و تقدم الفرق بين الحق و الملك سابقا فلا وجه للإعادة هنا (1).

(107) للأصل و الإجماع و لأنه المنساق من الأدلة إذا المستفاد من المجموع أن للتحجير طريقية خاصة للإحياء، فمع إمكان تحققه يتحقق موضوع التحجير و مع عدمه فلا موضوع له.

ص: 243


1- راجع ج: 22 صفحة: 149.

أو لعجزه عن تهيئة أسبابه فلا أثر لتحجيره (108)، و جاز لغيره إحياؤه (109)، و كذا لو حجّر زائدا على مقدار تمكنه من الإحياء لا أثر لتحجيره إلا في مقدار ما تمكن من تعميره، و أما في الزائد فليس له منع الغير عن إحيائه (110)، فعلى هذا ليس لمن عجز عن إحياء الموات تحجيره ثمَّ نقل ما حجره الى غيره بصلح أو غيره مجانا أو بالعوض لأنه لم يحصل له حق حتى ينقله إلى غيره (111).

مسألة 22: لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة

(مسألة 22): لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة بل يجوز أن يكون بتوكيل الغير أو استيجاره (112)، فيكون الحق الحاصل بسببه ثابتا للموكّل و المستأجر لا للوكيل و الأجير، بل لا يبعد كفاية وقوعه عن شخص نيابة عن غيره ثمَّ أجازه ذلك الغير في ثبوته للمنوب عنه (113)، و إن لم

______________________________

(108) لما مر من عدم الموضوعية للتحجير من حيث هو و إنما هو طريق محض للإحياء، و مع عدم القدرة على الإحياء لا يتحقق التحجير المانع عن تصرف الغير.

(109) للأصل و الإطلاق و الاتفاق بعد عدم حدوث حق للمحجّر الأول.

(110) لعين ما تقدم في الفرع الأول من غير فرق و ان للتحجير طريقية محضة، و لا موضوعية فيه بوجه فكأن الحكم من الأول تعلق بالاحياء و التحجير مرتب عليه، و بذلك يمكن أن يجمع بين قول ابن نما و سائر الفقهاء.

(111) لعدم حدوث حق له أصلا حتى يصح النقل و الانتقال بالنسبة إليه كما ذكر في المتن، و الظاهر أن جميع المشتركات تكون هكذا فلو سكن أحد فيها لا لأجل الغرض المقصود منها بل لأجل أن ينقل محله إلى غيره بعوض لا يترتب عليه الأثر لعدم حدوث أصل الحق حتى يصح فيه النقل.

(112) كل ذلك للأصل و الإطلاق و الاتفاق و عموم أدلة الوكالة و الإجارة.

(113) لما أثبتناه في كتاب البيع أن الفضولي مطابق للعمومات و الإطلاقات

ص: 244

يخل عن إشكال فلا ينبغي ترك الاحتياط (114).

مسألة 23: لو انمحت آثار التحجير قبل أن يقوم المحجّر بالتعمير بطل حقه

(مسألة 23): لو انمحت آثار التحجير قبل أن يقوم المحجّر بالتعمير بطل حقه (115)،

______________________________

فتشمله الأدلة حينئذ بلا محذور.

(114) خروجا عن خلاف من قال بأن الفضولي مخالف للقاعدة فلا بد و أن يقتصر على خصوص مورده مع أن التحجير من الإيقاعات لا العقود، و بناؤهم على أن الفضولي يختص بالعقود دون الايقاعيات مع احتمال أن يكون ثبوت الحق من الوضعيات لكل من باشر التحجير فلا يتعلق حينئذ بالغير أصلا، فلا موضوع للفضولي من هذه الجهة إلا إذا صالح المحيى حقه إلى غيره.

و الخدشة في كل منهما ظاهرة ما لم يكن عن استناد إلى نص صحيح أو إجماع صريح، و كل منهما مفقود و طريق الاحتياط المراضاة، و قد مر في كتاب البيع ما ينفع المقام فراجع.

(115) هذه المسألة مذكورة في كتب الفريقين و البحث فيها.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الأدلة العامة.

و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

و رابعة: بحسب الاعتبارات العرفية الدائرة بينهم.

أما الأولى فقد يقال: أن مقتضى الأصل بقاء الحق و عدم بطلانه.

و فيه: أن أصل حدوث حق البقاء مشكوك فيكون الشك في أصل الحدوث لا في البقاء حتى يستصحب.

نعم، حق احداث التحجير حاصل و هو غير حق الإبقاء كما لا يخفى.

و أما الثانية: فمفاد الأدلة العامة انما هو جواز أصل الاحداث و لا نظر لها بالنسبة إلى الإبقاء، مع إمكان أن يقال أن الإحداث طريق محض إلى الإحياء فما

ص: 245

و عاد الموات إلى ما كان قبل التحجير (116).

______________________________

لم يكن إحياء فلا جواز في الحدوث أصلا إذ الغرض الأهم و المقصد الاسنى انما هو الإحياء و انتفاع الناس، فلا يمكن التمسك بتلك الأدلة لبقاء الحق.

و أما الثالثة: فادعي الإجماع على بطلان الحق، و يشهد له في الجملة خبر يونس عن العبد الصالح عليه السّلام قال: «إن الأرض للّه تعالى جعلها وقفا على عباده، فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير علة أخذت من يده و دفعت إلى غيره، و من ترك مطالبة حق له عشر سنين فلا حق له»(1)، و إن كان الالتزام بجميع ما فيه يحتاج إلى الانجبار.

و أما الرابعة: فالعرف يشهد بأنه متى كان المدار على الإحياء و هو الغاية و الغرض فالتعطيل بدون العذر يوجب تضييع حق الناس و يوجب سقوط الحق كما في سائر المشتركات.

و دعوى صاحب الجواهر إن هذا قياس مقطوع بفساده.

مخدوش بانا لا نقول بأنه قياس بعض الأفراد على البعض بل من جهة الحكم الكلي الثابت، و هو إن كلما هو معرض لانتفاع الناس يكون تعطيله بلا جهة موجبا لسقوط حق السابق، و يأتي بعض الكلام في المسائل الآتية و ليس ذلك من الدواعي حتى يقال: ان تخلف الداعي لا يضر بالفعل إذ فيه:

أولا أن ذلك في المعاوضات لا في غيرها.

و ثانيا إن المقام في الواقع من تقييد أصل الإباحة بهذا القيد الخاص فينتفي المقيد بانتفاء القيد لا محالة.

(116) لأنه تضييع لحق المسلمين فلا بد إما من الإحياء أو رفع اليد مع أن دوران هذا الحق بينما كان ما داميّا لا دائميا يمنع عن التمسك بالأصل و إطلاق الدليل.

ص: 246


1- الوسائل باب: 17 من أبواب إحياء الموات الحديث: 1.

مسألة 24: ليس للمحجّر تعطيل الموات المحجّر عليه

(مسألة 24): ليس للمحجّر تعطيل الموات المحجّر عليه و الإهمال في التعمير (117)، بل اللازم أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير (118) فإن أهمل و طالت المدة و أراد شخص آخر إحياءه فالأحوط أن يرفع الأمر إلى الحاكم الشرعي (119)، مع وجوده و بسط يده (120)، فيلزم المحجّر بأحد أمرين إما العمارة أو رفع يده عنه ليعمّره غيره (121)، إلا أن يبدي عذرا موجها (122)، مثل انتظار وقت صالح له أو اصطلاح آلاته أو حضور العملة فيمهل بمقدار ما يزول معه العذر، و ليس من العذر عدم التمكن من تهيئة الأسباب لفقره منتظرا للغنى و التمكن (123)، فإذا مضت المدة و لم

______________________________

(117) لأن الإذن من الشارع في التحجير طريقي إلى الإحياء لا أن يكون فيه الموضوعية، و لأن الإهمال تضييع لمنافع المسلمين هذا مع ظهور الإجماع على الحكم.

(118) لأن هذا هو المنساق من الأدلة الدالة على الإذن في التحجير و في غيره يرجع إلى الأصل، لأن ثبوت الحق من الأقل و الأكثر فالحق بالنسبة إلى التحجير المعقّب بالإحياء مسلّم و في غيره يرجع إلى الأصل.

(119) لأن إحقاق الحق و إبطال الباطل من أهم الأمور الحسبية التي يكون القيام من لوازم منصبه خصوصا الحقوق النوعية العامة كنظائر المقام، و وجه الاحتياط انه يحتمل سقوط حقه بمجرد التعطيل بل يحتمل قيام غير الحاكم به لأنه من الخير و الإحسان للناس و في إطلاق ما مر من خبر يونس اشارة إليه.

(120) لأنه مع عدم بسط يده يكون هو و العامي متساويين من هذه الجهة.

بل ربما يكون بعض العوام أقوى منه في هذه الجهة.

(121) جمعا بين الحقين و رفعا للنزاع من البين.

(122) لأن العذر الموجّه مقبول عند العقلاء و بإجماع الفقهاء.

(123) لأن الإهمال في صورة وجود العذر المقبول إنما هو فيما إذا حدث

ص: 247

يشتغل بالعمارة بطل حقه (124)، و جاز لغيره القيام بالعمارة و إذا لم يكن حاكم يقوم بهذه الشؤون فالظاهر أنه يسقط حقه أيضا لو أهمل في التعمير و طال الإهمال مدة طويلة يعد مثله في العرف تعطيلا (125)، فجاز لغيره إحياؤه و ليس له منعه و الأحوط مراعاة حقه ما لم تمض مدة تعطيله و إهماله ثلاث سنين (126).

مسألة 25: الظاهر أنه يشترط في التملك بالإحياء

(مسألة 25): الظاهر أنه يشترط في التملك بالإحياء قصد التملك (127)، كالتملك بالحيازة مثل الاصطياد و الاحتطاب و الاحتشاش

______________________________

أصل حق التحجير، و مع عدم التمكن من التعمير لا يحدث أصل حق التحجير حتى يمهل إلى حصول التمكن.

(124) لأن حدوث أصل الحق كان محدودا بالتعمير و العمارة و مع عدم تحققهما فلا وجه لبقاء الحق.

(125) لدوران بقاء الحق مدار حدوث الإحياء و مع عدم حدوثه لا وجه لبقاء الحق لو لم نقل بكشف ذلك عن عدم حدوثه من الأول، و حكم الحاكم في أمثال المقام طريق لقطع منشأ الخصومة لا أن تكون له موضوعية خاصة في البين و الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الخصوصيات و احتياجات الناس فيكون نزاع الفقهاء في الحق هل يبطل بنفسه أو بحكم الحاكم لفظيا، لأن مراتب التعطيل و مراتب احتياجات الناس و مراتب أخلاقهم و خصوصيات الأزمنة و الأمكنة مختلفة جدا.

(126) لما مرّ من خبر يونس القاصر عن الفتوى بمضمونه.

(127) لأصالة عدم حصول الملك إلا به و للسيرة بعد عدم جواز التمسك بالإطلاقات و العمومات لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، و يكفي القصد الإجمالي الارتكازي، و لا يعتبر التفصيلي و به يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن لا يعتبر قصد التملك أي التفصيلي منه و من يعتبره أي الإجمالي

ص: 248

و نحوها، فلو حفر بئرا في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته ما دام باقيا لم يملكه (128)، و لم يكن له إلا حق الأولوية ما دام مقيما (129)، فإذا ارتحل زالت تلك الأولوية (130)، و صارت مباحا للجميع (131).

مسألة 26: الإحياء المفيدة للملك عبارة عن جعل الأرض حيّة

(مسألة 26): الإحياء المفيدة للملك عبارة عن جعل الأرض حيّة بعد الموتان و إخراجها عن صفة الخراب إلى العمران (132)، و من المعلوم أن عمارة الأرض إما بكونها مزرعا أو بستانا و إما بكونها مسكنا و دارا، و إما حظيرة للاغنام و المواشي أو لحوائج أخر كتجفيف الثمار أو جمع الحطب أو غير ذلك (133)، فلا بدّ في صدق إحياء الموات من العمل فيه و إنهائه

______________________________

الارتكازي منه، و تقدم في كتاب الخمس و الإجارة بعض الكلام فراجع.

(128) لأصالة عدم حصول الملكية إلا بسبب ظاهر أو صريح أو نص معتبر كذلك و كلاهما مفقودان.

(129) إجماعا بل ضرورة من الفقه.

(130) لدوران الحق مدار بقاء صاحبه و مع زواله لا معنى للبقاء و الظاهر كونه من الحق الموروث لعموم أدلته.

(131) لوجود المقتضي و فقد المانع فتشمله الأدلة بلا مزاحم و لا مدافع.

(132) للإحياء عرض عريض جدا يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الخصوصيات، و المرجع فيه العرف المتفاوت حسب الأزمنة و الأمكنة، كما أن المرجع في التحجير هو العرف أيضا فربما يكون إيصال تيار الكهرباء أو مجاري الماء تحجيرا بالنسبة إلى محل لمن فعل ذلك.

(133) لأي غرض من الأغراض العقلائية راجحا كان أو مرجوحا لأن المقام ليس من العبادات حتى يفسد بالمرجوحية إلا أن يدعى انصراف الأدلة عن الإحياء لما هو المحرم.

ثمَّ إن الغاية من الإحياء إما نوع معلوم واحد معين أو مردد بين نوعين من

ص: 249

إلى حد يصدق عليه أحد العناوين العامرة بأن صدق عليه المزرع أو الدار مثلا أو غيرها عند العرف (134)، و يكفي تحقق أول مراتب وجودها (135)، و لا يعتبر إنهاؤها إلى حد كمالها و قبل أن يبلغ إلى ذلك الحد و إن صنع فيه ما صنع لم يكن إحياء بل يكون تحجيرا (136)، و قد مر أنه لا يفيد الملك بل لا يفيد إلا الأولوية.

فإذا تبين هذه الجملة فليعلم أنه يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة التي يقصدها المحيى (137)، فما اعتبر في إحياء الموات

______________________________

جنس واحد أو مردد بين نوعين أو أنواع من أجناس مختلفة أو مجمع الأنواع المختلفة، و الظاهر صحة الكل لعموم الأدلة الشامل للجميع، و أصالة عدم اعتبار قصد نوع خاص بعد تحقق قصد الجنس إجمالا.

نعم الغالب إنما هو قصد النوع الخاص.

(134) بل يكفي صدق الإحياء عرفا و لو لم يصدق خصوص أحد العناوين المذكورة بالخصوص فعلا.

(135) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(136) لأصالة بقاء التحجير و عدم حدوث الإحياء.

(137) إيكال ذلك إلى متعارف الناس أولى من التعرض له خصوصا في هذه الأعصار التي جعل ذلك علما مستقلا يتشعب منه فنون لها علماء و اخصائيون، و الموضوع عرفي لا أن يكون من الموضوعات التعبدية أو المستنبطة و ليس في الأدلة إلا مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أحاط حائطا على أرض فهي له» (1) و قول أبي جعفر عليه السّلام: «أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمّروها فهم أحق بها» (2)، فلا وجه للتمسك بإطلاقهما و لعله صلّى اللّه عليه و آله أجمل ايكالا للموضوع

ص: 250


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات الحديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات الحديث: 3.

مزرعا أو بستانا غير ما اعتبر في إحيائه مسكنا أو دارا و ما اعتبر في إحيائه قناة أو بئرا غير ما اعتبر في إحيائه نهرا و هكذا، و يشترط في الكل إزالة الأمور المانعة عن التعمير كالمياه الغالبة أو الرمول و الأحجار أو القصب و الأشجار لو كانت مستأجمة و غير ذلك (138)، و يختص كل منها ببعض الأمور عند المشهور و نحن نبينها في ضمن مسائل.

مسألة 27: يعتبر في إحياء الموات دارا و مسكنا بعد إزالة الموانع لو كان أن يدار عليه حائط

(مسألة 27): يعتبر في إحياء الموات دارا و مسكنا بعد إزالة الموانع لو كان أن يدار عليه حائط بما يعتاد في تلك البلاد و لو كان من خشب أو قصب أو حديد أو غيرها و يسقّف و لو بعضها (139)، مما يمكن أن يسكن فيه و لا يعتبر فيه مع ذلك نصب الباب (140)، و لا يكفي إدارة الحائط بدون التسقيف.

نعم، يكفي ذلك في إحيائه حظيرة الغنم و غيره أو لأن يجفف فيها الثمار أو يجمع فيها الحشيش و الحطب (141)، و لو بنى حائطا في الموات بقصد بناء الدار و قبل أن يسقف عليه بدا له و قصد كونه حظيرة ملكها كما لو قصد ذلك من أول الأمر، و كذلك في العكس بأن حوّطه بقصد كونه

______________________________

إلى العرف- و كذا قول أبي جعفر عليه السّلام- كما في جملة كثيرة من العرفيات التي لم يتعرض لها الشرع أو تعرض لها بنحو الإجمال.

(138) يدل على جميع ما ذكرنا ظهور الإجماع و السيرة المتعارفة بين الناس في إحياء الموات، و يمكن أن يريد بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أحاط حائطا على أرض فهي له» أنه من باب ذكر اللازم و إرادة الملزوم فيشمل جميع ذلك.

(139) لعدم تحقق عنوان الدار إلا بذلك و المفروض أنه أحيا لذلك.

(140) لعدم تقوم الدار بذلك، و لكن الظاهر اختلافه باختلاف الأزمنة و الأمكنة.

(141) لحصول الغرض بإحاطة الحائط غالبا و الظاهر فيه أيضا اختلافهما.

ص: 251

حظيرة فبدا له أن يسقّفه و يجعله دارا (142).

مسألة 28: يعتبر في إحياء الموات مزرعا بعد إزالة الموانع تسوية الأرض

(مسألة 28): يعتبر في إحياء الموات مزرعا بعد إزالة الموانع تسوية الأرض لو كانت فيها حفر و تلال مانعة عن قابليتها للزرع و ترتيب مائها إما بشق ساقية من نهر أو حفر قناة لها أو بئر، و بذلك يتم إحياؤها (143)، و يملكها المحيى و لا يعتبر في إحيائها حرثها فضلا عن زرعها (144)، و إن كانت الأرض مما لا تحتاج في زراعتها إلى ترتيب ماء لأنه يكفيه ماء السماء كفى في إحيائها اعمال الأمور الأخر عدا ترتيب الماء (145)، و إن كانت مهيأة للزرع بنفسها- بأن لم يكن فيها مانع عنه مما ذكر و لم يحتج إلا إلى سوق الماء- كفى في إحيائها إدارة التراب حولها مع سوق الماء إليها و إن لم يحتج إلى سوق الماء أيضا من جهة أنه يكفيه ماء السماء كبعض الأراضي السهلة و التلال التي لا تحتاج في زرعها إلى علاج و قابلة لأن تزرع ديميا، فالظاهر أن إحياءها المفيد لتملّكها إنما هو بإدارة المرز حولها مع حرثها و زرعها (146)، بل لا يبعد الاكتفاء بالحرث في تملكها (147)،

______________________________

(142) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق و السيرة في الجملة، و قد مر منا كفاية قصد الجنس القريب في الإحياء.

(143) لكفاية ذلك عند ذوي الخبرة بالمزرعة فتشمله الأدلة لا محالة.

(144) لأن أرض المزرعة شي ء و الزرع و الفعلي شي ء آخر، و الإحياء إنما هو بالنسبة إلى الأولى دون الثانية.

(145) لفرض أن الماء مرتب من رب السماء فلا يحتاج إلى الإحياء.

(146) لصدق الإحياء حينئذ عرفا فتشمله الأدلة قهرا.

(147) لا ريب في صدق بعض مراتب الإحياء بالنسبة إليه و اعتبار الزائد عليه مشكوك منفي بالأصل.

ص: 252

و أما الاكتفاء بالمرز من دون حراثة ففيه إشكال (148).

نعم، لا إشكال في كونه تحجيرا مفيدا للأولوية (149).

مسألة 29: يعتبر في إحياء البستان كل ما اعتبر في إحياء الزرع

(مسألة 29): يعتبر في إحياء البستان كل ما اعتبر في إحياء الزرع بزيادة غرس النخيل أو الأشجار مع سقيها حتى تستعد للنمو ان لم يسقها ماء السماء، و لا يعتبر التحويط حتى في البلاد التي جرت عادتها عليه على الأقوى (150).

مسألة 30: يحصل إحياء البئر في الموات

(مسألة 30): يحصل إحياء البئر في الموات بأن يحفرها إلى أن يصل الى الماء فيملكها بذلك (151)، و قبل ذلك يكون تحجيرا لا إحياء (152)، و إحياء القناة بأن يحفر الآبار إلى أن يجري ماؤها على الأرض (153) و إحياء النهر بحفره و إنهائه إلى الماء المباح كالشط و نحوه بحيث كان الفاصل بينهما يسيرا كالمرز و المسناة الصغيرة، و بذلك يتم إحياء النهر فيملكه الحافر و لا يعتبر فيه جريان الماء فيه فعلا و إن اعتبر ذلك في تملك المياه (154).

______________________________

(148) لأصالة عدم الإحياء بعد عدم صدقه العرفي أيضا أو الشك فيه فلا مورد للتمسك بالإطلاق في موضوع لم يحرز أو أحرز عدمه.

(149) نصا و إجماعا كما تقدم.

(150) لصدق البستان بدون التحويط أيضا.

نعم، يمكن أن يكون له غرض بل أغراض أخر فيكون من قبيل تعدد المطلوب لا من مقوّمات البستانية.

(151) لتحقق المقتضي للملكية و فقد المانع عنها فتشمله الأدلة لا محالة.

(152) لأصالة عدم تحقق الملكية و ظهور الإجماع.

(153) للإجماع و السيرة و أصالة عدم تحقق الإحياء إلا بذلك.

(154) أما تملك الحافر للنهر بما ذكر فللإجماع و السيرة و إطلاق أدلة

ص: 253

.....

______________________________

الإحياء بعد تحقق الموضوع عرفا.

و أما عدم اعتبار جريان الماء فيه فعلا فللأصل بعد كون جريان الماء و إحياء النهر مختلفان عرفا، و أما اعتباره في تملك الماء فلأصالة بقاء الماء على إباحته الأولية و عدم حصول الملكية إلا بذلك.

ص: 254

الفصل الثاني في المشتركات

اشارة

الفصل الثاني في المشتركات و هي الطرق و الشوارع و المساجد و المدارس و الربط و المياه و المعادن (155).

______________________________

المشتركات: عبارة عن ما فيها المنافع العامة للناس و ليست ملكا لهم و لو بنحو ملكية المسلمين للأرض المفتوحة عنوة.

(155) الحصر المذكور استقرائي لا أن يكون عقليا أو تعبديا شرعيا و يمكن إدخال الفضاء و الكلأ و الآجام و حيوانات البر و البحر و الجو فيها أيضا.

و لا فرق في المعدن بين البري و البحري بل و في الكرات الأخرى التي سيوجد السبيل إليها في القرون الآتية إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ ان الدليل على أن ما ذكر من المشتركات إجماع الفقهاء و سيرة العقلاء من هبوط آدمهم عليه السّلام إلى انقراض عالمهم و قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «الناس شرع سواء في الماء و النار و الكلأ» (1)، و عن أبي الحسن عليه السّلام: «إن المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلأ» (2)

ص: 255


1- سنن البيهقي باب ما لا يجوز إقطاعه من المعادن صفحة: 150.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب إحياء الموات الحديث: 1.

الطرق و الشوارع

اشارة

الطرق و الشوارع

مسألة 1: الطريق نوعان نافذ و غير نافذ

(مسألة 1): الطريق نوعان نافذ و غير نافذ فالأول- و هو المسمى بالشارع العام- فهو محبوس على كافة الأنام و الناس فيه شرع سواء (156)، ليس لأحد إحياؤه و الاختصاص به و لا التصرف في أرضه ببناء دكّة أو حائط أو حفر بئر أو نهر أو غرس شجر أو غير ذلك (157)، و إن لم يضر بالمارة (158)

______________________________

(156) لإجماع فقهاء الأمصار و سيرة العقلاء في جميع الأعصار.

(157) للأصل بعد اختصاص المنفعة لعامة الناس مضافا إلى الإجماع و استنكار المتشرعة بل العقلاء لذلك.

(158) نسب ذلك إلى جمع و خلاصة الكلام إن التصرف فيها أقسام ستة:

الأول: ما يضر بالمارة، كالجلوس و الوقوف فيها و وضع الأحمال و الأثقال و المتاع و إيقاف السيارات فيها و نحو ذلك، و لا إشكال في عدم جوازه إن لم يكن ذلك من مصالحها لأنه المتيقن من الإجماع و السيرة و الاستنكار.

الثاني: القسم السابق بعينه مع كونه من مصالح الطريق العام عرفا و مقتضى الأصل الجواز بعد كونه من مصالح الطريق بل قد يجب.

الثالث: الشك في أنه من أي القسمين، و مقتضى عدم جواز التصرف فيه إلا في المصلحة العامة عدم الجواز بعد عدم إحراز الموضوع إلا إذا جرت سيرة معتبرة على الجواز.

الرابع: غرس الأشجار في أطرافه و اجراء الماء بما لا يضر بالمارة و مقتضى الأصل الجواز بعد عدم دليل على المنع من إجماع معتبر أو حجة من

ص: 256

نعم، الظاهر أنه يجوز أن يحفر فيه بالوعة ليجتمع فيها ماء المطر و غيره لكونها من مصالحه (159)، و مرافقه، لكن مع سدّها في غير أوقات الحاجة حفظا للمستطرقين و المارة بل الظاهر جواز حفر سرداب تحته (160)، إذا أحكم الأساس و السقف بحيث يؤمن معه من النقض و الخسف، و أما التصرف في فضائه بإخراج روشن أو جناح أو بناء ساباط أو فتح باب أو نصب ميزاب و نحو ذلك فلا إشكال في جوازه (161)، إذا لم يضر بالمارة و ليس لأحد منعه حتى من يقابل داره داره (162)، كما مر في كتاب الصلح.

______________________________

الخبر و جريان السيرة على هذه الأمور.

و منه يعلم ما في إطلاق ما في المتن «أو حفر بئر أو نهر أو غرس شجر».

الخامس: الأشغال الشخصية مع عدم الضرر بالمارة أصلا و عدم جريان السيرة عليها، و مقتضى كونها من غير المصالح العامة عدم الجواز إلا مع إحراز الجواز لسيرة معتبرة أو دلالة جواز الاستطراق على ذلك بالفحوى، أو كونها من التوابع العرفية للاستطراق.

السادس: هذا القسم بعينه مع جريان السيرة المعتبرة عليها و يعلم حكمه من سابقة، و أما سيرة أهل الشوارع و الأسواق الذين لا يهتمون بالدين ففي اعتبارها إشكال بل منع.

(159) و يجوز التصرف فيه بما هو من مصالحه إجماعا بل ضرورة من الفقه.

(160) لعدم كونه من التصرف في الطريق العام عرفا مع شدة الاستحكام بحيث يأمن ضرره الخاص و العام.

(161) للأصل و الإطلاق و الاتفاق و قاعدة السلطنة.

(162) لأصالة عدم ولاية له على ذلك مضافا إلى الإجماع.

ص: 257

و أما الثاني: أعني الطريق غير النافذ المسمّى بالسكة المرفوعة و قد يطلق عليه الدريبة، و هو الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو مباح بل أحيط بثلاث جوانبه الدور و الحيطان و الجدران فهو ملك لأرباب الدور التي أبوابها مفتوحة إليه (163)، دون من كان حائط داره إليه من غير أن يكون بابها إليه (164)، فيكون هو كسائر الأملاك المشتركة (165)، يجوز لأربابه سده و تقسيمه بينهم و إدخال كل منهم حصته في داره (166)، و لا يجوز لأحد من غيرهم بل و لا منهم أن يتصرف فيه و لا في فضائه إلا بإذن الجميع و رضاهم (167).

مسألة 2: الظاهر أن أرباب الدور المفتوحة في الدريبة كلهم مشتركون فيها من رأسها إلى صدرها

(مسألة 2): الظاهر أن أرباب الدور المفتوحة في الدريبة كلهم مشتركون فيها من رأسها إلى صدرها (168)، حتى أنه إذا كانت في صدرها

______________________________

(163) ملكية تبعية للإجماع و السيرة هذا إذا كانت الدور ملكا لأربابها، و كذا إذا كانت الجميع أو بعضها مستأجرة من مالكها لانتقال الطريق إلى المستأجر تبعا لعين الدور انتقالا من جهة حق المنفعة و الانتفاع لانتقال الذات كما في البيع و نحوه.

(164) لأصالة عدم الملكية بعد عدم دليل عليها من إجماع أو سيرة أو غيرهما.

(165) لتحقق الاشتراك فيها موضوعا فيلحقه حكم الملك المشترك قهرا.

(166) كل ذلك لقاعدة السلطنة و لكن لا بد و أن يقيد إدخال كل واحد منهم حصته في داره بما إذا لم يوجب ضررا كثيرا على الآخرين، و مع التزاحم و التعارض يلاحظ أقوى الضررين.

(167) لأصالة عدم جواز التصرف فيما يتعلق بالغير إلا بإذنه و رضاه التي هي من أهم الأصول النظامية العقلائية المستدل عليها بالأدلة الأربعة كما مر مكررا في أول كتاب البيع و في كتاب الغصب.

(168) لظاهر السيرة و الإجماع بعد عدم دليل على اختصاص بعضها

ص: 258

فضلة لم يفتح إليها باب اشترك الجميع فيها (169)، فلا يجوز لأحد منهم إخراج جناح أو روشن أو بناء ساباط أو حفر بالوعة أو سرداب و لا نصب ميزاب و غير ذلك في أي موضع منها إلا بإذن الجميع (170).

نعم، لكل منهم حق الاستطراق إلى داره من أي موضع من جداره، فلكل منهم فتح باب آخر ادخل من بابه الأول أو أسبق مع سد الباب الأول و عدمه (171).

مسألة 3: ليس لمن كان حائط داره إلى الدريبة فتح باب إليها إلا بإذن أربابها

(مسألة 3): ليس لمن كان حائط داره إلى الدريبة فتح باب إليها إلا بإذن أربابها (172).

نعم، له فتح ثقبة و شباك إليها و ليس لهم منعه لكونه تصرفا في جداره لا في ملكهم، و هل له فتح باب إليها لا للاستطراق بل لمجرد الاستضاءة و دخول الهواء؟ فيه إشكال (173).

مسألة 4: يجوز لكل من أرباب الدريبة الجلوس فيها

(مسألة 4): يجوز لكل من أرباب الدريبة الجلوس فيها و الاستطراق و التردد منها إلى داره بنفسه و ما يتعلق به من عياله و دوابه و أضيافه و عائديه و زائريه، و كذا وضع الحطب و نحوه فيها لإدخاله في الدار و وضع الأحمال

______________________________

ببعضهم من عقل أو نقل.

(169) لما مر من ظهور السيرة و الإجماع بلا دليل على الخلاف.

(170) لأنه ليس حكم الملك و الحق المشتركين إلا ذلك عقلا و نقلا.

(171) كل ذلك لقاعدة السلطنة بلا معارض لها في البين.

(172) لأن الاستطراق تصرف في ملك الغير فلا بد من الاستيذان منه، و حكم الفرع اللاحق معلوم مما ذكر.

(173) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد و الخصوصيات فمع عدم قابلية المحل للاستطراق لا فعلا و لا بعد ذلك يجوز، و كذا مع القابلية و لكن في البين منع عام من الدولة مثلا من الاستطراق أو من ذلك بالخصوص، و في

ص: 259

و الأثقال عند إدخالها و إخراجها من دون إذن الشركاء (174)، بل و إن كان فيهم القصر و المولّى عليهم من دون رعاية المساواة مع الباقين (175).

مسألة 5: الشوارع و الطرق العامة و إن كانت معدّة لاستطراق عامة الناس

(مسألة 5): الشوارع و الطرق العامة و إن كانت معدّة لاستطراق عامة الناس و منفعتها الأصلية التردد فيها بالذهاب و الإياب إلا أنه يجوز لكل أحد الانتفاع بها بغير ذلك من جلوس أو نوم أو صلاة، و غيرها بشرط أن لا يتضرر بها أحد و لم يزاحم المستطرقين و لم يتضيق على المارة (176).

مسألة 6: لا فرق في الجلوس غير المضر بين ما كان للاستراحة أو النزهة و بين ما كان للحرفة

(مسألة 6): لا فرق في الجلوس غير المضر بين ما كان للاستراحة أو النزهة و بين ما كان للحرفة و المعاملة إذا جلس في الرحاب و المواضع المتسعة لئلا يتضيق على المارة، فلو جلس فيها بأي غرض من الأغراض لم يكن لأحد إزعاجه (177).

______________________________

الصورتين يجوز لأرباب الدريبة احكام مالكية الطريق و أنه منحصر بهم لئلا يزاحمهم هذا الشخص بعد ذلك في دعوى ملكية الطريق.

(174) كل ذلك للسيرة و الإجماع و قاعدة السلطنة، و لأن جعل هذا النحو من التصرف من دون مراعاة استيذان من الشركاء و لا مراعاة مساواة التصرف بينهم، فيصح كل من التساوي و التفاضل كما في الشوارع العامة بالنسبة إلى عامة الناس بل لو لوحظ التساوي بينهم في قدر التصرف لعدّ ذلك مستنكرا لديهم، فالإذن في التصرف مطلقا حاصل من الشارع و لا يحتاج إلى استيناف اذن من الشركاء و يشمل ذلك آلات النقل الحديثة.

(175) لما مر من حصول الإذن الشرعي مطلقا فلا وجه للاستيذان من أولياء القصر و لا مراعاة المساواة بين الشركاء.

(176) كل ذلك للأصل و السيرة مع عدم المزاحمة و الضرر و التضييق بل يمكن أن يعد مثل هذه التصرفات من لوازم الاستطراقات العامة فيشملها دليل الاستطراق بالملازمة.

(177) أما التعميم لما ذكر من التصرفات فللأصل و السيرة و عدم تحديدها

ص: 260

مسألة 7: لو جلس في موضع من الطريق ثمَّ قام عنه

(مسألة 7): لو جلس في موضع من الطريق ثمَّ قام عنه، فإن كان جلوس استراحة و نحوها بطل حقه (178)، فجاز لغيره الجلوس فيه، و كذا إن كان لحرفة و معاملة و قام بعد استيفاء غرضه و عدم نية العود (179)، فلو عاد إليه بعد أن جلس في مجلسه غيره لم يكن له دفعه (180)، و أما لو قام قبل استيفاء غرضه ناويا للعود فإن بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط فالظاهر بقاء حقه (181)، و إن لم يكن منه فيه شي ء ففي بقاء حقه بمجرد

______________________________

بحد خاص معين شرعا و إنما الحد عدم الضيق على المارة و عدم تضررهم.

و أما أنه ليس لأحد إزعاجه فلتحقق حق السبق بالنسبة إليه و هو محترم شرعا و عرفا.

(178) لزوال موضوعه لأن الجلوس كان للاستراحة و قد حصلت فلا وجه لبقائه بعد ذلك فيجوز لغيره الجلوس فيه، لأنه من المشتركات و هو فارغ فيجوز لغيره إشغاله، لوجود المقتضي و فقد المانع، بل يمكن أن يقال: أنه لم يحصل له حق إلا بقدر حاجته و غرضه فلا وجه لاستصحاب بقاء الحق.

(179) لما مر في سابقة من غير فرق.

(180) لبطلان حقه و وقوع الجلوس من غيره فيه من أهله و في محله فلا سلطة للأول عليه بوجه.

(181) نسب ذلك إلى جمع- منهم الشيخ و الفاضل و الشهيد- و استدل عليه ..

تارة: بالأصل.

و أخرى: بالسيرة.

و ثالثة: بفحوى قول علي عليه السّلام: «سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل» (1).

و رابعة: بأن الرحل كالتحجير يوجب بقاء الحق ما دام باقيا.

ص: 261


1- الوسائل باب: 17 من أبواب آداب التجارة.

نية العود إشكال فلا يترك الاحتياط (182).

مسألة 8: كما أن موضع الجلوس حق للجالس للمعاملة

(مسألة 8): كما أن موضع الجلوس حق للجالس للمعاملة، فلا يجوز مزاحمته كذا ما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه و وقوف المعاملين

______________________________

و نوقش في الكل. أما الأول: فللشك في أصل موضوعه لأن الشك في أن أصل ثبوت هذا الحق ما دام الاشتغال بنفسه أو أنه حاصل له ما لم يعرض عنه و في مثله لا وجه لجريان الأصل.

و أما الثاني: فإن أريد بالسيرة السيرة المجاملية الأخلاقية فله وجه، و لكن لا يثبت الحق الشرعي الذي هو محل الكلام بل هو أول الدعوى.

و أما الثالث: فلا وجه للعمل بإطلاقه بل لا بد من تقييده.

و أما الأخير فهو عين المدعى.

و يمكن الخدشة في الجميع أما الأول فلأن ثبوت الحق ما لم يعرض عنه و كان بانيا على العود مطابق للوجدان و غير قابل للنكران ما لم يكن على الخلاف دليل و لا برهان، بل بقاء الرحل أمارة على بقاء الحق و عدم سقوطه لكنه مشكل.

و أما الثاني فلأنه لا فرق بين الحق المجاملي و ما هو محل الكلام إلا مع وجود دليل على الفصل بينهما و هو غير موجود في المقام.

و أما الثالث فالمشهور و إن لم يعملوا بإطلاقه لكن مع بقاء الرحل و عدم لزوم تعطيل المحل على الناس لا محذور من العمل به من عقل أو نقل.

و أما الأخير فإن أريد به التساوي بينهما من كل جهة فهو قياس لا نقول به و إن أريد به التقريب في الجملة و ان بقاء الرحل أمارة عرفية على عدم الإعراض و كأنه بمنزلة بقاء نفسه اعتبارا.

(182) من استصحاب بقاء الحق على ما قلناه و استنكار المتشرعة للجلوس في محله لو التفتوا إلى أنه نوى العود إليه، و من احتمال بل القول أن المحرم إنما

ص: 262

فيه، بل ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه (183).

مسألة 9: يجوز للجالس للمعاملة أن يضلّل على موضع جلوسه

(مسألة 9): يجوز للجالس للمعاملة أن يضلّل على موضع جلوسه بما لا يضر بالمارة بثوب أو بارية و نحوهما (184)، و ليس له بناء دكة و نحوها فيها (185).

مسألة 10: إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم فسبقه

(مسألة 10): إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم فسبقه

______________________________

هو حرمة الإزعاج تكليفا، و أما ثبوت الحق الشرعي بحيث يكون مورد الصلح و الإرث و الغصب و نحوها من الآثار الشرعية فالشك في حدوثه يكفي في التمسك بالأصل، لعدم حدوثه و لا ريب في حسن الاحتياط و أما وجوبه فهو مشكل.

(183) لأن كل ذلك من لوازم حيازة محله عرفا و شرعا، و جريان السيرة على مراعاة هذه الجهات و استنكار من يزاحمها و يعارضها، و لا فرق في ذلك بين القول بثبوت الحق أو حرمة المزاحمة تكليفا لأن حرمة المزاحمة في أصل المحل تعم هذه الجهات أيضا، و لكن لا بد في جميع ذلك من الاقتصار على القدر المتيقن فيما لا يزاحم حق الغير.

(184) للأصل و السيرة القطعية عليه من الناس في جميع الأعصار و الأمصار و تسالم الفقهاء عليه.

(185) للسيرة و استنكار المتشرعة بل العقلاء لذلك خلفا عن سلف إلا إذا كان بعيدا عن الطريق و في عرض الدكاكين التي بنيت على الطريق، هذا إذا كان الدكان ثابتا و مستقرا في الجملة، و أما إذا كان له أمد معين عرفا كأيام قليلة لأغراض خاصة ثمَّ يزول الدكان و ينهدم و كان بحيث لا يضيق الطريق و لا يضر بالمارة، فمقتضى الأصل الجواز لأن المتيقن من السيرة و الاستنكار إنما هو القسم الأول.

ص: 263

في يوم آخر شخص آخر و أخذ مكانه كان الثاني أحق به (186)، فليس للأول إزعاجه (187).

______________________________

(186) لفرض أن الثاني سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد في هذا اليوم، و المفروض أن المكان من المشتركات لكل أحد فيكون الثاني أولى لا محالة هذا فيما إذا لم يكن للأول رحل و لم يكن معتاد الجلوس في هذا المكان مدة أو لو لم يكن له رحل و كان من نيته العود إليه، و إلا فالمتشرعة بل متعارف الناس من العقلاء يستنكرون جلوس الثاني و يجعلون الحق للأول فيما قلناه.

(187) لا بد من تقييده بما ذكرناه.

ثمَّ إن أولوية من سبق إلى محل من المشتركات من غيره يتصور على وجوه: الأول: مجرد المجاملة الأخلاقية من دون وجود حق أو حكم شرعي في البين و لا ريب في حسنة، و لكنه مخالف لظواهر النصوص و الفتاوي المشتملة على لفظ «الحق» أو «الأحق» (1)، و أمثال ذلك من التعبيرات الوضعية أو التكليفية.

الثاني: حدوث حق شرعي قابل للنقل و الانتقال و تعلق الغصب به و نحو ذلك من الآثار الشرعية الثابتة لمثل حق التحجير، و ظاهرهم الإجماع على عدم كونه كذلك و لا يستفاد ذلك من النصوص أيضا لأن لفظ «الحق» أو «الأحق» الوارد فيها أعم من ذلك، و كذا قوله عليه السّلام: «و هو لهم» (2)، أو «و له أجر بيوتها» (3)، فإن هذه التعبيرات الواردة في النصوص من الأمور التشكيكية القابلة للشدة و الضعف، و المرتبة الضعيفة هي المتيقنة و الزائد عليها يحتاج إلى دليل لإثباته و هو مفقود بل مقتضى الأصل عدمها، و الحقوق الشرعية متفاوتة جدا فأين عيادة المؤمن في مرضه و حق تشييعه و حق الجار و حق رد السلام من حق

ص: 264


1- راجع صفحة: 240.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات الحديث: 7 و 8.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات الحديث: 7 و 8.

.....

______________________________

الشفعة و حق التحجير و حق القصاص و حق الرهانة و غيرها، ففي موارد صدق الحق يؤخذ بالأقل المعلوم و يدفع الأكثر المشكوك بالأصل ما لم يدل عليه دليل معلوم.

الثالث: حصول الحق في الجملة لا بتمام الجهات و الآثار و لا يترتب عليه أثر خاص إلا بدليل مخصوص يدل عليه، و هذا الوجه صحيح لا بأس به و في الأثر المترتب عليه يتبع الدليل الخاص الذي يدل عليه و إلا فمقتضى الأصل عدم الترتب.

الرابع: مجرد الحكم التكليفي فقط و هو حرمة المزاحمة و الإزعاج بلا حدوث حق في البين مطلقا، و هذا هو المتيقن من أدلتهم اللبية و اللفظية لو لا مخالفته لظواهر كلمات جمع منهم و ظواهر بعض النصوص (1)، و لمرتكزات المتشرعة بل المتعارف من العقلاء من ثبوت نحو حق في الجملة فنراهم يوبّخون من زاحم السابق، و يقولون له: لم تصرفت في حقه و لم منعته عن حقه، و هذه الاستعمالات بالسنة مختلفة شائعة عندهم و هي منبعثة عن أذهانهم و فطرتهم و الشرع داع إلى الفطرة كما عن علي عليه السّلام (2)، و نرى الفقهاء يقولون:

له الاستفادة من حقه ما لم يعرض عنه و نحو ذلك من التعبيرات، مع أنه لا وقع لهذا النزاع و لا ثمرة له أصلا، إذ لا نقول بترتب الآثار الخاصة للحق عليه إلا بدليل خاص يدل من إجماع معتبر أو حجة من الخبر، فإن شئت سميّته حقا و إن شئت سميّته حكما و قد تعرضوا للمسألة في موارد شتى من الفقه و لم يحققوه حق التحقيق، و مقتضى الأصل عدم ترتب الأثر الخاص إلا بدليل يدل عليه مطلقا، و قد ذكرنا في كتاب البيع أنه عند الدوران بين كون شي ء حقا أو حكما عدم ترتب الآثار الخاصة لكل واحد منهما إلا مع دليل خاص يدل عليه.

ص: 265


1- راجع صفحة: 240.
2- نهج البلاغة: الخطبة الأولى.
مسألة 11: إنما يصير الموضع شارعا عاما بأمور

(مسألة 11): إنما يصير الموضع شارعا عاما بأمور (188):

أحدها: بكثرة التردد و الاستطراق و مرور القوافل في أرض الموات كالجادات الحاصلة في البراري و القفار التي يسلك فيها من بلاد إلى بلاد (189).

الثاني: أن يجعل إنسان ملكه شارعا و سبّله تسبيلا دائميا لسلوك عامة الناس و سلك فيه بعض الناس فإنه يصير بذلك طريقا عاما و لم يكن للمسبل الرجوع بعد ذلك (190).

______________________________

(188) الشارع العام من الموضوعات العرفية التي يعرفه أهل البدو و عامة العوام فضلا عن غيرهما، كما أن منشأ حصوله أيضا كذلك فليس أصل الموضوع و لا ما حصل به الموضوع من الشرعيات بل من العرفيات عند جميع أهل العالم كله.

(189) للسيرة العقلائية التي أمضتها الشرائع السماوية كل في عصره و هي من أقدم السيرة العالمية كلها، و لكن هذا القسم من الشارع قابل للتغيير و التبديل فكم من شارع عام صارت دورا و قصورا في عصرنا فضلا عن القرون السابقة، و كما أن في الأرض شارع عام عين بمرور القوافل كذلك في البحر و الجو أيضا لمرور مراكبهما أيضا كما يقال، و قد عينت بعلامات خاصة و طرق مخصوصة يعرفها أهلها و قد وضعوا في ذلك كتبا و رسائل قديما و حديثا.

(190) لأنه من الوقف العام و لا يجوز الرجوع فيه و لو زال العنوان يجري عليه حكم ما تقدم في كتاب الوقف (1)، و في كتاب البيع عند ذكر موارد جواز بيع الوقف فراجع (2)، فحينئذ يصح بيعه و يصير ملكا لهم. و قد جعلوه طريقا.

ص: 266


1- راجع ج: 22 صفحة: 84.
2- تقدم في ج: 17 صفحة: 32.

الثالث: أن يحيي جماعة أرضا مواتا قرية أو بلدة و يتركوا مسلكا نافذا بين الدور و المساكن و يفتحوا إليه الأبواب (191)، و المراد بكونه نافذا أن يكون له مدخل و مخرج يدخل فيه الناس من جانب و يخرجون من جانب آخر إلى جادة عامة أو أرض موات.

مسألة 12: لا حريم للشارع العام

(مسألة 12): لا حريم للشارع العام (192)، لو وقع بين الأملاك، فلو كانت بين الأملاك قطعة أرض موات عرضها ثلاثة أو أربعة أذرع مثلا و استطرقها الناس حتى صارت جادة لم يجب على الملّاك توسيعها و إن تضيّقت على المارة، و كذا لو سبّل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره ثلاثة أو أربعة أذرع مثلا للشارع (193)، و أما لو كان الشارع محدودا بالموات بطرفيه أو أحد طرفيه فكان له الحريم- و هو المقدار الذي يوجب إحياؤه- نقص الشارع عن سبعة أذرع (194)، فلو

______________________________

(191) لأنهم بالاحياء صاروا مالكين للطريق فلهم ان يجعلوه كذلك في ملكهم أن يجعلوا إليه أبواب دورهم و يكون الطريق ملكا لهم على حسب ما جعلوه فيما بينهم.

و هناك قسم رابع: و هو الشارع العام الذي تجعله الدولة شارعا مع تحقق شرائط الصحة سواء كان في بلاد الإسلام أو في غيرها، و لو شك في الصحة و عدمها فمقتضى قاعدة الصحة الحمل عليها ما لم يعلم الخلاف إن كان في بلاد غلب فيه الإسلام.

(192) المراد بالحريم هنا تحديد مقدار عرض الشارع العام بحد خاص في الواقع لو احتاج إليه المستطرقون، و الشارع العام إما في الموات بالمعنى الذي يأتي في المتن و هو المسمّى بالطريق المبتكر أو في غيره، و الكلام في الثاني دون الأول فإنه يأتي بعد ذلك.

(193) كل ذلك للأصل و الإجماع و قاعدة السلطنة.

(194) نسب ذلك إلى جمع منهم- الشهيدان و الفاضل و المحقق الثاني. .....

ص: 267

..........

______________________________

لقول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبع أذرع» (1)، و عن الصادق عليه السّلام: «الطريق يتشاح عليه أهله فحده سبع أذرع» (2).

و عن آخرين منهم المحقق في الشرائع و الفاضل في بعض كتبه أنه خمس أذرع لما عن الصادق عليه السّلام أيضا في خبر البقباق: «إذا تشاح قوم في طريق فقال بعضهم: سبع أذرع، و قال بعضهم: أربع أذرع، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا بل خمس أذرع» (3)، و مقتضى الصناعة أنه لو ورد إطلاق ثمَّ ورد تقييد مردد بين الأقل و الأكثر يقيد المطلق بالأقل و يرجع في الأكثر إلى المطلق، و كذا الكلام في الأصل العملي المردد بين الأقل و الأكثر فيؤخذ بالأقل و يدفع الأكثر بالأصل و حينئذ فالحد و الحريم هو الخمس، و يرجع فيما زاد عليه إلى إطلاق أدلة جواز الإحياء فيما زاد على الحد المذكور.

هذا إذا علم أن التحديد حقيقي واقعي أبدي مطلقا، و أما ان علم من القرائن أنه كان بقدر رفع احتياج الناس في زمان سؤالهم و بيان الإمام عليه السّلام فلا وجه للتقييد بالأقل، ففي زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله حيث كان الطريق قليلا حدده صلّى اللّه عليه و آله بسبعة أذرع و هي تكفي لرفع حاجات الناس بحسب ذلك العصر، و في زمان الصادق عليه السّلام حيث صارت الطرق كثيرة و كان يكفي خمس أذرع في كل طريق حدده عليه السّلام بذلك و به كفاية لرفع حوائج الناس و عدم تحقق التزاحم و التصادم الموجب لتلف الأموال و الأنفس، و كلما كثرت الاحتياجات يتّسع حريم الشوارع العامة و كذا الميادين و الساحات، أ فهل يمكن أن يجعل حريم الشوارع المزدحمة بالوسائط النقلية أو الحمولة الضخمة منها- ذاهبا و جائيا- بسبع أذرع؟!!.

إن قيل: إن التحديدات الشرعية كأحكامها أبدية دائمية فلا وجه للتقييد بوقت الحاجة.

يقال: نعم، لو لم تكن قرينة على الخلاف و في تحديد الطريق وقعت

ص: 268


1- سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 154.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام الصلح ج: 13.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الصلح الحديث: 1.

حدث بسبب الاستطراق شارع في وسط الموات جاز إحياء طرفيه إلى حد يبقى له سبعة أذرع و لا يتجاوز عن هذا الحد (195)، و كذا لو كان لأحد في وسط المباح ملك عرضه أربعة أذرع مثلا فسبّله شارعا لا يجوز إحياء طرفيه بما لم يبق للطريق سبعة أذرع (196)، و لو كان في أحد طرفي الشارع أرض مملوكة و في الطرف الآخر أرض موات كان الحريم من طرف الموات (197)، بل لو كان طريق بين الموات و سبق شخص و أحيا أحد طرفيه الى حد الطريق اختص الحريم بالطرف الآخر (198)، فلا

______________________________

القرينة على الخلاف، و طريق الاحتياط أن يراجع الحاكم الشرعي فيما زاد على الحريم المحدد شرعا.

(195) لا إشكال فيه إذا قضيت حاجة الناس بهذا المقدار من الحد و الحريم.

و أما إذا اقتضت الحاجة حدا و حريما أكثر من ذلك فلا بد حينئذ من ملاحظته.

و بعبارة أخرى التعارض بين مراعاة المصلحة الشخصية و المصلحة النوعية في الموات.

هذا إذا أحدث الشارع بأكثر من سبعة أذرع في الموات أولا ثمَّ أريد أحياء أطرافه، و أما لو كان بالعكس فلا ريب في أنه لا بد من مراعاة حق الملاك في توسعة الشارع حتى في مقدار سبعة أذرع.

(196) لفرض أن الشارع جعلها حدا و حريما.

(197) لفرض أن الحد و الحريم المجعول من الشارع الأقدس للشارع إنما هو في الموات دون غيره.

(198) أما جواز الإحياء إلى أحد طرفي الشارع فلوجود المقتضي- و هو كون الأرض مواتا لم يسبق إليه أحد- و فقد المانع لإمكان بقاء الحريم للشارع

ص: 269

يجوز لآخر الإحياء إلى حد لا يبقى للطريق سبعة أذرع (199)، فلو بنى بناء مجاورا لذلك الحد الزم هو بهدمه و تبعيده دون المحيي الأول (200).

مسألة 13: إذا استأجم الطريق أو انقطعت عنه المارة زال حكمه

(مسألة 13): إذا استأجم الطريق أو انقطعت عنه المارة زال حكمه بل ارتفع موضوعه و عنوانه (201)، فجاز لكل أحد إحياؤه كالموات (202) من غير فرق في صورة انقطاع المارة بين أن يكون ذلك لعدم وجودهم أو بمنع قاهر إياهم أو لهجرهم إياه و استطراقهم غيره أو بسبب آخر (203).

______________________________

من الطرف الآخر لأنه لا يختص بطرف دون طرف آخر، فيصح أن يكون من اليسار أو اليمين أو من المجموع.

(199) لأنه تصرف في حريم الشارع العام و هو غير جائز بلا كلام عند الشارع بل و لا عند العرف العام، لأن تقديم المصالح النوعية على الشخصية من الفطريات في الجملة.

(200) لأن التعدي جاء من قبل الثاني دون الأول.

و أما موثق ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته عن رجل اشترى دارا فيها زيادة من الطريق؟ قال عليه السّلام: إن كان ذلك في ما اشترى فلا بأس» (1)، و قريب منه خبر ابن أبي جميلة (2)، فأسقطهما عن الاعتبار ضعف الثاني و الإعراض عن الأول.

(201) لأن الموضوع و العنوان كان هو الطريق و الشارع و المفروض زوالهما فلا موضوع حتى يترتب عليه الحكم لا محالة.

(202) كما في كل أرض كانت مواتا فصارت محياة ثمَّ عرض عليها الموت فالموات بالعارض تكون كالموات بالأصل لعموم الأدلة و إطلاقها.

(203) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق الدال على عدم الفرق بين الجميع.

ص: 270


1- الوسائل باب: 27 من أبواب عقد البيع الحديث: 3 و 4.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب عقد البيع الحديث: 3 و 4.
مسألة 14: لو زاد عرض الطريق المسلوك عن سبعة أذرع

(مسألة 14): لو زاد عرض الطريق المسلوك عن سبعة أذرع فأما المسبّل فلا يجوز لأحد أخذ ما زاد عليها و إحياؤه و تملكه قطعا (204)، و أما غيره ففي جواز إحياء الزائد و عدمه وجهان، أوجههما التفصيل بين الحاجة إليه لكثرة المارة فالثاني و عدمها لقلتهم فالأول (205).

______________________________

(204) لفرض أنه مسبّل من الغير و وقع التسبيل على هذا الوجه فلا يصح لأحد تغييره عما وقع عليه.

(205) أما عدم الجواز في مورد الحاجة و الاحتياج، فللأصل و وقوع الطريق عن أهله و في محله، و أما الجواز في صورة عدم الاحتياج فلأصالة بقاء الزائد على الإباحة الأولية و كشف عدم الحاجة عن وقوع الإحياء بالنسبة إلى الزائد في غير محله.

ص: 271

المساجد و المشاهد

اشارة

المساجد و المشاهد من المشتركات المسجد (206)، و هو المكان المعد لتعبد المتعبدين و صلاة المصلين (207)، و هو من مرافق المسلمين يشترك فيه عامتهم و هم شرع سواء في الانتفاع به (208)، إلا بما لا يناسبه و نهى الشرع عنه كمكث الجنب فيه و نحوه (209).

مسألة 15: من سبق إلى مكان من المسجد

(مسألة 15): من سبق إلى مكان من المسجد لصلاة أو عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء بل و تدريس أو وعظ أو إفتاء و غيرها (210)، كان أحق به، و ليس لأحد إزعاجه (211)، سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض

______________________________

(206) جعلا من الواقفين و بالضرورة الدينية بين المسلمين بل بين المليين في كل عابد بالنسبة إلى معبده من اليهود و النصارى و غيرهما.

(207) و هو معروف بين المسلمين و غيرهم لمعروفية معابدهم لديهم.

(208) إجماعا من المسلمين إن لم يكن من الضرورة لديهم.

(209) من الحائض و النفساء و غيرهما على ما تقدم تفصيله مع دليله في أحكام المساجد.

(210) دليل هذا التعميم الإجماع و السيرة المعتبرة خلفا عن سلف.

(211) لقول علي عليه السّلام في خبر طلحة بن زيد: «سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل» (1)، مضافا إلى الإجماع، و يمكن حمل ذيل الحديث على ما إذا بقي فيه إلى الليل.

ص: 272


1- الوسائل باب: 17 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1.

أو تخالفا فيه فليس لأحد بأي غرض كان (212)، مزاحمة من سبق الى مكان منه بأي غرض كان.

نعم، لا يبعد تقدم الصلاة جماعة أو فرادى على غيرها من الأغراض (213)، فلو كان جلوس السابق لغرض القراءة أو الدعاء أو التدريس و أراد أحد أن يصلي في ذلك المكان جماعة أو فرادى يجب عليه تخلية المكان له (214).

نعم، ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن اختيار مريد الصلاة في ذلك المكان لمجرد الاقتراح (215)، بل كان إما لانحصار محل الصلاة فيه أو لغرض راجح ديني كالالتحاق بصفوف الجماعة و نحوه هذا و لكن أصل المسألة لا تخلو من إشكال (216)، فيما إذا كان جلوس السابق لغرض

______________________________

(212) دليله منحصر بإطلاق الحديث و إطلاق معقد الإجماع.

(213) لأنه الغرض الأصلي من المسجد.

و قواه في الجواهر، و أجمل الفقهاء ذكر صور التعارض المتصورة بل لم يتعرضوا لها أصلا.

(214) لما مر في سابقة من أحقية المصلين بالنسبة إلى غيرهم.

(215) لأن العباديات و أمكنتها منزهة عن تدخل الاقتراحات النفسانية فيها، بل لا بد و إن تكون كلها خالصة للّه عز و جل فالمكان يأبى عن الاقتراحات النفسانية فضلا عن العبادة التي تقع فيها خصوصا إن كانت منبعثة عن الشقاق و النفاق.

(216) لأن الغاية العظمى و المقصد الأسنى العبادة و هي متحققة في الكل و لا ريب في أن الصلاة الجامعة للشرائط منها، و ربما كان إرشاد الجاهل إلى المعارف الإسلامية للّه تعالى أفضل من بعض الصلاة أو الجماعات التي تقام لأجل الدنيا الدّنية، و قال علي عليه السّلام: «رب قائم لا نصيب له من قيامه إلا العناء

ص: 273

العبادة كالدعاء و القراءة (217)، لا لمجرد النزهة و الاستراحة (218)، فلا ينبغي فيه ترك الاحتياط للمسبوق بعدم المزاحمة و للسابق بتخلية المكان له (219)، و الظاهر تسوية الصلاة فرادى مع الصلاة جماعة فلا أولوية للثانية على الأولى (220)، فمن سبق إلى مكان للصلاة منفردا فليس لمريد

______________________________

حبذا نوم الأكياس» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «قصم ظهري طائفتان جاهل متنسك و عالم متهتك»، و لعله لأجل ذلك أغمض الفقهاء عن التعرض للتفصيل لأنه حالي لا أن يكون مقاليا.

(217) إن كانا للّه تعالى و أما إن كان للرياء- نستجير باللّه- فهو محرم لا يحصل له الحق، فيكون كمكث الجنب في المسجد بل أشد منه لأنه شرك كما في الحديث (2).

(218) أو الاشتغال بالمشاغل الدنيوية أيا منها كانت إلا قضاء حاجة المؤمن فإنه من العباديات بل أرجح من جملة منها كما يظهر من بعض الروايات (3).

(219) و في بعضها ينبغي أن لا يدخل في المسجد لأجله أصلا فضلا عن أن يحصل له الحق فيه.

(220) لأن فضل الصلاة في نفسها شي ء و كون المكان من المشتركات شي ء آخر لا ربط لأحدهما بالآخر، و إلا ففي صلاة المنفرد يتصور أفضلية بعض الأفراد من بعضها الآخر فأين صلاة الجامع لشرائط القبول من صلاة الجامع لشرائط الصحة فقط، فرب صلاة جماعة لا ينظر إليها اللّه تعالى لكثرة ملابساتها الدنيوية، و رب صلاة فرادى تكون معراجا لمن صلاها إلى حضرة الأحدية الربوبية، و رب قول «يا اللّه» الصادر من العبد المنقطع إلى حضرة الكريم الغفار

ص: 274


1- راجع الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: 8 و 9.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: 2.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب فعل المعروف.

الصلاة جماعة إزعاجه لها و إن كان الأولى له تخلية المكان له إذا وجد مكان آخر له و لا يكون مناعا للخير عن أخيه.

مسألة 16: لو قام الجالس السابق و فارق المكان رافعا يده منه معرضا عنه بطل حقه

(مسألة 16): لو قام الجالس السابق و فارق المكان رافعا يده منه معرضا عنه بطل حقه و إن بقي رحله (221)، فلو عاد إليه و قد أخذه غيره كان هو الأولى (222)، و ليس له إزعاجه و إن كان ناويا للعود فإن كان رحله باقيا بقي حقه بلا إشكال (223)،

______________________________

أفضل من الجماعات التي يؤتى بها لأجل الماديات و الأغراض الفاسدة، و المحبوب الحقيقي يرى قلب حبيبه لا أن يكون نظره إلى جوارحه و ظواهره.

(221) لأن الإعراض مطلقا يوجب سقوط الحق بالإجماع بل الضرورة الفقهية، فيحمل قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «إذا قام الرجل من مجلسه ثمَّ عاد إليه فهو أحق به» (1)، على صورة عدم الإعراض.

(222) لصيرورة المحل بذهاب حق الأول من المشتركات الأولية فيتمحض الحق حينئذ للثاني الذي إليه سبق دون الأول، فيكون الحق للثاني و ليس للأول إزعاجه.

(223) نصا و فتوى لأنه المتيقن مما مر من قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله، و ما تقدم من قول علي عليه السّلام: «سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الى مكان فهو أحق به إلى الليل» (2)، و بقاء الرحل لا موضوعية فيه و إنما هو طريق لإحراز الإعراض و عدمه، و مع تحقق الإعراض أي أثر للرحل حينئذ؟! إلا أن يقول أحد بأن لنفس الرحل من حيث هو موضوعية خاصة في عرض الجالس عليه و إن أعرض عن المسجد رأسا و لا يقولون به، و ظاهرهم عدم الخلاف في ترك العمل بإطلاق الحديثين.

ص: 275


1- سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 151.
2- تقدم في صفحة: 272.

و إلا ففيه إشكال (224)، و الأحوط شديدا مراعاة حقه (225)، خصوصا إذا كان خروجه لضرورة كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو قضاء حاجة و نحوها (226).

______________________________

(224) من قول الشيخ رحمه اللّه في مبسوطه: «فمن سبق إلى مكان في المسجد كان أحق به فإن قام و ترك رحله فيه فحقه باق و إن حوّل رحله منه انقطع حقه منه و لا خلاف فيه، و فيه نص لنا عن الأئمة عليهم السّلام» فيظهر منه رحمه اللّه وجود النص و عدم الخلاف في انقطاع الحق مع عدم الرحل، و لعل مراده رحمه اللّه من النص الخبرين المزبورين و من أن بقاء الرحل طريق محض لعدم الإعراض، و المفروض أنه محرز فلا أثر للطريق حينئذ، و أما دعواه نفي الخلاف فهو مخدوش مع وجود الخلاف.

و أما الخبران فلم يعمل محققو الأصحاب بإطلاقهما.

(225) جمودا على إطلاق الخبرين المزبورين و إن قصد العود بمنزله مع بقاء الرحل.

(226) لتصريح المحقق في الشرائع و الفاضل في التذكرة بذلك و يقتضيه إطلاق الخبرين و إن لم يعمل المشهور به.

ثمَّ ان الاقسام أربعة:

الأول: العلم بالإعراض.

الثاني: العلم بعدمه.

الثالث: الشك فيه مع بقاء الرحل.

الرابع: الشك فيه مع عدم بقائه.

و في الأول يزول الحق و إن بقي الرحل، و في الثاني يبقى الحق و إن لم يكن رحل في البين على ما مر تفصيله.

و في الثالث يبقى الحق.

و في الرابع: لا وجه لإحراز البقاء و جريان الاستصحاب مبنى على أن

ص: 276

مسألة 17: الظاهر أن وضع الرحل مقدمة للجلوس كالجلوس في إفادة الأولوية

(مسألة 17): الظاهر أن وضع الرحل مقدمة للجلوس كالجلوس في إفادة الأولوية (227)، لكن إذا كان ذلك بمثل فرش سجادة و نحوها مما يشغل مقدار مكان الصلاة أو معظمه لا بمثل وضع تربة أو سبحة أو مسواك و شبهها (228).

مسألة 18: يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل و مجيئه طول زمان

(مسألة 18): يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل و مجيئه طول زمان بحيث يستلزم تعطيل المكان (229)، و إلا لم يفد حقا فجاز لغيره أخذ المكان قبل مجيئه (230)، و رفع رحله و الصلاة مكانه إذا شغل المحل

______________________________

حدوث هذا الحق دائمي ما لم يعرض عنه فيجري أو ما دامي فقط أي ما دام الاشتغال فلا يجري.

(227) لأن الرحل علامة حيازة المحل الخاص كما في التحجير الذي يكون علامة لقدر المحجر عليه، و تلك تحصل بالوضع مقدمة للجلوس أيضا مضافا إلى السيرة في الأمكنة المزدحمة و غيرها.

(228) لعدم جريان السيرة في أصل حدوث الحق بذلك و الشك فيه يكفي في عدم حدوثه.

نعم، يمكن أن يكون رحلا بعد حدوث الحق بالجلوس لأجل العبادة ثمَّ الذهاب لأجل قضاء الحاجة و يمكن الاختلاف باختلاف الجهات و الخصوصيات و العادات.

(229) لأن التحفظ على الرحل إنما هو لأجل عدم تعطيل المكان فإذا لزم تعطيله فلا وجه لمراعاته، مع أن هذا هو المنساق من الأدلة و كلمات الأجلة.

(230) لأن الحق كان محدودا بعدم لزوم التعطيل فإذا لزم ذلك زال الحق، و زواله. تارة: بالإعراض.

و أخرى: بلزوم التعطيل.

ص: 277

بحيث لا يمكن الصلاة فيه إلا برفعه (231)، و الظاهر أنه يضمنه الرافع إلى أن يوصله إلى صاحبه (232)، و كذا الحال فيما لو فارق المكان معرضا عنه مع بقاء رحله فيه (233).

مسألة 19: المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الأحكام

(مسألة 19): المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الأحكام (234)، فإن المسلمين فيها شرع سواء، سواء العاكف فيها و الباد و المجاور لها و المتحمل إليها من بعد البلاد و من سبق إلى مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء أو قراءة كان أحق و أولى به و ليس لأحد إزعاجه، و هل للزيارة أولوية على غيرها كالصلاة في المسجد بالنسبة إلى غيرها، لو قلنا بأولويتها لا يخلو من وجه لكنه غير وجيه كأولوية من جاء إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى المجاورين و إن كان ينبغي لهم مراعاتهم و حكم مفارقة المكان و وضع الرحل و بقائه كما سبق في المساجد (235).

______________________________

(231) للإذن الشرعي حينئذ في رفعه فيكون جائزا له شرعا.

(232) لقاعدة اليد و الإذن الشرعي في الرفع لا ينافي الضمان باليد.

(233) فيجوز رفعه مع الأشغال للمحل للإذن الشرعي، و يضمن لو تلف لقاعدة اليد.

ثمَّ إن الظاهر أن الرفع مع الأشغال لمحل الصلاة من شؤون المسجد و حقوق المصلين، فيجوز رفعه لصلاة أهل المسجد و لا يختص بخصوص من يريد الصلاة فيه فعلا و إن كان الأولى الاقتصار عليه، كما أن الظاهر عدم اختصاص الرحل بخصوص السجادة مثلا بل يشمل كلما يسمّى رحلا عرفا كعباء و فرش و نحوهما.

(234) للإجماع و السيرة خلفا عن سلف بلا فرق بين المشاهد المشرفة للأئمة و المشاهد لجميع الأنبياء عليهم السّلام.

(235) تقدم الوجه في جميع ذلك فراجع فلا وجه للتكرار بالإعادة

ص: 278

المدارس و الربط

اشارة

المدارس و الربط من المشتركات المدارس بالنسبة إلى طالبي العلم (236)، أو الطائفة الخاصة منهم.

مسألة 20: إذا خصّ الواقف المدارس بصنف خاص

(مسألة 20): إذا خصّ الواقف المدارس بصنف خاص (237)، كما إذا خصها بصنف العرب أو العجم أو طالبي العلوم الشرعية أو خصوص الفقه مثلا، فهي بالنسبة إلى مستحقي السكنى بها كالمساجد، فمن يسبق إلى سكنى حجرة منها فهو أحق بها (238)، ما لم يفارقها معرضا عنها (239)، و إن طالت مدة السكنى إلا إذا اشترط الواقف له مدة معيّنة (240) ثلاث سنين مثلا فيلزمه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة و إن لم

______________________________

(236) جعلا من الواقفين و إجماعا من المسلمين بل كل من له مدرسة من المليين لأهل ملتهم، فالحكم من السيرة العقلائية و لا اختصاص له بالشريعة المقدسة الإسلامية.

(237) لأن الترخيص فيها كما و كيفا تابع لجعل الواقف كما تقدم في كتاب الوقف بلا فرق في جميع الأوقاف بين العامة الخاصة.

(238) لفرض كون سبقه عن أهله و في محله مضافا إلى الإجماع.

(239) لزوال الحق بالإعراض إجماعا و سيرة و جعلا من الواقف.

(240) أما جواز السكنى و لو مع طول المدة فلفرض إطلاق الإذن و عدم تحديده بحد خاص.

و أما لزوم مراعاة شرط الواقف فلفرض ولايته على كل شرط سائغ في وقفه كما مر في كتاب الوقف.

ص: 279

يؤمر به (241)، أو شرط اتصافه بصفة فزالت عنه تلك الصفة (242)، كما إذا شرط كونه مشغولا بالتحصيل أو التدريس فطرأ عليه العجز لمرض أو هرم و نحو ذلك.

مسألة 21: لا يبطل حق الساكن بالخروج لحاجة معتادة

(مسألة 21): لا يبطل حق الساكن بالخروج لحاجة معتادة كشراء مأكول أو مشروب أو كسوة و نحوها قطعا و إن لم يترك رحله و لا يلزم تخليف أحد مكانه (243)، بل و لا بالأسفار المتعارفة المعتادة كالرواح للزيارة أو لتحصيل المعاش أو للمعالجة مع نية العود و بقاء متاعه و رحله (244)، ما لم تطل المدة إلى حدّ لم يصدق معه السكنى و الإقامة عرفا (245)، و لم يشترط الواقف لذلك مدة معينة كما إذا شرط أن لا يكون خروجه أزيد من شهر أو شهرين مثلا فيبطل حقه لو تعدى زمن خروجه عن تلك المدة (246).

مسألة 22: من أقام في حجرة منها ممن يستحق السكنى بها

(مسألة 22): من أقام في حجرة منها ممن يستحق السكنى بها له أن يمنع من أن يشاركه غيره إذا كان المسكن معدا لواحد إما بحسب

______________________________

(241) لأن الإذن في السكنى كان محدودا بحد معين فيكون بعده من الغصب و العدوان كما في كل مال أذن مالكه لغيره بالتصرف فيه في زمان معين.

(242) لفرض أن الإذن كان مشروطا بشرط معين فيزول بانتفائه لقاعدة أن المشروط ينتفي بانتفاء شرطه.

(243) كل ذلك للإجماع و السيرة العقلائية في جميع الأعصار و الأزمان و الأمكنة و البلدان.

(244) يجري فيه ما مر في سابقة من غير فرق.

(245) لزوال حقه موضوعا حينئذ لفرض كونه خلاف المتعارف و لزوم تعطيل المحل و يحتاج في دخوله إلى إذن جديد.

(246) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

ص: 280

قابلية المحل أو بسبب شرط الواقف (247)، و لو أعدّ لما فوقه لم يكن له منع غيره (248)، إلا إذا بلغ العدد الذي أعد له فللسكنة منع الزائد (249).

مسألة 23: يلحق بالمدارس الربط

(مسألة 23): يلحق بالمدارس الربط و هي: المواضع المبنية لسكنى الفقراء و الملحوظ فيها غالبا الغرباء (250)، فمن سبق منهم إلى إقامة بيت منها كان أحق به و ليس لأحد إزعاجه و الكلام في مقدار حقه و ما به يبطل حقه و جواز منع الشريك و عدمه فيها كما سبق في المدارس (251).

______________________________

(247) أما في الأول فللقرينة الحالية على عدم التعدد و أما في الثاني فللقرينة اللفظية عليه.

(248) لفرض أن المكان من المشتركات لا يمنع عنه أحد إلا بوجه شرعي أو جعل واقفي و كلاهما منفيان.

(249) لفرض أن المكان غير معد للزائد فيرجع إلى منع الواقف عن الزيادة.

(250) أما أصل كونها من المشتركات فللإجماع و السيرة.

و أما أن الملحوظ فيها غالبا الغرباء فللسيرة، مع أن الشك في سكنى غيرهم يكفي في عدم الجواز ما لم يحرز بوجه معتبر.

(251) لأن الحكم مطابق للقاعدة بلا فرق فيه بين الصغريات.

ثمَّ انه من المشتركات المجالس العامة لدخول الناس أو خروجهم لأغراض صحيحة دنيوية أو دينية ما لم يعين مالكها مكانا مخصوصا لأشخاص خاصة أو لطائفة مخصوصة فيجري فيها جميع ما تقدم من الأحكام.

ص: 281

المياه و الكلأ

اشارة

المياه و الكلأ من المشتركات المياه و المراد بها مياه الشطوط و الأنهار الكبار كدجلة و الفرات و النيل، و الصغار التي لم يجرها أحد بل جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج و كذلك العيون المنفجرة من الجبال أو في أراضي الموات و المياه المجتمعة في الوهاد من نزول الأمطار فإن الناس في جميع ذلك شرع سواء (252)، و من حاز منها شيئا بآنية أو مصنع أو حوض و نحوها ملكه (253)، و جرى عليه أحكام الملك من غير فرق بين المسلم و الكافر (254).

مسألة 24: مياه العيون و الآبار

(مسألة 24): مياه العيون و الآبار و القنوات التي حفرها أحد في ملكه

______________________________

(252) بالفطرة البشرية بل بفطرة كلما جعل من الماء حيا فضلا عن الضرورة الدينية و لقول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله الذي رواه الفريقان: «الناس شركاء في ثلاث النار و الماء و الكلأ» (1)، و قريب منه ما عن العبد الصالح عليه السّلام و في غير هذه الأقسام من المياه يأتي حكمه آنفا و ما في جملة من الأخبار التعبير بالمسلمين من باب ذكر الأفضل لا التقييد.

(253) للنص و الإجماع و السيرة قال نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له» (2).

(254) للإطلاق و الاتفاق و السيرة.

ص: 282


1- مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب إحياء الموات و في سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 150 باب ما لا يجوز اقطاعه.
2- سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 142.

أو في الموات بقصد تملك مائها هي ملك للحافر (255)، كسائر الأملاك لا يجوز لأحد أخذها و التصرف فيها إلا بإذن المالك و ينتقل إلى غيره بالنواقل الشرعية قهرية كانت كالإرث أو اختيارية كالبيع و الصلح و الهبة و غيرها (256).

مسألة 25: إذا شق نهرا من ماء مباح

(مسألة 25): إذا شق نهرا من ماء مباح كالشط و نحوه ملك ما يدخل فيه من الماء (257)، و يجري عليه أحكام الملك كالماء المحوز في آنية و نحوها و تتبع ملكية الماء ملكية النهر (258)، فإن كان النهر لواحد ملك الماء بالتمام و إن كان لجماعة ملك منهم من الماء بمقدار حصته من ذلك النهر فإن كان لواحد نصفه و لآخر ثلثه و لثالث سدسه ملكوا الماء بتلك النسبة و هكذا (259)، و لا يتبع مقدار استحقاق الماء مقدار الأراضي التي

______________________________

(255) أما إذا حفرها في ملكه فلقاعدة السلطنة و أنه نماء ملكه مضافا إلى الإجماع و السيرة العقلائية.

و أما إذا حفرها في الموات فلما مر من التملك بالحيازة، و القول بأنه لا يملك ما زاد عن حاجته لا دليل له يصح الاعتماد عليه فراجع المطولات.

(256) لأن ذلك كله من آثار الملك شرعا و عقلا و المفروض تحققه فلا بد من ترتب الآثار عليه.

(257) لأنه حيازة للماء المباح كما يأتي فيشمله دليل كل من حاز ملك و لا فرق بينه و بين الحيازة في الأواني و الظروف و الأنابيب و المكائن و المصانع و نحوها.

(258) لبناء الملّاك المشتركين في حفر النهر على ذلك ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(259) إذا كان وضع حفر النهر على ذلك و لم يكن شرط على الخلاف و مع الشك يتبع ما هو الغالب.

ص: 283

تسقى منه (260)، فلو كان النهر مشتركا بين ثلاثة أشخاص بالتساوي كان لكل منهم ثلث الماء و إن كانت الأراضي التي تسقى منه لأحدهم ألف جريب و لآخر جريب و لآخر نصف جريب يصرفان ما زاد على احتياج أرضهما فيما شاءا (261)، بل لو كان لأحدهما رحى يدور به و لم يكن له أرض أصلا يساوي مع كل من شريكيه في استحقاق الماء (262).

مسألة 26: إنما يملك النهر المتصل بالمباح

(مسألة 26): إنما يملك النهر المتصل بالمباح إما بحفره في أرض مملوكة (263)، و إما بحفره في الموات بقصد إحيائه نهرا مع نية تملكه إلى أن أوصله بالمباح كما مر في إحياء الموات (264) فإن كان الحافر واحدا ملكه بالتمام و إن كان جماعة كان بينهم على قدر ما عملوا و اتفقوا فمع التساوي بالتساوي و مع التفاوت بالتفاوت (265).

______________________________

(260) لفرض أن التشريك في الماء كان بقدر التشريك في ملك النهر و لو اشترط كون التشريك في الماء بقدر الأراضي وجب اتباع الشرط حينئذ إن كان الشرط في ضمن عقد لازم لوجوب اتباع الشرط حينئذ.

(261) لأن الماء ملك لهم و الناس مسلطون على أموالهم.

(262) فيملك ثلث الماء و تجب عليه أجرة ثلثي الماء الباقي إن لم يكف ثلث نفسه لإدارة الرحى، و جرت عادة العرف على أخذ الأجرة للماء الذي يدار به الرحى.

(263) فيكون النهر حينئذ ملكا لصاحب الأرض فإن كان المالك واحدا فتمامه له و إلا فبالنسبة لأنه من صغريات الحيازة.

(264) فيملك النهر حينئذ بالإحياء فإن كان المحيي واحدا فبالتمام و إلا فبالنسبة على قدر العمل و الإنفاق، كما هو المتعارف في ذلك و إن كان المتعارف غير ذلك فيتبع كذلك ما لم يكن نهي شرعي.

(265) لفرض أن ذلك من ثمرات عملهم.

ص: 284

مسألة 27: لما كان الماء الذي يفيضه النهر المشترك بين جماعة مشتركا بينهم

(مسألة 27): لما كان الماء الذي يفيضه النهر المشترك بين جماعة مشتركا بينهم كان حكمه حكم سائر الأموال المشتركة (266)، فلا يجوز لكل واحد منهم التصرف فيه و أخذه و السقاية به إلا بإذن باقي الشركاء (267)، فإن لم يكن بينهم تعاسر و يبيح كل منهم سائر شركائه أن يقضي منه حاجته في كل وقت و زمان فلا بحث (268)، و إن وقع بينهم تعاسر فإن تراضوا بالتناوب و المهاياة بحسب الساعات أو الأيام أو الأسابيع مثلا فهو (269)، و إلا فلا محيص من تقسيمه بينهم بحسب الأجزاء (270)، بأن توضع على فم النهر خشبة أو صخرة أو حديدة ذات ثقب متساوية السعة حتى يتساوى الماء الجاري فيها، و يجعل لكل منهم من الثقب بمقدار حصته و يجري كل منهم ما يجري في الثقبة المختصة به في سابقيه تختص به، فإذا كان بين ثلاثة و سهامهم متساوية فإن كانت الثقب ثلاث متساوية جعلت لكل منهم ثقبة و إن كانت ستا جعلت لكل منهم ثقبتان و إن كانت سهامهم متفاوتة يجعل الثقب على أقلهم سهما، فإذا كان لأحدهم نصفه و لآخر ثلثه و لثالث سدسه جعلت الثقوب ستا ثلاث منها لذي النصف و اثنتان لذي الثلث و واحدة لذي السدس و هكذا، و بعد ما أفرزت حصة كل منهم من الماء يصنع بمائه ما شاء إن شاء استعمله في

______________________________

(266) لتحقق موضوع الاشتراك وجدانا فيتبعه حكمه قهرا.

(267) لأنه حكم المال المشترك عقلا أو شرعا.

(268) لتحقق التراضي و التصالح على كل تقدير فلا موضوع للقسمة و المساهمة لا محالة.

(269) لوقوع القسمة بينهم بما شاؤوا و أرادوا و لا نزاع من توافق المشية و الإرادة فيما بينهم.

(270) لانحصار طريق التقسيم فيه حينئذ إن لم يكن هناك طريق آخر

ص: 285

الاستقاء أو في غيره و إن شاء باعه أو إباحة لغيره (271).

مسألة 28: الظاهر أن القسمة بحسب الأجزاء قسمة إجبار

(مسألة 28): الظاهر أن القسمة بحسب الأجزاء قسمة إجبار (272)، إذا طلبها أحد الشركاء يجبر الممتنع منهم عليها (273)، و هي لازمة ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها (274)، و أما المهاياة فهي موقوفة على التراضي و ليست بلازمة (275)، فلبعضهم الرجوع عنها حتى فيما إذا استوفى تمام نوبته و لم يستوف الآخر نوبته (276)، و إن ضمن حينئذ مقدار

______________________________

للتقسيم من الطرق الحديثة من الساعات أو المقاييس المتعارفة لتعيين كمية صرف الماء و غيرها من الآلات، و قد ذكر التقسيم بحسب الاجزاء في الجواهر و غيره، و حيث أنه عرفي لم يذكروا له دليلا من إجماع أو نص أو غيره و أرسلوه إرسال المسلمات لكونه من العرفيات.

(271) لقاعدة السلطنة في جميع ذلك، بلا معارض فيها.

(272) لتعديل السهام و عدم الاشتمال على الرد و عدم الضرر في البين كما هو المفروض في جميع ذلك و هذا يسمى بقسمة الإجبار كما مر في كتاب القسمة (1).

(273) لأنه لا معنى لقسمة الإجبار إلا ذلك.

(274) لأصالة اللزوم فيما تعاهدوا عليه مضافا إلى ظهور الإجماع.

(275) لقاعدة السلطنة بعد عدم دليل حاكم عليها من تعاقد و تعاهد و إنما هي تراض في عمل خاص تدريجي الحصول مع ظهور الإجماع على عدم لزومه.

نعم، لو وقعت في ضمن عقد لازم تلزم بلزومه أو جعلت عقدا و عهدا مستقلا بناء على شمول أدلة اللزوم لمثل هذه العقود المستقلة أيضا.

(276) لقاعدة السلطنة و أصالة الإباحة و عدم جريان أصالة اللزوم إلا على ما قلناه.

ص: 286


1- راجع ج: 20 صفحة: 42.

ما استوفاه بالقيمة (277).

مسألة 29: إذا اجتمعت أملاك على ماء مباح

(مسألة 29): إذا اجتمعت أملاك على ماء مباح من عين أو واد أو نهر و نحوها بأن أحياها أشخاص عليه ليسقوها منه بواسطة السواقي أو الدّوالي أو النواعير أو المكائن المتداولة في هذه الأعصار كان للجميع حق السقي منه (278)، فليس لأحد أن يشق نهرا فوقها يقبض الماء كله أو ينقصه عن مقدار احتياج تلك الأملاك (279)، و حينئذ فإن و في الماء لسقي الجميع من دون مزاحمة في البين فهو (280)، و إن لم يف و وقع بين أربابها في التقدم و التأخر التشاح و التعاسر يقدم الأسبق فالأسبق في الإحياء إن علم السابق (281)، و إلا يقدم الأعلى فالأعلى و الأقرب فالأقرب إلى فوهة الماء و أصله فيقضي الأعلى حاجته ثمَّ يرسله لمن يليه و هكذا (282).

______________________________

(277) لقاعدة اليد مضافا إلى الإجماع في أصل الضمان و لو كان الماء في محل مثليا فيضمن بالمثل.

(278) لقول النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «الناس شركاء في ثلاث النار و الماء و الكلأ» (1)، مضافا إلى الأصل و الإجماع، و السيرة العقلائية في جميع الأعصار و الازمان و الأمكنة و البلدان.

(279) لكونه تصرفا في حق الغير فيكون ظلما و هو حرام بالأدلة الأربعة كما تقدم مرارا.

(280) لعدم الخصومة في العين و تحقق التراضي في البين.

(281) لثبوت سبق حقه حينئذ فليس للآخر مزاحمته.

(282) لتحقق حق السبق بالنسبة إلى الأقرب فالأقرب إلى فوهة الماء فيقدم من هذه الجهة مضافا إلى نصوص خاصة.

ص: 287


1- تقدم في صفحة: 255.
مسألة 30: الأنهار المملوكة المنشقة من الشطوط و نحوها

(مسألة 30): الأنهار المملوكة المنشقة من الشطوط و نحوها إذا وقع التعاسر بين أربابها- بأن كان الشط لا يفي في زمان واحد بإملاء جميع تلك الأنهار- كان حالها كحال اجتماع الأملاك على الماء المباح المتقدم في المسألة السابقة، فالأحق ما كان شقه أسبق ثمَّ الأسبق و إن لم يعلم الأسبق فالمدار على الأعلى فالأعلى فيقبض الأعلى ما يسعه ثمَّ ما يليه و هكذا (283).

مسألة 31: لو احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى تنقية

(مسألة 31): لو احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى تنقية أو حفر أو إصلاح أو سدّ خرق و نحو ذلك فإن أقدم الجميع على ذلك كانت المؤنة على الجميع بنسبة ملكهم للنهر (284)، سواء كان إقدامهم بالاختيار أو بالإجبار من حاكم قاهر جائر أو بإلزام من الشرع (285)، كما إذا كان مشتركا بين المولّى عليهم و رأى الولي المصلحة الملزمة في تعميره مثلا، و إن لم يقدم إلا البعض لم يجبر الممتنع (286)، و ليس للمقدمين مطالبته بحصته من المؤنة (287)، ما لم يكن إقدامهم بالتماس منه و تعهده ببذل حصته (288).

______________________________

(283) لما تقدم في سابقة بلا فرق بينهما.

(284) لأن الحاجة إلى المؤنة في ملكهم بالنسبة فالمؤنة عليهم كذلك.

(285) لأن المناط كله صرف المؤنة فيما فيه الصلاح و الإصلاح، و هو متحقق في الصورتين مع أن الحكم إجماعي.

(286) للأصل بعد عدم دليل عليه من عقل أو نقل.

(287) لعدم ولاية له على ذلك و عدم وجوب دفع الضرر عن الغير.

(288) لأجل تعهده و التزامه ببذل حصته فيجب الوفاء به لعموم وجوب الوفاء بالعقد و العهد.

ص: 288

نعم، لو كان النهر مشتركا بين القاصر و غيره و كان إقدام غير القاصر متوقفا على مشاركة القاصر إما لعدم اقتداره بدونه أو لغير ذلك وجب على ولي القاصر مراعاة للمصلحة تشريكه في التعمير و بذل المؤنة من ماله بمقدار حصته (289).

مسألة 32: من المشتركات الكلأ النابت في الأرض فإنه تابع للأرض عينا أو منفعة

(مسألة 32): من المشتركات الكلأ النابت في الأرض فإنه تابع للأرض عينا أو منفعة أو هما معا فمع وجود مالك فعلي في البين ليس لأحد حق رعية (290)، و إن لم تكن الأرض ملكا لأحد مطلقا تكون الكلأ كالأرض في أن جميع الناس فيه شرع سواء (291).

مسألة 33: يملك الكلأ بالحيازة

(مسألة 33): يملك الكلأ بالحيازة كما تملك سائر المباحات (292).

مسألة 34: لا فرق في النباتات بين ما ترعاها الأغنام أو ما يدّخرها الأطباء للأدوية و العقاقير

(مسألة 34): لا فرق في النباتات بين ما ترعاها الأغنام أو ما يدّخرها الأطباء للأدوية و العقاقير (293).

______________________________

(289) لرجوعه حينئذ إلى مراعاة مصلحة مال القاصر فيجب مراعاته.

(290) لأنه نماء ملكه فيكون ملكا له و الناس مسلطون على أموالهم بالأدلة الأربعة كما تقدم مكررا (1).

(291) للأصل و عمومات الأدلة مضافا إلى قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الناس شركاء في ثلاث الماء و النار و الكلأ».

(292) لعموم أدلة الحيازة للمباحات الشامل للمقام أيضا.

(293) لإطلاق الدليل الشامل للجميع فإن الكلأ و النباتات- كالمعادن- للّه تعالى و منه لعباده سواء كانت تحت الأرض أو فوقها أو منطبعة في الأحجار أو معدنا نباتيا الذي لا يحصى منافعها و لا يعلمها إلا اللّه تعالى.

ص: 289


1- راجع ج: 16 صفحة: 231- 233.
مسألة 35: إذا حاز شخص مرعى

مسألة (35): إذا حاز شخص مرعى أو كانت الأرض ملكا لأحد فنبت فيها كلأ أو نباتات طبيعية لا يجوز للغير الاستفادة منها بالرعي أو بغيره إلّا بإذنه (294).

مسألة 36: من المشتركات النار

(مسألة 36): من المشتركات النار، و المراد بها إما البراكين النارية أو النار التي تورّى، فإذا ورى أحد حطبه- مثلا- من نار غيره مع عدم تصرف في ملكه يجوز ذلك (295).

______________________________

(294) لأنه تصرف في ملك الغير أو مورد حقه بغير إذنه فلا يجوز له ذلك.

(295) لما تقدم من قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «الناس شركاء في ثلاث الماء و النار و الكلأ» (1)، و كذا ما مر عن العبد الصالح عليه السّلام (2)، و إن الناس يقبّحون من منع ذلك فيصح أن يكون ذلك منهم عليهم السّلام إرشادا و تقريرا لما في أذهان الناس، و الظاهر أن الاستضاءة بنور الغير أيضا كذلك.

ص: 290


1- مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب إحياء الموات و تقدم في صفحة: 255.
2- مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب إحياء الموات و تقدم في صفحة: 255.

المعادن

اشارة

المعادن من المشتركات المعادن و هي إما ظاهرة و هي ما لا يحتاج في استخراجها و الوصول إليها إلى عمل و مئونة- كالملح و القير و الكبريت و الموميا و الكحل و كذا النفط إذا لم يحتج في استخراجه إلى الحفر و العمل- و إما باطنة (296)، و هي ما لا تظهر إلا بالعمل و العلاج كالذهب و الفضة

______________________________

من أهم مظاهر قدرة اللّه تعالى في البر و البحر لعباده المعادن، و هي من أنفع نعمه جل شأنه لأهل الأرض في بلاده، و قد تاهت العقول عن الإحاطة بخواصها و آثارها فضلا عن ذواتها و حقائقها، فجميعها آثار قدرة الحكيم المسلّط على الملك و الملكوت و تجلّيات لقدرته تعالى في عالم الناسوت الظاهرة في مثل الذهب و الزبرجد و الياقوت، و لنترك تكوين المعادن في سنبلها حتى تخرج الْأَرْضُ أَثْقالَها (1)، و تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (2)، و لنتعرض لما يتعلق ببعض جهاتها التشريعية:

و المعدن معروف عند الناس خصوصا في هذه الأعصار التي جعلت من أهم الثروات و يهتمون بالظفر عليها و سائر ما يتعلق بها، و لا نحتاج بعد ذلك إلى مراجعة قول اللغوي و الفقيه مع الاجهزة الحديثة التي تكشف عن أعماق الأرض و تبين ما فيها فإيكالها إلى الخبراء بهذا الموضوع أولى من التعرض لبيانها.

(296) هذا التقسيم عقلي و وجداني لكل أحد و النزاع لو كان فهو في

ص: 291


1- سورة الزلزلة: 2- 5.
2- سورة الزلزلة: 2- 5.

و النحاس و الرصاص و كذا النفط إذا احتاج في استخراجه إلى حفر آبار كما هو المعمول غالبا في هذه الأعصار.

مسألة 37: المعادن الظاهرة تملك بالحيازة لا بالإحياء

(مسألة 37): المعادن الظاهرة تملك بالحيازة لا بالإحياء (297)، فمن أخذ منها شيئا ملك ما أخذه قليلا كان أو كثيرا و إن كان زائدا على ما يعتاد لمثله و على مقدار حاجته (298)، و يبقى الباقي مما لم يأخذه على الاشتراك (299)، و لا يختص بالسابق في الأخذ (300)، و ليس له أن يحوز

______________________________

الصغريات لا في أصل الكبرى.

(297) أما التملك بالأخذ فلقوله عليه السّلام: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به» (1)، مضافا إلى الإجماع عليه.

و أما عدم التملك بالإحياء فلفرض أنها ظاهرة لكل أحد من دون حاجة إلى الإحياء.

(298) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق و لا معنى للإباحة المطلقة و عدم التحديد بحد شرعي إلا ذلك.

نعم، لو أضر مقدار أخذه بالمسلمين لا يجوز له ذلك كما يأتي.

(299) لإطلاق دليل الاشتراك مضافا إلى الأصل و الإجماع.

(300) لإطلاق قوله تعالى خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (2)، و السيرة المتشرعة بل العقلائية، و دعوى الإجماع من غير من استظهر أنها من الأنفال، و لقول علي عليه السّلام في خبر أبي البختري: «لا يحل منع الملح و النار» (3) و نسب إلى جمع أنها من الأنفال فيختص بالإمام عليه السّلام لخبر إسحاق بن

ص: 292


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات الحديث: 4.
2- سورة البقرة: 29، و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 1 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب إحياء الموات الحديث: 2.

مقدارا أوجب الضيق و المضارة على الناس (301).

و أما الباطنة فهي تملك بالإحياء (302)، بأن ينهى العمل و النقب و الحفر إلى أن يبلغ نيلها (303)، فيكون حالها حال الآبار المحفورة في الموات لأجل استنباط الماء، و قد مر أنها تملك بحفرها حتى يبلغ الماء و يملك بتبعها الماء و لو عمل فيها عملا لم يبلغ به نيلها كان تحجيرا أفاد الأحقية و الأولوية دون الملكية (304).

______________________________

عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأنفال؟ فقال: هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها فهي للّه و للرسول و ما كان للملوك فهو للإمام و ما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كل أرض لا رب لها و المعادن لها، و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» (1).

و فيه: أولا قصور سنده و وهنه بالإعراض.

و على فرض كونها له عليه السّلام فقد أباحها لغيره ما دام عدم انبساط اليد امتنانا على الناس و إلا يلزم تعطيل هذه المنافع العظمى مع نهاية احتياج الناس إليها، بل عدم تقوّم معاشهم إلا بها فلا وجه للنزاع من أصله.

(301) للأصل و الإجماع و عدم موضوع للتحجير فيها لكونها ظاهرة.

(302) لفرض أن الناس فيها شرع سواء و خلقت لاستفادة الجميع و قضاء حاجاتهم.

(303) لكون ذلك معنى إحياء المعدن عرفا فيملكه بذلك لأدلة الإحياء الدالة عليه كما مر.

(304) أما كونه تحجيرا فلأن تحجير المعدن عبارة عن ذلك و يترتب عليه الأحقية لا محالة.

ص: 293


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال الحديث: 20.
مسألة 38: إذا شرع في إحياء معدن ثمَّ أهمله و عطّله أجبر على إتمام العمل أو رفع يده عنه

(مسألة 38): إذا شرع في إحياء معدن ثمَّ أهمله و عطّله أجبر على إتمام العمل أو رفع يده عنه و لو أبدى عذرا أنظر بمقدار زوال عذره ثمَّ الزم على أحد الأمرين كما سبق ذلك كله في إحياء الموات (305).

مسألة 39: لو أحيا أرضا مزرعا أو مسكنا مثلا فظهر فيها معدن

(مسألة 39): لو أحيا أرضا مزرعا أو مسكنا مثلا فظهر فيها معدن ملكه تبعا لها سواء كان عالما به (306)، حين إحيائها أم لا.

مسألة 40: لو قال ربّ المعدن لآخر: «اعمل فيه و لك نصف الخارج مثلا»

(مسألة 40): لو قال ربّ المعدن لآخر: «اعمل فيه و لك نصف الخارج مثلا» بطل إن كان بعنوان الإجارة و صح لو كان بعنوان الجعالة (307).

______________________________

و أما عدم تحقق الملكية فلعدم تحقق الإحياء.

(305) و تقدم دليله فراجع و لا وجه للإعادة بالتكرار.

(306) للملكية التبعية غير المتوقفة على القصد و الإرادة مضافا إلى الإجماع.

(307) أما البطلان بعنوان الإجارة فلإبهام الأجرة و عدم تعين مقداره.

و أما الصحة بالجعالة فلاغتفار الجهالة فيها بما لا يغتفر في غيرها هذا إذا لم تكن معلومة بالقرائن.

ص: 294

القطائع

اشارة

القطائع و هي: ما أقطعه الإمام عليه السّلام من الأرض لشخص و هو جائز (308)،

______________________________

من المشتركات القطائع و الأقسام المتصورة في القطائع أنها.

تارة: بالنسبة إلى أصل رقبة الأرض فيتبعها جميع منافعها.

و أخرى: بالنسبة إلى جميع منافعها دون أصل الرقبة.

و ثالثة: بالنسبة إلى خصوص بعض منافعها كالخراج مثلا و الكل جائز بالنسبة إلى الإمام المعصوم عليه السّلام لفرض أن الأرض مطلقا للّه يورثها من يشاء من عباده (1)، و لا يتعدى ذلك عن الإمام المعصوم عليه السّلام في كل عصر.

و لم يصل إلينا من اقطاعات الإمام عليه السّلام إلا اقطاعات نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله على ما ضبطه الفقهاء و التواريخ المعتبرة.

و على أي تقدير لا ثمرة في هذا البحث لعدم الموضوع له و إنما تظهر الثمرة في ولاية الحاكم الشرعي الجامع للشرائط عليها، و مقتضى الأصل عدمها بعد احتمال كون المنصب من المناصب الخاصة بعد عدم وجود عموم أو إطلاق في البين يشمل مثل ذلك و عليه لا فرق بين كونه مبسوط اليد أو لا.

(308) نصوصا (2)، و إجماعا، و اقطاعات نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله لبلال بن الحارث العقيق (3)، و وابل بن حجر و الزبير معروف (4)

ص: 295


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال الحديث: 10 و 12.
3- معجم البلدان للحموي ج: 3 صفحة: 701 ط لا يبسك.
4- سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 144.

و تكون من حيث الكمّية و الكيفية تابعة لنظر من يقطعها (309)، فهي من سنخ الهدية و العطية يجري عليها أحكامها (310).

مسألة 41: القطيعة لا تفيد الملكية و إنما تفيد حق الاختصاص

(مسألة 41): القطيعة لا تفيد الملكية و إنما تفيد حق الاختصاص (311).

مسألة 42: جواز القطيعة بالنسبة إلى الحاكم الشرعي الجامع للشرائط محل إشكال

(مسألة 42): جواز القطيعة بالنسبة إلى الحاكم الشرعي الجامع للشرائط محل إشكال (312).

مسألة 43: بناء على جوازها للحاكم الشرعي تختص القطيعة بالموات من الأرض

(مسألة 43): بناء على جوازها للحاكم الشرعي تختص القطيعة بالموات من الأرض فلا تصح في غيرها (313).

مسألة 44: يعتبر في المقطع له أن يكون قادرا على الإحياء

(مسألة 44): يعتبر في المقطع له أن يكون قادرا على الإحياء (314).

______________________________

(309) لفرض استيلائه على القطيعة من كل جهة.

(310) بل هي منهما موضوعا في الانظار العرفية و إن اختلفت حكما.

(311) للأصل بعد عدم دليل عليه.

نعم، لو كانت في البين قرينة دالة على الملكية تفيدها بلا إشكال، كما في بعض قطائع النبي صلّى اللّه عليه و آله.

(312) لأن المسألة خلافية و عن بعض دعوى الإجماع على عدم الجواز و هو المطابق للأصل لو لم يكن دليل على الخلاف من عموم النيابة و نحوه، و احتمال كونها من المناصب الخاصة.

(313) للأصل و عدم دليل في غيرها و المتيقن من الإجماع.

(314) لأن المقصود من قطيعة الأرض كالتحجير انما هو إحياؤها و إخراجها عن الموات إلى الإحياء.

ص: 296

الفصل الثالث في الأحكام العامة للمشتركات

اشارة

الفصل الثالث في الأحكام العامة للمشتركات تقدم بعضها في ضمن المسائل السابقة و هنا مسائل:

مسألة 1: ثبوت الحق الشخصي للمحيي في موارد الإحياء بشرائطه

(مسألة 1): ثبوت الحق الشخصي للمحيي في موارد الإحياء بشرائطه و للمحيز في مورد حيازة المشتركات بشرائطها مسلّم (315)، و أما الحق النوعي- بأن يستولي أحد على الموات ليفرقها على أشخاص كثيرة يحيونها الأشخاص و يكون اختيار الأرض بيد المستولي- ممنوع (316).

مسألة 2: لا فرق في ثبوت الأحقية للسابق في المشتركات

(مسألة 2): لا فرق في ثبوت الأحقية للسابق في المشتركات بين ما لم يقصد السابق إليها مدة أصلا أو قصد مدة معينة (317).

______________________________

(315) لشمول العمومات و الإطلاقات لهما معا.

(316) لأصالة عدم ثبوت مثل هذا الحق بعد كون المنصرف من الأدلة غيره.

نعم، لو كان المورد من قبل قبالة الأرض و كانت تلك الأشخاص من قبيل العامل و الأجير فمقتضى السيرة و الإطلاقات جوازه في الإحياء، و أما في المشتركات فمقتضى الأصل عدم الجواز بعد انصراف الإطلاقات و عدم السيرة فيها على الخلاف هذا في غير الحاكم الشرعي المبسوط اليد، و أما فيه، فالظاهر جوازه لفرض بسط يده.

(317) للإطلاق و ظهور الاتفاق فيهما.

نعم، لو قصد مدة قليلة جدا بحيث تقصر عن زمان العمل الذي يقع فيه فيشكل ثبوت السابق لصحة دعوى انصراف الأدلة عنه، فيرجع إلى أصالة عدم

ص: 297

مسألة 3: لا يصح إيقاع العقد على مثل مورد التحجير قبل التحجير

(مسألة 3): لا يصح إيقاع العقد على مثل مورد التحجير قبل التحجير (318).

مسألة 4: لا فرق في جواز الاستفادة من المشتركات بين المسلم و غيره

(مسألة 4): لا فرق في جواز الاستفادة من المشتركات بين المسلم و غيره (319)، كما لا فرق فيها بين أن يكون في بلاد الإسلام أو في بلاد الكفر (320).

مسألة 5: لو شك في تصرف خاص أنه يجوز في المشتركات

(مسألة 5): لو شك في تصرف خاص أنه يجوز في المشتركات كالتصرف في بعض الشوارع العامة- أو لا؟ لا يجوز ذلك التصرف إلا مع إحراز الجواز بوجه معتبر (321).

مسألة 6: الأثريات التي توجد في المشتركات

(مسألة 6): الأثريات التي توجد في المشتركات كما في الموات من الأرض- تابعة لملكية الأرض (322).

______________________________

ثبوت الحق.

(318) لعدم تحقق الحق بعد حتى يتعلق به العقد إلا إذا أوقع ذلك بنحو التعليق على مقتضى العقد.

(319) لجريان السيرة عليه خلفا عن سلف من غير نكير من أحد إلا إذا كان مسبّلا و شرط المسبّل (بالكسر) شرطا فلا بد من أتباعه أو كان هناك مانع شرعي عن غير المسلم كالمشاعر و المساجد.

(320) للإطلاق و ظهور الاتفاق، كما لا فرق في ذلك بين أن يكون في سطح الأرض أو غيره.

(321) لأن الاستفادة منها محدودة بحد معين و في غيره يرجع إلى أصالة عدم صحة التصرف فيما يتعلق بالغير خصوصا إن كان الغير نوع الناس.

(322) لقاعدة التبعية و تقدم بعض الكلام في خمس الكنز، فراجع فلا وجه للإعادة.

ص: 298

مسألة 7: لو علم بأن الأرض كانت لها مالك في العهود القديمة

(مسألة 7): لو علم بأن الأرض كانت لها مالك في العهود القديمة لكنهم بادوا و انقرضوا و لو بورّاثهم يجري عليها حكم الموات (323).

مسألة 8: إذا جعل المسبّل أطراف الشارع العام لخصوص المشاة مثلا

(مسألة 8): إذا جعل المسبّل أطراف الشارع العام لخصوص المشاة- مثلا- ليس لأحد المرور عليها راكبا بأي مركب كان (324).

مسألة 9: لو تعارضت المصلحة الاستطراقية النوعية في الشوارع العامة مع مصلحة نوعية أخرى تقدم الأولى

(مسألة 9): لو تعارضت المصلحة الاستطراقية النوعية في الشوارع العامة مع مصلحة نوعية أخرى تقدم الأولى (325).

مسألة 10: لو سبق اثنان إلى محل في المشتركات و لم يمكن الجمع يقرع بينهما

(مسألة 10): لو سبق اثنان إلى محل في المشتركات و لم يمكن الجمع يقرع بينهما (326).

مسألة 11: لو اتخذ المسجد ظلما و جعله محلا أو مسكنا أو غيرهما

(مسألة 11): لو اتخذ المسجد ظلما و جعله محلا أو مسكنا أو غيرهما لا يخرج عن المسجدية و يجري عليه أحكامها (327).

مسألة 12: يحرم إلقاء المعاثر و المزالق في الشوارع و الطرق مع تضرر العابرين

(مسألة 12): يحرم إلقاء المعاثر و المزالق في الشوارع و الطرق مع تضرر العابرين (328)، و كذا إلقاء الزبالة و جعلها مزبلة بما لا تجري به

______________________________

(323) للإطلاق و السيرة و أنه لا تخلو أرض من الأراضي من هذه الصفة.

(324) لأنه تصرف بغير ما هو المأذون فلا يجوز شرعا و عقلا.

(325) لأن المصلحة الاستطراقية فيها هي الأصل في الشوارع العامة و الطرق إلا إذا كان هناك رجحان في تلك المصلحة الأخرى.

(326) لأنها لكلّ أمر مشكل و المقام منه.

(327) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

نعم، لو فرش بأحجار أو تبليط من غير المسجد لا يحرم تنجيس الأحجار و ظاهر التبليط لعدم كونه مسجدا و إن حرم وقوف الجنب و الحائض فيه، و كذا سائر التصرفات المنافية للوقفية.

(328) لأنه تصرف في حق النوع و لا يصح التصرف فيه إلا بدليل يدل عليه و هو مفقود مع أنه قد يوجب الإيذاء و تنفر النوع و اللعن و من التسبيب لإضرار

ص: 299

العادة المتعارفة (329).

مسألة 13: ليس لأحد أن يوقف مركوبه في أي محل شاء

(مسألة 13): ليس لأحد أن يوقف مركوبه في أي محل شاء و أراد في الشوارع و الطرق العامة إلا إذا أحرز أن ذلك لا يضر بالعابرين (330).

مسألة 14: يجري حكم ضمان المال و النفس فيما يتلف بالمراكب

(مسألة 14): يجري حكم ضمان المال و النفس فيما يتلف بالمراكب في الطرق و الشوارع العامة مباشريا كان التلف أو تسبيبيا و يجري أحكام القصاص من العمد و الخطأ المحض و شبهه و غيرها من الأحكام (331).

مسألة 15: يكره التردد في الأسواق و الشوارع العامة المزدحمة

(مسألة 15): يكره التردد في الأسواق و الشوارع العامة المزدحمة (332).

______________________________

الغير، و هو حرام للاحتياط التحفظي في مثل هذه الأمور النوعية.

(329) لعدم إحراز الجواز بأكثر مما هو المتعارف بينهم.

(330) لأنه مع عدم إحراز ذلك يكون من التسبيب بالإضرار و هذا من التضمين الاحتياطي الذي أسسه علي عليه السّلام في الأمور العامة لحفظ أموال الناس و نفوسهم، و تقدم نظيره في كتاب الإجارة و يأتي مثله في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(331) لعموم تلك الأدلة و إطلاقها الشامل لجميع الموارد بل في المراكز العامة لا بد من مراعاة التضمين الاحتياطي أيضا، و هو موكول إلى نظر الحاكم الشرعي.

(332) لأنها مأوى الشياطين كما في الحديث (1)، و قد يوجب التضيق على الناس.

و هناك فروع كثيرة أخرى أغمضنا عن ذكرها إلى ظهور الحق فإن في بعض الأخبار(2)، أنه عجل اللّه تعالى فرجه الشريف يجدّد أحكاما كثيرة في الطرق، و لا بد في ذلك الحق الجديد و العالم الذي علمه لا يبيد.

ص: 300


1- الوسائل باب: 60 من أبواب آداب التجارة الحديث: 1.
2- بحار الأنوار ج: 13 صفحة: 186 ط كمپاني.

.....

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم كتاب اللقطة المعروف بين اللغويين و الأدباء و الفقهاء أنها بفتح القاف، و نسب إلى الخليل السكون و أن المفتوح اسم للملتقط، و لم يستعمل هذا اللفظ في القرآن الكريم إلا مرتين و هما في اللقيط قال تعالى فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً (1)، و قال تعالى وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ (2)، و هما من أنبياء اللّه تعالى- موسى بن عمران و يوسف بن يعقوب «عليهما»- و سلّط اللّه تعالى كلا منهما على المملكة التي التقطا فيها.

و اللقطة مشروعة في الإسلام لإجماع المسلمين بل الضرورة من الدين و نصوص كثيرة منها خبر الجهني قال: «جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فسأله عن اللقطة، فقال: اعرف عفاصها و وكاءها ثمَّ عرفها سنة فإن جاء صاحبها و الا فشأنك بها، قال: فضالّة الغنم، قال صلّى اللّه عليه و آله: هي لك أو لأخيك أو للذئب، قال:

فضالّة الإبل، قال: مالك و لها!! معها سقاؤها و حذائها فإنها تشرب الماء و تأكل الشجر حتى يلقاها ربها» (3)، و تأتي جملة أخرى من الأخبار في ضمن المسائل الآتية.

ص: 301


1- سورة القصص: 8.
2- سورة يوسف: 10.
3- سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 192.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب اللقطة

اشارة

كتاب اللقطة اللقطة بمعناها الأعم (1) كل مال ضائع عن مالكه و لم يكن يد عليه (2) و هي إما حيوان أو مال صامت أو إنسان ففيه فصول ثلاثة:

الفصل الأول في لقطة الحيوان

اشارة

الفصل الأول في لقطة الحيوان و هي: المسماة بالضالّة (3).

مسألة 1: إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز أخذه

(مسألة 1): إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز أخذه (4) و وضع

______________________________

(1) معناها الأخص غير الحيوان و لكن عمّمها الفقهاء إلى الحيوان أيضا.

(2) يعني لا يد فعلية معلومة و لو أريد إدخال اللقيط في التعريف يقال ما لا استيلاء لأحد عليه لعدم إطلاق المال على اللقيط الحر.

(3) فرقا بينه و بين لقطة غيره فإن الضال إنما يقال لما له نحو إدراك شعور فضلّ عن الطريق مثلا.

(4) بالأدلة الأربعة في صورة عدم الجواز فمن الكتاب قوله تعالى:

ص: 302

اليد عليه- أي حيوان كان- فمن أخذه ضمنه (5)، و يجب عليه حفظه من التلف و الإنفاق عليه بما يلزم (6)، و ليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق (7).

نعم، لو كان في معرض الخطر لمرض أو غيره جاز له أخذه من دون

______________________________

لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (1)، و من السنة: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه» (2)، و من الإجماع إجماع المسلمين بل العقلاء، و من العقل انه ظلم و قبيح، و مكروه في ما يأتي في صورة الجواز إجماعا و نصوصا- منها قول الصادق عليه السّلام: «لا تعرض لها فإن الناس لو يتركوها لجاء صاحبها حتى يأخذها» (3)، و قول علي عليه السّلام: «إياكم و اللقطة فإنها ضالّة المؤمن، و هي حريق من حريق جهنم» (4)، و عن أبي جعفر عليهما السّلام: «لا يأكل الضالة إلا الضالون»(5)، و في صحيح الحلبي: «كان علي بن الحسين «عليهما» يقول لأهله: لا تمسوها» (6)، و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «ما أحب أن أمسها» (7)، إلا إذا أشرف على التلف مع عدم الأخذ فلا كراهة حينئذ.

(5) لقاعدة اليد و الإجماع بل الضرورة الدينية.

(6) لصيرورته بعد الأخذ أمانة شرعية يجب حفظها لمالكها عقلا و شرعا كما في كل مال جرت يد العدوان عليه.

(7) للأصل و عدم تسبب من صاحبه لذلك بل و عدم الإذن شرعا كما هو المفروض.

ص: 303


1- سورة البقرة: 188.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب اللقطة الحديث: 2 و 8 و 7 و 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب اللقطة الحديث: 2 و 8 و 7 و 1.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب اللقطة الحديث: 2 و 8 و 7 و 1.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب اللقطة الحديث: 2 و 8 و 7 و 1.
7- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 5.

ضمان (8) و يجب عليه الإنفاق (9)، و جاز له الرجوع بما أنفقه على مالكه لو كان إنفاقه عليه بقصد الرجوع عليه (10)، و إن كان له منفعة من ركوب أو حمل عليه أو لبن و نحوه جاز له استيفاؤها و احتسابها بإزاء ما أنفق (11).

______________________________

(8) لأنه إحسان و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1)، و قول نبينا صلّى اللّه عليه و آله:

«هي لك أو لأخيك أو للذئب» (2)، و هو مما افتخر به على الأنبياء عليهم السّلام و قال صلّى اللّه عليه و آله: «فضلت على الأنبياء بخمس منها جوامع الكلم» (3)، و هو ظاهر في الترخيص في الأخذ و هو يلازم عدم الضمان لو تلف بغير تفريط مضافا إلى الإجماع و المراد بقوله صلّى اللّه عليه و آله «هي لك» الاختصاص في الجملة يعني أنه بعد الفحص مختار بين أن يأخذها و يتصدق بثمنها لا أن يكون المراد الملكية الفعلية مطلقا.

(9) لأن تركه تسبيب لإتلافه و هو لا يجوز بعد أن كان جواز الأخذ شرعا أعم من صيرورته ملكا له فهي أمانة شرعية حتى ترد إلى مالكها.

(10) لأنه مأذون في هذا الإنفاق شرعا، فإن كان بقصد الرجوع يصير ذلك معاوضة شرعية فيصح الرجوع على المالك، و إن لم يكن من قصده فيكون من المجان فلا موضوع للرجوع حينئذ.

(11) لأنه من المقاصة بعد ثبوت الحق شرعا و هي تجوز كما يأتي في كتاب القضاء، و يمكن الاستشهاد بخبر السكوني عن الصادق عليه السّلام الوارد في الرهن: «إن الظهر يركب و الدر يشرب و على الذي يركب و يشرب النفقة إذا كان مرهونا» (4)، و صحيح ابن محبوب: «استخدمها بما أنفقت عليها» (5)، و في

ص: 304


1- سورة التوبة: 91.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 7.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب التيمم الحديث: 4.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب الرهن الحديث: 2.
5- الوسائل باب: 22 من أبواب اللقطة الحديث: 4.

مسألة 2: بعد ما أخذ الحيوان في العمران و صار تحت يده يجب عليه الفحص عن صاحبه

(مسألة 2): بعد ما أخذ الحيوان في العمران و صار تحت يده يجب عليه الفحص عن صاحبه في صورتي جواز الأخذ و عدمه (12)، فإذا يئس من صاحبه (13) تصدق به أو بثمنه كغيره من مجهول المالك (14).

مسألة 3: ما يدخل في دار الإنسان من الحيوان كالدجاج و الحمام مما لم يعرف صاحبه

(مسألة 3): ما يدخل في دار الإنسان من الحيوان كالدجاج و الحمام مما لم يعرف صاحبه الظاهر خروجه عن عنوان اللقطة (15)، بل هو داخل

______________________________

صحيح أبي ولاد: «إن كان الذي يعلفها فله أن يركبها» (1).

(12) لإطلاق الإجماع و النصوص منها صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحل له؟ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: هي لك أو لأخيك أو للذئب فخذها و عرّفها حيث أصبتها فإن عرفت فردّها إلى صاحبها و إن لم تعرف فكلها و أنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردّها عليه» (2)، و قريب منه غيره و المراد بالضمان الضمان التعليقي لو طلبه المالك و أتلفه لا الضمان و الغرامة الفعلية مطلقا.

(13) لأن اليأس هو المناط العرفي للتفحص و لم يحدّده الشارع في الحيوان و إن حدّه في غيره بسنة كما يأتي.

نعم، في صحيح ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السّلام: «جاء رجل من المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيام و يسأل صاحبها.

فإن جاء صاحبها و إلا باعها و تصدق بثمنها» (3)، فهو محمول على مورد اليأس.

(14) إجماعا و نصوصا منها ما مر آنفا من صحيح ابن أبي يعفور، و المراد من البيع فيه أعم من أن يشتريها لنفسه أو يبيعها من غيره.

(15) لأن المنساق من «اللقطة» في الاستعمالات الصحيحة المال الذي

ص: 305


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الرهن الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 7 و 6.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 7 و 6.

في عنوان مجهول المالك (16)، فيتفحص عن صاحبه و عند اليأس منه يتصدق به (17)، و الفحص اللازم هو المتعارف في أمثال ذلك بأن يسئل من الجيران و القريبة من الدور و العمران.

نعم، لا يبعد جواز تملك مثل الحمام إذا ملك جناحيه و لم يعرف صاحبه من دون فحص عنه كما مر في كتاب الصيد (18).

مسألة 4: ما يوجد من الحيوان في غير العمران

(مسألة 4): ما يوجد من الحيوان في غير العمران من الطرق و الشوارع و المفاوز و الصحاري و البراري و الجبال و الآجام و نحوها إن كان مما يحفظ نفسه بحسب العادة (19) من صغار السباع، مثل الثعالب و ابن آوى و الذئب و الضبع و نحوها، إما لكبر جثته كالبعير أو لسرعة عدوه، كالفرس و الغزال أو لقوّته و بطشه كالجاموس و الثور لا يجوز أخذه و وضع

______________________________

يظفر عليه الشخص لا المال الذي يرد على الشخص و مقتضى الأصل عدم ترتب الأحكام الخاصة باللقطة إما للقطع بعد كونه منها أو لأجل الشك في دخوله فيها.

(16) للقطع به لأن اللقطة أيضا من أفراد مجهول المالك.

(17) لأنه معلوم على كل حال سواء كان مجهول المالك أو من اللقطة، و كذا كلما يدخل في قطيعة الأنعام أو الطيور و يجري على الجميع حكم مجهول المالك و كذا نتاجها قبل التصدق بها، فالكل من مجهول المالك و تقدم حكمه قبل ذلك.

(18) و مر ما يتعلق به فراجع فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(19) يدل على الجميع ما في النص من ذكر الكلأ و الماء و الأمن (1)، مضافا إلى الأصل و الإجماع.

ص: 306


1- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 3.

اليد عليه (20)، إذا كان في كلأ و ماء (21)، أو كان صحيحا يقدر على تحصيل الماء و الكلأ (22)، و إن كان مما تغلب عليه صغار السباع كالشاة و أطفال البعير و الدواب جاز له أخذه (23)، فإذا أخذه عرّفه في المكان

______________________________

(20) للأصل، و الإجماع و النصوص منها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في البعير في الفلاة: «مالك و له!! خفه حذاؤه و كرشه سقاؤه، خل عنه» (1)، و في الحديث آخر «فلا تهجه» (2)، و في حديث آخر: «و ما أحب أن أمسكها» (3)، و ظاهر إطلاقها عدم الفرق بين قصد التملك و عدمه و بين قصد الحفظ لصاحبه و عدمه.

و أما خبر حسين بن يزيد عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول في الضالّة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلا فتنفق قال: هو ضامن فإن لم ينو أن يأخذ لها جعلا و نفقت فلا ضمان عليه» (4)، فأسقطه عن الاعتبار قصور سنده و هجر الكل عنه.

(21) للأصل و الإجماع و النص كقول الصادق عليه السّلام في خبر مسمع: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل ترك دابة بمضيعة، فقال: إن كان تركها في كلأ و ماء و أمن فهي له يأخذها متى شاء و إن كان تركها في غير كلأ و لا ماء فهي لمن أحياها» (5)، و قريب منه غيره.

(22) لدلالة ذكر الأمن في النص عليه لأن المراد به القدرة على حفظ نفسه و لو بتحصيل الماء و الكلأ و دفع العدو مضافا إلى الأصل و ظهور الإجماع.

(23) إجماعا و نصوصا منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن سنان:

«من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلّت و قامت و سيّبها صاحبها مما لم يتبعه فأخذها غيره فأقام عليها و أنفق نفقته حتى أحياها من الكلال و من

ص: 307


1- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة: حديث: 4 و 5 و 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة: حديث: 4 و 5 و 1.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة: حديث: 4 و 5 و 1.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب اللقطة الحديث: 1.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 3.

الذي أصابه و حواليه إن كان فيه أحد (24)، فإن عرف صاحبه رده إليه و إلا كان له تملكه و بيعه و أكله مع الضمان لمالكه لو وجد (25)، كما أن له إبقاءه و حفظه لمالكه و لا ضمان عليه (26).

مسألة 5: لو أخذ البعير و نحوه في صورة لا يجوز له أخذه

(مسألة 5): لو أخذ البعير و نحوه في صورة لا يجوز له أخذه ضمنه و يجب عليه الإنفاق عليه، و ليس له الرجوع بما أنفقه على صاحبه و إن كان

______________________________

الموت فهي له و لا سبيل له عليها و إنما هي مثل الشي ء المباح» (1)، و يدل عليه مفهوم الأخبار السابقة التي مر بعضها و يأتي بعضها الآخر.

(24) أما وجوب أصل التعريف فللإجماع و النصوص كما تقدم بعضها (2)، و أما اعتبار محل الإصابة فلقول النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله في الصحيح «فخذها و عرفها حيث أصبتها» (3)، و ليس المراد بها المعنى الدقي بل العرفي فيشمل الحوالي عرفا إن كان فيها أحد.

(25) كل ذلك للإجماع و النص قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «هي لك أو لأخيك أو للذئب فخذها و عرّفها حيث أصبتها، فإن عرفت فردها إلى صاحبها و إن لم تعرف فكلها و أنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها ان تردها عليه» (4)، و قال الصادق عليه السّلام فيما مر من صحيح ابن سنان: «فهي له و لا سبيل له عليها و إنما هي مثل الشي ء المباح» (5)، فيجوز تملكه و بيعه و أكله و غير ذلك من التصرفات.

(26) أما جواز حفظه لصاحبه فللأصل و الإجماع.

و أما عدم الضمان فلأنه مأذون شرعا في أخذه و تكون أمانة شرعية لديه و لا وجه لتضمين الأمين مع التلف. نعم، يضمن مع التعدي.

ص: 308


1- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 2.
2- راجع صفحة: 357 و في الوسائل باب: 6 من اللقطة.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 7 و 2.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 7 و 2.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 7 و 2.

من قصده الرجوع عليه كما مر فيما يؤخذ من العمران (27).

مسألة 6: إذا ترك الحيوان صاحبه و سرّحه في الطرق

(مسألة 6): إذا ترك الحيوان صاحبه و سرّحه في الطرق أو الصحاري و البراري فإن كان بقصد الإعراض عنه جاز لكل أحد أخذه و تملكه (28)، كما هو الحال في كل مال أعرض عنه صاحبه و إن لم يكن بقصد الإعراض بل كان من جهة العجز عن إنفاقه أو من جهة جهد الحيوان و كلالة (29) كما يتفق كثيرا أن الإنسان إذا كلّت دابته في الطرق و المفاوز و لم يتمكن من الوقوف عندها يأخذ رحلها أو سرجها و يسرحها و يذهب، فإن تركه في كلأ و ماء و أمن ليس لأحد أن يأخذه (30).

______________________________

(27) أما الضمان فلقاعدة «اليد» بعد عدم إذن شرعي أو مالكي في الأخذ- بل ورد النهي عن أخذه كما مر- مضافا إلى الإجماع.

و أما وجوب الإنفاق عليه فلصيرورته بعد الأخذ أمانة شرعية فيجب حفظها و الإنفاق عليها مقدمة لردها إلى مالكها عقلا و شرعا.

و أما البقية فللأصل بعد النهي عن أخذه شرعا و عدم تسبب من المالك للإنفاق فالضرر جاء من نفسه على نفسه.

(28) لأنه حينئذ صار بمنزلة المباحات الأولية، و قد أشار إليه أبو عبد اللّه عليه السّلام بقوله فيما مر في صحيح ابن سنان: «و إنما هي مثل الشي ء المباح» مضافا إلى الإجماع.

(29) لأن المناط كله في حليته تحقق الإعراض و لا أثر لمنشإ تحققه من أي سبب و منشأ كان.

نعم، لو كان سببه و منشأه إكراه الغير له يبقى على ملك مالكه إذ لا أثر للإعراض الحاصل عن الإكراه.

(30) للأصل و الإجماع و النصوص التي تقدم بعضها كقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «خل عنه» (1)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «فلا تهجه» (2)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و ما أحب أن

ص: 309


1- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 5 و 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 5 و 1.

فلو أخذه كان غاصبا (31) ضامنا له و إن أرسله بعد ما أخذه لم يخرج من الضمان (32)، و في وجوب حفظه و الإنفاق عليه و عدم الرجوع على صاحبه ما مر فيما يؤخذ في العمران (33)، و إن تركه في خوف و على غير ماء و كلأ جاز أخذه و الإنفاق عليه و هو للآخذ إذا تملكه (34).

مسألة 7: إذا أصاب دابّة و علم بالقرائن أن صاحبها قد تركها

(مسألة 7): إذا أصاب دابّة و علم بالقرائن أن صاحبها قد تركها و لم يدر أنه قد تركه بقصد الإعراض أو بسبب آخر كان بحكم الثاني فليس له أخذه و تملكه (35) إلا إذا كانت في مكان خوف بلا ماء و لا كلأ (36).

______________________________

أمسها» (1).

(31) لجريان يده عليه بغير إذن شرعي و لا مالكي و لا معنى للغصب إلا ذلك كما تقدم.

(32) لأصالة بقاء الضمان مضافا إلى الإجماع.

(33) و تقدم الوجه فيه فراجع.

(34) لما تقدم من قول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلّت و قامت و سيبها صاحبها مما لم يتبعه فأخذها غيره فأقام عليها و أنفق نفقته حتى أحياها من الكلال و من الموت فهي له و لا سبيل له عليها و إنما هي مثل الشي ء المباح» (2).

(35) للأصل و الإجماع فالأقسام ثلاثة: إحراز تحقق الإعراض، و إحراز عدم تحققه و الشك في تحققه و عدمه و ظهر حكم الكل مما سبق.

(36) لما مر من قوله عليه السّلام في خبر مسمع: «و إن كان تركها في غير كلأ و لا ماء فهي لمن أحياها» (3).

ص: 310


1- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 2.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 2.
3- تقدم في صفحة: 307.

مسألة 8: إذا أصاب حيوانا في غير العمران

(مسألة 8): إذا أصاب حيوانا في غير العمران و لم يدر أن صاحبه قد تركه بأحد النحوين أو لم يتركه بل ضاع، أو شرد عنه كان بحكم الثاني من التفصيل المتقدم فإن كان مثل البعير لم يجز أخذه و تملكه إلا إذا كان غير صحيح و لم يكن في ماء و كلأ، و إن كان مثل الشاة جاز أخذه مطلقا (37).

مسألة 9: إذا دخل غنم في قطيعة من الغنم المملوك المسمّى عند الناس ب الخلّاطة

(مسألة 9): إذا دخل غنم في قطيعة من الغنم المملوك المسمّى عند الناس ب (الخلّاطة) يترتب عليه حكم مجهول المالك (38)، و كذا نتاجه قبل التصدق به (39)، و لا يحرم التصرف في ذلك (40)، و هل يجوز إخراجه عنها مع كونه معرضا للتلف فيه إشكال (41).

______________________________

(37) لما تقدم في المسألة السابقة فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(38) لكونه عرفا من مجهول المالك و يترتب عليه حكمه، و لا يكون من اللقطة لعدم الضياع فيه كما تقدم في مسألة 3، و سيأتي الفرق بين المجهول المالك و اللقطة.

(39) لأن النتاج تابع للأصل كذلك.

(40) لمكان الأمانة الشرعية.

(41) لأصالة عدم حق له على ذلك مع هذه المعرضية، و كذا لو دخل في بيت الإنسان طير.

ص: 311

الفصل الثاني في لقطة المال الصامت

اشارة

الفصل الثاني في لقطة المال الصامت و يطلق عليها اللقطة عند الإطلاق و اللقطة بالمعنى الأخص (42)، و يعتبر فيها عدم معرفة المالك (43) فهو قسم من المجهول المالك (44) له أحكام خاصة.

مسألة 1: يعتبر فيه الضياع عن المالك فما يؤخذ من يد

(مسألة 1): يعتبر فيه الضياع عن المالك (45) فما يؤخذ من يد

______________________________

(42) لأن كل قسم أخص من المقسم على ما هو المسلّم.

(43) لتقوّم عنوان اللقطة لغة و عرفا و شرعا بذلك لأنها المال الضائع عن مالك غير معلوم، و أما مجهول المالك فهو المال الذي ضاع مالكه و بينهما فرق واضح.

(44) الأقسام خمسة:

الأول: الجهل بالمال و الجهل بالمالك.

الثاني: الجهل بالمالك و العلم بالمال.

الثالث: الجهل بالمال و العلم بالمالك، و الثاني قسمان مال ضائع عن مالكه، و مال ضاع مالكه و كل منهما من مجهول المالك، فالجامع واحد و الفرق بالاعتبار.

(45) لما مر من تقومه بذلك لغة و عرفا و شرعا.

ص: 312

الغاصب و السارق ليس من اللقطة لعدم الضياع عن مالكه بل لا بد في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع و لو بشاهد الحال (46)، فالحذاء المتبدل بحذائه في المساجد و نحوها يشكل ترتيب أحكام اللقطة عليه و كذا الثوب المتبدل بثوبه في الحمام و نحوه لاحتمال تقصد المالك في التبديل و معه يكون من المجهول المالك لا من اللقطة (47).

مسألة 2: يعتبر في صدق اللقطة و ثبوت أحكامها الأخذ و الالتقاط

(مسألة 2): يعتبر في صدق اللقطة و ثبوت أحكامها الأخذ و الالتقاط (48)، لو رأى شيئا و أخبر به غيره فأخذه كان حكمها على الآخذ دون الرائي (49)، و إن تسبب منه (50)، بل لو قال ناولنيه فنوى المأمور الأخذ لنفسه كان هو الملتقط دون الأمر (51).

نعم، لو أخذه لا لنفسه و ناوله إياه الظاهر صدق الملتقط على الآمر المتناول (52)، بل بناء على صحة الاستنابة و النيابة في الالتقاط كما في

______________________________

(46) لاعتبار ذلك في تحقق كل موضوع في ترتب حكمه عليه.

(47) لعدم صدق الضياع عليها عرفا، و كذا ما يؤخذ من يد القاصر من الصبي و المجنون.

(48) لظواهر الأدلة و إجماع الأجلة و سيرة أهل كل مذهب و ملة و ظواهر كتب أهل اللغة.

(49) لأصالة عدم ترتب أحكام اللقطة بالنسبة إلى الرائي مضافا إلى ما مر من الأدلة.

(50) لصدق الالتقاط بالنسبة إلى الآخذ دون من تسبب لأن التقاط عمل خارجي لا يصدق بالنسبة إلى السبب و إنما يصدق بالنسبة إلى الآخذ.

(51) و هذا واضح بناء على عدم جريان الاستنابة في الالتقاط و أما بناء عليه فيأتي حكمه.

(52) لتحقق السببية و الأخذ عرفا فيصدق الالتقاط كذلك.

ص: 313

حيازة المباحات و احياء الموات يكفي مجرد أخذ المأمور النائب في صيرورة الآمر ملتقطا لكون يده بمنزلة يده و أخذه بمنزلة أخذه.

مسألة 3: لو رأى شيئا مطروحا على الأرض فأخذه بظن أنه ماله

(مسألة 3): لو رأى شيئا مطروحا على الأرض فأخذه بظن أنه ماله فتبين أنه ضائع عن غيره صار بذلك لقطة (53)، و عليه حكمها، و كذا لو رأى مالا ضائعا فنحاه من جانب إلى آخر (54).

نعم، لو دفعه برجله ليتعرّفه الظاهر عدم صيرورته بذلك ملتقطا بل و لا ضامنا لعدم صدق اليد و الأخذ (55).

مسألة 4: المال المجهول المالك غير الضائع لا يجوز أخذه و وضع اليد عليه

(مسألة 4): المال المجهول المالك غير الضائع لا يجوز أخذه و وضع اليد عليه (56) فإن أخذه كان غاصبا ضامنا إلا إذا كان في معرض التلف فيجوز بقصد الحفظ (57)، و يكون حينئذ في يده أمانة شرعية (58) لا

______________________________

(53) لصدق الموضوع عرفا فيترتب عليه الحكم قهرا و تخلف الداعي لا أثر له في الوضعيات كما مر غير مرة.

(54) لصدق الأخذ عرفا.

(55) و أصالة عدم ترتب آثار الالتقاط لو فرض الشك في الموضوع.

(56) للأصل و الإجماع بل الأدلة الأربعة كما تقدم مرارا، و منه يظهر الضمان لو أخذه لقاعدة اليد.

(57) لأنه محسن حينئذ و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1)، مع حصول الاطمئنان النوعي برضا المالك حينئذ.

(58) لأنه معروف فيشمله قوله صلّى اللّه عليه و آله: «كل معروف صدقة» (2)، فيكون الإذن الشرعي من جهة أنه إحسان و معروف، و من الأمور الحسبية المأذون فيها

ص: 314


1- سورة التوبة: 91.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب فعل المعروف الحديث: 5.

يضمن إلا بالتعدي و التفريط (59)، و على كل من تقديري جواز الأخذ و عدمه لو أخذه يجب عليه الفحص عن مالكه إلى أن ييأس من الظفر به و عند ذلك يجب عليه أن يتصدق به (60).

______________________________

من الشارع.

و يمكن أن يكون من الإذن و الأمانة المالكية أيضا، لأنه لو اطلع على الحال و أظهر عدم الرضاية لكان الناس يلومونه و يوبّخونه فيستكشف رضاؤه من هذه الجهة.

(59) كما هو كذلك في كل أمانة- شرعية كانت أو مالكية- كما تقدم في كتاب الغصب و الإجارة و الرهن.

(60) أما وجوب الفحص فللإجماع و النصوص منها قول علي عليه السّلام في خبر الحسين بن كثير: «يعرّفها فإن جاء صاحبها دفعها إليه و إلا حبسها حولا» (1)، و في خبر ابن وهب عن الصادق عليه السّلام: «في رجل كان له على رجل حق ففقده و لا يدري أين يطلبه و لا يدري أحي هو أم ميت، و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا قال عليه السّلام: أطلب، قال: إن ذلك قد طال فأتصدق به؟ قال عليه السّلام: اطلبه و إن لم تجد له وارثا و علم اللّه منك الجهد فتصدق بها» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار، و تقتضيه قاعدة المقدمية أيضا فمقتضى الأصل- عقلا و نقلا- في مال الغير الفحص عن صاحبه.

و أما أن حدّه اليأس عن الظفر فلأصالة البراءة عن الزائد عليه إلا أن يدل دليل معتبر على التحديد و هو مفقود في المقام مع إطلاق قوله عليه السّلام: «إن لم تجد له وارثا و علم اللّه منك الجهد فتصدق بها»، و في خبر العبيدي (3)، قال: «سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم عليه السّلام و أنا جالس، فقال: إنه كان عند أبي أجير يعمل

ص: 315


1- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 2.
2- الوافي ج: 10 باب: 53 من أبواب وجوه المكاسب صفحة: 50.
3- الوافي ج: 10 باب: 53 من أبواب وجوه المكاسب صفحة: 50.

.....

______________________________

عنده بالأجر فقدناه و بقي له من أجره شي ء و لا نعرف له وارثا، قال: فاطلبه، قال: قد طلبناه و لم نجده، فقال عليه السّلام: مساكين و حرك يديه، قال: فأعاد عليه قال عليه السّلام: أطلب و اجهد فإن قدرت عليه و إلا كسبيل مالك حتى يجي ء له طالب فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه» إلى غير ذلك من الروايات، و قد ورد في اللقطة التحديد بالسنة كما يأتي، و لكن لا ربط للمقام بها كما لا ربط له بالشخص المفقود الذي ورد فيه التحديد بأربع سنين أو بعشر سنين كما يأتي في كتاب الطلاق إن شاء اللّه تعالى.

و مقتضى الاعتبار في هذه الأموال أن تصرف في وجوه البر ليصل ثوابها إلى صاحبها لأنه إن حرم من عينها في الدنيا لا يحرم من الثواب و النفع الأخروي، و أن يكون وليّ الصرف هو الإمام عليه السّلام أو نائبه لعلمه بجهات الصرف و المصرف و المصالح و المفاسد.

و ما ورد في أخبار المقام من أنه كسبيل مالك (1)، يحتمل معان ثلاث:

الأول: تمليك الإمام عليه السّلام ذلك المال له لمصلحة رآها.

الثاني: إذنه عليه السّلام في التصرف في العين و إبقاء أصل المالية في الذمة حتى يتبين الحال تسهيلا على من يكون العين لديه.

الثالث: اجعله من جملة أموالك التي تعتني بحفظها و لا تعزله عن نفسك بل تحفظه لصاحبه و في جملة من الأخبار تجعله كعرض مالك (2) و المتيقن هو الأخير و الأولان يحتاج إلى دليل و هو مفقود و اختلاف أخبار المقام يحمل على اختلاف نظره عليه السّلام بحسب اختلاف الموارد، و يأتي في كتاب الإرث بعض الكلام إن شاء اللّه تعالى.

و أما التصدق به فيدل عليه الإجماع و النص كما مر، لكن لو ظهر و لم يرض بالتصدق فمقتضى الأصل بقاء اشتغال الذمة فيرجع الثواب إلى المتصدق

ص: 316


1- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 11.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 13.

مسألة 5: ما يؤخذ من يد الصبيان

(مسألة 5): ما يؤخذ من يد الصبيان سواء كان الآخذ صبيا أيضا أو بالغا- يكون من المجهول المالك (61).

مسألة 6: كل مال غير الحيوان أحرز ضياعه عن مالكه المجهول

(مسألة 6): كل مال غير الحيوان أحرز ضياعه عن مالكه المجهول و لو بشاهد الحال- و هو الذي يطلق عليه اللقطة كما مر- يجوز أخذه و التقاطه على كراهة (62) و إن كان المال الضائع في الحرم- أي حرم مكة زادها اللّه تعالى شرفا و تعظيما- اشتدت كراهة التقاطه (63)، بل نسب إلى

______________________________

و المال إلى المتصدق عنه، و تقدم في كتاب الخمس بعض ما ينفع المقام فراجع.

(61) لعدم الضياع فيه و عدم صدق تعريف اللقطة عليه.

هذا إذا لم يعرف وليه و إلا فيرجع إليه.

(62) أما أصل الجواز فللإجماع و السيرة و ظاهر النصوص منها صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام في حديث قال: «و اللقطة يجدها الرجل و يأخذها، قال عليه السّلام: يعرفها سنة فإن جاء لها طالب و إلا فهي كسبيل ماله» (1) و أما الكراهة فلنصوص كثيرة المحمولة عليها جمعا و إجماعا منها صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن اللقطة قال عليه السّلام: لا تعرفها فإن ابتليت بها فعرّفها سنة فإن جاء طالبها و الا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك حتى يجي ء لها طالب فإن لم يجئ لها طالب فأوص بها في وصيتك» (2)، و تشتد الكراهة لمن لا يثق من نفسه العمل بوظيفتها.

(63) كما عن جمع منهم صاحب الجواهر و لا يستفاد من الاخبار الآتية أزيد من ذلك كما ستعرف.

ص: 317


1- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 10.

المشهور حرمته (64) فلا يترك فيه الاحتياط (65).

مسألة 7: اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملكها

(مسألة 7): اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملكها في

______________________________

(64) نقل الشهرة جمع و المتيقن منها ما إذا كان الالتقاط بقصد التملك لنقل الشيخ رحمه اللّه إجماع المسلمين على الجواز في صورة قصد الإنشاد و التعريف، و لا بد من نقل أخبار المقام ثمَّ بيان المتحصل مما بيّنه الإمام عليه السّلام قال نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «و لا تحل لقطتها- أي مكة زادها اللّه تعالى شرفا- إلا لمنشد» (1)، أي لمعرفها، و في حديث آخر: «لا يحل ساقطها إلا لمنشد»(2)، و ظهورهما في الجواز للمنشد مما لا ينكر، و عن الصادق عليه السّلام لفضيل بن يسار في لقطة الحرم: «لا يمسها و أما أنت فلا بأس لأنك تعرّفها» (3)، و قريب منه ما عن أبي جعفر عليه السّلام (4)، و ظهورهما في الجواز فيما إذا كان الملتقط ملتزما بحكمها مما لا ينكر أيضا، و عن العبد الصالح عليه السّلام فيمن وجد دينارا في الحرم فأخذه قال: «بئس ما صنع ما كان ينبغي له أن يأخذه» (5)، و الظاهر منه الكراهة كما في لقطة غير الحرم، و عن العسكري عليه السّلام: «لقطة الحرم لا تمس بيد و لا رجل، و لو أن الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها» (6)، و هو مع قصور سنده مثلما ورد في لقطة غير الحرم كما مر فلا تستفاد الحرمة منها بعد ملاحظتها مع ما ورد في لقطة غير الحرم.

(65) وجوب الاحتياط مشكل لما عرفت.

نعم، لا ريب في حسنه حذرا عن مخالفة ما نسب إلى المشهور من الحرمة.

ص: 318


1- الوسائل باب: 50 من أبواب الإحرام الحديث: 12.
2- سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 199.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 5.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 2.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب اللقطة الحديث: 2.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب اللقطة الحديث: 3.

الحال من دون تعريف و فحص عن مالكها (66)، و لا تملكها قهرا بدون قصد التملك على الأقوى (67)، فإن جاء مالكها بعد ما التقطها دفعها اليه مع بقائها (68)،

______________________________

(66) إجماعا و نصوصا منها قول الصادق عليه السّلام: «و إن كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «اللقطة تعرّف سنة قليلا كان أو كثيرا و ما كان دون الدرهم فلا تعرف» (2)، و النهي وارد في مقام توهم الحظر فلا يدل على الحرمة.

(67) لأصالة عدم تحقق الملك بدونه إلا بدليل مخصوص و هو مفقود، و لا وجه للتمسك ببعض الإطلاقات (3)، لعدم كونه واردا في مقام البيان من هذه الجهة أصلا.

و نسب إلى ابن إدريس تحققه و لو بدون القصد مدعيا عليه إجماع الفرقة و أخبارهم.

و إجماعه موهون بمخالفة الأكثر و الأخبار ليست إلا المطلقات و ليست بواردة في مقام بيان هذه الجهة حتى يؤخذ بإطلاقها.

(68) لاستصحاب بقاء ملك المالك و قاعدة اليد، و أصالة احترام مال الغير بعد عدم دليل على أن مجرد الأخذ يوجب الملكية القهرية الشرعية إلا أن ما دون الدرهم الذي يعرض عنه غالبا فيصير من المباحات الأولية يملكه من أخذه بقصد التملك، و لقول الصادق عليه السّلام في المرسل: «و إن كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها» (4).

ص: 319


1- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 9.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب اللقطة الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب اللقطة و غيره.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 9.

و إن تملكها على الأحوط لو لم يكن الأقوى (69)، و إن كانت تالفة لم يضمنها الملتقط و ليس عليه عوضها إن كان بعد التملك مطلقا، و كذا إن كان قبله بلا تفريط (70).

و إن كانت قيمتها درهما أو أزيد وجب عليه تعريفها و الفحص عن صاحبها (71)، فإن لم يظفر به فإن كانت لقطة الحرم تخير بين أمرين (72)

______________________________

و الأول: من مجرد الدعوى خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة القديمة.

و الثاني: مع قصور سنده في مقام تشريع الحكم في الجملة لا في مقام بيان جميع جهاته و خصوصياته.

(69) لكشف ذلك عن ان قصد التملك كان ما داميا لا دائميا حتى لو ظهر صاحبه و طلبه فيكون أصل التملك تملكا متزلزلا لا مستقرا.

(70) أما الأول فلوقوع التلف حينئذ في ملكه الظاهري و لو لم يكن له هذا الأثر للملكية حينئذ فلا معنى للضمان و التعويض، و أما الثاني فلأن يده كان من الأمانة الشرعية و لا معنى لتضمين الأمين.

(71) إجماعا و نصوصا في أصل التعريف منها قول علي عليه السّلام في خبر الحسين بن كثير: «يعرّفها فإن جاء صاحبها دفعها إليه» (1)، و عن الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «في اللقطة يجدها الرجل و يأخذها قال عليه السّلام: يعرّفها سنة فإن جاء لها طالب و إلا فهي كسبيل ماله» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار كما تقدم بعضها.

(72) للإجماع و النصوص مشتملة على خصوص التصدق(3)، و في الجواهر: «لم أجده- أي التخيير- فيما وصل إلينا من النصوص».

أقول: يمكن أن يقال إن الحفظ لصاحبه معلوم الجواز و لم يذكر في

ص: 320


1- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 2 و 1.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 3 و 4.

التصدق بها أو إبقائها عنده و حفظها لمالكها و ليس له تملكها (73)، و إن كانت لقطة غير الحرم فخيّر بين أمور ثلاثة (74) تملكها و التصدق بها مع

______________________________

النصوص لوضوحه و عدم الترديد من أحد فيه فاكتفى الإمام عليه السّلام بذكر أحد فردي التخيير عن الآخر.

(73) للأصل و الإجماع و خلو كثير من النصوص عن التعرض له بل ظهور بعضها في أنه هو الفارق بين لقطة الحرم و غيره كخبر علي بن أبي حمزة قال:

«سألت العبد الصالح عليه السّلام عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه؟ قال: بئس ما صنع ما كان ينبغي له أن يأخذه، قلت: ابتلى بذلك قال: «يعرّفه، قلت: فإنه قد عرّفه فلم يجد له باغيا قال: يرجع إلى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين فإن جاء طالبه فهو له ضامن»(1)، و في خبر رجاء الأرجاني قال:

«كتبت إلى الطيب عليه السّلام اني كنت في المسجد الحرام فرأيت دينارا فأهويت إليه لآخذه فإذا أنا بآخر، فنجبّت الحصا فإذا أنا بثالث فأخذتها فعرّفتها فلم يعرفها أحد فما ترى في ذلك؟ فكتب: فهمت ما ذكرت من أمر الدنانير، فإن كنت محتاجا فتصدق بثلثها و إن كنت غنيا فتصدق بالكل» (2)، و كذا خبر غزوان قال:

«كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له الطيار: إني وجدت دينارا في الطواف قد انسحق كتابته قال هو له»(3)، فيمكن حملهما على أن الإمام عليه السّلام أعطاهما لمصلحة خاصة ففي خبر الفضيل بن يسار قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن لقطة الحرم فقال: لا تمس أبدا حتى يجي ء صاحبها فيأخذها، قلت: فإن كان مالا كثيرا؟ قال: فإن لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها» (4)، و قريب منه غيره.

(74) للإجماع و من يظهر منهم الخلاف من الاقتصار على البعض يمكن حمل كلامه على ذكر بعض الأفراد دون الجميع و إن كان خلاف ظاهر بعض الكلمات، و لأن التخيير بين الثلاثة هو المستفاد من مجموع النصوص بعد رد

ص: 321


1- الوسائل باب: 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 3 و 7 و 6 و 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 3 و 7 و 6 و 1.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 3 و 7 و 6 و 1.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث: 3 و 7 و 6 و 1.

.....

______________________________

بعضها إلى بعض كخبر حفص عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال عليه السّلام: لا يرده فإن أمكنه أن يرد على أصحابه فعل، و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولا فإن أصاب صاحبها ردها عليه و إلا تصدق، فإن جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم، فإن اختار الأجر فله الأجر و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له» (1)، و عن الصادق عليه السّلام في خبر حنان بن سدير: «تعرّفها سنة فإن وجدت صاحبها و إلا فأنت أحق بها» (2)، و عن قرب الإسناد ضبطه «و إلا فأنت أملك بها» (3)، و دلالته على التملك واضحة، و كذا قول الكاظم عليه السّلام: «يعرّفها سنة ثمَّ هي كسائر ماله» (4)، و يمكن أن يستفاد ذلك من الأخبار المشتملة على عنوان «فهي كسبيل مالك» أو «اجعلها في عرض مالك» (5)، بناء على أن المستفاد منها انه كمالك مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله في من وجد شاة: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» (6)، و لكن تقدم معنى آخر لهذه الروايات فراجع، و في صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة ثمَّ يتصدق بها فيأتي صاحبها ما حال الذي تصدق بها؟ و لمن الأجر؟ هل عليه أن يرد على صاحبها أو قيمتها؟ قال عليه السّلام: هو ضامن لها و الأجر له إلا أن يرضى صاحبها فيدعها و الأجر له»(7)، مع أن التملك بالضمان أو الحفظ للمالك و التصدق عن المالك كل ذلك نحو إحسان له يشمله عموم ما دل على الإحسان و المعروف (8).

ص: 322


1- الوسائل باب: 18 من أبواب اللقطة:
2- الوسائل باب: 3 من أبواب اللقطة الحديث: 6 و 12.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب اللقطة الحديث: 6 و 12.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب اللقطة الحديث: 6 و 12.
5- تقدم في صفحة: 317.
6- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 1.
7- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 14.
8- الوسائل باب: 1 من أبواب فعل المعروف.

الضمان فيهما (75) و إبقاؤها أمانة بيده من غير ضمان (76).

مسألة 8: الدرهم هو الفضة المسكوكة الرائجة في المعاملة

(مسألة 8): الدرهم هو الفضة المسكوكة الرائجة في المعاملة و هو و إن اختلف عياره بحسب الأزمنة و الأمكنة إلا أن المراد هنا ما كان على وزن اثنتي عشر حمصة و نصف حمصة و عشرها، و بعبارة أخرى نصف مثقال و ربع عشر مثقال بالمثقال الصيرفي الذي يساوي أربعة و عشرين حمصة معتدلة (77).

مسألة 9: المدار في القيمة على مكان الالتقاط و زمانه في اللقطة

(مسألة 9): المدار في القيمة على مكان الالتقاط و زمانه في اللقطة و في الدرهم (78) فإن وجد شيئا في مملكة و كان قيمته في بلد الالتقاط

______________________________

(75) إجماعا و نصا ففي خبر الحسين بن كثير قال: «سأل رجل أمير المؤمنين عليه السّلام عن اللقطة فقال: يعرفها فإن جاءه صاحبها دفعها إليه و إلا حبسها حولا فإن لم يجئ صاحبها أو من يطلبها تصدق بها فإن جاء صاحبها بعد ما تصدق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده و كان الأجر له و إن كره ذلك احتسبها و الأجر له» (1).

ثمَّ ان المتحصل من الأدلة و كلمات الأجلة أنه يجوز بحسب الحكم التكليفي قصد التملك في لقطة غير الحرم و لا يجوز ذلك في لقطة الحرم زادها اللّه تعالى شرفا و عظمة، لأنها مأمن و تملك مال الغير في المأمن الأهلي ينافي الأمن و الأمان، فلو تملك عصى و يخرج عن الأمانة الشرعية إلى الخيانة، و أما الحكم الوضعي بعد الظفر بالمالك فهو مساو بين الحرم و غيره كما يأتي.

(76) لأن التضمين ينافي التأمين إلا إذا ثبت التفريط فيضمن حينئذ.

(77) تقدم الكلام فيه في كتاب الزكاة فراجع، كما تقدم قدر سعته في كتاب الطهارة.

(78) لأنه المنساق من الأدلة مضافا إلى السيرة المستمرة الفتوائية

ص: 323


1- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 2.

و زمانه أقل من درهم كما لو وجد في بلاد تكون الرائج فيها الروبية و كان قيمته أقل من الدرهم جاز تملكه في الحال و لا يجب تعريفه (79).

مسألة 10: يجب التعريف فورا فيما لم يكن أقل من درهم

(مسألة 10): يجب التعريف فورا (80) فيما لم يكن أقل من درهم فلو أخره من أول زمن الالتقاط عصى إلا إذا كان لعذر و لو أخره لعذر أو لا لعذر لم يسقط (81).

مسألة 11: قيل لا يجب التعريف إلا إذا كان ناويا للتملك بعده

(مسألة 11): قيل لا يجب التعريف إلا إذا كان ناويا للتملك بعده (82)، و الأقوى وجوبه مطلقا (83) و إن كان من نيّته التصدق أو الحفظ لمالكها أو غير ناو لشي ء أصلا.

______________________________

و العملية.

(79) لفرض صدق كونه أقل من الدرهم فيجوز له التملك بلا تعريف كما تقدم.

(80) لأن الفورية هو الأصل في رد أموال الناس و أماناتهم على ما هو المسلّم بين الفقهاء بل العقلاء المهتمين بشأنهم.

(81) أما العصيان مع ترك الفورية فلأنها كأصل وجوب التعريف واجب نفسي لعموم على اليد (1)، و ترك كل واجب نفسي بلا عذر يوجب العصيان و إلا فلا معنى للوجوب.

و أما عدم السقوط مع الترك مطلقا فللأصل و الإطلاق و الاتفاق، و لا ينافي ما قلناه من الوجوب النفسي وجود مناط الوجوب الغيري في التعريف أيضا إذ رب واجب فيه مناط الوجوب الغيري كصلاة الظهر بالنسبة إلى صلاة العصر.

(82) نسب إلى الشيخ في مبسوطه و لا دليل له من عقل أو نقل بعد ظهور إطلاق الأخبار.

(83) لإطلاق الأدلة و إجماع الأجلة على عدم الاختصاص بخصوص

ص: 324


1- راجع القاعدة ج: 21 صفحة: 293.

مسألة 12: مدة التعريف الواجب سنة كاملة

(مسألة 12): مدة التعريف الواجب سنة كاملة (84)، و لا يشترط فيها التوالي (85)، فإن عرفها في ثلاثة شهور في سنة على نحو يقال في العرف أنه عرّفها (86) في تلك المدة ثمَّ ترك التعريف بالمرة ثمَّ عرفها في سنة أخرى ثلاثة شهور و هكذا إلى أن كمل مقدار سنة في ضمن أربع سنوات مثلا كفى في تحقق التعريف (87) الذي هو شرط لجواز

______________________________

مورد قصد التملك فيشمل صورة عدم النية لشي ء أصلا لعموم قاعدة اليد.

(84) لأخبار مستفيضة بل متواترة ففي بعضها التعبير بالسنة و في بعضها بالحول و المنساق منهما الكمال مضافا إلى الإجماع على اعتبار حصول الحول و كماله، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اللقطة يجدها الرجل و يأخذها، قال عليه السّلام: يعرّفها سنة فإن جاء لها طالب و إلا فهي كسبيل ماله» (1)، ففي خبر الحسين بن كثير قال: «سأل رجل أمير المؤمنين عليه السّلام عن اللقطة فقال:

يعرّفها فإن جاء صاحبها دفعها إليه و إلا حبسها حولا فإن لم يجئ صاحبها أو من يطلبها تصدق بها» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(85) لأصالة البراءة و إطلاق جميع الأدلة المشتملة على الحول و السنة الظاهرة في أن المناط المدة المعهودة متصلة كانت أو منفصلة مضافا إلى الإجماع.

ثمَّ إن للتوالي مراتب متفاوتة الاتصال في كل يوم مرة و في كل أسبوع و في كل شهر، و التوالي العرفي بحيث يصدق أن التعريف اللاحق ملحق بالسابق و ليس شيئا مستقلا.

(86) لما مر غير مرة أن المناط إنما هو الصدق العرفي فيما لم يرد فيه تحديد شرعي و لم يرد في المقام تحديد شرعي في توالي الأيام و عدمه.

(87) لتحقق الصدق عرفا فيكون مجزيا قهرا.

ص: 325


1- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 1 و 2.

التملك (88)، و سقط عنه ما وجب عليه و إن كان عاصيا في تأخيره إن كان بدون عذر (89).

مسألة 13: لا يعتبر رضا الملتقط في التعريف

(مسألة 13): لا يعتبر رضا الملتقط في التعريف فلو عرّف و لو من دون علمه و رضاه كفى (90).

مسألة 14: إيصال اللقطة إلى المالك بعد الظفر عليه واجب فوري

(مسألة 14): إيصال اللقطة إلى المالك بعد الظفر عليه واجب فوري (91) و لا تسقط الفورية بالعصيان (92).

مسألة 15: يصدق التعريف على ما تعارف في هذه الأعصار في وسائل الإعلام

(مسألة 15): يصدق التعريف على ما تعارف في هذه الأعصار في وسائل الإعلام من الصحف و الإذاعات و غيرهما (93).

مسألة 16: لا يعتبر في التعريف مباشرة الملتقط

(مسألة 16): لا يعتبر في التعريف مباشرة الملتقط بل يجوز استنابة الغير مجانا أو بالأجرة (94) مع الاطمئنان بإيقاعه (95)، و الظاهر أن أجرة

______________________________

(88) و لا ينافي شرطيته لجواز التملك و التصدق كونه واجبا نفسيا أيضا، إذ رب واجب نفسي يكون واجبا غيريا أيضا كصلاة الظهر بالنسبة إلى العصر.

(89) لما مر من أن الفورية واجب نفسي و لو أخل بالفورية ثمَّ تلف يكون ضامنا لذهاب الأمانة و تحقق الخيانة.

(90) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(91) لأصالة الفورية في أداء حقوق الناس و أموالهم إليهم مضافا إلى ظواهر الأدلة و الإجماع.

(92) للأصل و الاتفاق فيكون فورا ففورا.

(93) لأنه أمر عرفي و العرف يحكم بذلك بل يرجع إليها.

(94) كل ذلك للأصل و الإطلاق و الاتفاق بل و لا يعتبر رضاه بذلك، فلو عرّفه شخص بدون رضا الملتقط تعريفا صحيحا أجزء و كفى في ترتب الأحكام.

(95) لأصالة عدم ترتب الأثر على كل فعل و خبر إلا مع حجة معتبرة دالة

ص: 326

التعريف على الملتقط (96) إلا إذا كان من قصده أن تبقى بيده و يحفظها لمالكها (97).

مسألة 17: لو علم بأن التعريف لا فائدة فيه

(مسألة 17): لو علم بأن التعريف لا فائدة فيه أو حصل له اليأس من وجدان مالكها قبل تمام السنة سقط (98)، و تخيّر بين الأمرين في لقطة الحرم و الأمور الثلاثة في لقطة غيره (99) و الأحوط في الثاني أن يتصدق بها و لا يتملك (100).

مسألة 18: لو تعذر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر

(مسألة 18): لو تعذر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر و ليس عليه بعد ارتفاع العذر استيناف السنة بل يكفي تتميمها (101).

مسألة 19: لو علم بعد تعريف سنة أنه لو زاد عليها عثر على صاحبه

(مسألة 19): لو علم بعد تعريف سنة أنه لو زاد عليها عثر على صاحبه فهل يجب الزيادة إلى أن يعثر عليه أم لا؟ وجهان أحوطهما

______________________________

على تحققه و الاطمئنان حجة معتبرة كما ثبت في الأصول.

(96) لأن الضرر حصل عليه من أخذه، و لأنها من مصالحه لو أراد التملك.

(97) من حيث المصلحة ترجع إلى المالك فتكون الأجرة عليه لأن من له الغنم فعليه الغرم، و من حيث أن السبب لذلك كان هو أخذ الملتقط فتكون عليه و الاحتياط في التصالح و التراضي.

(98) لصيرورة التعريف لغوا حينئذ، و لا معنى لوجوب ما هو لغو بلا فرق بين كون وجوب التعريف نفسيا أو غيريا.

(99) للإطلاق و الاتفاق بعد عدم كون التعريف شرطا مطلقا لصحة أصل الحكم و إنما هو شرط في ظرف المعقولية أو احتمالها احتمالا عقلائيا.

(100) لاحتمال انطباق عنوان مجهول المالك عليه حينئذ و انصراف ما دل على تملك اللقطة عن هذه الصورة.

(101) للأصل و الإطلاق و الاتفاق و أنه لا وجه لفعلية الحكم مع وجود العذر و عدم اعتبار التوالي.

ص: 327

الأول (102) و إن كان الثاني لا يخلو من قوة (103).

مسألة 20: لو ضاعت اللقطة من الملتقط و وجدها شخص آخر لم يجب عليه التعريف

(مسألة 20): لو ضاعت اللقطة من الملتقط و وجدها شخص آخر لم يجب عليه التعريف بل يجب عليه إيصالها إلى الملتقط الأول (104).

نعم، لو لم يعرّفه وجب عليه التعريف سنة (105) طالبا به المالك أو الملتقط الأول فأيا منهما عثر عليه يجب دفعها إليه (106) من غير فرق بين ما كان ضياعها من الملتقط قبل تعريفه سنة أو بعده (107).

______________________________

(102) لاحتمال أن يكون التحديد بالسنة كما تقدم إنما هو لحصول اليأس عن الظفر بالمالك بعد الفحص في السنة، فلا يشمل صورة العلم بالظفر به لو تفحص، فمقتضى بعض الإطلاقات (1)، وجوب الفحص خصوصا فيما إذا كان ذلك في زمان يسير و احتمال انصراف أدلة التحديد عن ذلك.

(103) لأن إطلاق دليل التحديد بالسنة يشمل الصور الثلاث:

الأولى: حصول العلم بعدم الظفر بالمالك بعدها.

الثانية: الاحتمال بالظفر به بعدها و تقدم حكمه.

الثالثة: العلم بالظفر به بعدها، و فيه أن دعوى الشمول للصورة الأخيرة مشكلة كما لا يخفى.

(104) لفرض كون من ضاع منه المال معلوما و يده محترم لأنه كان في يده بنحو الأمانة الشرعية، فلا بد من رده إليه كسائر الأمناء الشرعيين أو المالكية من الولي و الوكيل و نحوهما.

(105) لتحقق موضوع اللقطة حينئذ.

(106) أما المالك فلكونه مالكا للمال و لا ريب في صحة الدفع إليه إن لم يكن محجورا شرعا و أما الملتقط فلكونه أمينا شرعيا.

(107) لفرض كونه أمينا شرعيا على التقديرين.

ص: 328


1- الوسائل باب: 3 و 4 من أبواب اللقطة: 5 و 2.

مسألة 21: إذا كانت اللقطة مما لا يبقى سنة

(مسألة 21): إذا كانت اللقطة مما لا يبقى سنة كالبطيخ و اللحم و الفواكه و الخضراوات- جاز أن يقومها على نفسه و يأكلها و يتصرف بها أو يبيعها من غيره و يحفظ ثمنها لمالكها (108)، و الأحوط أن يكون بيعها بإذن الحاكم مع الإمكان (109) و لا يسقط التعريف فيحفظ خصوصياتها و صفاتها قبل أن يأكلها أو يبيعها ثمَّ يعرّفها سنة فإن جاء صاحبها و قد باعها دفع ثمنها إليه و إن أكلها غرمه بقيمته (110) و إن لم يجئ فلا شي ء

______________________________

(108) لأن الأمر يدور بين ذهاب أصل المالية و العينية رأسا و بين ذهاب العينية و بقاء المالية، و العقل يحكم بتعيين الثاني مضافا إلى الإجماع و النص، فعن الصادق عليه السّلام في خبر السكوني: «إن أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: يقوّم ما فيها ثمَّ يؤكل لأنه يفسد و ليس له بقاء فإن جاء طالبها غرموا له الثمن، فقيل: يا أمير المؤمنين لا يدري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي، فقال: هم في سعة حتى يعلموا» (1)، و التعليل بقوله عليه السّلام لأنه يفسد و ليس له بقاء يشمل كل ما ذكر، كما أنه يمكن أن يستفاد من الإذن في الأكل الإذن في البيع لأن المقصود كله عدم ضياع العين و حفظ ثمنه لمالكه فيكون لفظ الغرامة حينئذ من باب المثال للعوض مطلقا، و عن الصادق عليه السّلام «و إن وجدت طعاما في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثمَّ كله فإن جاء صاحبه فرد عليه القيمة» (2).

(109) لاحتمال اختصاص الإذن في التصرف بخصوص الأكل فقط و عدم ولاية للواجد على البيع و لكنه احتمال ضعيف.

(110) كل ذلك لإطلاق أدلة التعريف سنة ثمَّ الدفع إلى المالك و الإذن في

ص: 329


1- الوسائل باب: 23 من أبواب اللقطة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 9.

عليه (111).

مسألة 22: يتحقق تعريف سنة

(مسألة 22): يتحقق تعريف سنة بأن يكون في مدة سنة متوالية أو غير متوالية (112) مشغولا بالتعريف بحيث لم يعد في العرف متسامحا متساهلا في الفحص عن مالكه بل عدوه فاحصا عنه في هذه المدة، و لا يتقدر ذلك بمقدار معين (113)، بل هو أمر عرفي و قد نسب الى المشهور (114) تحديده بان يعرف في الأسبوع الأول في كل يوم مرة ثمَّ في بقية الشهر في كل أسبوع مرة و بعد ذلك في كل شهر مرة، و الظاهر أن المراد بيان أقل ما يصدق عليه تعريف سنة عرفا و مرجعه إلى كفاية بضع و عشرين مرة بهذه الكيفية و فيه إشكال من جهة الإشكال في كفاية كل شهر مرة في غير الشهر الأول، و الظاهر كفاية كل أسبوع مرة إلى تمام الحول

______________________________

المقام في التصرف فيه و غرامة القيمة لو اكله.

(111) لكونه مأذونا في الأكل من الشارع فلا يجب عليه التصدق.

(112) التوالي فيما إذا عرف متواليا و غير التوالي فيما إذا عرف غير متوال و كل منهما جائز كما مر.

(113) لأن المرجع في صدق الفحص في السنة و الحول إنما هو العرف بعد ان لم يرد فيه دليل شرعي على التحديد كما هو الشأن في جميع الموضوعات التي لم يرد فيها تحديد شرعي فمهما صدق ذلك عرفا يجزي و إن لم يصدق أو شك في الصدق لا بد من العمل بما يحرز به الصدق العرفي.

و لعل عدم التعرض في الأخبار و كلمات جمع من الفقهاء إنما كان لأجل ذلك أي الإيكال إلى العرف.

(114) نسب ذلك إلى المشهور تارة و إلى الأصحاب أخرى و حيث لا دليل لهم على ما قالوه لا إجماع معتبر و لا موثق من الخبر فإن طابق مرتكز العرف نقول به و إلا فلا وجه للتعبد بقولهم.

ص: 330

و الأحوط أن يكون في الأسبوع الأول كل يوم مرة (115).

مسألة 23: محل التعريف مجامع الناس

(مسألة 23): محل التعريف مجامع الناس كالاسواق و المشاهد و محل اقامة الجماعات و مجالس التعازي، و كذا المساجد حين اجتماع الناس فيها و إن كره ذلك فيها فينبغي أن يكون على أبوابها حين دخول الناس فيها أو خروجهم عنها (116).

مسألة 24: يجب أن يعرف اللقطة في موضع الالتقاط

(مسألة 24): يجب أن يعرف اللقطة في موضع الالتقاط (117) إن وجدها في محل متأهل من بلد أو قرية و نحوهما (118)، و لو لم يقدر على

______________________________

(115) خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور تارة و إلى الأصحاب أخرى.

(116) كل ذلك لمساعدة العرف و الاعتبار و دلالة مادة التعريف عليه، و عن الصادق عليه السّلام في خبر سعيد بن عمرو الجعفي: «اتق اللّه عز و جل و عرّفه في المشاهد» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر يعقوب بن شعيب: «يعرّفها سنة في كل مجمع» (2)، و تقدم ما يدل على كراهة إنشاد الضالة في أحكام المساجد فراجع.

(117) لأنه المنساق من الأدلة، و عن الصادق عليه السّلام لأبان بن تغلب «صر إلى المكان الذي أصبت فيه فعرّفه» (3)، و عن الكاظم عليه السّلام لابن عمار: «يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(118) لفرض وجود الأهل فيه و هو مظنة الظفر بصاحبها هذا إذا احتمل وجود صاحبها فيه و أما إن علم بالعدم فلا وجه لمراعاة محل الالتقاط.

ص: 331


1- الوسائل باب: 6 من أبواب اللقطة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب اللقطة الحديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 7.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب اللقطة الحديث: 3.

البقاء لم يسافر بها بل استناب شخصا أمينا ثقة ليعرفها (119)، و إن وجدها في المفاوز و البراري و الشوارع و أمثال ذلك عرّفها لمن يجده فيها (120) حتى أنه لو اجتازت قافلة تبعهم و عرفها فيهم (121)، فإن لم يجد المالك فيها أتم التعريف في غيرها من البلاد أي بلد شاء مما احتمل وجود صاحبها فيه (122)، و ينبغي أن يكون في أقرب البلدان إليها فالأقرب مع الإمكان (123).

مسألة 25: كيفية التعريف أن يقول المنادي «من ضاع له ذهب أو فضة أو ثوب»

(مسألة 25): كيفية التعريف (124)، أن يقول المنادي «من ضاع له ذهب أو فضة أو ثوب» و ما شاكل ذلك من الألفاظ بلغة يفهمهما الأغلب

______________________________

(119) أما عدم جواز المسافرة بها فلأن المسافرة بها مع وجوب التعريف في محل الالتقاط يكون من التعدي حينئذ.

و أما صحة الاستنابة فيه مطلقا فقد مر.

(120) لإطلاق أدلة وجوب تعريف اللقطة الشامل لجميع ذلك.

(121) لكون القافلة مظنة وجود صاحب اللقطة فيه.

(122) لإطلاق أدلة التعريف و تنجز هذا الاحتمال في إيصال أموال الناس إليهم عقلا.

(123) لأن احتمال كون صاحبها في الأقرب فالأقرب أكثر من البلاد البعيدة عادة و لكن الظاهر اختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات و الخصوصيات.

(124) التعريف من العرفيات المتعارفة بين الناس و لم يرد في الكيفية تحديد شرعي و لا وجه للتحديد الشرعي لأن الأشياء مختلفة في الخصوصيات و الصفات و إن كان الجامع العام فيها مطلق الشيئية، و المعلوم من طريقة العرف ان بناءهم على إخفاء بعض الصفات في الجملة و عدم الإعلان بجميع الصفات و الخصوصيات حذرا عن أن لا يدعيها كل من لا يبالي بدينه، و هذه الطريقة هي المقررة شرعا بإطلاق الأدلة.

ص: 332

و يجوز أن يقول من «ضاع له شي ء أو مال» بل ربما قيل إن ذلك أحوط و أولى (125)، فإذا ادعى أحد ضياعه سأله عن خصوصياته و صفاته و علاماته من وعائه و خيطه و صنعته و أمور يبعد اطلاع غير المالك عليها من عدده و زمان ضياعه و مكانه و غير ذلك (126)، فإذا توافقت الصفات و الخصوصيات التي ذكرها مع الخصوصيات الموجودة في ذلك المال فقد تمَّ التعريف (127)، و لا يضر جهله ببعض الخصوصيات التي لا يطلع عليها المالك غالبا و لا يلتفت إليها إلا نادرا الا ترى أن الكتاب الذي يملكه الإنسان و يقرأه و يطالعه مدة طويلة من الزمان لا يطلع غالبا على عدد أوراقه و صفحاته فلو لم يعرف مثل ذلك لكن وصفه بصفات و علامات أخر لا تخفى على المالك كفى في تعريفه و توصيفه (128).

مسألة 26: إذا لم تكن اللقطة قابلا للتعريف

(مسألة 26): إذا لم تكن اللقطة قابلا للتعريف بأن لم تكن لها علامة و خصوصيات ممتازة عن غيرها حتى يصفها من يدّعيها و يسئل عنها الملتقط، كدينار واحد من الدنانير المتعارفة غير مصرور و لا مكسور سقط التعريف (129)، و حينئذ هل يتخير بين الأمور الثلاثة المتقدمة من دون

______________________________

(125) يظهر ذلك من المحقق رحمه اللّه في الشرائع.

(126) مما يوجب العلم العادي بصدقه و أنها له.

(127) لأن وجوب أصل التعريف طريقي لحصول العلم العادي بصاحب المال و المفروض قد حصل ذلك فلا يجب شي ء بعد ذلك.

(128) لتحقق ما هو المتعارف و أصالة البراءة عن وجوب ما عداه و لا وجه للتمسك بإطلاق دليل وجوب التعريف للشك في شموله لما هو خارج عن المتعارف، فيكون التمسك به تمسكا بالدليل في الموضوع المشكوك بل الظاهر عدم الشمول أصلا فيكون من التمسك بالدليل في غير موضوعه عرفا.

(129) لقاعدة انتفاء الحكم بانتفاء الموضوع مضافا إلى الإجماع.

ص: 333

تعريف (130) مثل ما حصل اليأس من وجدان مالكه أو يعامل معه معاملة مجهول المالك (131) فيتعيّن التصدق به؟ وجهان أحوطهما الثاني (132).

مسألة 27: إذا التقط اثنان لقطة واحدة

(مسألة 27): إذا التقط اثنان لقطة واحدة فإن كان المجموع دون درهم جاز لهما تملكها في الحال من دون تعريف و كان بينهما بالتساوي (133)، و إن كانت بمقدار درهم فما زاد وجب عليهما تعريفها (134) و إن كانت حصة كل منهما أقل من درهم (135)، و يجوز أن يتصدى للتعريف كلاهما أو أحدهما أو يوزّع الحول عليهما بالتساوي أو

______________________________

(130) لفرض أن المال لقطة و انتفاء بعض شرائطها لا يوجب انتفاء عنوان اللقطة عنه رأسا فيترتب عليه الحكم قهرا.

(131) لاحتمال كون قابلية التعرف من مقومات اللقطة، و لا دليل على خلاف هذا الاحتمال مع أصالة عدم صحة تسلّط الملتقط على التملك و فرق بين المقام و بين ما إذا حصل اليأس من الظفر على المالك، لأن غاية التعريف إنما هو حصول اليأس و المفروض حصوله فيشمل دليل التخيير بين الثلاثة بخلاف المقام للشك في دخوله تحت أدلة اللقطة من الأول.

(132) ظهر وجهه مما تقدم.

(133) أما جواز تملّكها في الحال فلما مر سابقا من جواز تملّك ما دون الدرهم و إطلاقه يشمل ما إذا كان الملتقط واحدا أو متعددا.

و أما التساوي فلعدم ما يوجب تفضيل أحدهما على الآخر من عقل أو نقل

(134) لإطلاق الأدلة و إجماع فقهاء الملة.

(135) لشمول إطلاق الدليل لهذه الصورة مع أن الاشتراك في الالتقاط يجعلهما كالملتقط الواحد حكما.

ص: 334

التفاضل (136)، فإن توافقا على أحد الأنحاء فقد أدى ما هو الواجب عليهما و سقط عنهما و إن تعاسرا يوزّع الحول عليهما بالتساوي (137)، و هكذا بالنسبة إلى أجرة التعريف لو كانت عليهما و بعد ما تمَّ حول التعريف يجوز اتفاقهما على التملك أو التصدق أو الإبقاء أمانة، و يجوز أن يختار أحدهما غير ما يختاره الأخر بأن يختار أحدهما التملك و الأخر التصدق مثلا كل في نصفه (138).

مسألة 28: إذا التقط الصبي أو المجنون

(مسألة 28): إذا التقط الصبي أو المجنون فما كان دون درهم ملكاه أن قصدا أو قصد وليهما التملك (139) و ما كان مقدار درهم فما زاد يعرف و كان التعريف على وليهما (140) و بعد تمام الحول يختار من التملك لهما و التصدق و الإبقاء أمانة ما هو الأصلح لهما (141).

مسألة 29: اللقطة في مدة التعريف أمانة

(مسألة 29): اللقطة في مدة التعريف أمانة (142) لا يضمنها الملتقط

______________________________

(136) لأن الحكم تعلق بهما فلهما أن يختارا كلما شاءا و أرادا.

(137) لعدم وجود منشأ للتفاضل في البين و كذا بالنسبة إلى أجرة العمل.

(138) كل ذلك لإطلاق الدليل الشامل لصورتي الاختلاف و الاتفاق.

(139) قصد الولي للتملك صحيح لكون قصده معتبرا و أما قصد المجنون له فلا أثر له لعدم الاعتبار بقصده، و كذا الصبي بناء على المشهور من أن قصده كلا قصد و إن أشكلنا عليه في كتاب البيع فراجع (1).

(140) لأن من فروع ولاية الولي القيام بوظيفة ما يحصل في يدهما من الأمانات و نحوها.

(141) لأن ذلك أيضا من فروع الولاية مضافا إلى الإجماع عليه.

(142) أي أمانة شرعية لأن الشارع أذن في أخذها و إن كره ذلك كما مر

ص: 335


1- تقدم في ج: 16 صفحة: 275.

إلا مع التعدي أو التفريط (143)، و كذا بعد تمام الحول إن اختار بقاءها عنده أمانة لمالكها (144)، و أما إن اختار التملك أو التصدق فإنها تصير في ضمانه كما تعرفه (145).

مسألة 30: يجوز للملتقط التصرف في اللقطة

(مسألة 30): يجوز للملتقط التصرف في اللقطة بما لا ينافي بقاء العين مع ضمان المنفعة بإذن الحاكم الشرعي (146).

مسألة 31: إن وجد المالك و قد تملكه الملتقط بعد التعريف

(مسألة 31): إن وجد المالك و قد تملكه الملتقط بعد التعريف فإن كانت العين باقية أخذها (147)، و ليس له إلزام الملتقط بدفع البدل من المثل أو القيمة (148)، و كذا ليس له إلزام المالك بأخذ البدل (149)، و إن كانت تالفة أو منتقلة إلى الغير ببيع و نحوه أخذ بدله من الملتقط (150) من

______________________________

و الكراهية التكليفية لا تنافي الأمانة الشرعية كما هو معلوم.

(143) لقاعدة «عدم جواز تضمين الأمين إلا مع ثبوت التعدي أو التفريط» كما مر في كتاب الوديعة، مع أن الحكم مجمع عليه.

(144) لأنه مأذون في ذلك شرعا كما مر فتصير أمانة شرعية قهرا و لا وجه لتضمين الأمين عقلا و شرعا.

(145) و تعرف الوجه فيه إن شاء اللّه تعالى.

(146) لعموم ولاية الحاكم الشرعي على مثل هذه الأمور.

(147) إجماعا و نصوصا منها قول علي عليه السّلام: «فإن جاء صاحبها دفعها إليه» (1)، و إطلاقه يشمل صورة التملك أيضا و مثله غيره.

(148) لما مر في سابقة من غير فرق.

(149) لأصالة عدم ولاية له على ذلك.

(150) لقاعدة اليد و خصوص نصوص اللقطة الدالة على وجوب دفعها إلى

ص: 336


1- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 1.

المثل أو القيمة، و إن وجد بعد ما تصدق به فليس له أن يرجع إلى العين و إن كانت موجودة عند المتصدق له، و إنما له أن يرجع على الملتقط و يأخذ منه بدل ما له إن لم يرض بالتصدق (151)، و إن رضي به لم يكن له الرجوع عليه و كان أجر الصدقة له (152)، هذا إذا وجد المالك و أما إذا لم يوجد فلا شي ء عليه في الصورتين (153).

مسألة 32: لا يسقط التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلى الحاكم

(مسألة 32): لا يسقط التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلى الحاكم

______________________________

المالك حتى لو ظهر بعد تعريف سنة (1)، مطلقا و لو بعد التملك الظاهري، و قولهم عليهم السّلام: «اجعلها في عرض مالك» أو «هي كسبيل مالك» كما مر مفاده جواز التصرف فيها شرعا تسهيلا على الناس لا سقوط الضمان مطلقا حتى لو ظهر المالك و طلبها.

(151) إجماعا و نصوصا منها ما عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام:

«سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة ثمَّ يتصدق بها فيأتي صاحبها ما حال الذي تصدق بها و لمن الأجر؟ هل عليه أن يردّ على صاحبها؟ أو قيمتها؟

قال: هو ضامن لها و الأجر له إلا أن يرضى صاحبها فيدعها و الأجر له» (2).

و منها ما عن علي عليه السّلام: «يعرّفها فإن جاء صاحبها بعد ما تصدق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده و كان الأجر له و إن كره ذلك احتسبها و الأجر له» (3)

(152) إجماعا و نصوصا تقدم في بعضها آنفا صحيح ابن جعفر.

(153) للنصوص الدالة على قولهم عليهم السّلام كما مر: «اجعلها في سبيل مالك» أو «فاجعلها في عرض مالك» و نحوهما الظاهرة في عدم الضمان و عدم شي ء عليه حينئذ.

ص: 337


1- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 3 و 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 14 و 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 14 و 2.

و إن جاز له دفعها إليه قبل التعريف و بعده (154) بل إن اختار التصدق بها بعد التعريف كان الأولى أن يدفعها إليه ليتصدق بها (155).

مسألة 33: لو وجد المالك و قد حصل للّقطة نماء متصل يتبع العين فيأخذ العين بنمائه

(مسألة 33): لو وجد المالك و قد حصل للّقطة نماء متصل يتبع العين فيأخذ العين بنمائه سواء حصل قبل تمام التعريف أو بعده و سواء حصل قبل التملك أو بعده (156).

و أما النماء المنفصل فإن حصل بعد التملك كان للملتقط (157)، فإذا كانت العين موجودة تدفعها إلى المالك دون نمائها و إن حصل في زمن التعريف أو بعده قبل التملك كان للمالك (158).

مسألة 34: لو حصل لها نماء منفصل بعد الالتقاط

(مسألة 34): لو حصل لها نماء منفصل بعد الالتقاط فعرّف العين حولا و لم يجد المالك فهل له تملك النماء بتبع العين أم لا؟ وجهان بل

______________________________

(154) أما عدم سقوط التعريف فللأصل و ظهور الإجماع إلا إذا وكّل الحاكم في التعريف و قبله فيجب عليه التعريف حينئذ لمكان قبوله للوكالة. و أما جواز دفعها إليه مطلقا فلأن إيصال الحق إلى صاحبه من أهم الأمور الحسبية التي له الولاية عليها.

(155) لكونه أعرف بمواضع صرف الصدقات و سائر الجهات المتعلقة بها.

(156) لقاعدة «تبعية النماء للملك» الجارية في الصورتين.

و قصد التملك من الملتقط لا يوجب بقاء النماء له بعد زوال ملكه و رجوعه إلى المالك.

نعم، لو حصل النماء بإنفاق الملتقط و كان من قصده الرجوع بما أنفق على المالك يجوز له الرجوع عليه حينئذ بما أنفق كما تقدم في لقطة الحيوان.

(157) لأنه نماء ملكه، فيملكه ملكا مستقرا و إن كان ملكية ما حصل منه النماء متزلزلا كما في النماء المنفصل في العين المشترى بالبيع الخياري.

(158) لقاعدة تبعية النماء للملك من دون معارض.

ص: 338

قولان (159) أظهرهما الأول و أحوطهما الثاني (160)، بأن يعمل معه معاملة مجهول المالك فيتصدق به بعد اليأس عن المالك (161).

مسألة 35: لو نوى الملتقط الخيانة في أثناء الحول أو بعده

(مسألة 35): لو نوى الملتقط الخيانة في أثناء الحول أو بعده انقلبت يده من الأمانة الشرعية إلى الخيانة (162) و لو رجع ففي رجوع الأمانة إشكال (163).

مسألة 36: ما يوجد مدفونا في الخربة الدارسة التي باد أهلها

(مسألة 36): ما يوجد مدفونا في الخربة الدارسة التي باد أهلها و في المفاوز و كل أرض لا رب لها فهو لواجده من دون تعريف و عليه الخمس كما مر في كتابه (164)، و كذا ما كان مطروحا و علم أو ظن بشهادة بعض

______________________________

(159) نسب الأول إلى القواعد و الشهيد و المحقق الثانيين، و يظهر القول الثاني من صاحب الجواهر.

و استدل للأول أن الملتقط إذا استحق ملك العين استحق ملك النماء بالتبعية لأن الفرع لا يزيد على الأصل، و استحقاق التملك حصل بمجرد الالتقاط و إن كان التعريف شرطا فقد وجد النماء بعد الاستحقاق فيتبع العين بل لا يشترط تملكه حول مستقل إذا أكمل حول الأصل.

و دليل الثاني منع التبعية في المنفصل مع عدم صدق الالتقاط عليه و لا أقل من الشك فيه فيبقى على حكم مجهول المالك هذا في النماء المنفصل، و أما المتصل فالظاهر التبعية و لا خلاف لهم فيه.

(160) أحوطية الثاني معلومة و أظهرية الأوّل غير معلومة.

(161) لأن بذلك يتحقق الاحتياط.

(162) لانقلاب الموضوع وجدانا فينقلب الحكم قهرا مضافا إلى الإجماع.

(163) مقتضى الأصل عدم الرجوع إلا بدليل معتبر و هو مفقود، و منه يظهر حكم ما لو كان من الأول بانيا على الخيانة.

(164) تقدم في كتاب الخمس في أحكام الكنز ما يتعلق به فراجع.

ص: 339

العلائم و الخصوصيات أنه ليس لأهل زمن الواجد (165)، و أما ما علم أنه لأهل زمانه فهي لقطة فيجب تعريفها إن كان بمقدار الدرهم فما زاد، و قد مر أنه يعرّف في أي بلد شاء (166).

مسألة 37: لو علم مالك اللقطة قبل التعريف

(مسألة 37): لو علم مالك اللقطة قبل التعريف لكن لم يمكن الإيصال إليه و لا إلى وارثه ففي إجراء حكم اللقطة عليه من التخيير بين الأمور الثلاثة أو إجراء حكم مجهول المالك عليه و تعين التصدق به وجهان (167)، الأحوط الثاني (168) بل لا يخلو من قوة.

مسألة 38: لو مات الملتقط

(مسألة 38): لو مات الملتقط فإن كان بعد التعريف و التملك ينتقل

______________________________

(165) لأن المنساق من أدلة اللقطة هو ما إذا كان لها مالك فعلي دون ما لم يكن كذلك، مع أن مقتضى الأصل عدم ترتب أحكامها بعد عدم إحراز الموضوع.

(166) و قد تقدم كل ذلك فراجع.

(167) من صدق اللفظ عرفا فيترتب عليها جميع أحكامها قهرا و من أن موضوعها ما إذا لم يعلم المالك، و المفروض العلم به و عدم إمكان الإيصال إليه فلا يتحقق الموضوع بقاء و إن تحقق حدوثا، و المناط في ترتيب الأثر على الموضوع في المقام هو الحدوث و البقاء معا لا مجرد الحدوث فقط و إن زال الموضوع بعد ذلك، مع أن الشك في أن الموضوع من اللقطة المعهودة يكفي في عدم صحة التمسك بإطلاق أدلتها.

(168) بناء على أن المراد به كل مال لا يمكن إيصاله إلى مالكه أبدا و لو كان معلوما كما عن جمع لا إشكال فيه حينئذ.

و أما بناء على الجمود على لفظ مجهول المالك فلا بد من مراجعة الحاكم الشرعي.

ص: 340

إلى وارثه (169)، و إن كان بعد التعريف و قبل التملك يتخير وارثه بين الأمور الثلاثة (170)، و إن كان قبل التعريف أو في أثنائه يتولاه وارثه في الأول و يتمه في الثاني (171)، و هو مخير بين الأمور الثلاثة و لو تعددت الورثة كان حكمهم حكم الملتقط المتعدد مع وحدة اللقطة، و قد مر حكمه (172) في بعض المسائل السابقة.

مسألة 39: لو وجد مالا في دار معمورة يسكنها الغير

(مسألة 39): لو وجد مالا في دار معمورة يسكنها الغير سواء كانت ملكا أو مستأجرة أو مستعارة بل أو مغصوبة عرفه الساكن، فإن ادعى ملكيته

______________________________

ثمَّ ان الفرق بين اللقطة و مجهول المالك من جهات:

الأولى: التعريف في مجهول المالك غير محدود شرعا بحد معين بل حده اليأس عن الظفر بالمالك بخلاف اللقطة فإنه محدود بما مر.

الثانية: بعد اليأس عن المالك في مجهول المالك يتعين التصدق بخلاف اللقطة فإنها بعد التعريف يتخير بين الأمور الثلاثة.

الثالثة: لا فرق في مجهول المالك بين الدرهم و الأقل منه بخلاف اللقطة كما مر.

الرابعة: اللقطة تختص بالعين و مجهول المالك يشمل العين و الدين.

الخامسة: حكم مجهول المالك يعم مورد العلم بالمالك مع عدم إمكان الوصول إليه عند جمع بخلاف اللقطة.

(169) لعموم أدلة الإرث الشامل لهذا النحو من الملك أيضا.

(170) لانتقال هذا الحق إلى الوارث لعموم ما تركه الميت من حق فلوارثه (1)، مضافا إلى الإجماع.

(171) لما مر في سابقة من غير فرق.

(172) و تقدم دليله فراجع.

ص: 341


1- تقدم ما يتعلق بهذه الرواية في ج: 18 صفحة: 153.

فهو له فليدفع إليه بلا بيّنة (173)، و كذا لو قال لا أدري (174) و إن سلبه عن نفسه فقد نسب إلى المشهور أنه ملك للواجد (175)، و فيه إشكال (176) فالأحوط إجراء حكم اللقطة عليه و أحوط منه اجراء حكم

______________________________

(173) إجماعا و نصوصا منها صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به» (1).

و منها: صحيحه الآخر عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته عن الورق يوجد في دار؟ فقال: إن كانت الدار معمورة فهي لأهلها، و إن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت» (2).

و منها: صحيح ابن عمار: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها، قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: يتصدق بها» (3)، و إطلاق الأهل يشمل جميع ما ذكر في المتن من المالك و المستأجر و المستعير و الغاصب، كما أن إطلاق قوله عليه السّلام:

«فهي لهم» أو «فهي لأهلها» يدل على صحة الدفع بلا بيّنة.

(174) بدعوى إطلاق قوله عليه السّلام: «فهي لهم» أو «فهي لأهلها» مع أن السلطنة الفعلية على الدار تقتضي السلطة الفعلية على ما فيها إلا أن ينفيها عن نفسه.

و لكنه يشكل أولا بما في الجواهر بعدم وجدان عامل بهذا الإطلاق.

و ثانيا: بصحيح ابن عمار المتقدم فإن ذيله ظاهر في صورة المعرفة فتكون صورة عدم المعرفة و صورة إظهار الجهل بالحال مورد وجوب التصدق فالأحوط إجراء حكم مجهول المالك عليه.

(175) كما في الشرائع و غيره و عن الغنية الإجماع عليه.

(176) لأصالة عدم صحة التملك لمال الغير و احتمال أن يكون مورد

ص: 342


1- الوسائل باب: 5 من أبواب اللقطة الحديث: 1 و 2 و 3.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب اللقطة الحديث: 1 و 2 و 3.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب اللقطة الحديث: 1 و 2 و 3.

مجهول المالك (177)، فيتصدق به بعد اليأس عن المالك (178).

مسألة 40: لو وجد شيئا في جوف حيوان قد انتقل إليه من غيره

(مسألة 40): لو وجد شيئا في جوف حيوان قد انتقل إليه من غيره فإن كان غير السمك كالغنم و البقر عرّفه صاحبه السابق فإن ادعاه دفعه اليه (179)، و كذا إن قال لا أدري على الأحوط (180).

و إن أنكره كان للواجد (181)، و إن وجد شيئا لؤلؤة أو غيرها في جوف سمكة اشتراها من غيره فهو له (182)، و الظاهر أن الحيوان الذي لم

______________________________

إجماع الغنية ما إذا كان المال من الأزمنة القديمة الذي مر حكمه.

(177) وجه الاحتياط معلوم لا يحتاج إلى البيان

(178) لأنه حكم مجهول المالك كما مر.

(179) إجماعا و نصا ففي صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه السّلام: «عرّفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك اللّه إياه» (1)، و اعتبار القيدين اللذين ذكرا في المتن يظهر من الحديث كما هو واضح و مقتضى إطلاقه عدم اعتبار البينة أيضا.

(180) وجه الاحتياط أن اليد الفعلية السابقة على الشي ء يد على جميع ما فيه.

و احتمال أن مفهوم قوله عليه السّلام: «فإن لم يكن يعرفها» يشمل صورة إظهار عدم المعرفة و صورة الجهل بها فتخرج صورة واحدة فقط و هي صورة الإنكار.

(181) بلا إشكال فيه من أحد حينئذ.

(182) إجماعا و نصوصا منها خبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام: «إن رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا، فأخذ غزلا فاشترى به سمكة فوجد في بطنها

ص: 343


1- الوسائل باب: 9 من أبواب اللقطة الحديث: 1.

يكن له مالك سابق غير السمك بحكم السمك (183)، كما إذا اصطاد غزالا فوجد في جوفه شيئا و إن كان الأحوط إجراء حكم اللقطة أو المجهول المالك عليه (184).

مسألة 41: لو وجد في داره التي يسكنها شيئا و لم يعلم أنه ماله أو مال غيره

(مسألة 41): لو وجد في داره التي يسكنها شيئا و لم يعلم أنه ماله أو مال غيره فإن لم يدخلها غيره أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتفاق

______________________________

لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم فجاء سائل فدق الباب، فقال له الرجل: ادخل، فدخل، فقال له: خذ أحد الكيسين فأخذ أحدهما و انطلق فلم يكن بأسرع من أن دق السائل الباب، فقال له الرجل: ادخل فدخل فوضع الكيس في مكانه ثمَّ قال: كل هنيئا مريئا أنا ملك من ملائكة ربك إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا ثمَّ ذهب» (1)، و لا موضوع للتعريف لاحتمال أن السمكة ابتلعتها من البحر.

و احتمال أن حيازة الصائد حيازة لما في جوفها بعيد لتوقف الحيازة على القصد و لو إجمالا و لا يكون ما في جوف السمكة غير امعائها مورد قصد حيازة الصائد.

كما أن المناقشة في سند الأحاديث في مورده لا وجه لها بعد الاعتماد عليها في الفقه و كتب الحديث نقلا و فتوى.

(183) لأن المناط كله عدم السبق بيد مالك محترم المال على ما في الجوف و هو حاصل في الجميع هذا إذا لم تكن أمارة على الخلاف و إلا فلا بد من التعريف.

(184) لضعف الأخبار و الإجماع على فرض تحققه محتمل الاستناد إليها فيشكل الاعتماد حينئذ على كل منهما.

ص: 344


1- الوسائل باب: 10 من أبواب اللقطة الحديث: 1.

كالدخلانية المعدّة لأهله و عياله فهو له (185)، و إن كانت مما يتردد فيها الناس كالبرّانية المعدّة للأضياف و الواردين و العائدين و المضايف و نحوها فهو لقطة يجري عليه حكمها (186)، و إن وجد في صندوقه شيئا و لم يعلم أنه ماله أو مال غيره فهو له (187) إلا إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئا فيعرّفه ذلك الغير فإن أنكره كان له لا لذلك الغير فإن ادعاه دفعه إليه (188)، و إن قال لا أدري فالأحوط التصالح (189).

مسألة 42: لو أخذ من شخص مالا ثمَّ علم أنه لغيره

(مسألة 42): لو أخذ من شخص مالا ثمَّ علم أنه لغيره قد أخذ منه بغير وجه شرعي و عدوانا و لم يعرف المالك يجري عليه حكم مجهول المالك لا اللقطة، لما مر أنه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك و لا ضياع في هذا الفرض (190).

نعم، في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالا ثمَّ تبين أنه مال غيره

______________________________

(185) للظاهر و الإجماع و النص ففي صحيح جميل عن الصادق عليه السّلام: «في رجل وجد في منزله دينارا، قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير، قال عليه السّلام:

هذا لقطة، قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا، قال عليه السّلام: يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت: لا، قال: فهو له» (1).

(186) لصدق الموضوع عرفا فيترتب حكم الالتقاط قهرا.

(187) الكلام في الصندوق عين الكلام في الدار كما مر فلا وجه للتكرار.

(188) لأنه من الدعوى بلا معارض فلا يحتاج إلى إقامة البينة.

(189) للعلم الإجمالي المردد بينهما فلا بد لهما من التراضي.

(190) بل المال المعلوم مأخوذ من يد شخص معلوم و لكن مالكه الحقيقي غير معلوم فالأقسام ثلاثة:

ص: 345


1- الوسائل باب: 3 من أبواب اللقطة الحديث: 1.

و لم يعرفه يجب عليه أن يمسكه و لا يردّه إلى السارق مع الإمكان (191) ثمَّ هو بحكم اللقطة (192)، فيعرّفها حولا فإن أصاب صاحبها ردّها عليه و إلا تصدق بها فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيّره بين الأجر و الغرم فإن اختار الأجر فله و إن اختار الغرم غرم له، و كان الأجر له و ليس له أن يتملكه بعد

______________________________

الأول: مال ضاع عن مالكه و لا يدري أين ضاع فوجده شخص و هذا هو اللقطة.

الثاني: مال معين في يد شخص معين لا يدري هل وجده من محل و أخذه أو وضعه لديه شخص أمانة مثلا و حكمه حكم مجهول المالك للشك في ترتب الأحكام المختصة باللقطة عليه.

الثالث: مال معين عند شخص لا يدري من أعطاه و وضعه تحت يده و هذا مجهول المالك أيضا.

(191) أما وجوب الحفظ فلقاعدة اليد الدالة على أن كل من أخذ مال الغير يجب عليه أن يردّه إلى مالكه أو من يقوم مقامه و لا يجوز له التصرف فيه بوجه.

و أما عدم جواز الرد إلى السارق مع الإمكان فلما يأتي من الحديث مضافا إلى الإجماع، و أما اعتبار قيد الإمكان فلأنه لو أخذ السارق ذلك منه كرها فلا شي ء عليه لحديث رفع الإكراه (1).

(192) من جهة تعريف السنة لا من جهة قصد التملك كما يأتي، و الأصل في الحكم مضافا إلى الإجماع خبر حفص بن غياث قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال: لا يرده فإن أمكنه أن يرده على أصحابه فعل و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فإن أصاب صاحبها ردّها عليه و إلا تصدق بها فإن جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم، فإن اختار الأجر فله

ص: 346


1- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة الحديث: 2.

التعريف فليس هو بحكم اللقطة من هذه الجهة (193).

مسألة 43: لو التقط شيئا فبعد ما صار في يده ادعاه شخص حاضر

(مسألة 43): لو التقط شيئا فبعد ما صار في يده ادعاه شخص حاضر و قال: «إنه مالي» يشكل دفعه إليه بمجرد دعواه (194)، بل يحتاج إلى البيّنة (195) إلا إذا كان بحيث يصدق عرفا أنه في يده أو ادعاه قبل أن يلتقطه فيحكم بكونه ملكا للمدعي و لا يجوز له ان يلتقطه (196).

مسألة 44: لا يجب دفع اللقطة إلى من يدعيها إلا مع العلم أو البينة

(مسألة 44): لا يجب دفع اللقطة إلى من يدعيها إلا مع العلم أو البينة (197)، و إن وصفها بصفات و علامات لا يطلع عليها غير المالك غالبا

______________________________

الأجر و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له» (1).

(193) للأصل و الإجماع و ظاهر الحديث فالأقسام أربعة: اللقطة المطلقة التي يتخير الملتقط فيها بين الأمور الثلاثة، و لقطة الحرم التي يتخير فيها بين أمرين، و هذا القسم من اللقطة التي يتعين فيها التصدق و مجهول المالك.

(194) لوجوب رد الأمانات إلى أهلها كما مر في كتاب الوديعة، و المفروض الشك في أنه من أهلها أو لا.

(195) لأنها حجة شرعية فيثبت بها أنه صاحب المال.

(196) لأن اللقطة عبارة عما ليس عليها يد فعلا و لا مدع فعلي للملكية و إذا صدق عرفا أنه في يده تكون يده أمارة الملكية فلا يجوز أخذه منه بغير إذنه و كذا إذا ادعى أنه منه قبل الالتقاط.

(197) للأدلة الأربعة من الكتاب و السنة و الإجماع و العقل الدالة على وجوب رد الأمانات إلى أهلها- كما مر في كتاب الوديعة- و لا يثبت ذلك إلا بالعلم الوجداني أو البينة الشرعية.

ص: 347


1- الوسائل باب: 18 من أبواب اللقطة الحديث: 1.

إذا لم يفد القطع بكونه المالك (198).

نعم، نسب إلى الأكثر (199) أنه إن أفاد الظن جاز دفعها إليه، فإن تبرع بالدفع عليه لم يمنع و إن امتنع لم يجبر (200)،

______________________________

(198) لما مر من اعتبار العلم بكونه مالكا.

(199) نسبه في جامع المقاصد إلى المشهور و نسب إلى اللمعة و التحرير جواز الدفع و لو لم يحصل الظن و تمسكوا لما قالوه.

تارة: بإطلاق مثل قولهم عليهم السّلام: «فإن جاء لها طالب و إلا فهي كسبيل ماله» (1)، و قوله عليه السّلام: «فإن جاء صاحبها دفعها إليه» (2).

و أخرى: بالنبوي الذي أمر فيه بحفظ: «عقاصها و وكائها ثمَّ عرّفها سنة، فإن جاء صاحبها و إلا فشأنك» (3)، الظاهر في كفاية مجرد التوصيف في الرد.

و ثالثة: بندرة حصول العلم و صعوبة إقامة البينة.

و رابعة: بأنه من المدعي بلا معارض.

و الكل مخدوش في مقابل الأدلة الأربعة الدالة على وجوب رد الأمانات إلى أهلها كما مر.

أما الأخبار فهي في مقام بيان أصل وجوب الرد في الجملة لا في مقام بيان الخصوصيات من كل جهة حتى نتمسك بإطلاقها.

و أما الثالث: فلإمكان تحصيل الاطمئنان العادي من القرائن و أما الأخير فلا كلية فيه إلا مع اعتضاده بقرائن خارجية هذا مع قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام في الطير: «إن جاءك طالب لا تتهمه ردّه عليه» (4)

(200) هذه الجملة كعبارة المحقق في الشرائع، و المحقق في شرائعه لسان

ص: 348


1- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة الحديث: 1 و 2.
3- سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 185.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب اللقطة الحديث: 1.

و فيه إشكال (201)، فالأحوط الاقتصار في الدفع على صورة العلم أو البينة (202).

مسألة 45: لو تبدّل حذاؤه بحذاء أخر في مسجد أو غيره

(مسألة 45): لو تبدّل حذاؤه بحذاء أخر في مسجد أو غيره أو تبدل ثيابه في حمام أو غيره بثياب أخر فإن علم أن الموجود لمن أخذ ماله جاز أن يتصرف فيه بل يتملكه بعنوان التقاص عن ماله (203)، خصوصا فيما إذا علم بشاهد الحال أن صاحبه قد بدله متعمدا (204).

نعم، لو كان الموجود أجود مما أخذ يلاحظ التفاوت فيقوّمان معا و يتصدق مقدار التفاوت بعد اليأس عن صاحب المتروك (205)، و إن لم يعلم بأن المتروك لمن أخذ ماله أو لغيره يعامل معه معاملة المجهول المالك (206)، فيتفحّص عن صاحبه و مع اليأس عنه يتصدق به بل الأحوط ذلك أيضا فيما لو علم أن الموجود للآخذ لكن لم يعلم أنه قد بدل متعمدا (207).

______________________________

المشهور بين الفقهاء الإمامية (رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين) خصوصا محققهم و شهيدهم.

(201) ظهر مما ذكرناه وجه الإشكال.

(202) لحجية الأول وجدانا و الثانية شرعا إلا إذا ثبت بدليل معتبر حجية الظن في هذا الموضوع كثبوت حجيته في جملة من الموارد و هو أول الكلام.

(203) لعموم أدلة جواز المقاصة بما فيها من الشروط، و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى، و الظاهر عدم صدق اللقطة موضوعا على المقام.

(204) لما يظهر عن جمع من اختصاص جواز المقاصة بهذه الصورة.

(205) لجريان حكم مجهول المالك بالنسبة إلى الزيادة حينئذ.

(206) لتحقق موضوع مجهول المالك عرفا فيترتب عليه حكمه قهرا.

(207) خروجا عن خلاف من خصص جواز المقاصة بخصوص صورة التعمد، و يأتي البحث في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

ص: 349

الفصل الثالث في اللقيط

اشارة

الفصل الثالث في اللقيط إذا وجد صبي ضائع لا كافل له و لا يستقل بنفسه على السعي فيما يصلحه و الدفع عما يضره و يهلكه (208)، و يقال له «اللقيط» (209) يجوز بل يستحب التقاطه و أخذه بل يجب إذا كان في معرض التلف (210)، سواء كان منبوذا قد طرحه أهله في شارع أو مسجد و نحوهما عجزا عن النفقة أو خوفا من التهمة أو غيره، بل و إن كان مميزا بعد صدق كونه ضائعا

______________________________

(208) هذا التعريف اللقيط هو المشهور بين الفقهاء و يشهد له العرف و اللغة أيضا.

(209) و يقال له المنبوذ أيضا فاللقيط و الملقوط باعتبار الالتقاط و المنبوذ باعتبار النبذ و مرجع الكل إلى واحد، و اللقيط و المنبوذ واقع في جميع بلاد الدنيا و لا يختص ببلد دون أخرى خصوصا في أوقات الحوادث العظمى كالقحط و الغلاء أعاذنا اللّه تعالى منها.

و ذكر الصبي في المتن من باب المثال فيشمل الصبية أيضا.

(210) أما أصل الجواز فللأصل و الإجماع.

و أما الاستحباب فلأنه إحسان و خير بالنسبة إلى الغير، و مقتضى الأدلة الكثيرة المرغّبة إليها استحبابه بلا إشكال بل مقتضى مثل قولهم عليهم السّلام: «لكل كبد

ص: 350

سواء كان منبوذا قد طرحه أهله في شارع أو مسجد و نحوهما عجزا عن النفقة أو خوفا من التهمة أو غيره، بل و إن كان مميزا بعد صدق كونه ضائعا تائها لا كافل له (211).

مسألة 1: إذا أخذ اللقيط و التقطه يجب عليه حضانته

(مسألة 1): إذا أخذ اللقيط و التقطه يجب عليه حضانته و حفظه و القيام بضرورة تربيته (212) بنفسه أو بغيره (213)، و هو أحق به من غيره (214)

______________________________

حراء أجر» (1)، استحبابه بالنسبة إلى الحيوان أيضا فضلا عن الإنسان.

و أما الوجوب مع كونه في معرض التلف فلأنه إنقاذ حينئذ للنفس المحترمة عن الهلاك و هو واجب كفائي و قد يصير عينيا.

(211) لشمول الإجماع و السيرة للجميع مضافا إلى الإطلاقات التي يأتي التعرض لبعضها، و المراد بالكافل من وجب عليه حضانته كالأب و الجد و الأم.

و إيكال فهم معنى اللقيط و المنبوذ إلى العرف في كل محل و مكان أولى من تعرض الفقهاء و تكلّفاتهم فيه إذ ليس من الحقيقة الشرعية و لا من الموضوعات المستنبطة بل من المعاني العرفية في القرون القديمة و في زمان البعثة و بعدها و قصة اللّه تعالى من التقاط موسى (2)، و يوسف (3) عليهما السّلام، شاهدة لبعض ما قلناه.

(212) للإجماع و السيرة المستمرة و صيرورته بالأخذ وليا شرعيا على الحضانة و الحفظ.

(213) لأن المناط تحقق الحضانة و الحفظ بأي وجه حصل و يدل عليه إطلاق مورد الإجماع و السيرة.

(214) لصيرورته وليا شرعا بالأخذ كما في تلقيط الحيوان و غيره.

ص: 351


1- راجع الوسائل باب: 19 من أبواب الصدقة.
2- سورة القصص: 8.
3- سورة يوسف: 10.

إلى أن يبلغ (215) فلس لأحد أن ينتزعه من يده و يتصدى حضانته (216) غير من له حق الحضانة شرعا بحق النسب كالأبوين و الأجداد و سائر الأقارب، أو بحق الوصاية كوصي الأب أو الجد إذا وجد أحد هؤلاء فيخرج بذلك عن عنوان اللقيط لوجود الكافل له حينئذ و اللقيط من لا كافل له و كما لهؤلاء حق الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه (217)، كذلك عليهم ذلك (218) فلو امتنعوا أجبروا عليه (219).

مسألة 2: لا يجب تعريف اللقيط على الملتقط

(مسألة 2): لا يجب تعريف اللقيط على الملتقط (220).

مسألة 3: إذا كان للّقيط مال من فراش أو غطاء زائد على مقدار حاجته

(مسألة 3): إذا كان للّقيط مال من فراش أو غطاء زائد على مقدار حاجته أو غير ذلك جاز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم أو وكيله (221)،

______________________________

(215) لانقطاع ولايته بالبلوغ إجماعا.

(216) لفرض تحقق ولاية الملتقط على اللقيط شرعا فلا موضوع لأخذ الغير حينئذ لتحقق الكافل شرعا.

(217) لأن حق الحضانة لهم و كان الأخذ بغير حق واقعا.

(218) لوجوب الحضانة عليهم نصا و إجماعا كما يأتي في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى عند بيان أحكام الأولاد.

(219) كما في كل حق واجب امتنع من عليه الحق عن أدائه و تقدم في موارد كثيرة و يأتي كذلك.

(220) للأصل بعد عدم دليل عليه، مع أن اللقيط على قسمين:

الأول: من ضاع و العادة جارية بأن أولياء اللقيط غالبا يتفحصون عنه حينئذ لا أن الملتقط يتفحص عن ولي اللقيط.

الثاني: المنبوذ و لا أثر للتعريف حينئذ لفرض أنهم نبذوه و رفعوا اليد عنه.

(221) لأن ولاية الحضانة و إن ثبتت للملتقط شرعا و لكن ولايته على ما

ص: 352

و مع تعذرهما جاز له ذلك بنفسه و لا ضمان عليه (222)، و إن لم يكن له مال فإن وجد من ينفق عليه من حاكم بيده بيت المال أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها أو متبرع كان له الاستعانة بهم في إنفاقه أو الإنفاق عليه من ماله (223)، و ليس له حينئذ الرجوع على اللقيط بما أنفقه بعد بلوغه و يساره و إن نوى الرجوع عليه (224)، و إن لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر تعيّن عليه و كان له الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه (225).

______________________________

يتعلق باللقيط غير ثابتة، و مقتضى الأصل عدمها فلا بد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي.

(222) أما جواز الصرف مع عدم الحاكم الشرعي أو وكيله فلأنه من المعروف الذي أذن فيه الشارع و من الأمور الحسبية التي رغب فيها الشرع.

و أما عدم الضمان فلفرض وجود الإذن الشرعي فيه فلا وجه للضمان حينئذ.

نعم، لو تعدى يكون ضامنا فيما تعدى لسقوط أمانته فيه.

(223) لأن كل ذلك من الإحسان المحض المطلوب عقلا و شرعا.

(224) لفرض وجود غيره بالإنفاق التبرعي فلا أثر لقصده بعد إمكان التبرع من غيره.

(225) أما التعين عليه لفرض الانحصار به فيجب عليه الإنفاق لوجوب حضانته عليه.

و أما صحة الرجوع مع قصده فلعدم تحقق التبرع و المجانية بل قصد عنوان المعاوضية فيصح له الرجوع حينئذ لاحترام ماله و لقاعدة السلطنة بعد كون الوجوب لا يقتضي المجانية.

و أما عدم الصحة بدون قصد الرجوع فلتحقق المجانية و التبرع و لكنه

ص: 353

مسألة 4: يشترط في الملتقط البلوغ و العقل و الحرية

(مسألة 4): يشترط في الملتقط البلوغ و العقل و الحرية (226) و كذا الإسلام إن كان اللقيط محكوما بالإسلام (227).

مسألة 5: لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام

(مسألة 5): لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام (228) و كذا لقيط دار

______________________________

مشكل لأن عدم قصد الرجوع أعم من تحقق عنوان التبرع و المجانية كما مر غير مرة.

(226) أما اعتبار الأولين فلإجماع الفريقين مع قصورهما عن الولاية و الحضانة.

و أما الأخير فادعى عليه الإجماع و أنه لا يقدر على شي ء، و في شمول الدليلين لما إذا كان بإذن المولى إشكال و عن الصادق عليه السّلام في خبر أبي خديجة «في المملوك يأخذ اللقطة؟ فقال: و ما للمملوك و اللقطة و المملوك لا يملك من نفسه شيئا فلا يعرض لها المملوك فإنه ينبغي أن يعرّفها سنة في مجمع فإن جاء طالبها دفعها إليه و إلا كانت في ماله، فإن مات كانت ميراثا لولده و لمن ورثه فإن لم يجئ لها طالب كانت في أموالهم هي لهم، فإن جاء طالبها بعد دفعوها اليه» (1)، و لكن ذيله ظاهر في اللقطة المالية إذ لا يجب التعريف في اللقيط على الملتقط كما مر في (مسألة 2).

(227) لأنه نحو ولاية و لا ولاية للكافر على من حكم بإسلامه و لظهور الإجماع من غير المحقق في الشرائع و النافع فيظهر منه التردد و تبعه تلميذه، و معلومية عدم جواز مثل هذه الولاية من مذاق الشرع للكافر على المسلم.

(228) للإجماع و السيرة و ظاهر الحال و هذا هو الإسلام التبعي و الإسلام المباشري هو الإقرار بالشهادتين، و يعتبر فيه البلوغ و العقل فلا موضوع له بالنسبة إلى اللقيط لما مر من اعتبار عدم البلوغ فيه فالإسلام التبعي ورد في المجنون و غير المميّز.

ص: 354


1- الوسائل باب: 20 من أبواب اللقطة الحديث: 1.

الكفر إذا وجد فيها مسلم احتمل تولد اللقيط منه (229)، و إن كان في دار الكفر و لم يكن فيها مسلم أو كان و لم يحتمل كونه منه يحكم بكفره (230)، و فيما كان محكوما بالإسلام لو أعرب عن نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره (231)، لكن لا يجري عليه حكم المرتد الفطري على الأقوى (232).

مسألة 6: اللقيط محكوم بالحرية

(مسألة 6): اللقيط محكوم بالحرية (233) ما لا يعلم خلافه أو أقرّ

______________________________

(229) تغليبا لحكم الإسلام الذي يعلى و لا يعلى عليه (1)، و استقرت على ذلك سيرة الفقهاء فتوى و عملا.

(230) لانتفاء الإسلام النفسي و التبعي عنه حينئذ فلا معنى للحكم بإسلامه و حديث «كل مولود يولد على الفطرة» (2)، على فرض اعتبار سنده لا وجه للأخذ بإطلاق دلالته إذ يحتمل فيه أن المراد يولد على استعداد بفطرته لقبول الإسلام لو عرض عليه ذلك لا أن المراد الإسلام الفعلي و لو لم يكن نفسيا و لا تبعيا.

(231) لأنه لا منشأ حينئذ لإسلامه لا التبعي لخروجه عنه بالبلوغ و اختياره الكفر و لا المباشري لفرض اختياره الكفر فيكفر لا محالة.

(232) بناء على سبق الإسلام المباشري الاستقلالي في تحقق الارتداد و لا يحكم بارتداده لعدم موضوع له حينئذ.

و أما بناء على كفاية سبق الإسلام التبعي فيه فيحكم عليه به و تقدم في كتاب الطهارة، و يأتي في كتاب الحدود ما يناسب المقام.

(233) للأصل و الإجماع و النصوص منها صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن اللقيط؟ فقال: حر لا يباع و لا يوهب» (3)، و عن الصادق عليه السّلام:

ص: 355


1- الوسائل باب: 1 من أبواب موانع الإرث.
2- راجع ج: 1 صفحة: 391.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب اللقطة الحديث: 5.

على نفسه بالرق بعد بلوغه (234) حتى فيما لو التقط من دار الكفر و لم يكن فيها مسلم احتمل تولده منه (235)، غاية الأمر أنه يجوز استرقاقه حينئذ و هذا غير الحكم برقّيته كما لا يخفى (236).

مسألة 7: لو مات اللقيط و لم يظهر له نسب يكون وارثه الإمام عليه السّلام

(مسألة 7): لو مات اللقيط و لم يظهر له نسب يكون وارثه الإمام عليه السّلام (237).

مسألة 8: إذا اشترك اثنان في التقاط اللقيط يترتب على كل منهما ما تقدم من الأحكام

(مسألة 8): إذا اشترك اثنان في التقاط اللقيط يترتب على كل منهما ما تقدم من الأحكام (238).

______________________________

«اللقيط لا يشترى و لا يباع» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر حريز: «المنبوذ حر إن شاء جعل ولاءه للدين ربّوه و إن شاء لغيرهم» (2)

(234) لعدم شمول ما دل على الحرية لصورتي العلم بالخلاف و الإقرار بالرقية إجماعا، و لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (3)، و قول علي عليه السّلام في خبر عبد اللّه بن سنان: «الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية» (4)

(235) لشمول ما دل على حريته لهذه الصورة أيضا.

(236) أما جواز الاسترقاق فلفرض أنه استولى عليه في دار الكفر.

و أما عدم كونه مساوقا للرقية فلكونهما متغايرين موضوعا و حكما و عرفا و عقلا.

(237) لما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في كتاب الإرث من أن الإمام وارث من لا وارث له.

(238) لصدق الموضوع عليهما فيكون الحكم كذلك قهرا كما مر في

ص: 356


1- الوسائل باب: 22 من أبواب اللقطة الحديث: 1.
2- الوسائل باب: 62 من أبواب العتق الحديث: 3.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار ج: 16.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب العتق الحديث: 1

مسألة 9: لا تجب المباشرة في حضانة اللقيط و سائر شؤونه

(مسألة 9): لا تجب المباشرة في حضانة اللقيط و سائر شؤونه و يجوز فيها الاستنابة بل يصح دفعه إلى ما أعدّ لذلك (239).

مسألة 10: لا يترتب حكم اللقيط على طفل أخذ من الدولة أو من غيرها لتربيته

(مسألة 10): لا يترتب حكم اللقيط على طفل أخذ من الدولة أو من غيرها لتربيته (240).

مسألة 11: لو التقط صبي لقيطا يتعلق الحكم بوليّه

(مسألة 11): لو التقط صبي لقيطا يتعلق الحكم بوليّه (241).

______________________________

(مسألة 2) و غيرها.

(239) لإطلاق الأدلة من غير تقييد، و أصالة الوكالة في جواز التوكيل في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل.

(240) لعدم صدق اللقيط عليه.

نعم، لو شرط في الحضانة شروطا صحيحة شرعية لا بد من الوفاء بها لعموم «المؤمنون عند شروطهم» (1)

(241) لعدم التكليف بالنسبة إليه فيقوم وليه مقامه في ما تقدم من الأحكام.

ص: 357


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور الحديث: 4 ج: 15.

خاتمة و فيها مسائل

خاتمة و فيها مسائل الأولى: قد مر اعتبار القصد في تملك اللقطة إن لم يوجد صاحبها بعد تعريفها في تمام السنة و يكفي الإجمالي الارتكازي منه (242).

الثانية: لو ذكر شخص علامات اللقطة و لكن علم الملتقط انها كانت في يده على نحو غير مشروع- من الغصب أو السرقة أو المعاوضات الباطلة- ليس له دفع المال إليه و إن ذكر العلائم المعلومة (243).

الثالثة: إذا تضرر الملتقط بتعريف اللقطة أو يقع به في الحرج و الشدة يسقط التعريف (244)،

______________________________

(242) لأصالة عدم حصول الملكية إلا بذلك و إن كان مقتضى بعض الإطلاقات مثل قوله عليه السّلام: «فهي لك» (1)، و قريب منه غيره عدم اعتباره لكن من جهة الشك في كونه واردا مورد البيان من هذه الجهة يشكل التمسك به، و يدل على ما ذكرنا من كفاية الإجمالي منه بعض الأخبار كما مر (2)، فيكفي الأقل منه.

(243) لقاعدة اليد و عدم الإذن الشرعي في الدفع إليه بعد تحقق هذا العلم فيرجع إلى صاحبه الشرعي أو الحاكم.

(244) لقاعدة نفي الحرج و الضرر.

ص: 358


1- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة الحديث: 2.
2- راجع صفحة: 319.

و يرجع بها إلى الحاكم الشرعي (245).

الرابعة: لو التقط شيئا و عليه علامة معتبرة للوقف لا يجوز له التملك و لو بعد التعريف (246)، و يرجع فيه إلى الحاكم الشرعي (247).

الخامسة: إذا وجد الصبي أو المجنون لقطة ما دون الدرهم ليس لأحد انتزاعها منه (248).

السادسة: لو التقط شيئا و علم أن صاحبه يأتي و يأخذه منه سقط التعريف (249).

السابعة: إذا التقط شيئا و شك في أن المالك أعرض عنه أم لا يجري عليه حكم الالتقاط (250).

الثامنة: لا فرق فيما تقدم من الأحكام في المال الملتقط بين احتمال كونه من مسلم أو غيره، كما لا فرق بين أن تكون في بلاد الإسلام أو

______________________________

(245) لأنه من موارد الحسبة فيرجع إليه.

(246) للأصل و الإجماع.

(247) لأن فيه صور و تفاصيل و هو اعرف بهما.

(248) لتحقق الحق بل الملك له بناء على عدم قصد التملك في اللقطة.

نعم، بناء عليه لا بد من إحرازه و لو إجمالا، و تقدم في كتاب البيع ما يتعلق بتحقق القصد منه تفصيلا فراجع.

(249) لكونه لغوا، و كذا لو علم أن صاحبها يرجع إلى امكنة معينة و أشخاص مخصوصة يأخذها منهم تدفع اللقطة حينئذ إليهم لو حصل الوثوق و الاطمئنان بهم.

(250) لاستصحاب بقاء الملكية ما لم يعلم الخلاف.

ص: 359

غيره (251).

التاسعة: لو تنزلت القيمة للقطة في مدة التعريف لا ضمان على الملتقط (252).

العاشرة: يجوز الاستنابة لالتقاط الأشياء بأجرة أو دونها (253).

الحادية عشر: لو التقط شيئا و علم بصاحبه الذي عليه دين له يجوز أخذه تقاصا إن تحقق شروط التقاص (254).

______________________________

(253) لأصالة احترام المال ما لم يعلم خلافه.

(254) للأصل بعد فرض عدم الإفراط و التفريط منه.

(255) للأصل و الإطلاقات فيترتب على النائب ما تقدم من الأحكام إلا إذا كان في البين شرط.

(256) لما يأتي في كتاب القضاء من الإطلاقات و العمومات فيه الشاملة للمقام.

و الحمد للّه على البدء و الختام تمَّ كتاب اللقطة و ينتهي المجلد الثالث و العشرين به و يبدأ المجلد الرابع و العشرين بكتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى.

17- ربيع الأول- 1405 محمد الموسوي السبزواري

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 360

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.